يمكن القول أننا أمام فكرة نعرفها جميعا ونتفق عليها هى فكرة ضياع القدس وتجبر الاحتلال الإسرائيلى ووحشيته ومحاولة محو الهوية القدسية العربية ، نحن أمام فكرة يقوم عليها النص تستدعى جوها النفسى ووجدانها الذى يعبر عن حالة الفجيعة والحسرة الأليمة التى نكابدها لضياع القدس

- لكن النص لا يجتهد كثيرا فى أن يعبر لنا عن فكرته الخاصة أو وجهة نظره التى تجلو لنا جانبا جديدا من الفكرة ، فالنص يدور فى فلك الخبرة العامة التى نعرفها كمتلقين حول القدس وكذا يدور فى ذات الوجدان الذى تراكم لدينا ، فنحن على مستوى الفكرة والوجدان أمام ما نعرفه وسبق لنا أن تلقيناه وهو ما يجعل النص فى رأيى مباشرا منذ بداية العنوان ( فين الرحمة يا خلق الله )

- لكن من جهة أخرى لابد أن نعى أن دوران النص فى فلك الخبرة العامة التى نعرفها كمتلقين يحمل رسالة من الدأب والتصميم على أن تستمر هذى الرسالة النبيلة ، وعلى ألا يخمد الأسى حول القدس ، وما إشارتنا إلى دوران النص فى فلك الخبرة العامة إلا رغبة فى أن يحاول ان يغامر أكثر ويتعمق أكثر فى الفكرة حتى نستضىء إضاءة أعمق تكشف لنا ما لا نبصره وهذى وظيفة الشعر

- ربما من حيث المعالجة من حيث التخييل نحن نتلقى مفتتح النص عبر الاستعارة التصريحية حيث نتلقى سياق

شجرة زيتون
فاقده خضارها
يابسه فروعها
واتفرّقوا باقي الأغصان
فجأه لقيتها
طالعه وحيده فْ ناحية جاري
واقفه شريده فْ وسط جداري

حيث تمثل شجرة الزيتون استعارة تصريحية جلية دالة على القدس وهى رمزية تدل على ذكاء انتقاء للرمز الدال ، ثم إن هذى الاستعارة تنداح حتى تستحيل البلدان العربية كافة أغصانا فى هذى الشجرة وهو تخييل يحمل رسالته الجمالية والدلالية التى تجعلنا أمام رسالة هامة هى فكرة الوحدة وحدة المصير ووحدة المنبع تماما كما للأغصان جذع واحد يجمعها

- يمكن القول أننا أمام مفتتح يحمل تخييلا يجلو لنا الفكرة والوجدان كليهما فى صورة حسية تضعنا فى قلب التجربة بسلاسة ويسر


يمكن القول أن الاستعارة التصريحية التى تمثلها شجرة الزيتون تحملا امتدادا تخييلا حيث نتلقى هذا السياق

لما سمعت نداها جريت..
واتأملت ، فجأه لقيت
جت في عنيّا ، صوره عارفها
شوفت حبيبتي
هيّا بـْعينه

- حيث نحن هنا أمام التخييل الذى يجعلنا أمام الوجدان الذى صار وجدانا مقدسيا خالصا يرى الدنيا من حوله بنظارة القدس ، فالشجرة تستحيل الحبيبة فكلاهما يمثلا محبة لكنها هنا فى لوحة النص تصير حالة واحدة تصير الحبيبة الوطن والوطن الحبيبة

- لابد من الإشارة إلى أن المعالجة تعمد بمهارة إلى توظيف السرد منذ مفتتح النص وهو سرد يتوسل بفنية الديالوج الذى نرى الشجرة فيه تتكلم وتخاطبنا بما يجعلنا أمام تجسيد للمكابدة فى بنية فنية ضاغة على الوجدان تضعه مباشرة أمام حضور يتوجه إليه بالخطاب والحقيقة أن هذى الفنية فنية السرد تدل على شاعرية تدرى أدواتها وتحاول أن تجرب هذى الأدوات فى كتابة التجربة الشعرية ، ولولا أن الفكرة التى يقوم عليها النص فكرة تدور فى الفلك العام لكان لهذى الفنية التى توسلت بالسرد قدرة أكبر على إحداث الدهشة وتحفيز التلقى ، لكن يجدر الإشارة إلى أننا أمام فنية ننتظر منها الكثير فى نصوص قادمة فهى فنية شاعر يعى أدواته كما أشرنا سابقا

- ربما أيضا من حيث المعالجة على البنية الموسيقية أن تعالج بعض الهنات البسيطة حتى تستقيم لها بنية أكثر انسجاما حيث المفتتح ينحاز لموسيقى الكامل حين نتلقى سياق

شجرة زيتون
فاقده خضارها

لكننا سرعان ما نتلقى موسيقى المتدارك

ليه يا سْيادي ..؟
شايفنّي وسايبنّـي أعاني
ولا سألين


ربما يمكن القول أن موسيقى المتدارك تحمل عبر إيقاعها القلق السريع تحمل قدرة على نقل حالة التوتر وتشعرنا بوتيرة النبض الخافق للوجدان المكلوم بمأساة القدس التى نراها فى النص عبر صياغة فنية تدل على شاعر واع متميز