امــتـــحـــان عــــســـــيــــــــر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • البكري المصطفى
    المصطفى البكري
    • 30-10-2008
    • 859

    امــتـــحـــان عــــســـــيــــــــر

    امـــــتـــــحـــــان عــــــســــــيــــــــر

    في زاو ية البيت المنسي كانت ترقد محفظته البنية عند نهاية كل أسبوع ؛ بينما يتفرغ للعب وتقليد الكبار في أشغال الحقل . ويتذكر أنها محشوة بقلمين ودفتر وكراسة ؛ وأن شكلها استحال إلى (بوفية) لكثرة ما يتأبطها ؛ ويغدو بها ويروح . لكن في هذه الزاوية (رحمة ربي )مطمئنة البال قريرة العين ؛ لا يشغل بالها غيره .عندما يتناهى إلى سمعه أنها قادمة يتصورها امرأة ؛ رأسها في عنان السماء ؛ تجر ذيولا وتمشي بتؤدة كأنها تعبر الصراط . تخترق بنظراتها الحادة كل تفاصيل جسده . يود لو أنه أطلق ساقيه للريح وفر هاربا كي لا تبطش به ..... عندما يصغي إلى جدته وهي تكرر بصوتها الهادئ الرخيم رحمة (ربي جاية ) يلتف في منديله ويستسلم للنوم دون أن ينسى أنها قريبة منه قرب الند للند ... يتذكر أنه شرب في كؤوس زادا وفيرا من الخوف ؛ وابتلعه جرعة جرعة لونت حياته الطفولية بحزن قاتم ....
    في إحدى الليالي راوده إحساس غريب معتقدا أن (رحمة ربي ) استحالت إلى ثعابين كثيرة لكثرة الأحاجي التي سمعها عن تناسخ الأرواح ؛ وبدت له على البساط المطرز بخطوط بارزة كأنها حقيقة ؛ فأطلق صرخة زلزلت أرجاء المكان ؛ انتفضت جدته واحتضنته كالتمامة بين ذراعيها ؛ هالها الأمر ؛ وانتابها حزن عميق ؛ بحثت عن الحيلة والألطاف لكن دون جدوى . فأبصرت دموع الخوف تنسكب على خديه وهو يقول بملء صراخه الطفو لي ".. هي ..هي " وتقول الجدة : " لا لا هذه مجرد خطوط ؛ هون عليك ؛ لا تخف .. كن شجاعا ".
    أخذت بيده النحيفة المرتجفة تسحبها فوق الخطوط كي تزيل ما علق بذهنه من أوهام. أدرك أنها حملها ما لا تطيق فشعرت بالانهيار ؛ وكان عنوان رأفتها منتهى حنانها لتخفيف عذابه .ثم صاح في غمرة البكاء : "هي ..هي ". فضمته إلى صدرها وأجهشت هي أيضا في البكاء . كفكفت دموعها بطرفي منديلها الذي تلفه حول عنقها . بدا وجهها شاحبا وهي تشير بيدها الناعمة إلى السقف قائلة : انظر يا بني ( رحمة ربي ) هناك في الأعلى؛ في السقف .
    نام ليلته بين أحضانها ؛ لكنه علم منذ ذلك الحين أن ( رحمة ربي) مكانها سماوي لذلك لا تؤذيه.



    البوفية : أريكة صغيرة ذات شكل دائري أو مربع .

