الحب في سم الخياط

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الرحمن محمد الخضر
    أديب وكاتب
    • 25-10-2011
    • 260

    الحب في سم الخياط

    الصدر مطلق ...... كيف جاءا هكذا نهداها وتمردا عليه
    عيناه أبدا في صدرها . حتى لورأته فلن ترى عينيه . عيناه ونهداها هناك على صدرها . لو حكت صدرها للقيت نهداها وعينيه
    ( هات مثالا من مشاهداتك اليومية على حركة القلب حين يضخ الدم ) . سأل المدرس التلاميذ . رفع حمد يده وأجاب :( كحركة النهدين في صدر المرأة حين تسير) بحلق الزملاء في وجهه , وحدها فاطمة نظرت فوق طاولتها , أحس المدرس بالحرج أن يدخل في التفاصيل
    هنا يكمن دائما , وهنا يتربص دائما , هاهي قادمة , قلبه هنا في جوف صدره ونهداها هناك على صدرها , حركة القلب هنا وهو يضخ الدم وتلكما النهدان هناك على صدرها وهي تسير ,ليسا كالقلب تماما , يفتح كف يمينه على اليسار من صدره فوق قلبه : القلب هنا ينبض مرة . يفرد سبابته اليسرى يشيربها إليها : وهما هناك ينبضان غير مرة .. القلب هنا ينبض وحده وهما هناك اثنان ينبضان .. القلب هنا مخبوء في جوف الصدر وهما هناك يبارزان فوق صدر الصدر
    عيناه هناك على صدرها , يقترب منها , سيوحي لها بأنه لايراها ,






