عندما فاجأ (عطية)أخته (سهير) ذات السبعة عشر ربيعاً بأنه سيزوجها من (حمدان) الشهير بالتمساح، لم تستوعب الخبر تماما، ولكنها وكعادتها التي تأبى عليها مناقشة شقيقها الذي قام بتربيتها بعد وفاة والدها، طأطأت رأسها دلالة على الطاعة العمياء، بينما يعتمل بين جنباتها عشق وليد دلف إلى قلبها البكر.
فقال لها شقيقها كالمتوسل:
أختي العزيزة، سأصارحك بسر كبير، يطالبني حمدان هذا بمبلغ كبير كنت قد أستلفته منه لمشروع ما ولكنه فشل فشلا ذريعا وبقي الدّين يحيطني من كل جانب، ويملك حمدان الأوراق التي تثبت تلك الديون ويهددني بها كل يوم.
ونظر إليها نظرة مليئة بالاستعطاف، فترقرقت الدموع في عينيها، وارتمت بين أحضان شقيقها تشهق ببكاء مكتوم، ففهم شقيقها أنها موافقة إكراما له وحفاظا على سمعة الأسرة وكيانها. فربت أخوها على ظهرها وهو يتمتم:
أصيلة وابنة أصول.
ليلة الدخلة، جلست (سهير) على حافة السرير حائرة يلفها خوف غامر وذعر يكاد يجعلها تصرخ هاربة، فهي لا تعرف (حمدان) هذا غير أنه متخم بالمال ويهابه كل أهل القرية، ورغم زيجاته المتعددة لم ينجب منهن قط، فتهامس الناس عن سبب عدم إنجابه من زيجاته الكثيرة، ولكن دون أن يجرؤ أحد على تلمس الأسباب لمعرفة الحقيقة.
كان ضخم الجثة، له كرش تهتز أمامه كلما تحرك، وله عينان صغيرتان غائرتان في وجهه الضخم تجولان ككرة البوصلة، ورأس صغيرة كأنها لا تمت لجسده بأي صلة.
عندما دلف إلى غرفة نومها، أنخلع قلبها الصغير، تكادتسمع وجيب قلبها من خوفها، لم تسمع وقع أقدامه وهو يقترب منها، فقد امتلأت الغرفة بضجيج هلعها وذعرها. وامتلأت الغرفة به حتى سد كل منافذ رؤيتها، ونشر موجة من رعب سَرَى في جسدها كصعقة تيار من الكهرباء.
تركَّز كل خوفها وقلقها في تداعيات الوصف الذي كانت تتناقله صديقاتهاعن هذه الليلة، بينما يقف على بضع خطوات منها رجل تراه عن كثب لأول مرة.
أقترب منها ووضع يده الغليظة أسفل ذقنها الرقيقة.. بينما تفوح منه رائحة خمر زاد من خوفها.
ورفع رأسها وهي تنظر إلى لا شيء، تكاد تسمع دقات قلبها وكأنها ترتد من باب الغرفة.
نظر إليها مليا ثم تمتم بكلام مبهم لم تعي شيئا منه.
وازدردت ريقها الجاف بصوت مسموع.
تكاد تسمع ما تفكر به داخل عقلها المضطرب والمترع بكوابيس الخوف والفزع.
ولدهشتها المتناهية، خلع ثوبه وهو يترنح وتمددعلى السرير وراح في سبات عميق.
وبرغم ما أصابها من الارتياح والطمأنينة، إلاأنها كانت مرتابة، تعتقد أنه ما فعله ربما هي إتكاءة قبل أن يقوم بافتراسها..
تقول في نفسها أن بالأمر شيئا لم تفهمه، ربماهكذا يفعل العرسان في أول ليلة. وجلست في ركن قصي تراقبه من طرف خفي، فقد كان الارتياب يملأ جوانبها، تخيلته مرارا بأنه سينهض فجأة وينقض عليها.
وعند التباشير الأولى للصباح، قام حمدان موفورالعافية والصحة، متورد الخدين. ثم ألقى عليها تحية الصباح وأنطلق لا يلوي على شيء وكأنها كانت في معيته لسنوات خلت.
احتارت لتصرفه هذا، ولكن شيئا فشيئا ومع مرورالأيام والليالي بدأت في تفهم الأمر.
يا للهول! حمدان الذي يملأ القرية ضجيجا، ويحسبله الناس ألف حساب، غير مكتمل الرجولة؟
ولكنه رغم ذلك ها هو ينتقم منها ومن شقيقها ومن أنوثتها.
بالطبع لن تستطيع أن تبوح بشيء، وإلا فعلها حمدان بمبدأ ( عليّ وعلى أعدائي ).