    جاية : قادمة
    التعديل الأخير تم بواسطة البكري المصطفى; الساعة 24-10-2011, 20:27.
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    البكري المصطفى
    ورحمة الله واسعة
    نص جميل بكل روح الطفولة وخيالاتها ومكنوناتها النفسية الداخلية والأحداث التي أحاطت بها ( لغز )
    ربما كانت غيبة الأم واضحة المعالم عليه
    تركت آثارها على روحه
    غياب الأب أيضا مما ترك في نفسه هذا الخوف الكبير
    والأوهام التي يسمعها منا صغارنا تؤثر عليهم
    خاصة تلك الأفاعي وربما العقارب ونحن نحاول ردعهم عن شيء ما
    ثم هذا الإمتحان الذي ينتظره غدا
    أتصور أنه أثر عليه حتى بات يهذيه خوفا.
    سأحكي لك قصة حقيقية
    مرة نهض ابني من نومه فزعا يركض ويلتفت وراءه ويصرخ ( الأرقام.. الأرقام )
    ركضت خلفه أمسكت به
    كان يلهث وينصب العرق باردا من جبينه
    احتضنته ( مابك ولدي)
    قال بخوف وهو يتلفت حوله ( الأرقام تركض ورائي هاهاهاهاها )
    لم يكن إلا في الصف الأول الإبتدائي وخوفه أن يكون لم يحفظ الأرقام وكتابتها جعل الكوابيس تجثم فوق صدره النحيف.

    ودي ومحبتي لك زميلي

    رياح الخوف


    رياح الخوف الريح تعصف بقوة، تضرب كل ما أمامها، تقتلع بطريقها أشجارا يافعة، لم تضرب جذورها الناعمة بعمق في الأرض، فتطير معها أعشاش العصافير الصغيرة، والحمائم تحوم حول المكان تبحث عن صغارها، وتهدل بهديل مفعم بالوجع والحزن، كأنها تبكيها، وربما تطمئنها أنها مازالت قريبة منها.. لتحميها. أوجع قلبي منظر الأفراخ الصغيرة وأنا أتخيلها
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      نعم أستاذ يا للطفل الصغير وما يتعرض له من هواجس
      أعجبتني قصة الأستاذة عائدة عن طفلها والأرقام, أمّا
      أنا شخصيا لمّا كنت طفلة ومحمومة تتهيّأ لي الملابس
      المعلّقة على المشجب وحوشا مفترسة عملاقة, وألجأ
      إلى تغطية رأسي باللّحاف حتّى لا أراها وأستطيع النوم.
      شكرا لك, تحياااتي.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • البكري المصطفى
        المصطفى البكري
        • 30-10-2008
        • 859

        #4
        الأستاذة الفاضلة والكاتبة المقتدرة عائده محمد نادر؛ تحيتي وتقديري :
        سررت لملاحظتك حول طبيعة النص ؛ ومعانيه التي تصب في اتجاه الكشف عن الآثار السلبية للقصاصات الخيالية المخيفة التي تستحوذ على ذاكرة الأطفال الصغار وتبطش بأحلامهم البريئة ؛ خصوصا عندما تتهاوى بعض ركائز الأسرة ؛ وتبتلع الصغار معركة الحياة ، فيواجهون مصيرهم بأنفسهم ... لحظات يشعرون فيها بالحاجة الماسة إلى من يطرد عنهم هواجس الخوف ؛ وكوابيس الأيام . فان كانت مساعدتهم مستقاة من ظلام الجهل فلا تزيدهم إلا حصاد المعاناة . وهذا خلل واضح ؛ وثغرة من ثغرات المنهج التربوي في وسط الأسر المحرومة من نور العلم .ولعلك أدركت كيف تأخذين بتلابيب الحكمة ؛ والرعاية الصحيحة في هذا المجال ؛ كما ورد في حكايتك مع ابنك الصغير حفظه الله ورعاه .

        حكايات تظل راسخة في الذاكرة ؛ قد تشع مضامينها في الكتابة الأدبية كمادة حكائية زاخرة ، لكنها لا تتجرد من سلبيات قد تطال جوانب مهمة من حياة الإنسان .

        أشكرك مجدد ا على إثارتك هذه الملاحظات.
        التعديل الأخير تم بواسطة البكري المصطفى; الساعة 25-10-2011, 19:52.