    في كل مرة يكمن في الطريق , ليراقب نهديها على صدرها وهي تسير, لن يكمن هذه المرة , سيتقدم . كان عليه دائما أن يغرزفي يقينها أنه لاغرض له , وأنه عابر سبيل مثلما هي عابرة سبيل , ولاشيئ في الأمر سوى هذا, والجميع يمرون من هنا وليست وحدها , ويسيرون على الطريق 0 هذه المرة سيتقدم نحوها هي , وحدها هي , وعيناه الآن على صدرها , لكنه بعيد , عيناه على صدرها هناك دونه هنا , كالتلسكوب على الأرض وهو يشاهد السماء , ماذا لوأنه يهبط على السماء . هاهو يحوم , يقترب , يدنو , ستلاحظه , وستفرمنه , وستفسد عليه قشعريرته , هولا يريد أي عارض يفسد عليه قشعريرته , ليس إلا أن ينزلق , ينزلق نحوها , هو من ينزلق , لكنه يخشى أن يفقد توازنه حقا , فينزلق بعيدا عنها , أو يصطدم بها فيؤذيها , مايريده هوان يكون قريبا من إيقاعات نهديها , أن يشاهدهما من أقرب نقطة ممكنة , لكنه لن يستطيع التقدم إليها بعد الآن , انه قريب كأنه معها , لكنه يريد أن يهبط , لن يستطيع غير إذا انزلق , سينزلق , سيصوب جسده إليها بدقة , ستكون عيناه فوق نهديها بدقة , ليس بينه وبينها غير نهديها وعينيه , لن يدع أي مسافة بينهما فارغة غيرما تسبق اللمس , سينزلق من حيث هو الآن إلى حيث هي الآن , سينزلق الآن , هاهو ينزلق .
    نظرت إليه أسفل منها يضع يديه فوق التراب حتى لايقع جسده على الأرض , حين كانت هي تنط عن يديه اللتين كادتا أن تلمسا صدرها , لاحظت وبشكل قاطع أنها أحست بعينيه تنفلقان عن صدرها , وتظن وترجح ظنها حد التأكيد أن ريح أصابع كفيه لفحت حلمتي نهديها , ولقد قال شيئا , لكن تلك الألفاظ المقتضبة والتي أخرجها كانت أحرفها مبعثرة , كل تلك الأحرف التي لفظها اختلطت , لكنها سمعت كل تلك الأحرف حتى وان كانت في غير موضعها . سمعت الأحرف في اللحظة تلك التي سيتعثر فيها , وتلك وهو ينزلق , وتلك قبل , وأثناء , وبعد أذنيها في مراحل انزلاقه 0
    هاهي تجمع و تجرب كل حرف مع كل حرف لتصل إلى المعنى في احتمالات لاتنتهي . لم تكن هناك غير تقنية وحيدة ستتمكن من انجاز ا لمهمة : انه قلبها . لقد قال شيئا ذلف عميقا في روحها
    كانت قبل هذه تشاهده على جانبيها ليس قريبا بأي مقارنة كهذه المرة , ولا يقول شيئا , وحتى وان لمحته ينظر إلى صدرها فإنها لن تؤكد حقيقة ذلك حين تنظر إلى عينيه فترى عينيه بين قدميه أو أمامه على الطريق وليستا في كل الأحوال على صدرها . في هذه المرة لاحظت وبشكل قاطع أنها أحست بعينيه تنفلقان عن صدرها , وتظن وترجح ظنها حد التأكيد أن ريح أصابع كفيه لفحت حلمتي نهديها
    أحست بلحمتين في صدرها تنفلقان : عند هذا النهد ( تلمسه ) , وعند هذا النهد ( تلمسه ) ,
    وبريح أصابع كفيه تلفح حلمتي نهديها ( تقبض على كل حلمة بالسبابة والإبهام )
    شعرت بخوف في نهديها إلى درجة الهلع , هي ليست بخائفة في غير نهديها ولاهي بمقدامة , وضعت كفيها مفتوحتين فوق نهديها وراحت تضم ثم تضم ثم تضم وأطلقت تنهيدة عميقة
    وهاهو يستعيد الزمن الذي انزلق فيه إلى نهديها , المكان الأقرب الأدنى الأرقى من كل الأمكنة حتى كاد أن يلذع حلمتيها :-
    - 5 مليمترات يصعدان فوق الصفر إلى الأعلى , ويعودان 5 مليمترات يهبطان تحت الصفر إلى الأسفل
    - 5 مليمترات يذهبان يمنة بعد الصفر , ويعودان 5 مليمترات يتراجعان يسرة خلف الصفر
    - 5 مليمترات يكران بعد الصفر إلى الأمام , ويعودان 5 مليمترات يفران عن الصفر إلى الوراء
    - قدماها تقرعان الأرض لتوليد طاقة التدفق في نهديها
    - التد فق : مساحة متحركة غير مستقرة بذات القياس ذهابا وإيابا على إحداثيتين متعامدين يلتقيان عند مركز الصفر كخطين للأعداد متقابلين
    - يذهب النهد 5 مليمترات موجبة على خط الأعداد فوق صدرها ويعود ليتراجع 5 مليمترات سالبة
