الاستبطان الدلالي عند أبي العلاء المعري
.
اسمحوا لي أيها الأخوة الكرام أن أتناول موضوع (الاستبطان الدلالي) للنصوص، سواء أَكانت النصوص دينية أم غير دينية، شعرية أم نثرية. وأما الغاية فهي شحذ الأذهان، والتفكّر في الوجوه المحتملة للفظٍ أو لجملةٍ أو لنصٍّ معيّن؛ والتنبّه إلى ما وقعَ فيه بعضهم من الوهم نتيجة التسرّع في الحكم أو عدم الغوص في دلالة اللفظ أو النص، فيَظلم القائل، ويُقوِّله بما لم يَقُله أو يقصده (أي: القائل). فما رأي الأخوة كافة ؟ وهل يجب أن يكون فيه الخوض خوض المتخصصين تنظيراً ودراسةً، أو يكون الخوض بما يستسيغه المثقف غير المتخصص في العربية أيضاً، ويستمتع به الزائر، فضلاً عنكم أعضاء المنتدى الموقّر.
.
ويجدر بي ـ قبل البدء بموضوع (الاستبطان الدلالي عند أبي العلاء المعري) أن أُشير إلى تعريف (علم الدلالة) وأهم أنواع المعنى بإيجاز شديد؛ فـ (علم الدلالة) يعني ـ في أبسط تعريفاته ـ (علم المعنى)؛ وأن أهم أنواع المعنى عند الدَّلاليين؛ هي (ينظر: علم الدلالة؛ د. أحمد مختار عمر):
.
1. المعنى الأساسيّ: يسمّى أيضاً (المعجميّ) و(الأوّلي) و(المركزيّ)؛ وهذا المعنى هو العامل الرئيس للاتصال اللغوي، أي التفاهم ونقل الأفكار.
.
2. المعنى الإضافي: يسمّى أيضاً (العَرَضيّ) و(الثانوي) و(التضمني)؛ وهو المعنى الزائد على المعنى الأساسي، وليس له صفة الثبوت والشمول وإنما يتغير بتغير الثقافة أو الزمن أو الخبرة؛ مثل كلمة (يهودي) التي تملك معنى اضافياً هو (الطمع والبخل والمكر والخديعة) إلى جنب المعنى الأساسي وهو الديانة المعروفة.
.
3. المعنى الأسلوبي: هو المعنى الذي يكون متأثراً بمستوى اللغة المستعملة (أدبية، رسمية، عامية، مبتذلة)؛ وكذلك نوع اللغة: (لغة شعرٍ، لغة نثرٍ، لغة قانونٍ، لغة عِلمٍ، لغة إعلان). كقول المصريين مثلاً في (الأب): (داد) في لغة الأرستقراطيين والمتفرنجين. و(الوالد و والدي) في الأدبي الفصيح. و(بابا وبابي) في العامية الراقية، و(أبويا وآبا) في العامية المبتَذَلة.
.
4. المعنى النفسي: هو معنى فردي ذاتيّ، يظهر في كتابات الأدباء وأشعار الشعراء؛ وكذلك نراها في الأحاديث اليومية العادية للأفراد؛ كقولهم للأعمى: (البصير)؛ وللملدوغ بـ (السّليم) ؛ وينطبق على الألفاظ التي تمسّ المشاعر كالألفاظ الدالة على الزواج أو الحمّام أو المرض وغيرها.
.
5. المعنى الإيحائي: هو المعنى الذي يتعلق بكلمات ذات مقدرة خاصة على الإيحاء لشفّافيتها.