        تعليق

        • آسيا رحاحليه
          أديب وكاتب
          • 08-09-2009
          • 7182

          #5
          فعلا.. كانت بعض الأسرتنتهج أسالب تربوية خاطئة حقا ..
          فينشأ الطفل و هو يخاف من " الغولة " و " سلطان القايلة " ..
          و يصوّر له ذهته الصغير حكايات أغرب من الخيال ..
          كما حدث مع بطل القصة هنا .
          استمتعت بالقراءة لك أخي الكريم البكري مصطفى .
          تحيّتي و تقديري.
          يظن الناس بي خيرا و إنّي
          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

          تعليق

          • البكري المصطفى
            المصطفى البكري
            • 30-10-2008
            • 859

            #6
            الأستاذة المحترمة أسيا رحاحليه.
            هناك قولة مشهورة لطه حسين يقول فيا باختصار شديد : (الأدب معاناة) وهو في الواقع ينطلق من تجربته الشخصية ، لكن يصدق قوله على معظم التجارب الأدبية التي تجعل هذه المعاناة موضوعا أدبيا بامتياز ؛ يستأثر باهتمام المتلقي ويتيح إمكانية استمتاعه بحسن صياغته الأدبية . كما قد يثير فضوله ؛ عندما يضع اليد على الوظيفة التوجيهية للنص فيدرك فوائده وأهدافه التي يرمي إليها .
            لقد عَلمتِ كيف تشحن ذاكرة الصغار بالأوهام والمخاوف وحكايات أغرب من الخيال – كما تقولين – وأملنا في تغيير هذا الأسلوب كبير جدا .
            أشكرك على مناقشتك هذا الموضوع .

            تعليق

            • البكري المصطفى
              المصطفى البكري
              • 30-10-2008
              • 859

              #7
              الفاضلة ريما ريماوي ؛ يقال الشيء بالشيء يذكر. لقد نقشت بذاكرتك مشاهد مخيفة في طفولتك ؛وأنت تتذكرين كل تفاصيلها فهي مادتك الأدبية الثرية . قد تستوعب كتابتك السردية أوالشعرية مضامينها.
              تحيتي الخالصة .

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                جميل هذا النص
                اللغة و الموضوع
                و نقل ارتباكات الطفل و فزعه
                و تصوراته
                كانت ربما الجدة مرتبكة إلي حد ما
                تمنيت لو أتي على لسان طفل
                و إن كان الكاتب نجح فى نقل ما يلزم

                ربما هنا فى هذا السطر خطأ مطبعي : أدرك أنها حملها ما لا تطيق فشعرت بالانهيار

                أخي الفاضل شكرا كثيرا على جمال تناولك و محاولة خلق الدهشة


                التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب; الساعة 26-10-2011, 14:13.
                sigpic

                تعليق

                • البكري المصطفى
                  المصطفى البكري
                  • 30-10-2008
                  • 859

                  #9
                  الأخ الفاضل ربيع عودتنا على ملاحظاتك الأدبية الجميلة ؛ وإضاءاتك الدلالية والمعرفية للنصوص السردية ؛وأيضا التنبيه على بعض الأخطاء ؛ وقد حاولتُ تصحيح عبارة " أدرك أنه حملها " من قبل ؛ لكن فاتني ذلك بسبب ضيق الوقت. وقد نَبهْتَ إليه الآن مشكورا . رأيك التقويمي للنص مفيد ومشجع .
                  تحيتي وتقديري.

                  تعليق

                  • حسن لشهب
                    أديب وكاتب
                    • 10-08-2014
                    • 654

                    #10
                    أشكر الصدفة التي جعلتني أقرأ واحدا من أروع النصوص في هذا الملتقى
                    استمتعت بجمال القص وصلابة المبنى
                    تحيتي لهذا الإبداع الجميل

                    تعليق

                    • البكري المصطفى
                      المصطفى البكري
                      • 30-10-2008
                      • 859

                      #11
                      أخي العزيز الأستاذ المحترم حسن لشهب؛ أستقي من ذوقك الفني الجميل وثنائك على النص ؛ طعما أدبيا لذيذا ؛أتمنى أن تعبق قصصي القادمة بطيبها الأدبي. شكرا لك.

                      تعليق

                      يعمل...
                      X