كان يأتي كل ليلة، تفوح منه رائحة المنكر النتنة، ويداعبها مداعبة المغبون الذي لا حول له لدرء غبائنه، ثم يستقبل الجدار وهو يشتم ويسب ويلعن في تمتمة من بين أسنانه.
كان هناك ما يجعلها تضحك في دواخلها، ويطاردها يوميا ويجعلها تجفل وهو سؤال أهله لهما :
متى سنستقبل مولودكم الأول ؟
سؤال كان يقرع رأس سهير كطبل أجوف، فلا هي زوجة (بينها وبين زوجها) ولا هي (عذراء) في مفهوم الناس.
كانت تعرف بأنه لو فاح الخبر وأنتشر، سيكون حمدان كالثور الهائج في مستودع الخزف، سيصيب الكل بغضب عارم.
ازدادت (سهير) نحافة، وهو ( يتورم ) طولا وعرضا. يأكل بنهم، وينام قرير العين هانيها، وهي تتململ من هذا الوضع الغريب الذي تعيشه.
والدة حمدان، الحيزبون المتسلطة على رقبة أبنها، لا همّ لها إلا أن ترى أبنها الوحيد ينعم بأطايب الطعام وأن تزداد ثروته طولا وعرضا، بينما تقوم بإحلال زوجة تلو الأخرى له دون أن تدرك السبب الرئيسي وراء عدم إنجاب أبنها لحفيد يملأ خريف أيامها بسعادة قبل أن تفارق الدنيا..
أصرّت والدة حمدان يوما أن يأخذ سهير للطبيب في المدينة للكشف عليها ومعرفة سبب عدم الحمل حتى تقرر أمرا، وهي تتوقع نفس الإجابة من أبنها الذي كان يختلق الأكاذيب.
ضحكت سهير يومها في هستيرية، وهي تتمتم في سرها :وشر البلية ما يضحك.
ذهبت مع حمدان للمدينة،
قالت له بتهكم واضح: الدكتور الذي سنذهب إليه هذا ، هل هو مختص بأمراض النساء والولادة أم بشيء آخر؟ ؟
قال لها وهو يحدجها بنظرة نارية : إياك ثم إياك والغمز واللمز.
وأخذها في جولة بالمدينة ثم عاد إلى بيته.
وفي المساء، سألته أمه عن نتائج زيارتهما للطبيب.
قال متحاشيا نظراتها وهو يخط بعصاه على الأرض : تعاني سهير من ضعف شديد في الدم.
نظرت إليه سهير و كأنّ لسان حالها يقول : التُربة لا تزال أرض بِكْر، ولكن العيب في المزارع وبذوره.
مر الزمان ، والحال كما هو.
فاجأتهم أمه ذات صباح قائلة في حزم : حمدان ، لابد أن تتزوج من أخرى. أريد أن أمتع عيني بأحفادي قبل أن توافيني المنية.
دغدغتْ أحشاء سهير ضحكة كتمتها بصعوبة بالغة.
وفي الليل، قال لها حمدان : سهير، أنا في ورطة جديدة.
لم تجب.
قال منتهرا : أنا أريد رأيك ومشورتك.
قالت : الآن فقط تريد رأيي ومشورتي ؟
فجثا على ركبتيه، وقال لها وهو يمسك بيديها النحيلتين : أسألك بالله ( وبالعيش والملح) الذي بيننا، أريد رأيك.
قالت متمتمة : وهل هناك شيء غير ( العيش والملح)؟
قالت له بحزم : وهل ستعمل برأيي ؟
قال : إن كان سينقذني من ورطتي فلا بد أن أعمل به.
قالت له : أولا أريد منك أن تعطيني كل الأوراق التي تثبت ديون أخي لديك. ثانيا أريد منك أن تطلقني. ثالثا أريد مؤخر المهر كاملاغير منقوص.
هبّ واقف وأراد أن يثور ويضربها، إلا أنها بإشارة من يدها أوقفته وقالت بثقة الممسك بزمام الأمور :
سوف أتظاهر بأنني غاضبة من رأي أمك التي تريد تزويجك من أخرى، ثم تقوم بتطليقي بعد مشاورة أمك والتي أعرف أنها ستوافق دون ترددكما فعلتْ مع زوجاتك. ثم بعدها أمامك حلّين لا ثالث لهما : إما أن تُطْلِق إشاعة تقول فيها بأنني قد استخدمت سحرا حتى لا تتزوج من أخرى وتبقى دون زوجة ربما تفضح أمرك ، إما أن تتزوج من أخرى نزولا عند رغبة أمك ولكن تحجّج أيضا بسحر دفنته لك أنا انتقاما منك والذي تسبّب في عدم تمكنك حتى الاقتراب من زوجتك الجديدة وبالتالي عدم الحمل.
