برنامج احتمالات أدبيّة حلقة اليوم الشعر العربي الآن بدون العروض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    برنامج احتمالات أدبيّة حلقة اليوم الشعر العربي الآن بدون العروض

    [align=center][table1="width:95%;background-color:black;border:10px double purple;"][cell="filter:;"][align=center]


    الأخوات والأخوة الأفاضل


    ندعوكم الليلة وفي تمام الــ 11 بتوقيت القاهرة
    في المركز الصوتي 1
    لحضور أمسية متميزة
    مع البرنامج النقدي الجديد


    احتمالات أدبية




    يعده ويقدمه :

    د. زهور بن السيد و أ. هيثم الريماوي


    وحلقة الليلة بعنوان


    كيف سيكون الشعر العربي الآن
    لو لم يكتشف الفراهيدي العروض ؟؟


    ننتظركم على طاولة الحوار
    فكونوا معنا

    [/align][/cell][/table1][/align]
    ]
    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول
  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    #2





    [ الخلِيلْ بنْ أحمَد الفرآ‘هيدِيْ ]

    بدايته


    كآ‘ن صِبيَةُ الحيّ يلعبون فمرّ بهم آلفرزدق يوماً وهو على َـآ‘ بغلَ ,
    وكآ‘ن قبيح
    الوجه ،فما كان من الصبية إلا أن ينظروا إليه ويطيلون النظر في وجهـه ،
    فغآ‘ظه ذلك وأرآ‘د أن يُخيفهم فـأنشدَ قوله:



    نظروا إليك بـ أعين محمرة * * * نظر التيوُس إلىَ مدى القصآ‘ب


    ولعله كآ‘ن يركز على َـآ‘ قولهِ (مدىَ القصآ‘ب) ليخيفهم فينفضّوا من حوله ،فقآل له أحدهم: نظرنا إليك أنك مليح، كما ينظر إلى َـآ‘ القرد و هو مليح
    فسكت الفرزدق ولم يجب بشيء وصرف وجه بغلته ، ومضى..

    كان هذا الفتى الذي أفحم الفرزدق وأسكته هو الخليل بن أحمد الفرآ‘هيديَ ،وكان الخليل آنذاك عمره عشر سنوات ، فلم يرد الفرزدق عليه خوفاً من أن يسمع أحد كلـآ‘مه وخآ‘صة جرير فيهجوه به ويتدواله العرب .


    نشاته


    و الخليل عربي ، أزديّ ، من حيّ يقال لهم : الفراهيد
    وُلِدَ في البصرة عام 100هـ
    ولد إباضياً ، وتحول إلى مذهب أهل السُّنه والجمآ‘عه ،
    كآ‘ن مُجتهدًا في طلب العلم، وآ‘سع المعرفة، شديد الذكآ‘ء،

    نشأ وتلقّىَ ـآ‘ العلم علىَ يدِ علمآ‘ء البصرة مثل أبو عمرو بن العلاء، و عيسى بن عمر وغيرهم،
    وحرص الخليل على النهل من اكبر قدر من العلوم، الأمر الذي أهله لأن يصبح أستآ‘ذ عصره في البصرة ،
    وتلقى َـآ‘ العلم على يديه العديد من الطلاب الذين أصبح لهم شأن عظيم في اللغة ،
    مثل سيبويه، والكسائي، والنضر بن شميل، والأصمعي وغيرهم.

    و كان متقشفا متعبدا،
    قال النضر: كان الخليل لا يقدر على فلسين
    وتلـآ‘مذته يكسِبون بعلمه الأموآ‘ل ، وكان كثيراً ما ينشد
    ُ إذآ‘ افتقر إلى َـآ‘ المال
    الذخآ‘ئر لم تجد ذخراً * * * يكون كصالح الأعمال

    قال عنه سفيان بن عيينة " من أحب أن ينظر إلى رجل خُلق من الذهب والمسك
    فلينظر إلى الخليل بن أحمد".



    مصادر علمه


    كانت البصرة في عصره تستقبل عهداً جديداً وتدون تاريخاً مشرقاً ،
    فشبّ فيها الفراهيدي وشبّ معه ذهن ذكي ، وفطنة نادرة ، و عقل مستوعب وفاحص ،
    فاستخدم كلّ هذه الأدوآ‘ت كأحسن مآ‘ يكون ،
    فتفجر عقله نبوغاً و عبقرية ، وتدفقت نفسه زهداً و ورعاً، و خلقاً و سمحاً،
    و تواضعاً جمّاً . . .
    كما كان الخليل يحجّ سنة و يغزوسنة
    فإن سنة الحج كانت تتيح للخليل فرصاً كبيرة للقاء الأعراب في البوادي
    ومشافهتهم والإصغاء إليهم . .

    و لاريب أن لمشافهته الأعراب في هذه البوادي تأثيراً خاصاً في الخليل
    وتخصصه في المباحث اللغوية والنحوية ،
    وإدراكه أسرار البناء و التأليف , و كشفه كثيراً من الغوامض ، و تفسير كثير من الظواهر .




    أعماله

    أدركَ
    الخليل بفطرته السليمة أن الإسلـآ‘م دين شآ‘مل لكل جوآ‘نب الحيآ‘ة،
    فاجتهد في طلب العلم وأخلص في طلبه؛
    فكان غيورًا على اللغة العربية
    لغة القرآن ؛
    مما دفعه إلى العمل على وضع قواعد مضبوطة للغة، حتى عدَّه العلماء الواضع الحقيقي لعلم النحو في صورته النهائية،
    التي نقلها عنه تلميذه
    سِيبوَيه في كتابه المسمىَ [الكتآ‘ب ]
    فذكره وروى آراءه في نحو ثلاثمائة وسبعين موضعًا معترفًا له بوافر علمه،
    وعظيم فضله .

    ارتبطت شهرة الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي العماني بـ علم العروض،
    حتى أن المرء عندما يذكر الشعر العربي وهو
    ديوآ‘ن العرب
    لـآ‘ بد أن يتوارد إلى َ ذهنه هذا العبقري الفذ الذي حيّر من عاصره، ومن جاء بعده،
    ولكن الذي يعرفه القلة القليلة عن هذا العالِم الجليل
    هو أن مجهوداته اللغوية كانت بداية مهمة علمية لا تقل أهمية عن
    علم العروض .
    فهو أول من ابتكر التأليف المعجمي وكانت له مدرسة فيه خاصة،
    وهو مخترع علم الموسيقى المعرفية التي جمع فيها أصناف النظم
    وهو الذي وضع تشكيل الحروف العربية، وقد كانت من قبله لـآ‘ تشكيل وآ‘ضح لهآ‘ ،
    فسهّل بذلكَ تلـآ‘وة القرآ‘ن فنآ‘لَ بذلك أجراً عظيماً،
    حتى قيل أن عصره لم يعرف أذكى منه، وأعلم و أعف و أزهد.

    و الحق : أن هذا العآ‘لِم الذي بهَر معآ‘صريه بأخلـآ‘قه و زهده و ورعه إلىَ جانب ذكائه وعبقريته ،
    لمَ يجد العنآ‘ية التي يستحقهآ‘ من الكتّـآ‘ب و المؤرخين،
    بل وجد منهم الإهمال .
    و إلىَ هذه الإشكآ‘لية يشير أحد الدآ‘رسين المتخصصين قآ‘ئلاً: "و من العجب أن الخليل
    لم يُعرف على حقيقته في مختلف العصور ، على الرغم من أن معاصريه ومن خلفهم
    قد أفادوا من علمه الشيء الكثير".





    وهذه‘ صَورة لتشكيِل الفراهيدي‘ للحروف . . .

