كتب مصطفى بونيف
حـــوار مع خروف في ليــلة العيد..!!
كان الخروف هذه المرة، وعلى غير العادة..سعيدا والفرحة تنط من عينيه، نظرت إليه مستطلعا سر السعادة الكبرى التي تعتريه، خاصة وأنني أعرف جيدا بأنه يدرك بأنه سيق إلى هذا المكان ليكون "أضحية العيد الكبير"، كان خروفنا ينظر إلى السماء ثم ينحني إلى الأرض ليأكل الأعشاب الموضوعة أمامه بنفس مفتوحة، بينما راحت الصغيرة فرح تسوقه من قرونه وتلاعبه!!.
ما أعظم الخرفان وهي تتقدم إلى سكين الذبح في شموخ، وكأنها تدرك بأنها ستصنع سعادة الآخرين، معاني لا يدركها إلا من يعرف بأن الدم لا مكيال له إلا الحرية...والكبرياء، خاصة في يوم كهذا اليوم المقدس ...
لكن خروفي المثقف توقف هنيهة لينظر إلى الجريدة التي أحملها في يدي وكأنه يقرأ ما كتب عليها بالبنط العريض "الشعب يريد تغيير النظام!"...
رفس برجله الأرض ثم صاح:"ماااااع...ماااع..."، حملت إليه الماء لكنه ضرب الإناء برجله وواصل صياحه "ماااع ، مااع"...
ثم أخرج من صوفه ورقة مكتوب عليها نفس العبارة " الشعب يريد تغيير النظام"!!...
سألته : حتى أنتم يا معشر البهائم تعرفون الثورات؟
فأجابني غاضبا: بهائم...؟ حسن ألفاظك يا بهيم، فالبهيمة هي من سكتت عن الظلم قرنا من الزمن ثم انتفضت في غفلة من الدهر...
ثم جرح الجدار بقرنيه...
قلت له : سأعتبر نفسي بهيمة كما تقول، ولكن هل تعرفون أنتم أيضا الثورات؟
فأجابني ساخرا: تيوسنا أعدل من حكامكم، يكفي قبيلة الغنم تيس واحد لينظمها، ويحركها كيفما يشاء، وهو لا يسوقها إلا إلى حيث الرزق وإذا حدث أن تمرد خروف من القطيع فلن يسلم من قرون التيس الأعظم!
ضحكت وقلت له: تيس واحد يقود قبيلة من الأغنام، هو نفسه مبدأ الديكتاتور الذي يحكم الأمم ...منذ قرن!!
مسح خروفي الأرض بأرجله ثم قال: شتان بين تيوسنا وحكامكم، تيوسنا لها من الفحولة ما يبرر قيادتها لأمة القطعان، وإذا حدث أن قطع قرن التيس الأعظم أو أصابه الضعف والوهن فلن يسلم القيادة إلا لتيس فحل يعلم جيدا بأنه قائد جيد، أما أنتم فتيوسكم أقصد حكامكم لا يغادرون القيادة إلا بخيانة أو تدخل أجنبي، أو بتدخل مباشر من ملك الموت الذي يتباطئ في القدوم إليهم عقابا لكم، لأن الله أكرم من أن يكرم إنسانا اختار لنفسه أن يعيش عنزة يركبونها ويسرقون لبنها نصف قرن من الزمن، فلا تملك من الأمر سوى أن تحك جسمها الأجرب على جدار خشن!!
تعجبت من حكمة هذا الخروف وخاطبته مخففا من حدته: هون عليك يا صاحبي فإنكم قطعان يقودها "راعي" من بني البشر، وبدونه لا ينفعكم التيس الذي تحدثني عنه...إن الذي يسمعك يعتقد بأنك تتحدث عن "غاندي" وليس تيسا احتارت في تيسنته التيوس!!.
غرق صاحبي الخروف في ضحكة هستيرية ثم قال: عندما نسير خلف "الراعي" فإننا نضحك ونسخر من مشيته وطريقة تصرفه، ونحرض صغارنا على استفزازه بالجري هنا وهناك ...حتى ييأس ثم يجلس تحت شجرة ليتحفنا بعزف على الناي أو الربابة...أما إذا أحضر معه كلبا فإننا نضحك عليه ومعنا الكلب الذي سرعان ما ينسى أمرنا إذا نبحت له كلبة من خلف التلال ...أنتم يا قطعان البشر بإمكان حاكمكم أن يسلط عليكم الكلاب لتأكلكم إذا رفعتم صوتا، بل إن الجندي الذي يفترض بأن يحميكم وهو واحد منكم لا يتواني في إطلاق النار عليكم، وعلى أمه وأبيه وصاحبته وبنيه إذا لزم الأمر..