نظر إليها وقال : أقسم بالله أنك من طينة الأبالسة، بل إبليس لا يضارعك دهاءا.
وقبَّل رأسها. وطبَّق شروطها وأفكارها بحذافيرها،وانطلقت سهير كمهرة حرة مُنعَتِقة من إسارها.
فقال لها شقيقها كالمتوسل:
أختي العزيزة، سأصارحك بسر كبير، يطالبني حمدان هذا بمبلغ كبير كنت قد أستلفته منه لمشروع ما ولكنه فشل فشلا ذريعا وبقي الدّين يحيطني من كل جانب، ويملك حمدان الأوراق التي تثبت تلك الديون ويهددني بها كل يوم.
ونظر إليها نظرة مليئة بالاستعطاف، فترقرقت الدموع في عينيها، وارتمت بين أحضان شقيقها تشهق ببكاء مكتوم، ففهم شقيقها أنها موافقة إكراما له وحفاظا على سمعة الأسرة وكيانها. فربت أخوها على ظهرها وهو يتمتم:
أصيلة وابنة أصول.
ليلة الدخلة، جلست (سهير) على حافة السرير حائرة يلفها خوف غامر وذعر يكاد يجعلها تصرخ هاربة، فهي لا تعرف (حمدان) هذا غير أنه متخم بالمال ويهابه كل أهل القرية، ورغم زيجاته المتعددة لم ينجب منهن قط، فتهامس الناس عن سبب عدم إنجابه من زيجاته الكثيرة، ولكن دون أن يجرؤ أحد على تلمس الأسباب لمعرفة الحقيقة.
كان ضخم الجثة، له كرش تهتز أمامه كلما تحرك، وله عينان صغيرتان غائرتان في وجهه الضخم تجولان ككرة البوصلة، ورأس صغيرة كأنها لا تمت لجسده بأي صلة.
عندما دلف إلى غرفة نومها، أنخلع قلبها الصغير، تكادتسمع وجيب قلبها من خوفها، لم تسمع وقع أقدامه وهو يقترب منها، فقد امتلأت الغرفة بضجيج هلعها وذعرها. وامتلأت الغرفة به حتى سد كل منافذ رؤيتها، ونشر موجة من رعب سَرَى في جسدها كصعقة تيار من الكهرباء.
تركَّز كل خوفها وقلقها في تداعيات الوصف الذي كانت تتناقله صديقاتهاعن هذه الليلة، بينما يقف على بضع خطوات منها رجل تراه عن كثب لأول مرة.
أقترب منها ووضع يده الغليظة أسفل ذقنها الرقيقة.. بينما تفوح منه رائحة خمر زاد من خوفها.
ورفع رأسها وهي تنظر إلى لا شيء، تكاد تسمع دقات قلبها وكأنها ترتد من باب الغرفة.
نظر إليها مليا ثم تمتم بكلام مبهم لم تعي شيئا منه.
وازدردت ريقها الجاف بصوت مسموع.
تكاد تسمع ما تفكر به داخل عقلها المضطرب والمترع بكوابيس الخوف والفزع.
ولدهشتها المتناهية، خلع ثوبه وهو يترنح وتمددعلى السرير وراح في سبات عميق.
وبرغم ما أصابها من الارتياح والطمأنينة، إلاأنها كانت مرتابة، تعتقد أنه ما فعله ربما هي إتكاءة قبل أن يقوم بافتراسها..
تقول في نفسها أن بالأمر شيئا لم تفهمه، ربماهكذا يفعل العرسان في أول ليلة. وجلست في ركن قصي تراقبه من طرف خفي، فقد كان الارتياب يملأ جوانبها، تخيلته مرارا بأنه سينهض فجأة وينقض عليها.
وعند التباشير الأولى للصباح، قام حمدان موفورالعافية والصحة، متورد الخدين. ثم ألقى عليها تحية الصباح وأنطلق لا يلوي على شيء وكأنها كانت في معيته لسنوات خلت.
احتارت لتصرفه هذا، ولكن شيئا فشيئا ومع مرورالأيام والليالي بدأت في تفهم الأمر.
يا للهول! حمدان الذي يملأ القرية ضجيجا، ويحسبله الناس ألف حساب، غير مكتمل الرجولة؟
ولكنه رغم ذلك ها هو ينتقم منها ومن شقيقها ومن أنوثتها.
بالطبع لن تستطيع أن تبوح بشيء، وإلا فعلها حمدان بمبدأ ( عليّ وعلى أعدائي ).
كان يأتي كل ليلة، تفوح منه رائحة المنكر النتنة، ويداعبها مداعبة المغبون الذي لا حول له لدرء غبائنه، ثم يستقبل الجدار وهو يشتم ويسب ويلعن في تمتمة من بين أسنانه.