    الفراهيدي وعلم العروض




    كيفَ وُضعَ عِلْم العَروضْ . . . ؟

    وذات يوم ذهب الفراهيدي إلى الكعبة
    حاجًّا، فتعلق بأستار الكعبة، ودعا الله
    [ اللهم هب لي علمًا لم يسبقني إليه أحد ] . .

    قالها وهو يتضرع إلى الله متعلقًا بأستار الكعبة،
    كآ‘ن يرجو أن يسبق الناس بوضع علم جديد، فيكون سبَّاقًا إلى الخير،
    ولم يكن هذا الرجاء وليد تكاسل وتواكل، بل كانت قدراته ومهاراته
    تؤهله لأن يكون عظيم الشأن.
    فخرج يسير لسوق الغسالين ، فكان لصوت ضربهم نغم خاص
    ومنه طرأت في باله فكرة علم العرض أو موسيقىَ الشعر ،
    التي يعتمد عليها الشعر العربي .
    وقد اكتشف خمسة عشرا بحراً ًوهي :

    الطويل ـ المديد ـ البسيط ـ الوافرـ الكامل ـ الهزج ـ الرجز ـ الرمل ـ السريع ـ المنسرح ـ الخفيف ـ المضارع ـ المقتضب ـ المجتث ـ المتقارب.

    و كل بحر له مفتاح ومفاتيحه التفاعيل التي تتكون منها ،وعلم العوض بنفسه بحر مهما نغرف منه من معلومات لا نشبع
    لأن دراسته ممتعه فهي [ موسيقىَ الشعر ] ،
    كان في نفسي أقطع لكم بيت تقطيعاً عروضياً ، ولكن تقطيعه
    يأخذ وقتاً لأنه له مراحل متعدده ،
    والكتابة العروضية هي أن تكتب ماننطق
    مثل : الكتابه المتعارف عليها :[كتابٌ ]
    الكتابة العروضية : كتابن < التنوين يكتب نون فنكتب ماننطق .


    مؤلفاته

    1- كتاب العين
    2-كتاب العروض


    3- معجم العين
    4- كتاب النّغم

    5-كتاب الإيقاع
    6-كتاب الشواهد



    7 -كتاب النقط والشكل.
    8-كتاب العوامل

    وفاته

    يقال عنسبب وفاتهأنه كان مشغولاً بالبحث عن نوع من الحساب
    يكون سهلاً و ميسوراً على َـآ‘ العامة، بحيث تمضي به الجارية إلى البائع؛
    فلا يمكنه ظلمها، ودخل المسجد، وهو معمل فكره في ذلك ؛
    فصدمته سارية، وهوغافل عنها بفكره؛ فانقلب على ظهره ،
    فكانت سبب موته، و قيل: بل كان يقطع بحراً من العروض .





    المصدر

    التعديل الأخير تم بواسطة سليمى السرايري; الساعة 04-11-2011, 01:57.
    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

    تعليق

    • زهور بن السيد
      رئيس ملتقى النقد الأدبي
      • 15-09-2010
      • 578

      #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      أشكرك أستاذة سليمى السرايري على الإعلان عن البرنامج وعلى التقديم له بهذا الشكل الأنيق
      كل التقدير لجهودك التي تبذلينها في الملتقى

      تعليق

      • سليمى السرايري
        مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
        • 08-01-2010
        • 13572

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة زهور بن السيد مشاهدة المشاركة
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        أشكرك أستاذة سليمى السرايري على الإعلان عن البرنامج وعلى التقديم له بهذا الشكل الأنيق
        كل التقدير لجهودك التي تبذلينها في الملتقى


        العفو غاليتي الدكتورة زهور بن السيّد
        يسعدني جدا خدمة هذا الملتقى راجية أن نقدّم الأفضل
        ولك التحية والتقدير والاحترام.
        لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

        تعليق

        • هيثم الريماوي
          مشرف ملتقى النقد الأدبي
          • 17-09-2010
          • 809

          #5
          كل الشكر والتقدير والامتنان للقديرة سليمى

          اعتزازي
          هيثم الريماوي
          التعديل الأخير تم بواسطة هيثم الريماوي; الساعة 04-11-2011, 15:56.

          ((احذر من العلم الزائف ، فهو أخطر من الجهل. )) جورج برنارد شو

          بين النظم وأن يكون نثراً شعرة الإيقاع التي لم يلتفت إليها العروض
          بين النثر وان يكون نظماً قصة العلوم طويلة الأمد.

          تعليق

          • سليمى السرايري
            مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
            • 08-01-2010
            • 13572

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة هيثم الريماوي مشاهدة المشاركة
            كل الشكر والتقدير والامتنان للقديرة سليمى

            اعتزازي
            هيثم الريماوي

            التقدير لك أستاذي هيثم الريماوي

            شكرا لثقتك.


            احترامي
            لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

            تعليق

            • هيثم الريماوي
              مشرف ملتقى النقد الأدبي
              • 17-09-2010
              • 809

              #7
              حول مفهوم العروض

              الموضوع طويل جدا لذا سأحاول الاختصار قدر الإمكان مع تذييل المشاركة بأسماء بعض المراجع التي تم الاستناد إليها ، وذلك لأهمية الموضوع وحساسيته

              1-
              ظهور العروض لم يكن ابتكاراً بالمعنى الحرفي للكلمة ، فقد كانت أسسه معروفة ومفهومة عند العرب وإن لم يكن بالمنهجية التي جاء بها الخليل وهنالك أدلة كثيرة على ذلك نورد منها :
              أن المشركين لما سمعوا القرآن قالوا : أنه شعر ؛ فقال الوليد بن المغيره منكرا عليهم : لقد عرضت ما يقرؤه محمد على قراء الشعر ، هزجه ورجزه وكذا وكذا ، فلم أره يشبه شيئا من ذلك ، أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف الشعر،

              يقول ابو بكر محمد القضاعي (( تكاد تجزئة الخليل تكون مسموعة من العرب ، فإن أبا الحسن الأخفش روى عن الحسن بين يزيد أنه قال : سألت الخليل أحمد عن العروض ، فقلت له : هلا عرفت لها أصلا ، قال : نعم ، مررت بالمدينة حاجّاّ ، فبينما أنا في بعض طرقاتها، بصرت بشيخ على باب يعلم غلاما وهو يقول له : قل :
              نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم --- نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا
              قال الخليل فدنوت منه فسلمت عليه، وقلت له : أيها الشيخ ، ما الذي تقوله لهذا الصبي ؟ فذكر أنه علم عندهم يتوارثه الصبية عن أسلافهم يسمى التنعيم لقولهم فيه نعم ، قال الخليل فحججت ، ثم رجعت إلى المدينة فأحكمتها