    - حركة نهدها ترسم ليس دائرة نهد واحد بنصف قطر مقداره 5 مليمترات تدور على مثلثات التقاطع العمودي الأربعة لخطي الأعداد على صدرها , بل إن حركة نهدها الرأسية : إلى الأعلى والى الأسفل والأفقية : إلى اليمين والى اليسار ترسمان دوائر نهود أربعة بنصف قطر مقداره 5 مليمترات داخل كل مثلث من مثلثات التقاطع الأربعة لخطي ا لأعداد المتعامدين على صدرها , بينما ترسم حركة نهدها الأفقية المرافقة : إلى الأمام والى الخلف الحلمات الأربع كمراكز لدوائر الأنهد , فترى النهد الواحد حين يتدفق أربعة أنهد , والحلمة الواحدة حلمات أربع فوق أربعة أنهد
    كان أحمد يرسم , ويصر أن نتيجته هذه افتراضية , وكل شيئ هناك على صدر فاطمة يمكن اختباره , وقد قرر ذلك فعلا : سيتحدث إليها , هي امرأة , وهو رجل , وكلاهما إنسان , سيطلب ذلك منها , سيثبت لها أنهما لابد أن يكونا معا ومنفردين دون احد , فالقياسات حساسة , ودقيقة , وغير مسبوقة , وابتكاريه , بما يعنيه من وضوح تام غيرنا قص لنهديها , ومن ضبط دقيق للقياس من ذات نسيج ولحم ودم وعصب النهدين
    أحس بملمس نهديها في صدره , صار صدره بحساسية مقياس جهاز الترمومتر, لن تصل القشعريرة الآن في صدره إلى قياس محدد , حول صدره : كالخريف , والربيع , والشتاء , والصيف . كلها معا , لم يكن هناك الفصل المستقر الواحد , كل الفصول هنا , وكل الفصول غير مرتبة , وغير متسلسلة , حوله مناخ ليس كمناخ , وطقس ليس كطقس , كل شيئ في طريقه إلى ابتكار , سينفذ كل شيئ الآن . هنا سيكمن: لا لن يكمن, هنا سيتربص , لا بل سيتربص شوقا في نهديها , سيكون أقرب إلى نهديها من أي وقت مضى , من أي مكان مضى ... .. منذ 40 عاما هبط الأمريكي أرمسترنغ على سطح القمر, وتمشى هناك , كم سينتظر هو ليهبط على صدرها ويتمشى على نهديها . وحين رآها تأتي كأن أحدا خفيا يمحوها بممحاة من يده الخفية , لقد انمحت فاطمة. عيناه تحلقان في فضاء خاو , كانت السماء تأتي حين هي تأتي , وتشع الكواكب والنجوم المجرات , وتدور في مداراتها . عيناه تحلقان في فضاء خاو, لم تأت فاطمة , أدرك بأنه لا يستند على شيئ , لاوزن له , والأرض تهوي من تحت قدميه, ووحده يدور في الفضاء حتى لا يتناثر ويصير عدما كونيا . أغمض عينيه حتي لا يرى الظلمة الكونية , وبدأ يفيق وحده على السرير, ولا شيئ غير ظلمة الليل تحيط به 0
    كان أحمد زميلا لفاطمة في الصف الثالث من المر حلة المتوسطة في القرية والتي لاتتوفربها مدرسة مستقلة للبنات , وكانت فاطمة يتيمة الأبوين , سوى أن أختها الأكبر منها بسبع سنوات أدخلتها المدرسة المتوسطة الوحيدة في القرية , لتواصل تعليمها وحيدة دون البنات اللائي ماكان إباؤهن ليرضوا باختلاطهن مع البنين , وماكان بمقدور أحمد أن يلتقي فاطمة في مكان ما , داخل المدرسة أو بعيدا عن المدرسة , بسبب من الثقافة التي تختزل المرأة في مسمى العار الذي سيتدنس في اقرب فرصة تحين له , ولأن القرية صغيرة لاتتوفرعلى فرص لالتقاط لقاء طبيعي يفترض زمنا بعيدا عن أعين الآخرين , فقد كان احمد يتحين الفرص ما أمكن بين بيتها وبيت جارتها , فالطريق بين بيتها والمدرسة مشغول بالزملاء , وكان عليها ألا تتحدث إلى زميل آو أحد سوى أهلها إلا في وجود أختها وأخيها الصغير, وهما جموع أهلها , واللذين لا يكونان إلى جانبها إلا حين تكون داخل المنزل , وكانت فاطمة تستجيب ابد لمشاعراختها , وتدرك مقدار الحب الذي تكنه أختها لها , والجهد الذي لا تتوانى عن بذله في سبيلها , حتى لأنها تسربت من دراستها إلى الأبد , رغم حبها ورغبتها في التعليم , لتتفرغ لها ولأخيهما الصغير, وهوما دفعها إلى المثابرة في دراستها , ولم يكن احد ليتفوق عليها سوى تنافسها هي واحمد , وكانت تتمنى في شعور حثيث أن تتفوق عليه في أي لحظة , ودائما ما تشعرانها في سباق معه , الأمر الذي خلق في وجهه الآخر استدعاءا دائما لكل منهما للتفكير في الآخر , ليس بمعنى محدد , وإنما هو استدعاء لابد أن يستجيب إليه الواحد منهما وهولا يدري ماوراء الأكمة