.د. وسام البكري
الاستبطان الدلالي:اسمحوا لي أيها الأخوة الكرام أن أتناول موضوع (الاستبطان الدلالي) للنصوص، سواء أَكانت النصوص دينية أم غير دينية، شعرية أم نثرية. وأما الغاية فهي شحذ الأذهان، والتفكّر في الوجوه المحتملة للفظٍ أو لجملةٍ أو لنصٍّ معيّن؛ والتنبّه إلى ما وقعَ فيه بعضهم من الوهم نتيجة التسرّع في الحكم أو عدم الغوص في دلالة اللفظ أو النص، فيَظلم القائل، ويُقوِّله بما لم يَقُله أو يقصده (أي: القائل). فما رأي الأخوة كافة ؟ وهل يجب أن يكون فيه الخوض خوض المتخصصين تنظيراً ودراسةً، أو يكون الخوض بما يستسيغه المثقف غير المتخصص في العربية أيضاً، ويستمتع به الزائر، فضلاً عنكم أعضاء المنتدى الموقّر.
.
ويجدر بي ـ قبل البدء بموضوع (الاستبطان الدلالي عند أبي العلاء المعري) أن أُشير إلى تعريف (علم الدلالة) وأهم أنواع المعنى بإيجاز شديد؛ فـ (علم الدلالة) يعني ـ في أبسط تعريفاته ـ (علم المعنى)؛ وأن أهم أنواع المعنى عند الدَّلاليين؛ هي (ينظر: علم الدلالة؛ د. أحمد مختار عمر):
.
1. المعنى الأساسيّ: يسمّى أيضاً (المعجميّ) و(الأوّلي) و(المركزيّ)؛ وهذا المعنى هو العامل الرئيس للاتصال اللغوي، أي التفاهم ونقل الأفكار.
.
2. المعنى الإضافي: يسمّى أيضاً (العَرَضيّ) و(الثانوي) و(التضمني)؛ وهو المعنى الزائد على المعنى الأساسي، وليس له صفة الثبوت والشمول وإنما يتغير بتغير الثقافة أو الزمن أو الخبرة؛ مثل كلمة (يهودي) التي تملك معنى اضافياً هو (الطمع والبخل والمكر والخديعة) إلى جنب المعنى الأساسي وهو الديانة المعروفة.
.
3. المعنى الأسلوبي: هو المعنى الذي يكون متأثراً بمستوى اللغة المستعملة (أدبية، رسمية، عامية، مبتذلة)؛ وكذلك نوع اللغة: (لغة شعرٍ، لغة نثرٍ، لغة قانونٍ، لغة عِلمٍ، لغة إعلان). كقول المصريين مثلاً في (الأب): (داد) في لغة الأرستقراطيين والمتفرنجين. و(الوالد و والدي) في الأدبي الفصيح. و(بابا وبابي) في العامية الراقية، و(أبويا وآبا) في العامية المبتَذَلة.
.
4. المعنى النفسي: هو معنى فردي ذاتيّ، يظهر في كتابات الأدباء وأشعار الشعراء؛ وكذلك نراها في الأحاديث اليومية العادية للأفراد؛ كقولهم للأعمى: (البصير)؛ وللملدوغ بـ (السّليم) ؛ وينطبق على الألفاظ التي تمسّ المشاعر كالألفاظ الدالة على الزواج أو الحمّام أو المرض وغيرها.
.
5. المعنى الإيحائي: هو المعنى الذي يتعلق بكلمات ذات مقدرة خاصة على الإيحاء لشفّافيتها.
الاستبطان الدلالي عند أبي العلاء المعري:
وفي ما يأتي نَص لأبي العلاء المعرّي يستبطن فيه الدلالات التي لم يعِها المتلقي فَرَدَّ عليه بنفسه:
قال أبو العلاء المعرّي:
.
وفي ما يأتي نَص لأبي العلاء المعرّي يستبطن فيه الدلالات التي لم يعِها المتلقي فَرَدَّ عليه بنفسه:
قال أبو العلاء المعرّي:
.
يا شُهبُ إنَّكِ في السَّماءِ قديمةٌ = وأَشَرْتِ للحكماءِ كلَّ مُشارِ
أَخبَرتِ عن موتٍ يكونُ مُنَجَّماً = أَفَتُخبِرينَ بِحادِثِ الإنشارِ*
أَخبَرتِ عن موتٍ يكونُ مُنَجَّماً = أَفَتُخبِرينَ بِحادِثِ الإنشارِ*
.