              وهذا مهم جدا – في رأيي- لأنه يعني بالضرورة أن الخروج عن عروض الخليل في ذلك الوقت ، لم يكن مجرد تجريب ، وإنما تنويع إيقاعي يحكم موسيقى الشعر العربي بشكل عام ، ولم يكن محتكماً لمنهجية الخليل ،مع ضرورة التذكير أن نموذج التنعيم الموضوع هنا هو مجرد مثال من نماذج كثيرة كانت موجودة على التنعيم في تلك الفترة ربما جاء بعضها منسجماً تماماً مع عروض الخليل والكثير الآخر خارجاً عنه
              2
              تعريف العروض هو العلم الذي يعرف به صحيح وزن الشعر من انكساره، أي ما يعرض عليه الشعر لمعرفة صحيحه من تالفه ،،إذن هو أداة معيارية يُقاس بمقدارها مدى صحة الشعر من انكساره ،وهذا يقتضي أن الوصول للنتائج مرتبط بالمقدمات الموضوعية لا الإدارة الفردية ،أي إننا بهذا المفهوم أمام ما سمي بالصناعة وهو العلم الحاصل بالتمرين ، أن العروض قد فرض علاقة محددة بين الشعر والمنطق الرياضي،،،أي إن قياس الشعر بنموذج مثال والقول بأن ما ينسجم معه صحيح وما لا ينسجم معه غير صحيح ، وهذا أدّى إلى التغير الجذري في نظرة العربي للشعر وللإبداع عموماً بوصفه قابلاً للقولبة الصارمة المحددة الأمر الذي أدّى إلى إلغاء كل التنويعات الإيقاعية التي لاتتفق مع هذه االنماذج واعتبارها ضرباً من العبث ، أي إن انتقال مفهوم الشعر من كونه إبداعياً إلى صناعيً قابل لليقاس الدقيق
              3
              إن المنهجية المتبعة في علم العروض في الواقع كانت تعبيراً عن فكر الخليل بوصفه عالما في اللغة والرياضيات والموسقى ، ولم تكن منهجية لواقع إيقاع الشعر العربي –ونرود هنا أدلة منطقية وأخرى تطبيقية

              --كانت بداية وضع أسس عروض الخليل مبنية على أساس استقرائي أي بأخذ عينة تمثل الشعر العربي موضوع الدراسة وتناولها بالتحليل لاستخلاص نتائج تصف الشعر العربي ، ولكن العينة التي تم انتقاؤها لم تكن ممثلة للشعر العربي وإنما ممثلة للنموذج الذي تم بناؤه لاحقاً ، فلم يكن إهمال الكثير من النصوص الشعرية والتي سمّاها الخليل ب(المهملات) إلا لأنها بعيدة عن مثالية النماذج التي وضعها وليس لسبب آخر ، وبالتالي فإن النماذج أو ما سمي ببحور الشعر التي وضعها الخليل لم تستطع أن تصف بشكل أمين ديوان الشعر العربي وإنما وصفت وبشكل جزئي عيّنة محددة وغير ممثلة ، وهذا أدّى إلى إقصاء الكثير الكثير من النصوص ،من ديوان الشعر العربي إما باعتبارها خارجة عن الشعر أو بإقصائها كلياً من التدوين فلم تصلنا أبداً، وهنالك أمثلة كثيرة على ما اعتبر خارجا عن الشعر لأنه خارج عن عروض الخليل

              هنالك ما خرج أن أوزان الخليل
              مثل قصيدة عبيد بن الأبرص الشهيرة
              اقفر من أهله ملحوب ...فالقطبيات فالذنوب

              سلمى بن ربيعة (جاهلي )
              من لذةٍ العيش والغنى - للدهر والدهر ذو فنون
              العسر كاليسر والغنى - كالعدم والحي للمنون

              يقول أبو العتاهية
              الله أعلى بداً وأكبر – والحقّ فيما قضى وقدّر
              وليس للمرء ما تنمى - وليس للمرء ما تخير

              أم السليك (فاعلاتن فاعلن)
              طـافَ يَـبْـغِـي نَـجْـــوَةً ***** مِـنْ هَـــــلاكٍ فـهَـلَــكْ

              لَـيْـتَ شِـعـــرِي ضَـلَّــهً ***** أيُّ شـــــــيءٍ قَـتــلَــكْ

              أمَـرِيــضٌ لـم تُـعَــــــدْ ***** أم عَــــــــدُوٌ خـَـتـَـلَـكْ

              أم تـَــوَلّـى بــك مـــــا ***** غـالَ فـي الـدَّهـرِ السُّلَكْ

              والـمـنـــايــا رَصـَــــــدٌ ***** للفَـتـَــى حَـيْـثُ سَـلَـكْ

              سلم الخاسر
              موسى المطر غيث بكر ثم انهمر كم اعتبر ثم فتر وكم قدر ثم غفر عدل السير باقي الأثر خير البشر فرع مضر بدر بدر لمن نظر هو الوزر لمن حضر والمفتخر لم غبر

              هنالك نصوص خرجت عن وزن الخليل وعن تعمد القافية
              مثل نص امرئ القيس ( مفاعلن فعولن)
              ألا يا عين فابكي –على فقدي لملكي
              وإتلاقي لمالي – بلا صرفٍ وجهد
              تخطيت بلاداً – وضيعت قلاباً

              هنالك نصوص خرجت عن الوزن بشكل كامل

              أبو نواس
              رأيت كل من كان أحمقاً معتوهاً
              في ذا الزمان صار المقدم الوجيها
              يارب نذلٍ وضيعٍ نوهته تنويها
              هجوته لكيما أزيده تشويها

              ---تم استخراج النتائج بالاستدلال الاستنباطي ، أي الاستناد على المقدمات (وهي العينة التي تم انتقاؤها ) للوصول إلى نتائج نموذجية ، وقد تم تجيير الكثير من الحقائق لصالح الوصول لهذه النتائج النموذجية ، بدليل أن هذه النتائج (الخليلية) لم تستطع أن تصف كل الحالة الشعرية العربية، والجدير ذكره هنا أن الكثير من النصوص الشعرية قد تم إهمالها من التدوين –كما تشير الكثير من الدراسات- لأنها خارجة عن عروض الخليل ، أي القول أن النموذج يصنع الشعر ، وعدم القول أن الشعر يبتدع شكله

              ....العينة التي تم الاستناد عليها غير ممثلة كما وضح سابقاً أي أن المقدمات التي تم الاستناد عليها غير كاملة وهذا ما ادّى إلى ما يسمى في علم المنطق بأغلوطة التعميم ، وهو تعميم نتيجة ما دون مقدمات كافية لهذا التعميم ، بهذا يمكن القول أن عروض الخليل هو في الحقيقة نموذج رمزي لوصف عينة منتقاة من الشعر العربي وليس نموذج للكتابة عليه بدليل الخروج عن هذا النموذج قبل وأثناء وبعد ظهور هذا النموذج

              .... تم دمج الوحدات الصوتية الصغرى (الأسباب والأوتداد) –إلى وحدات أكبر وهي التفعيلات ، وهذا أدّى إلى إهمال الكثير من التشكيلات الإيقاعية وتنويعاتها، بهدف اعتماد نموذج مثالي يعتمد على تشكيلات محددة
              ...لقد تم بناء هذه النماذج بشكلها النهائي (دوائر العروض ) على الاحتمال الرياضي الصرف والبعيد عن الواقع الشعري فنجد أن الكثير من النصوص الشعرية تخرج عن هذه النماذج من جهة ، ومن جهة أخرى – وهذه النقطة مثار الكثير من التساؤل – نجد أن بعض النماذج (البحور) الأصيلة في دوائر الخليل لم يكتب عليها أي نص منذ العصر الجاهلي وحتى القرن الهجري الثاني ، وإنما كتب عليها بشكل قليل جداً بعد ظهور العروض هي الهزج، المجتث ، المقتضب ، المتدارك ،كما يورد ابراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر

              ....لقد تم إهمال الكثير من الأساسيات الإيقاعية بسبب الإعتماد على الساكن والمتحرك فقط ، مثلا : إهمال المد نقول في العروض ( لا) سبب خفيف تساوي (قلْ) مع أن الفرق بينها كبير بسبب إمكانية إطلاق المد في (لا)،، أو مثلا عدم الاهتمام بالصيغ النبرية كالاستفهام ، والاستنكار ، والسؤال ، وغيره و مدى تأثير ذلك على الصياغة الشعرية ،،،
              هنالك الكثير ممن قالوا أن الخروج عن العروض لا يعني الخروج عن الشعر ، وإنما يعدّون العروض حالة إيقاعية معينة للشعر من حالات إيقاعية كثيرة جدا
              أبو العتاهية ((أنا أكبر من العروض))
              الجاحظ ((العروض هو أدب مستبرد ومذهب مرذول ))
              الزمخشري ((والنظم على وزن مخترع خارج على أوزان الخليل ، لا يقدح في كونه شعرا، ولا يخرجه عن كونه شعراً))
              ابن سنان الخفاجي ((والذوق مقدم على العروض. فكل ما صح فيه لم يلتفت إلى العروض في جوازه))
              وهنالك الكثير من النقاد الحديثين الذين يحملون نفس النظرة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أدونيس ، د.كمال أبو ديب ، د. سيد بحراوي ,,,وغيرهم الكثير

              ----التشكيلات الإيقاعية الكثيرة جداً والخارجة عن الأوزان المحددة منذ العصر الجاهلي وحتي يومنا خصوصاً في المرحلة الأندلسية حيث يرى الكثير من الباحثين في شعر هذه المرحلة تحديداً أن سبب هذا الخروج الكبير عن أوزان الخليل هو اختلاط العرب المباشر مع الأعاجم والاطلاع على ثقافتهم الموسيقية المتنوعة وايضا الطبيعة الخلابة التي لم يعرفها العرب قبل ذلك ضمن بيئتهم المحلية وأهم الإيقاعات الجديد في المرحلة الأندلسية الموشحات والزجل ، وأيضا من هذه التنويعات الإيقاعية الأشكال الشعرية الحديثة المتعددة والتى حاول أصحابها الخروج عن الشكلية الخليلية بدرجات متفاوتة منها ما هو متواضع ، ومنها ما هو ثوري ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر ، جماعةالديوان ، حركة أبولو، المحاولات العديدة لشعراء المهجر وعلى رأسهم جبران خليل جبران، قصيدة التفعيلة وتجربة نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ، قصيدة النثر ،و اسمحوا لي أن أذكر أيضا تجربتنا المتواضعة القصيدة التناغمية

              أعتقد وبعد النقاط أعلاه أن الخطأ الأكبر يكمن في الفهم السلطوي للعروض ، واعتباره مثالا مقدساً لا يمكن الخروج عنه ، وبالتالي تحديد مفهوم الشعر ومسمى الشاعر عبر العروض ، أي اعتبار الشعر نموذجي الصنعة غير القابل للتطور، وليس إبداعاً لا يقبل نموذجية الإطار ، الأمر الذي تؤكده كل الدلائل الاستقرائية كما هو مشار سابقاً منذ الجاهلي وحتى يومنا هذا ، والحقيقة أن العروض هو وصف لجزء معين من التجربة الشعرية العربية وفي فترة معينة ،والقول بتعميم هذه التجربة وإطلاقها خارج حدود الزمان والمكان فيه تحديد لمفهوم الشعر ومفهوم الإبداع عموما ، لأنه يحصر المعاني عبر إطار شكلي قوامه تكرار معين ومحدد من الحركة والسكون ، و ذلك يؤدي إلى حصر الشعر في الغنائية الرتيبة دون درامية المعنى وهذا لا يحدد فقط مفهوم الشعر وإنما أيضا يحدد وظيفة هذا الشعر وأهدافه ، الأمر الذي يتنافى مع منطقية التطور الجدلي للشكل والمضمون والذي قال به الكثيرون وعلى رأسهم عبد القاهر الجرجاني حين قال (( الشكل تابع للمعنى)) ،لأن الغنائية الرتيبة تتفق مع التوصويرات الواضحة ذات العلاقات الخطية الواصفة للواقع عبر التشبيهات اللغوية بأشكالها ولا تنسجم كثيرا مع التصوير الرؤيوي الذي يعمل على تأويل ما هو خلف الواقع

              ومن جهة أخرى إن القول بإمكانية ومشروعية تطور الشعر شكلا ومضمونا خارج إطار العروض والتفعلية ، لا يقدح أبدا ، بمدى إبداعية الشعر الموزون ومدى إبداعية العروض الواصف لها ، لأن الدرسات السيكولوجية والإجتماعية تؤكد أن المفاهيم الإشكالية كالجمال والإبداع يمكن لها أن تتغير وتتطور عبر الزمان والمكان








              ------------------------------------------------------

              بعض المراجع
              1- الثابت والمتحول – أدونيس
              2- الشعرية العربية – أدونيس
              3- في البنية الإيقاعية للشعر العربي – د. كمال أبو ديب
              4- العروض وإيقاع الشعر العربي – د.سيد البحراوي
              5- الصوت القديم الجديد – د. عبد الله الغدامي
              6- موسيقى الشعر – ابراهيم أنيس
              7- سر الفصاحة – ابن سنان الخفاجي
              8- الختام المفضوض عن خلاصة علم العروض- أبو بكر محمد القضاعي
              9- الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه –مصطفى الشكعة

              ((احذر من العلم الزائف ، فهو أخطر من الجهل. )) جورج برنارد شو

              بين النظم وأن يكون نثراً شعرة الإيقاع التي لم يلتفت إليها العروض
              بين النثر وان يكون نظماً قصة العلوم طويلة الأمد.

              تعليق

              • محمد جابري
                أديب وكاتب
                • 30-10-2008
                • 1915

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة هيثم الريماوي مشاهدة المشاركة
                حول مفهوم العروض

                الموضوع طويل جدا لذا سأحاول الاختصار قدر الإمكان مع تذييل المشاركة بأسماء بعض المراجع التي تم الاستناد إليها ، وذلك لأهمية الموضوع وحساسيته

                1-
                ظهور العروض لم يكن ابتكاراً بالمعنى الحرفي للكلمة ، فقد كانت أسسه معروفة ومفهومة عند العرب وإن لم يكن بالمنهجية التي جاء بها الخليل وهنالك أدلة كثيرة على ذلك نورد منها :
                أن المشركين لما سمعوا القرآن قالوا : أنه شعر ؛ فقال الوليد بن المغيره منكرا عليهم : لقد عرضت ما يقرؤه محمد على قراء الشعر ، هزجه ورجزه وكذا وكذا ، فلم أره يشبه شيئا من ذلك ، أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف الشعر،

                يقول ابو بكر محمد القضاعي (( تكاد تجزئة الخليل تكون مسموعة من العرب ، فإن أبا الحسن الأخفش روى عن الحسن بين يزيد أنه قال : سألت الخليل أحمد عن العروض ، فقلت له : هلا عرفت لها أصلا ، قال : نعم ، مررت بالمدينة حاجّاّ ، فبينما أنا في بعض طرقاتها، بصرت بشيخ على باب يعلم غلاما وهو يقول له : قل :
                نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم --- نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا
                قال الخليل فدنوت منه فسلمت عليه، وقلت له : أيها الشيخ ، ما الذي تقوله لهذا الصبي ؟ فذكر أنه علم عندهم يتوارثه الصبية عن أسلافهم يسمى التنعيم لقولهم فيه نعم ، قال الخليل فحججت ، ثم رجعت إلى المدينة فأحكمتها