    كانت تشعر به وهي الأنثى الوحيدة من بين زملائها منفردا متفردا , ليس لأنه ذكي , فلم يكن ذكاؤه ليمثل غير نسبة مضافة في أي استدعاء لمشاعرها نحوه
    كان أحمد يتربص خارج المدرسة ليشاهدها بين بيتها وبيت جارتها وهي تسير, ويحاول الاقتراب منها مشدوها وهائما بحركتي نهديها اللذين لايقر لهما قرار, وتلك النقلة حين السكون في صدرها ساكنة فوق مقعدها في الفصل الدراسي يراه منذ اللحظة حين تنقل النقلة الأولي من جسدها على إحدى قدميها وقد دبت فيه الحياة كأعذب حياة يتخيلها يمكنه القبض عليها
    وحتى وأنه لم يتحدث إليها فإنه ظل يشعر أن هناك أكبر من شعرة تربط بينه وبينها, وأن هذه الشعرة قد فتلت وقويت حتى أنها لم تعد في حقيقة الأمر شعرة , بل صارت شيئا آخر غير الشعرة , أسمك واقوي وامتن ويمكن الوثوق إليه
    في هذه الإثناء , وقد تأكد لديه أنها اقرب إليه من أي وقت مضى , دنا منها , حتى كاد أن ينزلق بين يديها , وتمكن أن يقول شيئا قريبا من أذنيها , وتمكنت هي من سماعه , أحست انه اقرب منها إليها , كانت كلماته هذه استدعاءا مهيمنا على استدعاء المنافسة , ذلف عميقا في روحها , صار أقرب إليها من أي كائن بشري آخر, أحست بقوة هذا الشعور وأنه مسيطر عليها , لم تكن ترغب في المقاومة , ولم تطلب تفسيرا , لان هذا الحضور الطاغي لأحمد , ليس من بين زملائها فحسب , حتى أنها لم تسال هل صار أقرب إليها من أختها وأخيها , لأنها وهي تدرك ذلك في عذوبة فارقة وحبور سحيق , تشعر أنها تحب أختها وأخيها الآن كما لم تحبهما في أي وقت مضى , وأنها وقبل أي زمن قادم يجب أن تحافظ عليه الآن , لتقول له في الفرصة التالية : ( لن تراني هنا مرة أخرى ) وكأنها حشدت فيه في لحظة واحدة كآبة من أقصى الكون إلى أقصى الكون , وكأن أحدا يقبض علي عنقه أبدا , وكأن كائنا خرافيا سحب كل الهواء من كل الكون بشهقة واحدة , ( انأ سأ تدبر المكان ) أضافت وكأنها خلقته مرة أخرى
    صارا يلتقيان عند أختها , لا يلتقيان معا منفردين , ودائما سيكون أخوها الصغير ملازما لهما متى اضطرت أختها للانفراد بنفسها لأي غرض لبضع دقائق , ولا يستطيع هوان ينتزعها وحدها , في ذات الوقت الذي ظلت أختها ترمى على التأكيد في شعورها أن المدرسة خير لها من أي شيئ آخر, فكل شيئ في المدرسة ,ولاشيئ في غير المدرسة , والإثبات واضح وجلي وناصع وحاسم في وجود هذا الكل شيئ والذي هو أحمد
    ( أريدك وحدك ) . بدا احمد سيقول لها وسيتراجع , كان قلبه يركض في جسده , ليتراجع غير مرة , ليعود سيقول لها غير مرة , وليتجرأ و يقول لها أخيرا : ( أريدك ) ولم يزد عليها ( وحدك ) . وكاد أن يتراجع إلى الأبد , بل أن يسحب ما قاله , إلا انه دحرج : ( وحدك ) ولم يستطع اللحاق بها , ثم هوت وراح يراقب كل شيئ من فاطمة , هل تجاوز حده ؟ هل تطاول عليها؟ هل ارتكب إثما ؟ هل ستصرخ في وجهه وتهيل عليه الناس وأختها وأخيها ؟ لم يلتفت إلى الجانب الآخر : هل ستبادله الشعور والرغبة ؟ هل ستقول نعم ؟ راح يراقب كل شيئ ولا يستطيع فعل شيئ , كأن قلبه شيئ ثمين قابل للكسر سقط من بين يديه فجأة على أرض صلبة . هل سيتحطم ؟ كل شيئ سيتحقق الآن ليس لأكثر من ثانية خلال تفاصيل انفعالاتها الدقيقة على وجهها
    - أنا معك
    - لست وحدك هاهو يعود , ألا ترينه ؟ أنت فاطمة يا فاطمة, لكن الذي معي : فاطمة وأختها وأخيها , وفاطمة وأختها , و فاطمة وأخيها . أريدك فاطمة لا أكبر ولا أصغر,لا أكثر ولا أقل .