كان الخروف يتكلم معي كما لو أنني من سأقدم إلى سكين الذبح في صبيحة العيد، بينما راح يبول على صفحات الجريدة في ثقة تامة وهو يغني "وطني حبيبي وطني العربي، وانتصاراته ماليه حياتو.."!!
ثم قال لي وهو يحاورني: هل تستطيع أن تخبرني عن نصر واحد انتصرتموه حقا إلا في هذه الأغاني، فتوحاتكم كلها فتوحات طرب، وروتانا سنيما مش هتغمض عينيك؟.
قلت له : يالك من خروف جاهل، الثورات في البلاد العربية انتصرت، وظهر الحق فيها!
نظر إلى السماء ثم قال: ثوراتكم قامت على رئيس واحد ونصبت مكانه مائة ألف رئيس، تاجر المخدرات واللوطي والعاهرة والملحد أسسوا أحزابا وترأسوها، وقطعان أخرى جاءت بالذئاب لتنتصر لها ثم تحكمها...هكذا أنتم أيها الأعراب فنحن نعرفكم جيدا لأننا عشنا معكم، ألسنتكم أطول من قاماتكم، وكل من يمشي على أربع يركبكم ...
تركت خروفي غاضبا، توعدته بسكين قاطع صبيحة العيد...
وفي صباح العيد، دخل "الذباح" وتقدم نحو الخروف الذي بدا شجاعا، نظر حوله لتستقر عيناه على عيني وكأنه يقول لي: "هل فهمت الدرس يا غبي؟"
حتى سالت دماؤه...تلمع تحت نور الشمس ...في النهاية "لم يتخبط الخروف"
كان معكم مصطفى بونيف من مسلخ هيئة الأمم المتحدة
حـــوار مع خروف في ليــلة العيد..!!

كان الخروف هذه المرة، وعلى غير العادة..سعيدا والفرحة تنط من عينيه، نظرت إليه مستطلعا سر السعادة الكبرى التي تعتريه، خاصة وأنني أعرف جيدا بأنه يدرك بأنه سيق إلى هذا المكان ليكون "أضحية العيد الكبير"، كان خروفنا ينظر إلى السماء ثم ينحني إلى الأرض ليأكل الأعشاب الموضوعة أمامه بنفس مفتوحة، بينما راحت الصغيرة فرح تسوقه من قرونه وتلاعبه!!.
ما أعظم الخرفان وهي تتقدم إلى سكين الذبح في شموخ، وكأنها تدرك بأنها ستصنع سعادة الآخرين، معاني لا يدركها إلا من يعرف بأن الدم لا مكيال له إلا الحرية...والكبرياء، خاصة في يوم كهذا اليوم المقدس ...
لكن خروفي المثقف توقف هنيهة لينظر إلى الجريدة التي أحملها في يدي وكأنه يقرأ ما كتب عليها بالبنط العريض "الشعب يريد تغيير النظام!"...
رفس برجله الأرض ثم صاح:"ماااااع...ماااع..."، حملت إليه الماء لكنه ضرب الإناء برجله وواصل صياحه "ماااع ، مااع"...
ثم أخرج من صوفه ورقة مكتوب عليها نفس العبارة " الشعب يريد تغيير النظام"!!...
سألته : حتى أنتم يا معشر البهائم تعرفون الثورات؟
فأجابني غاضبا: بهائم...؟ حسن ألفاظك يا بهيم، فالبهيمة هي من سكتت عن الظلم قرنا من الزمن ثم انتفضت في غفلة من الدهر...
ثم جرح الجدار بقرنيه...
قلت له : سأعتبر نفسي بهيمة كما تقول، ولكن هل تعرفون أنتم أيضا الثورات؟
فأجابني ساخرا: تيوسنا أعدل من حكامكم، يكفي قبيلة الغنم تيس واحد لينظمها، ويحركها كيفما يشاء، وهو لا يسوقها إلا إلى حيث الرزق وإذا حدث أن تمرد خروف من القطيع فلن يسلم من قرون التيس الأعظم!