                وهذا مهم جدا – في رأيي- لأنه يعني بالضرورة أن الخروج عن عروض الخليل في ذلك الوقت ، لم يكن مجرد تجريب ، وإنما تنويع إيقاعي يحكم موسيقى الشعر العربي بشكل عام ، ولم يكن محتكماً لمنهجية الخليل ،مع ضرورة التذكير أن نموذج التنعيم الموضوع هنا هو مجرد مثال من نماذج كثيرة كانت موجودة على التنعيم في تلك الفترة ربما جاء بعضها منسجماً تماماً مع عروض الخليل والكثير الآخر خارجاً عنه
                2
                تعريف العروض هو العلم الذي يعرف به صحيح وزن الشعر من انكساره، أي ما يعرض عليه الشعر لمعرفة صحيحه من تالفه ،،إذن هو أداة معيارية يُقاس بمقدارها مدى صحة الشعر من انكساره ،وهذا يقتضي أن الوصول للنتائج مرتبط بالمقدمات الموضوعية لا الإدارة الفردية ،أي إننا بهذا المفهوم أمام ما سمي بالصناعة وهو العلم الحاصل بالتمرين ، أن العروض قد فرض علاقة محددة بين الشعر والمنطق الرياضي،،،أي إن قياس الشعر بنموذج مثال والقول بأن ما ينسجم معه صحيح وما لا ينسجم معه غير صحيح ، وهذا أدّى إلى التغير الجذري في نظرة العربي للشعر وللإبداع عموماً بوصفه قابلاً للقولبة الصارمة المحددة الأمر الذي أدّى إلى إلغاء كل التنويعات الإيقاعية التي لاتتفق مع هذه االنماذج واعتبارها ضرباً من العبث ، أي إن انتقال مفهوم الشعر من كونه إبداعياً إلى صناعيً قابل لليقاس الدقيق
                3
                إن المنهجية المتبعة في علم العروض في الواقع كانت تعبيراً عن فكر الخليل بوصفه عالما في اللغة والرياضيات والموسقى ، ولم تكن منهجية لواقع إيقاع الشعر العربي –ونرود هنا أدلة منطقية وأخرى تطبيقية

                --كانت بداية وضع أسس عروض الخليل مبنية على أساس استقرائي أي بأخذ عينة تمثل الشعر العربي موضوع الدراسة وتناولها بالتحليل لاستخلاص نتائج تصف الشعر العربي ، ولكن العينة التي تم انتقاؤها لم تكن ممثلة للشعر العربي وإنما ممثلة للنموذج الذي تم بناؤه لاحقاً ، فلم يكن إهمال الكثير من النصوص الشعرية والتي سمّاها الخليل ب(المهملات) إلا لأنها بعيدة عن مثالية النماذج التي وضعها وليس لسبب آخر ، وبالتالي فإن النماذج أو ما سمي ببحور الشعر التي وضعها الخليل لم تستطع أن تصف بشكل أمين ديوان الشعر العربي وإنما وصفت وبشكل جزئي عيّنة محددة وغير ممثلة ، وهذا أدّى إلى إقصاء الكثير الكثير من النصوص ،من ديوان الشعر العربي إما باعتبارها خارجة عن الشعر أو بإقصائها كلياً من التدوين فلم تصلنا أبداً، وهنالك أمثلة كثيرة على ما اعتبر خارجا عن الشعر لأنه خارج عن عروض الخليل

                هنالك ما خرج أن أوزان الخليل
                مثل قصيدة عبيد بن الأبرص الشهيرة
                اقفر من أهله ملحوب ...فالقطبيات فالذنوب

                سلمى بن ربيعة (جاهلي )
                من لذةٍ العيش والغنى - للدهر والدهر ذو فنون
                العسر كاليسر والغنى - كالعدم والحي للمنون

                يقول أبو العتاهية
                الله أعلى بداً وأكبر – والحقّ فيما قضى وقدّر
                وليس للمرء ما تنمى - وليس للمرء ما تخير

                أم السليك (فاعلاتن فاعلن)
                طـافَ يَـبْـغِـي نَـجْـــوَةً ***** مِـنْ هَـــــلاكٍ فـهَـلَــكْ

                لَـيْـتَ شِـعـــرِي ضَـلَّــهً ***** أيُّ شـــــــيءٍ قَـتــلَــكْ

                أمَـرِيــضٌ لـم تُـعَــــــدْ ***** أم عَــــــــدُوٌ خـَـتـَـلَـكْ

                أم تـَــوَلّـى بــك مـــــا ***** غـالَ فـي الـدَّهـرِ السُّلَكْ

                والـمـنـــايــا رَصـَــــــدٌ ***** للفَـتـَــى حَـيْـثُ سَـلَـكْ

                سلم الخاسر
                موسى المطر غيث بكر ثم انهمر كم اعتبر ثم فتر وكم قدر ثم غفر عدل السير باقي الأثر خير البشر فرع مضر بدر بدر لمن نظر هو الوزر لمن حضر والمفتخر لم غبر

                هنالك نصوص خرجت عن وزن الخليل وعن تعمد القافية
                مثل نص امرئ القيس ( مفاعلن فعولن)
                ألا يا عين فابكي –على فقدي لملكي
                وإتلاقي لمالي – بلا صرفٍ وجهد
                تخطيت بلاداً – وضيعت قلاباً

                هنالك نصوص خرجت عن الوزن بشكل كامل

                أبو نواس
                رأيت كل من كان أحمقاً معتوهاً
                في ذا الزمان صار المقدم الوجيها
                يارب نذلٍ وضيعٍ نوهته تنويها
                هجوته لكيما أزيده تشويها

                ---تم استخراج النتائج بالاستدلال الاستنباطي ، أي الاستناد على المقدمات (وهي العينة التي تم انتقاؤها ) للوصول إلى نتائج نموذجية ، وقد تم تجيير الكثير من الحقائق لصالح الوصول لهذه النتائج النموذجية ، بدليل أن هذه النتائج (الخليلية) لم تستطع أن تصف كل الحالة الشعرية العربية، والجدير ذكره هنا أن الكثير من النصوص الشعرية قد تم إهمالها من التدوين –كما تشير الكثير من الدراسات- لأنها خارجة عن عروض الخليل ، أي القول أن النموذج يصنع الشعر ، وعدم القول أن الشعر يبتدع شكله

                ....العينة التي تم الاستناد عليها غير ممثلة كما وضح سابقاً أي أن المقدمات التي تم الاستناد عليها غير كاملة وهذا ما ادّى إلى ما يسمى في علم المنطق بأغلوطة التعميم ، وهو تعميم نتيجة ما دون مقدمات كافية لهذا التعميم ، بهذا يمكن القول أن عروض الخليل هو في الحقيقة نموذج رمزي لوصف عينة منتقاة من الشعر العربي وليس نموذج للكتابة عليه بدليل الخروج عن هذا النموذج قبل وأثناء وبعد ظهور هذا النموذج

                .... تم دمج الوحدات الصوتية الصغرى (الأسباب والأوتداد) –إلى وحدات أكبر وهي التفعيلات ، وهذا أدّى إلى إهمال الكثير من التشكيلات الإيقاعية وتنويعاتها، بهدف اعتماد نموذج مثالي يعتمد على تشكيلات محددة
                ...لقد تم بناء هذه النماذج بشكلها النهائي (دوائر العروض ) على الاحتمال الرياضي الصرف والبعيد عن الواقع الشعري فنجد أن الكثير من النصوص الشعرية تخرج عن هذه النماذج من جهة ، ومن جهة أخرى – وهذه النقطة مثار الكثير من التساؤل – نجد أن بعض النماذج (البحور) الأصيلة في دوائر الخليل لم يكتب عليها أي نص منذ العصر الجاهلي وحتى القرن الهجري الثاني ، وإنما كتب عليها بشكل قليل جداً بعد ظهور العروض هي الهزج، المجتث ، المقتضب ، المتدارك ،كما يورد ابراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر

                ....لقد تم إهمال الكثير من الأساسيات الإيقاعية بسبب الإعتماد على الساكن والمتحرك فقط ، مثلا : إهمال المد نقول في العروض ( لا) سبب خفيف تساوي (قلْ) مع أن الفرق بينها كبير بسبب إمكانية إطلاق المد في (لا)،، أو مثلا عدم الاهتمام بالصيغ النبرية كالاستفهام ، والاستنكار ، والسؤال ، وغيره و مدى تأثير ذلك على الصياغة الشعرية ،،،
                هنالك الكثير ممن قالوا أن الخروج عن العروض لا يعني الخروج عن الشعر ، وإنما يعدّون العروض حالة إيقاعية معينة للشعر من حالات إيقاعية كثيرة جدا
                أبو العتاهية ((أنا أكبر من العروض))
                الجاحظ ((العروض هو أدب مستبرد ومذهب مرذول ))
                الزمخشري ((والنظم على وزن مخترع خارج على أوزان الخليل ، لا يقدح في كونه شعرا، ولا يخرجه عن كونه شعراً))
                ابن سنان الخفاجي ((والذوق مقدم على العروض. فكل ما صح فيه لم يلتفت إلى العروض في جوازه))
                وهنالك الكثير من النقاد الحديثين الذين يحملون نفس النظرة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أدونيس ، د.كمال أبو ديب ، د. سيد بحراوي ,,,وغيرهم الكثير

                ----التشكيلات الإيقاعية الكثيرة جداً والخارجة عن الأوزان المحددة منذ العصر الجاهلي وحتي يومنا خصوصاً في المرحلة الأندلسية حيث يرى الكثير من الباحثين في شعر هذه المرحلة تحديداً أن سبب هذا الخروج الكبير عن أوزان الخليل هو اختلاط العرب المباشر مع الأعاجم والاطلاع على ثقافتهم الموسيقية المتنوعة وايضا الطبيعة الخلابة التي لم يعرفها العرب قبل ذلك ضمن بيئتهم المحلية وأهم الإيقاعات الجديد في المرحلة الأندلسية الموشحات والزجل ، وأيضا من هذه التنويعات الإيقاعية الأشكال الشعرية الحديثة المتعددة والتى حاول أصحابها الخروج عن الشكلية الخليلية بدرجات متفاوتة منها ما هو متواضع ، ومنها ما هو ثوري ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر ، جماعةالديوان ، حركة أبولو، المحاولات العديدة لشعراء المهجر وعلى رأسهم جبران خليل جبران، قصيدة التفعيلة وتجربة نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ، قصيدة النثر ،و اسمحوا لي أن أذكر أيضا تجربتنا المتواضعة القصيدة التناغمية

                أعتقد وبعد النقاط أعلاه أن الخطأ الأكبر يكمن في الفهم السلطوي للعروض ، واعتباره مثالا مقدساً لا يمكن الخروج عنه ، وبالتالي تحديد مفهوم الشعر ومسمى الشاعر عبر العروض ، أي اعتبار الشعر نموذجي الصنعة غير القابل للتطور، وليس إبداعاً لا يقبل نموذجية الإطار ، الأمر الذي تؤكده كل الدلائل الاستقرائية كما هو مشار سابقاً منذ الجاهلي وحتى يومنا هذا ، والحقيقة أن العروض هو وصف لجزء معين من التجربة الشعرية العربية وفي فترة معينة ،والقول بتعميم هذه التجربة وإطلاقها خارج حدود الزمان والمكان فيه تحديد لمفهوم الشعر ومفهوم الإبداع عموما ، لأنه يحصر المعاني عبر إطار شكلي قوامه تكرار معين ومحدد من الحركة والسكون ، و ذلك يؤدي إلى حصر الشعر في الغنائية الرتيبة دون درامية المعنى وهذا لا يحدد فقط مفهوم الشعر وإنما أيضا يحدد وظيفة هذا الشعر وأهدافه ، الأمر الذي يتنافى مع منطقية التطور الجدلي للشكل والمضمون والذي قال به الكثيرون وعلى رأسهم عبد القاهر الجرجاني حين قال (( الشكل تابع للمعنى)) ،لأن الغنائية الرتيبة تتفق مع التوصويرات الواضحة ذات العلاقات الخطية الواصفة للواقع عبر التشبيهات اللغوية بأشكالها ولا تنسجم كثيرا مع التصوير الرؤيوي الذي يعمل على تأويل ما هو خلف الواقع

                ومن جهة أخرى إن القول بإمكانية ومشروعية تطور الشعر شكلا ومضمونا خارج إطار العروض والتفعلية ، لا يقدح أبدا ، بمدى إبداعية الشعر الموزون ومدى إبداعية العروض الواصف لها ، لأن الدرسات السيكولوجية والإجتماعية تؤكد أن المفاهيم الإشكالية كالجمال والإبداع يمكن لها أن تتغير وتتطور عبر الزمان والمكان








                ------------------------------------------------------

                بعض المراجع
                1- الثابت والمتحول – أدونيس
                2- الشعرية العربية – أدونيس
                3- في البنية الإيقاعية للشعر العربي – د. كمال أبو ديب
                4- العروض وإيقاع الشعر العربي – د.سيد البحراوي
                5- الصوت القديم الجديد – د. عبد الله الغدامي
                6- موسيقى الشعر – ابراهيم أنيس
                7- سر الفصاحة – ابن سنان الخفاجي
                8- الختام المفضوض عن خلاصة علم العروض- أبو بكر محمد القضاعي
                9- الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه –مصطفى الشكعة

                الأستاذ هيثم الريماوي؛

                عوص غاص ينتقي جواهره، فأصاب رميه وتأصلت درره، بأبيات للبخاري أزكي نوادره:

                يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: "هذه منظومة وعظية حذََوتُ فيها حذو بيتين عثرت عليهما، نسبهما أبو العباس المقرى للإمام البخاري رحمه الله .ذكر ذلك المحبي في - خلاصة الأثر- قال الإمام البخاري:

                اغنتم في الفراغ فضلَ ركــــــــــوعِِ فعسى أن يكون موتُك بغتة
                كم من صحيح قد مات قبل سقيم ذهبت نفسه النفيســــــة فلتَه