كان هناك ما يجعلها تضحك في دواخلها، ويطاردها يوميا ويجعلها تجفل وهو سؤال أهله لهما :
متى سنستقبل مولودكم الأول ؟
سؤال كان يقرع رأس سهير كطبل أجوف، فلا هي زوجة (بينها وبين زوجها) ولا هي (عذراء) في مفهوم الناس.
كانت تعرف بأنه لو فاح الخبر وأنتشر، سيكون حمدان كالثور الهائج في مستودع الخزف، سيصيب الكل بغضب عارم.
ازدادت (سهير) نحافة، وهو ( يتورم ) طولا وعرضا. يأكل بنهم، وينام قرير العين هانيها، وهي تتململ من هذا الوضع الغريب الذي تعيشه.
والدة حمدان، الحيزبون المتسلطة على رقبة أبنها، لا همّ لها إلا أن ترى أبنها الوحيد ينعم بأطايب الطعام وأن تزداد ثروته طولا وعرضا، بينما تقوم بإحلال زوجة تلو الأخرى له دون أن تدرك السبب الرئيسي وراء عدم إنجاب أبنها لحفيد يملأ خريف أيامها بسعادة قبل أن تفارق الدنيا..
أصرّت والدة حمدان يوما أن يأخذ سهير للطبيب في المدينة للكشف عليها ومعرفة سبب عدم الحمل حتى تقرر أمرا، وهي تتوقع نفس الإجابة من أبنها الذي كان يختلق الأكاذيب.
ضحكت سهير يومها في هستيرية، وهي تتمتم في سرها :وشر البلية ما يضحك.
ذهبت مع حمدان للمدينة،
قالت له بتهكم واضح: الدكتور الذي سنذهب إليه هذا ، هل هو مختص بأمراض النساء والولادة أم بشيء آخر؟ ؟
قال لها وهو يحدجها بنظرة نارية : إياك ثم إياك والغمز واللمز.
وأخذها في جولة بالمدينة ثم عاد إلى بيته.
وفي المساء، سألته أمه عن نتائج زيارتهما للطبيب.
قال متحاشيا نظراتها وهو يخط بعصاه على الأرض : تعاني سهير من ضعف شديد في الدم.
نظرت إليه سهير و كأنّ لسان حالها يقول : التُربة لا تزال أرض بِكْر، ولكن العيب في المزارع وبذوره.
مر الزمان ، والحال كما هو.
فاجأتهم أمه ذات صباح قائلة في حزم : حمدان ، لابد أن تتزوج من أخرى. أريد أن أمتع عيني بأحفادي قبل أن توافيني المنية.
دغدغتْ أحشاء سهير ضحكة كتمتها بصعوبة بالغة.
وفي الليل، قال لها حمدان : سهير، أنا في ورطة جديدة.
لم تجب.
قال منتهرا : أنا أريد رأيك ومشورتك.
قالت : الآن فقط تريد رأيي ومشورتي ؟
فجثا على ركبتيه، وقال لها وهو يمسك بيديها النحيلتين : أسألك بالله ( وبالعيش والملح) الذي بيننا، أريد رأيك.
قالت متمتمة : وهل هناك شيء غير ( العيش والملح)؟
قالت له بحزم : وهل ستعمل برأيي ؟
قال : إن كان سينقذني من ورطتي فلا بد أن أعمل به.
قالت له : أولا أريد منك أن تعطيني كل الأوراق التي تثبت ديون أخي لديك. ثانيا أريد منك أن تطلقني. ثالثا أريد مؤخر المهر كاملاغير منقوص.
هبّ واقف وأراد أن يثور ويضربها، إلا أنها بإشارة من يدها أوقفته وقالت بثقة الممسك بزمام الأمور :
سوف أتظاهر بأنني غاضبة من رأي أمك التي تريد تزويجك من أخرى، ثم تقوم بتطليقي بعد مشاورة أمك والتي أعرف أنها ستوافق دون ترددكما فعلتْ مع زوجاتك. ثم بعدها أمامك حلّين لا ثالث لهما : إما أن تُطْلِق إشاعة تقول فيها بأنني قد استخدمت سحرا حتى لا تتزوج من أخرى وتبقى دون زوجة ربما تفضح أمرك ، إما أن تتزوج من أخرى نزولا عند رغبة أمك ولكن تحجّج أيضا بسحر دفنته لك أنا انتقاما منك والذي تسبّب في عدم تمكنك حتى الاقتراب من زوجتك الجديدة وبالتالي عدم الحمل.
نظر إليها وقال : أقسم بالله أنك من طينة الأبالسة، بل إبليس لا يضارعك دهاءا.
وقبَّل رأسها. وطبَّق شروطها وأفكارها بحذافيرها،وانطلقت سهير كمهرة حرة مُنعَتِقة من إسارها.
تعليق