    عندما تكون أختها منفردة لنفسها , أو أنهما يسرقان منها زمنا لهما وحدهما, مكانا لهما وحدهما ,بعيدا عنها , سيكون أخوها الصغير تلميذ الخامسة ابتدائي ملتصقا بهما , أينما وحيثما كانا , وحين يريدان تغييبه للاختلاء دونه , فإنهما يرسلانه لشراء شيئي ما : قنينة ماء . شريحة لبان. قطعة بسكويت , لكنه سيعود كأن لم يذهب , ولعل أختها احتاطت للأمر فهي لن تمنع الصغير أن يلبي طلبهما , وستنبهه أن يعود سريعا , وألا يذهب إلى مكان بعيد يرسلانه إليه , وفي كل الأحوال فالقرية صغيرة , وليس في القرية من مكان بعيد , وستشاركهما في الاستذكار بما تبقى لها من معلومات حفظتها خلال دراستها حتى الثانية متوسط قبل أن تتفرغ لأختها وأخيها بعد أن توفي أبوهم ولحق بأمهم , كانت تتداول معهما حول خط الأعداد, والدائرة, والدورة الدموية, وهل الأرض تدور أم لا؟ و القمر: هل مضيء أم معتم ؟ وتلاحظ أنهما يتحدثان غالبا عن خط الأعداد والمثلثات والدوائر حين تعود إليهما بعد أن تكون قد اختلت بعيدا عنهما ويكون أخوها الصغير ملازما لهما
    وفي إحدى المرات حين لاحظت وهي قادمة نحوهما أن أخاها الصغير ليس معهما , ظنت أنها سمعت وقبل أن يتوقفا وهما في حالة من الإرباك عن الحديث حين شاهداها قادمة لفظة مثل (النهدين ) أو مثل (القمر) , أو أنهما (النهدان والقمر) , ولم تتمكن من التأكيد على أن ما سمعته هو ذاته ما تظن أنها سمعته , وكان عليها أن تفهم المعنى وفق تقديراتها هي وتتعامل معه بحذق , وكانت قد نبهت أخاها في الماضي ألا يتأخر عنهما , وان يعود إليهما سريعا , لتكتشف الآن أنها لابد أن تضيف : ( ولا تذهب إلى مكان بعيد يرسلانك إليه ) ولم تزد. فأختها حبيبة إليها , وأختها تود أحمد , وأحمد وفاطمة مازالا طفلين, وأحمد تلميذ ذكي , وهو صغير , ولا ضير من العطف عليه , وفي كل الأحوال فليس هناك شيئ قد تحدد بعينه .
    كان أحمد يعلم هو وفاطمة انه لا فرصة أمامها للالتقاء منفردين , وأختها وأخيها ليسا رسمين يمكن إزالتهما بالممحاة , وليس من مكان غير بيتها يمكنهما التواجد فيه معا غير المدرسة وبيت الجيران , وخلال النهار فقط , وكلا المكانين مشغول بالكائنات البشرية , وأختها وأخيها لا يغيبان عن البيت , وان غابا فستغيب هي معهما ..
    في الليل حين ينامان : أختها وأخاها , سيضطران في أيام البرد, في الشتاء, في يناير, إلى النوم في داخل الكوخ , وستنام هي في العراء داخل السياج جانب الكوخ, وسيكون جفناها مغمضين ولا تنام , وتمديدها على عينيها ولا تنام , وفي الساعة حين ينام الناس كل الناس يأتي هو إلى بيتهم , وسيكون باب البيت مغلقا , لكنها ستكون هي قد فتحت المغلاق الداخلي للباب متى تأكد لها أن كل شيئ على مايرام , فيدفع الباب إلى الداخل , ويدخل إن لقيه مفتوحا , ويعيد إغلاقه من الداخل , فتراه هي فتنهض وتتقدم نحوه , ويلتقيان داخل السياج في موقع يكون مقابلا لباب الكوخ يراقبان أختها وآخيها اللذين ينامان في الداخل
    ولأنهما لن يأخذا السراج معهما ليتمكن هو بالذات من المشاهدة , وحتى وان أشعلا عود ثقاب فوق نهديها فان أختها وأخيها سيريان شعلة السراج أو شعلة عود الثقاب وسيشاهدانهما , فلن يشعلا أي ضوء فوق صدرها , وسيكون ضوء القمر , والقمر في السماء , وهما لا يحملانه , ولا ولن يشعلانه , فإذا نظر أحد إلى القمر, فسينظر إليه في السماء , وهما ليسا هناك
    ولان القياسات حساسة , ودقيقة , وغير مسبوقة , وابتكاريه , بما يعنيه من وضوح تام غير ناقص لنهديها , ومن ضبط دقيق للقياس من ذات نسيج ولحم ودم عصب النهدين , فانسب ليلة ستكون الليلة الوسيطة من الشهر, فان لم يتسن فالليلة قبلها , أو الليلة بعدها