                ******
                وقلت ناسجا على المنوال :

                وعزيزِِ في سربه مطـــــــــــمئــِن سلتته منه المـــــنيَّة سَلـــــــــتَه

                كم من خطيبِ فـوق المـنابر يشـدو أسكتته للآجال أيـــــــــّة سكتَه

                كم رئيس على العــــــــباد تمطَّــى مدَّدَتهُ المَنونُ جيــــــــــفَةَ مَيتَة

                فاغتنم فـضل ليلـــــــــــــة ونهـارِِ وكأنَّ مضجع الفِــــــــــــراق رأيتـه

                وكأنَّ قد سمـــــــعت نوح البواكـي وكأن عَلقم الفجــــــــــيعة ذقتـه

                وكأنَّ الأكفَــــــــــــان قد أحضروهـا وكأنَّ الغسّال يُخفِتُ صــــــــَوتـه

                وكأنَّ الفــؤوس للأرض تــــــــهوِي شقت القبر عــــــرضَ شبر قدَرتَـهُ

                حملوا النعش مســــــــرعين خفافا هو ذا مَوعد التَّوَسُّـــــــــدِ جئتَـه

                طرحوا، أنزلوا، وَوَارَوا شُــخَيصاََ ذهبت نفسه النفـــــــــــــيسةُ فــلتَه

                ****************


                ويقول البروفيسرور عبد الله الفيفي : " لقد كنتُ أوردتُ في كتابي “مفاتيح القصيدة الجاهليّة”(1) أن “بناء القصيدة العربيّة ذاته يشي بأصوله المعماريّة. ذلك أن أسلوب الأعمدة والتناظر، الذي يُلحظ في معمار مدائن صالح، مثلًا، يبدو هو الأساس في الذوق الفنّيّ العربيّ الذي أفرز شكل القصيدة العربيّة؛ حيث التوازن دائمًا والتجاوب: التِّمثال إزاء تِمثال، والعمود إزاء عمودٍ مُشاكل، والإناء إزاء إناءٍ شبيه، والنَّسْر (ذو الشَّرَى= الشمس)(2) لا بُدّ أن يكون جناحاه ممتدَّين متقابلَين، ولا بُدَّ أن يتقابل ثعبانان حول قناع الرأس، جهةَ اليمين وجهةَ الشِّمال، بنمطٍ انسيابيّ واحد، وتِمثال الحيوان على أحد الأعمدة يُجابَه بتِمثالٍ على العمود المقابِل في الوضع الحركيّ نفسه، كلّ منهما يَمُدُّ يدًا على طَبَقٍ دائريّ، والشُّرفات متقابلة في سِلسلتَين، كما يُجعل المثلَّث فوق باب المقبرة مقابلًا بالشُّرفات العُلويّة التي يُشْبه وضعُها مثلَّثًا مقلوبًا. وهكذا، في دِقّة تناظريّة، تُذَكِّر بالانتظام الفنّيّ- شكلًا ومضمونًا- بين صدور الأبيات الشِّعريّة وأعجازها في القصيدة العربيّة. ممّا يدلّ على البنية الذهنيّة العميقة لأسلوب الفنّان العربيّ الموروث(3). ومِن ثَمَّ يمكن التماس جذرٍ أبعد في تاريخ المصطلحات العَروضيّة العربيّة، كـ”بيت”، و”مصراع”، و”تصريع”.. إلخ، بالمناظرة مع الأسلوب المعماريّ لبوّابات المباني بمدائن صالح”.

                ***********

                أرأيت تكامل الطرح، بنسج لجمال الصرح، وهندسة المعماري
                يتبع



                (1) (2001)، “مفاتيح القصيدة الجاهليّة: نحو رؤية نقديّة جديدة (عبر المكتشفات الحديثة في الآثار والميثولوجيا)”، (جُدّة: النادي الأدبي الثقافي)، 65- 66.
                p.alfaify@gmail.com http://khayma.com/faify

                </I>
                http://www.mhammed-jabri.net/

                تعليق

                • محمد جابري
                  أديب وكاتب
                  • 30-10-2008
                  • 1915

                  #9
                  الأستاذ هيثم الريماوي؛

                  بلورت الحجة، وانقاد الشعر مصفى بقطرات الندى وجميل النغم، من غيرسوق الخليل؛ وتبقى الدرر مصونة رغم العناد في حزر الخليل، فما نثر من جواهر خارج السوق إلا الناذر، وهو ما لا يعبؤ له. فهل عظم الفضل على الفراهيدي وانقادت الجموع لبحوره، أم ...؟

                  إن الوقائع لتصدع برياح الحقائق ما لنا منها بد، ولا يسع المرء إلا التريد : {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}
                  http://www.mhammed-jabri.net/

                  تعليق

                  • هيثم الريماوي
                    مشرف ملتقى النقد الأدبي
                    • 17-09-2010
                    • 809

                    #10
                    القدير محمد الجابري

                    كل الشكر ، لاهتمامكم وبهاء الحضور

                    لا أعتقد أن ادعاء الحاجة للتطور يقدح في الأصول ، أو من أسّس لها أو وصفها
                    لا أعتقد أن العمارة الحديثة تنتقص من قدر الأسس الهندسة المعمارية الإسلامية
                    قد نختلف في شكلية التطوير ، ولكن لا أعتقد أنه علينا أن نختلف على ضرورته وإلا لما كانت الخروجات عن العروض منذ العروض وحتى الآن؟

                    محبتي
                    هيثم الريماوي

                    ((احذر من العلم الزائف ، فهو أخطر من الجهل. )) جورج برنارد شو

                    بين النظم وأن يكون نثراً شعرة الإيقاع التي لم يلتفت إليها العروض
                    بين النثر وان يكون نظماً قصة العلوم طويلة الأمد.

                    تعليق

                    • هيثم الريماوي
                      مشرف ملتقى النقد الأدبي
                      • 17-09-2010
                      • 809

                      #11
                      تم نقل الرد هنا لعلاقته بالموضوع


                      القدير خشان خشان /القديرة ريمه الخاني

                      كل الشكر والتقدير لاهتمامكما ، وعمق فهمكما ، وأتفق معكما كثيرا فيما أوردتماه من ملاحظات في إطارها العام ، ولكن تبقى هنالك بعض التفصيلات المهمة – في رأيي – يجب التحدث عنها ..
                      اسمحا لي أولا ، بتمهيد مهم لإثارة مناطق مفصلية للحوار وهو حول نهج الخليل في تأسيس علم العروض ، وطرق استنتاجاته ، وذلك ما دأب (الرقمي) على توضيحه ، وأعتقد أنه نجح في ذلك كثيرا ، لذلك أتمنى ملاحظات القدير خشان خشان ورأيه هنا

                      أفترض أن الخليل – وهو عالم في اللغة ، الموسيقا ، والرياضيات – قد بدأ كما يلي
                      1 استقراء الشعر الذي كان موجودا في ذلك الوقت ، محددا بداية أطول جملة مفترضة للشطر الشعري ، ولنفترض أنها (36 )حرفا ، وافترض بعد ذلك المتغيرات الأساسية في شكل هذه الجملة الشعرية ، وهما الساكن والمتحرك ، بهذه المعلومات الأولية يمكن وبطريقة حسابية بسيطة معرفة عدد الاحتمالات الممكنة ( افتراضيا ) بتشكيل جملة مكونة من 36 حرفا وبتغيير أماكن السواكن والمتحركات في كل مرة
                      = 36!(مضروب) / 36-2 ، وهو عدد ضخم جدا .

                      2 بدأ بحذف الاحتمالات التي لا تجيزها اللغة ، ويستحيل أن تتحق عمليا ، على سبيل المثال لا الحصر ، احتمال أن يلتقي ثلاثة أو أربعة سواكن ، احتمال أن يبدأ بساكن ، أو احتمال أن يلتقي سبعة متحركات ، ..إلخ ، فقلّص العدد الضخم إلى أكثر من النصف.

                      3 بعد ذلك قام بعملية ، فلترة ، لتقسيم الاحتمالات الباقية ، واستنادا على التجربة الشعرية الراهنة في ذلك الوقت ، إلى احتمالات معتبرة ، احتمالات مهملة ، وربما احتمالات شاذّة ، وبالتالي قلّص عدد الاحتمالات إلى أكثر من النصف مرة أخرى .

                      4 قام بتجميع الاحتمالات المعتبرة المتشابهة في مجموعات ، وسمّى كل مجموعة ببحر ، والبحر من اسمه ، له حدود معروفة و بداخله تشكيلات مختلفة ، وهذه العملية في التجميع هي بالتأكيد لا تأتي إلا من شخص له معرفة واسعة بالموسيقا ، فكان الأساس المعتمد في التجميع ؛ أن التشكيل الوزني الأساسي لا تتغير موسيقاه ضمن مدى معين من تغير السواكن والمتحركات ، في هذه المرحلة لم يقلّص الخليل الاحتمالات المعتبرة وإنما جمّعها ليسهل وصفها .

