رُجُولة
حافظت نائلة الحُرّ، قدر استطاعتها، على عدم كسر قَسَم أخيها الذي أطلقه على سمع الجيران، أنها إذا خرجت من البيت، سيذبحها بخنجره الجديد من الوريد إلى الوريد، وحرصا منها على قَسَم أخيها، خرجت ليلا بعد غروب الشمس بساعات، وعادت قبيل الفجر بسويعات، على اعتبار أن الليل ستّار العيوب.
وحين عاد أخوها بعد منتصف الليل، وعرف أنها خرجت ليلا، حمد ربه وشكره، لأنها لم تخرج في النهار ، وتعرض قَسَمَه ورجولته للامتحان!
وحين قررت توسيع أعمالها وغزو الأسواق الواسعة في المدن والقرى النائية، حيث الإمكانيات المتوفّرة، قرّر أن يشتري مسدسا أو بندقية كي يعلّمها كيف تحافظ على سُمْعته، وعلى كلمته، ولا تكسر قسَمه، وتطيعه في كل ما يأمرها به، ولكنها حين عادت مع مبلغ "محْترم" اشترى بدلا من المسدس أو البندقية سيّارة تساعده على سرعة التنقل راكبا بدلا من الترجّل.
وحين قرّرت تنظيم عملها وبرمجته بمواعيد بعضها للعمل، وأخرى للصلاة، وغيرها للنزهات أو النزوات، أثنى على إدارتها الحكيمة، وعلى التزامها بالمواعيد، وقال "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، وشجعها قائلا "ساعة لقلبك وساعة لربّك".
وحين أسرّت رشا الخرساء جارة نائلة الحُرّ إلى جارتها الأخرى، أن زوجها قد شاهد نائلة الحُر مع شخص غريب، في مكان غريب، وفي ساعة غريبة هي الأخرى، وطلبت رشا الخرساء من جارتها آن تتكتم على الخبر، إلا أن هذه الجارة أفشته إلى صديقتها، وصديقتها إلى صديقتها حتى تعدى الخبر حدود القرية، واقتحم حدود القرى المجاورة ، غضب أخو نائلة الحُر، وقرر أن يمارس رجولته، ويضع السمّ في طعام أخته نائلة، وبينما كان يتحيّن الفرصة الملائمة لذلك، فاجأته أخته نائلة الحر بتعيينه مديرا إداريا لأعمالها مع زيادة سخيّة بما تمنحه، نظرا لما يبديه من إخلاص وتفان في العمل، فأثنى على كرمها وسخائها وقال "إن الكرام قليل" في هذا الزمن ألرمادي الذي اختلط فيه البخل بالكرم والوضيع بالنبيل.
وما كاد مكبر الصوت ينفجر قبل شروق الشمس، معلنا وفاة نائلة الحُرّ المفاجئ، حتى تجمع أهل القرية من أقصاها إلى أقصاها أمام بيت نائلة الحر، لكن الشرطة منعت الجميع من الاقتراب، وقد بدا الحزن ثقيلا على أخيها، وتفجر الدمع من عينيه، لكنه حين أحسّ بأن الأنظار تتجه نحوه ، وأصابع الناس تشير إليه، والوشوشات تتناوله، انبسطت أسارير وجهه، ونفخ صدره، ومدّ عنقه، ورفع نظره إلى النجوم، فاعتقلته الشرطة، مما ساهم في ابتكار الإشاعات عن أنه هو القاتل، فقالت رشا الخرساء "إنه ذبحها بخنجره الجديد من الوريد إلى الوريد"، ورددت جارتها "أخيرا فعلها، اليوم أفضل من غدٍ"، فقالت صديقتها "تأخّر..لكنه أخيرا فعلها.,.رجّال" وصارت الإشاعات تكبر، ككرة الجليد المتدحرجة على الثلج.. ، وأُخِذت الجثة إلى معهد الطب الشرعي، وثبت أنها ماتت بالسكتة القلبية، وأنه لا آثار للعنف على جسدها،ولا للدم أو السمّ، أو الخنق أو الشنق، واظهر تحقيق الشرطة أن أخاها كان ليلة وفاة نائلة الحر يلهو في المدينة مع أصدقائه في مكان بعيد وغريب.
وحين أطلق سراحه من المعتقل، استغرب، وطعن في القرار، وقال انه غير دقيق، ولا بُد أنهم أخطأوا في قرارهم، وانه رجل وأيّ رجل، وقد انتظر حتى حانت له الفرصة ومارس رجولته، وصار يردد حين يُسْأل قائلا "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم" وظل يمشي في الشارع نافخا صدره، مادّا عنقه، لا ينظر أمامه، لأنه يتطلع إلى الأعلى!
تعليق