    السماء الليلة مقمرة. لازوردية. صافية. بهية. تحتوي الدنيا كلها وتضعها بين يديهما ...
    أرسلا أعينهما نحو باب الكوخ, السراج في داخل الكوخ مطفأ, وضوء القمر الباهر يحتد على باب الكوخ يحشر الظلام كثيفا في الداخل, وأختها وأخوها يذوبان في الظلام
    أحسا بالأمان . كل الأمان . مطلق الأمان . فالقمر لهما وحدهما هنا تحت السماء , وليس من قمرفي داخل الكوخ , وحدهما يريان , ومن بالداخل لايرى غير الظلام
    أحست بخوف في نهديها شهي, عذب, ساحر. كانت تقف أمامه , بحلق فيهما , وراح يفحصهما : لاصلب ولا سائل ولا غاز . شهق , وضع وجهه بين نهديها وانخطف
    أحست فاطمة خلفها بملمس كف ثالث أليف فوق ظهرها
    ليس من زمن متاح لتستدير فيه نحو أختها
    كل شيئ من مثقال ذرة حتى الطوفان كان يحدث الآن


  • محمد الصاوى السيد حسين
    أديب وكاتب
    • 25-09-2008
    • 2803

    #2
    - يمكن القول من حيث الفكرة أننا أمام فكرة سردية ذكية تقوم على الحس الإنسانى للطفولة ودهشتها ، تلك الدهشة حين تبدأ فى الولوج إلى الفتوة والشبيبة ، حيث ترسم لنا لنا الفكرة هنا كيف يستحيل الشعور بهذى الفتوة لدى أحمد إلى شعور ملتبس من الدهشة والفرح يملك عليه كيانه كله فتستحيل فاطمة فلكا يدور فيه وعيه وتفكيره كله