وقد أنكرَ قومٌ على أبي العلاء هذا القول، إذ كيف يصف الشُّهبَ بالقِدَم، ولا يوُصَف بهذا الوصف إلا الله عزّ وجل؟! وكيف تُخبِر الشُّهب عن الموتِ وعن حادث النُّشور؟! فهو عندهم مُلحِد، كافر ينطقُ بالأباطيل.
.
إنَّ معنى (القِدَم) في البيت الأول ليس من مصطلحات المتكلمين بمعنى أنَّ الشُّهب وُجِدت مع وجود الله حتى يُؤاخذ عليه، فيكون كافراً، بل هو بمعنى (قديم) كقول العرب: (هذا أقدم من ذاك) وإن كان قبله بيوم فما زاد، وهو كقول مجنون ليلى:
.
وقد أنكرَ قومٌ على أبي العلاء هذا القول، إذ كيف يصف الشُّهبَ بالقِدَم، ولا يوُصَف بهذا الوصف إلا الله عزّ وجل؟! وكيف تُخبِر الشُّهب عن الموتِ وعن حادث النُّشور؟! فهو عندهم مُلحِد، كافر ينطقُ بالأباطيل.
.
إنَّ معنى (القِدَم) في البيت الأول ليس من مصطلحات المتكلمين بمعنى أنَّ الشُّهب وُجِدت مع وجود الله حتى يُؤاخذ عليه، فيكون كافراً، بل هو بمعنى (قديم) كقول العرب: (هذا أقدم من ذاك) وإن كان قبله بيوم فما زاد، وهو كقول مجنون ليلى:
.
أَلا إنَّ حُبّي آلَ ليلى قُدَيِّمٌ = = وأَفضَلُ أهواءِ الرِّجالِ قديمُها
.
والمراد أنَّ الهوى في أوّل العمر يكون أفضل منه في آخره.
.
وأما قوله: (فأَشَرْتِ للحُكماء كلَّ مُشارِ) فمعناه أََنَّ الشُّهب دلَّلَت على الخالق سبحانه وممَّن استدلَّ بها إبراهيم (ع)، وفي الكتاب العزيز ((وكذلك نُري إبراهيم مَلَكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين. فلما جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال: هذا ربّي، فلما أفل قال: لا أُحِبُّ الآفلين.)) سورة الأنعام 75-76.
وأما البيت الثاني فيخرج على معنى العكس والاستهزاء؛ وشائع أن يقال للرجل إذا كذب: (إنَّك لَصادق اللهجة) أي بالعكس من ذلك. وبعض المتخاصمين إذا قيل له: (يا حرّ) أو (يا عفيف) اشتدّ من ذلك غيظه وغضبه لأنه يعلم بِهُزء القائل. فالبيت إنكار على الشُّهب أن تقدر على ذلك؛ وعلى المنجّم أن يدّعي ذلك كما ادّعاه في الحياة الدنيا.
.
================
.
* أي: النّشور.
والمراد أنَّ الهوى في أوّل العمر يكون أفضل منه في آخره.
.
وأما قوله: (فأَشَرْتِ للحُكماء كلَّ مُشارِ) فمعناه أََنَّ الشُّهب دلَّلَت على الخالق سبحانه وممَّن استدلَّ بها إبراهيم (ع)، وفي الكتاب العزيز ((وكذلك نُري إبراهيم مَلَكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين. فلما جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال: هذا ربّي، فلما أفل قال: لا أُحِبُّ الآفلين.)) سورة الأنعام 75-76.
وأما البيت الثاني فيخرج على معنى العكس والاستهزاء؛ وشائع أن يقال للرجل إذا كذب: (إنَّك لَصادق اللهجة) أي بالعكس من ذلك. وبعض المتخاصمين إذا قيل له: (يا حرّ) أو (يا عفيف) اشتدّ من ذلك غيظه وغضبه لأنه يعلم بِهُزء القائل. فالبيت إنكار على الشُّهب أن تقدر على ذلك؛ وعلى المنجّم أن يدّعي ذلك كما ادّعاه في الحياة الدنيا.
.
================
.
* أي: النّشور.
تعليق