                      5 قام بعد ذلك كما في الخطوة السابقة ، بتجميع السواكن والمتحركات في أسباب وأوتاد وفواصل ، وقام بتجميع الأسباب والأوتاد والفواصل في تفاعيل ، وذلك، لسببين – كما أرى - أولا : التوضيح والتفهيم لما قام به في الخطوة السابقة (البحور)، فظهرت مصطلحات كثيرة كازحاف والعلة وغيرهما ، ثانيا : لقد تعمّد الخليل التفصيل في هذه النقطة لإثبات وجهة نظره منطقيا في إيجاد نظام متكامل ، فلم يترك سؤالا ممكنا من المتلقين إلا وأجاب عليه مسبقا .

                      6 قام بتدوير البحور ، في خطوة أعتقد أنها مهمة جدا لاكتمال بناء عروض الخليل ، والفكرة ببساطة تستند على ما يلي :
                      ** نقل أقل عدد ممكن من السواكن والمتحركات بما يتوافق مع أحكام اللغة من بداية شطر البحر وإضافتها إلى نهاية شطر البحر في المرة الأولى ، ومن ثمّ تكرار ذلك بخطوات متسلسلة بحيث تكون كل خطوة مستندة على ما سبقها ، حتى تكتمل الدائرة ونعود إلى الخطوة الأولى التي تم البدء منها ، ولهذا تحديدا سميت دوائر.

                      ** إهمال ما تشكل من بحور غير معتبرة في هذه الدائرة ، وتثبيت البحور المعتبرة ، في تصنيف واحد يسمى دائرة .

                      ** تم تثبيت بحور جديدة نشأت من هذه الدوائر لاعتبارات تذوقية ، مع أن هذه البحور لم تكن معتبرة لقلة شيوعها أو لعدم وجودها أصلا ، وهي الهزج والمجتث والمقتضب ، والمتدارك لاحقا ،
                      أعتقد هنا أن الفائدة التي جاءت بها هذه الخطوة هي تسهيل دراسة التجانس الموسيقي للبحور داخل الدائرة الواحدة ،والتعويض عن احتمال عدم اكتمال المعلومات الخام ، بالتفكير النظري ؛ أي وضع احتمال عدم قدرة الخليل للوصول إلى كل التجرية الشعرية العربية في ذلك الوقت بسبب تواضع وسائل الاتصال ؛ و التعويض عن ذلك بالاستنتاج النظري ، فما كان يقصده الخليل بتثبيت بحور دون وجود تجربة تذكر للكتابة عليها ؛ أن هذه البحور مقبولة عند الذائقة العربية ، فربما تكون هنالك أشعار نسجت عليها ولم تصله ، وحتى لو لم يكن ذلك ، فإن الكتابة عليها لا ضير فيها لأنها تتوافق مع الأذن العربية .

                      فما كان هنا من وصف يدل على مدى متانة بنية علم العروض ومدى المعرفة والعمق التي كان يتمتع بهما الخليل ، وأعتقد أن (الرقمي) جاء لإثبات وتوضيح هذه النقاط تحديدا ، عبر الاستغناء عن جزء من الخطوة (5) في التوصيف أعلاه ، للتأكيد على فكر الخليل ونهجه ، أكثر من التمسك بالتفاعيل كبؤرة أساسية لوصف الوزن ، وفيما يتعلق بالعوامل الأخرى المؤثرة في موسيقا الشعر كالفرق بين السكون والمد ، أو النبر – على اختلاف وجهات النظر فيه - ، أو علاقة الشكل بالمعنى ، فلا أفترض ، بل وأجزم بنفي أن الخليل لم يلتفت إلى ذلك ، فكل المؤشرات الموضوعية ، التي تدلل بوضوح على سعة اطلاع الخليل وعبقريته ، تنفي بشكل قطعي ، أنه لم ينتبه إلى ذلك ، إنما الواضح أن الخليل كان يسعى وبشكل حثيث نحو نموذج متكامل يستطيع استيعاب الشكل الشعري لديوان العرب ويستطيع وصفه ، واعتماد قواعد ثابتة تمثل ذلك ، وهذا يتطلب بالطبع تحديد المتغيرات بحدود قصوى لا يمكن الخروج عنها ، هذه الحدود القصوى تمثل حدود النظام المفترض ؛ وعندما درس الخليل البنية الشكلية للشعر العربي وجد أن المتغيرات المثالية التي يمكن دراسة تأثيرات تغيراتها وتحديد حدود قصوى لها ، هي الساكن والمتحرك ، ووجد أنه يستحيل ضبط أو استكشاف نظام محدد لتوضيح وتفسير العوامل الأخرى ، فهي من التنوع بما يكفي للقول أن لكل شاعر خصوصيته في تناولها .

                      بعد كل هذه المقدمة ، واستنادا عليها أتمنى من المهتمين المشاركة في الإجابة على الكثير من الأسئلة منها :
                      بافتراض صحة ما تقدم
                      1 تواضع وسائل الاتصال ، وضخامة الناتج الشعري في ذلك الوقت ، هل يعني احتمال وجود تشكيلات إيقاعية معتبرة لم تصل للخليل أو وصلته بشكل قليل جدا لدرجة اعتبارها مهملة ؟واعتبار المتدارك مهملا عند الخليل ومعتبرا عند الأخفش ألا يدلل على ذلك ؟

                      2 إن أقدم ما وصلنا من الشعر كان منذ حوالي 300 سنة قبل الإسلام ، ألا نجد بالضرورة المنطقية وجود شعر ما قبل ذلك ؟ ألا نجد بالضرورة المنطقية ، وجود تطور ما للقول الشعري حتى وصوله للشكل المعروف هذا ؟ و إذا كان كذلك ألا نجد بالضرورة المنطقية – أيضا – استمرار هكذا تطور ؟ بمعنى ما المعامل الموضوعي الذي يقول : إن ثبوت ذائقة العرب لشكل الشعر قد تحدد وتوقف بظهور العروض ؟

                      3 ألا يعني وجود قصائد – وإن كانت شاذة – معتبرة عند العرب ، كمعلقة عبيد بن الأبرص ، بأن ذائقة العرب قد تقبلت ما هو خارج عن عروض الخليل ؟

                      4 ألم يؤثر العروض في ذائقة العرب؟ باعتباره نظاما محكما في بنيته ، وباعتبار المكانة العالية لصاحبه ( الخليل بن أحمد الفارهيدي ) ، وإذا كان هنالك تأثير فهل هو سلبي أم أيجابي ؟

                      5 هل يمكن قياس الظواهر الإنسانية بنظم نموذجية غير قابلة للتطور ؟ وبالتالي هل يمكن اعتبار الذائقة مفهوما مثاليا مطلقا وثابتا، وبشكل خارج عن حدود الزمان والمكان ؟

                      أتفهم وأقتنع كثيرا بالقاعدة المنطقية التي تقول " عدم الرضى بأمر ما يتطلب تقديم بديل " ، وتلك كانت إحدى جمل أستاذنا القدير خشان خشان ، عندما تشرفت بلقائه بعمان / الأردن ، وأنا مقتنع بذلك كثيرا ، ولكني أيضا أفترض أن البديل ليس عليه بالضرورة أن يكون بذات المنهجية ، وأيضا ليس القول بوجود بدائل يعني بالضرورة عدم الرضى عن الأمر ، بل وأرى أن الظاهرة يمكن وصفها بأكثر من طريقة من خلال أكثر من زاوية ، تماما كحقيقة أن كل نقطة على مستوى الزمكان هي مركز افتراضي لعدد لانهائي من الأشكال الكروية .

                      تقديري الكبير
                      هيثم الريماوي

                      ((احذر من العلم الزائف ، فهو أخطر من الجهل. )) جورج برنارد شو

                      بين النظم وأن يكون نثراً شعرة الإيقاع التي لم يلتفت إليها العروض
                      بين النثر وان يكون نظماً قصة العلوم طويلة الأمد.

                      تعليق

                      يعمل...
                      X