كنتُ قد كتبتُ رسالةً أهديتها إلى روح خالتي الحبيبة , بثثتُ فيها لدفاتري و أقلامي بعض
أحزاني وأشجاني, وخواطر نفسي ولواعج قلبي , إلا أن كل الدفاتر والأقلام كانت أضعف
من أن تحتمل لوحدها تبعاتِ ذلك الحدث الجللّ ,فاحتملت ما تطيق تاركةً ما لا تطيقه إلى
عيناي التي بكت لرحيلها بُكاء الطفل ,الباحثِ عن أمانٍ يجده في أحضانِ أمه.
لم أكن أعلمُ يا خالتي أنك غاليةٌ على قلبي بهذاالقدر , عزيزةٌ على نفسي بتلك المكانة
قريبةٌ من روحي ذلك القرب , وما أشرقت شمسُ تلك الحقائق المضيئة في حياتي قبل
مماتكِ إشراقها المميز , لأنها الحياةُ يا أمي لا تُفهمنا دروسها حق الفهم إلا إذا كُنا
مادةَ دروسها والدرسُ الذي أفهمتني إياه برحيلك كان مؤلماً بموضوعه , بليغاً برسالته
يُطمئن الروح فيبشرها بما أعده الرحمن للأرواح الطيبة , ويواسي النفسَ فيدعوها
لاحتساب أجر مصابها عند خالقها , و يُضيىء في العقل قبساً من الحكمة فيحثه على تجنب
مثالب التسويف في تأديةِ حقوق الحبيب , فسامحيني يا خالتي إذا ما قصرتُ في حقك يوماً
إذا جرحتُ لك خاطراً أو وضعتُ في قلبك سخطاً أو في نفسك هماً سامحيني بقلبِ أُمٍ , لايعرفُ
إلا أن يُسامح من أساء إليه ما دام مفطوراًٌ على العطاء بلا أجر , والتضحيةِ دون جزاء, وافتحي
صندوق بريدكِ الخاص و أخرجي منه ألف بطاقة حُب , و ألف ألف رسالةَ اعتذار من إبنك البّار .
لعلك يا أمي تودين الاطمئنان على فلذات كبدك , أيشكون ألماً من جوعٍ أو مرضٍ أو حرمان , هل أدوا
صلاتهم ورتلوا قرآنهم وكتبوا وظائفهم ,هل سرحوا شعرهم وقلموا أظافرهم و نظفواأسنانهم , أما
زالوا يذكرون أمهم و أيامها الجميلة , وأبيهم....هل لا زلتِ المرأة التي أحب وما عرِف قلبه غيرها
هل لا زال يحنُ لرائحةَ عطرك و نكهة طعامك و بهاء إطلالتك وجاذبية حديثك , نامي قريرة العين
يا خالة , واطردي عنك هواجس الخوف على أطفالك , وبواعث الغيرة على قلب زوجك , فالرحمنُ
إذا غيب لطفلٍ أبويه أو أحدهما عوضه عن ذلك الغياب بجمعٍ كثيرٍ من أهلِ الخير والمروءة , يُحبونه
كما يُحبون أبنائهم ويحسنون إليه كمايُحسنون لأهلهم و عيالك في أعيننا ما سارت أقدامنا على الأرض
و أما زوجك فمع رحيلك أسدل الستار عن مسرحية الحب و احتفظ بنصها كأروع و أثمن تذكارٍ في حياته .
كم تذكرك أمي , وكم تحاول إخفاء دمعتها , لكن وجهها يحكي كل صباح حكايةَ بُكاء الأمس , هي لا
تريد استيعاب أنها أضحت وحيدة بلا صاحبة , تُفضي لها هواجسها و أحزانها وتشاركها فرحتها
و بسمتها , إنها لم تعد تجدُ في الشاي حلاوةالسكر؟؟!!
يسألني الناس يا خالة إن أفلحت الدنيا بأكدارها ومسراتها في محو ذكراك , والحقيقةُ إن التذكر
يقتضي النسيان أبتداءً ,و هو ما لن يحدث مهما تساقطت أوراق العمر وكثرت نوائبه و إذا بقي
للذاكرة بعد الضعف والهرم والمرض القليل مما تذكره فهو لن يكون سوى ذكراك الطيبة .
في كل عيدٍ يا حبيبتي كنت أول رحمٍ أصله , أطرق باب دارك والشوق يسبقني لتقبيل يديكِ
والجلوس في حضرةِ صاحبة الوجه الطاهر , يأخذني الوقت بعيداً دون أن أشعر , تحت تأثير الجاذبية
عند التواجد بقربك , لكن هذا العيد كان مختلفاً في كل شيء , وللمرة الأولى وجدت نفسي أعود
إلى البيت ..... باكراً .
ختاماً ... يا وصية خير البرية أتركك في أمان الله وجواره وقربه وهو نعم الأمن والقرب ونعم ......الجوار
هذا وما الفضل إلا من الرحمن
بقلم...........ياسر ميمو
تعليق