    - نحن هنا أمام الفكرة السردية التى تقبض على هذا الخيط وتلك اللحظة النفسية المضطربة الملتبسة ثم إن الفكرة تجيد عرض حالة الالتباس والاضطراب اللذين يعتملان فى وجدان هذى الصبى وتلك الصبية وهما يدرجان إلى مرحلة أعلى من النضج ،

    - فلا يمكن إزاء هذا الاضطراب واختلاط المشاعر أن نعتبر أننا أمام علاقة حب حقيقية بل نحن أمام هذى الحالة الملتبسة من اكتشاف الآخر وتأمل تفاصيل اختلافه ومحاولة استخدام المعارف الشحيحة المدرسية فى ذلك السن الصغير للوصول لوعى حول هذا الآخر

    - والحقيقة أن أحمد الذى يبدو لنا راصدا لأنوثة فاطمة خاصة فى مفتتح النص يقدم لنا تفصيلة هامة فى الفكرة وهى ذكورية المجتمع الذى ربما يغفر لذلك الصبى هذى الحالة من التعلق بالأنثى بل وربما اعتبر هذا دليلا على فحولة ورجولة مبكرة

    - بينما نرى فاطمة فى مقابلة هذا النهم الجلى الصريح الذى يمارسه البطل نراها محاطة بحالة من الخجل والقلق من نظرة الآخرين لها بل ونظرتهم لنظرة ذلك الصبى لها مما يدفعها للاستسلام له واستقباله فى البيت للاستذكار فى الظاهر بينما فى الباطن هناك حالة من الرغبة فى الاكتشاف والتلاقى حتى يقع ما يقع فى نهاية النص حين تفاجىء الأخت هذين الصبيين الشقيين فى لحظة فارقة حاسمة تحمل إيحاء جليا بسلطة المجتمع وقدرته على أن يقف سدا مانعا أمام هذى الأحاسيس الصغيرة حين تتجاوز حدودها التى يرسمها لها


    - والحقيقة أن هذى النقطة هى النقطة السالبة فى الفكرة حيث لا نشعر بتعاطف حقيقى مع البطلين بل نشعر أن هذى المفاجأة وهذا المنع والعقاب الذى سيحدث هو الجزاء الوفاق لهذين البطلين

    - لكن ما الذى يجرح حالة التعاطف تلك ؟ وبالتالى يقف أمام قدرة الفكرة على أن تؤثر تأثيرها الوجدانى تجاه الانحياز لبراءة الطفلين ولرغبتهما العذبة فى الاكتشاف والمغامرة

    - الحقيقة أننا نتلقى فى مفتتح النص تركيزا كثيفا يوغل فى جنسية النظرة التى يرى بها البطل الصغير فاطمة فيستحيل أحمد مجرد ذكر آخر غير قادر على أن يتجاوز نظرة الذكورة الضيقة التى لا ترى فى الأنثى إلا جسدا ولحما شهيا ، لذا نحن من البداية مع الفكرة التى تنعطف تجاه اللذة والاكتشاف بغرض المتعة والقنص دون أن تكون العاطفة حاضرة حضورها الجلى الذى يضفى حالة من الإنسانية والعذوبة على تلك المشاعر العاصفة من الرغبة فى الآخر


    - أى أننا أمام البطل الصياد ولسنا أمام العاشق الحالم الذى يهوى ويحب ، بل إن خجله الذى نتلقاه نتلقاه كخجل قانص فاجأته فريسته الصغيرة فاستحى لكشف حيلته ليس إلا