ضحكت وقلت له: تيس واحد يقود قبيلة من الأغنام، هو نفسه مبدأ الديكتاتور الذي يحكم الأمم ...منذ قرن!!
مسح خروفي الأرض بأرجله ثم قال: شتان بين تيوسنا وحكامكم، تيوسنا لها من الفحولة ما يبرر قيادتها لأمة القطعان، وإذا حدث أن قطع قرن التيس الأعظم أو أصابه الضعف والوهن فلن يسلم القيادة إلا لتيس فحل يعلم جيدا بأنه قائد جيد، أما أنتم فتيوسكم أقصد حكامكم لا يغادرون القيادة إلا بخيانة أو تدخل أجنبي، أو بتدخل مباشر من ملك الموت الذي يتباطئ في القدوم إليهم عقابا لكم، لأن الله أكرم من أن يكرم إنسانا اختار لنفسه أن يعيش عنزة يركبونها ويسرقون لبنها نصف قرن من الزمن، فلا تملك من الأمر سوى أن تحك جسمها الأجرب على جدار خشن!!
تعجبت من حكمة هذا الخروف وخاطبته مخففا من حدته: هون عليك يا صاحبي فإنكم قطعان يقودها "راعي" من بني البشر، وبدونه لا ينفعكم التيس الذي تحدثني عنه...إن الذي يسمعك يعتقد بأنك تتحدث عن "غاندي" وليس تيسا احتارت في تيسنته التيوس!!.
غرق صاحبي الخروف في ضحكة هستيرية ثم قال: عندما نسير خلف "الراعي" فإننا نضحك ونسخر من مشيته وطريقة تصرفه، ونحرض صغارنا على استفزازه بالجري هنا وهناك ...حتى ييأس ثم يجلس تحت شجرة ليتحفنا بعزف على الناي أو الربابة...أما إذا أحضر معه كلبا فإننا نضحك عليه ومعنا الكلب الذي سرعان ما ينسى أمرنا إذا نبحت له كلبة من خلف التلال ...أنتم يا قطعان البشر بإمكان حاكمكم أن يسلط عليكم الكلاب لتأكلكم إذا رفعتم صوتا، بل إن الجندي الذي يفترض بأن يحميكم وهو واحد منكم لا يتواني في إطلاق النار عليكم، وعلى أمه وأبيه وصاحبته وبنيه إذا لزم الأمر..
كان الخروف يتكلم معي كما لو أنني من سأقدم إلى سكين الذبح في صبيحة العيد، بينما راح يبول على صفحات الجريدة في ثقة تامة وهو يغني "وطني حبيبي وطني العربي، وانتصاراته ماليه حياتو.."!!
ثم قال لي وهو يحاورني: هل تستطيع أن تخبرني عن نصر واحد انتصرتموه حقا إلا في هذه الأغاني، فتوحاتكم كلها فتوحات طرب، وروتانا سنيما مش هتغمض عينيك؟.
قلت له : يالك من خروف جاهل، الثورات في البلاد العربية انتصرت، وظهر الحق فيها!
نظر إلى السماء ثم قال: ثوراتكم قامت على رئيس واحد ونصبت مكانه مائة ألف رئيس، تاجر المخدرات واللوطي والعاهرة والملحد أسسوا أحزابا وترأسوها، وقطعان أخرى جاءت بالذئاب لتنتصر لها ثم تحكمها...هكذا أنتم أيها الأعراب فنحن نعرفكم جيدا لأننا عشنا معكم، ألسنتكم أطول من قاماتكم، وكل من يمشي على أربع يركبكم ...
تركت خروفي غاضبا، توعدته بسكين قاطع صبيحة العيد...
وفي صباح العيد، دخل "الذباح" وتقدم نحو الخروف الذي بدا شجاعا، نظر حوله لتستقر عيناه على عيني وكأنه يقول لي: "هل فهمت الدرس يا غبي؟"
حتى سالت دماؤه...تلمع تحت نور الشمس ...في النهاية "لم يتخبط الخروف"
كان معكم مصطفى بونيف من مسلخ هيئة الأمم المتحدة
تعليق