    - أى أن الفكرة فى رأيى كان عليها أن تكون منذ البداية منحازة لحالة العشق فتضفر رغبة الصبيين الدارجين إلى الشبيبة فى ضفيرة من الوله والعشق والمحبة البرئية التى لا يضغط فيها التخيل الجنسى بهذى الصورة التى تجترح كثيرا من براءة الصغيرين وتنتقص من لابراح الإنسانى الذى يمنحه شعور الحب لهذى الرغبة التى يكابدها بطلى النص الصغيرين

    - هذا فيما يخص الفكرة وربما من حيث الحبكة لى ملاحظة صغيرة هى كيف أن فاطمة تلك الصغيرة لا يتسع لها الكوخ لتنام فيه ولو لائذة بأختها وأخيها وكيف تسمح لها أختها بالنوم فى العراء وهى التى ضحت بمستقبلها لأجلها فكيف بعد هذا تتركها للعراء

    - فى الحقيقة يبدو لى السرد هنا محتاجا لحبكة أكثر إقناعا للمتلقى حتى تكون مشهدية لقاء الصبيين اكثر انسجاما مع سياق السرد العام للنص

    2- ربما من حيث البنية اللغوية لى هذى الملاحظة
    - حكت صدرها للقيت نهداها وعينيه ) الصواب نهديها
    - تشعر أنها تحب أختها وأخيها ) الصواب وأخاها
    - وكلا المكانين مشغول بالكائنات البشرية , وأختها وأخيها لا يغيبان عن البيت ) الصواب أخوها
    - في الليل حين ينامان : أختها وأخاها ) الصواب أخوها

    تعليق

    • عبد الرحمن محمد الخضر
      أديب وكاتب
      • 25-10-2011
      • 260

      #3
      أستاذي الفاضل
      كم أنا سعيد بملاحظاتك ونقدك الملتحم بالنص وكأني أقرؤه أناخالقة من خالق آخريقول لي أنا أحق به منك .. هذا هوالنقد الذي يأتي بك إليه لتكتشف أنك كنت ستقول وتفعل هكذا أوأنك ستضيف هكذا .... كأنك كنت تكتب معي .... هذا هوشعوري أستاذي الكريم وأنا أقرأ تعقيبك الرائق
      بخصص الأخطاء اللغوية هكذا نحتاج دائما حتى ونحن نتقنها أن يراجعها لنا أحد لنكتشف أننا أخطأنا في مالم نكن لنخطئ فيه ... هل هذا لأننا لانتكلم الفصحى في حياتنا اليومية العادية ؟
      فحولة الطفل : كم كنت أود أنني إله العشق وأنا أصيغ هذا النص لكن كان لابد أن تفرض علي تلك المساحة - سم الخياط - تلك البيئة التي صارت دينا مهيمنا على الدين وهوماسينعكس على الطفل الذي ستكون تعبيراته انعكاسا باطنيا لهذا الحصارحتي على المستكشف الطفل الذي لايجد حتى مساحته على قدربراءته .. إنه تشوه علاقاتنا من مصطنعات لاتمس الروح وتنهل دائما من عمومية التحريم
      الحقيقة أنني لم أكتب بمثل هذا الترصد الذي ستلقاه في حديثي هذا بل أخذتني تلك البيئة المقولبة أبدا معها لنرصد هي وأنا ذاك العشق الطفولي من منظورفحولتنا ... سأعترف لك بهذا
      النهاية : بالقدرالتي كانت تودهما أختها بالقدرذاته الذي تتمثل فيه عادات وتقاليد المجتمع وطقوس الدين المجتمعي
      أرجوأن تتابع لي : نصف الانسان السائل ومابعده وهي ثلاثة نصوص إلى الآن .... سعيد أنا بك جزيل تقديري

      تعليق

      يعمل...
      X