المَوْلِد الكبير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دينا نبيل
    أديبة وناقدة
    • 03-07-2011
    • 732

    المَوْلِد الكبير

    المَوْلِد الكَبير



    نحو السماء ارتفعت الدفوف ، وسط الجموع المحتقنة تشق طريقها إلى ناحية من الساحة ، في حلق وقف حاملوها يهزونها ، وسريعًا نزلت عليها الأكف ضربًا يقرع غطاء السماء ، يخرس صخبًا أصمًا. سكت الجميع هنيهة والتفوا حولهم ، الرؤوس تومئ مع الضربات ،الأعواد تتمايل ، والأذرع تتأرجح ، وبدأ التصفيق يعلو .. ويعلو .

    تفرقت الشخوص المترنحة وتوقف القرع فجأة على إثر صليل أجش يجلجل في الصدور .. قائد المسير " أبو ( طرطور ) " ، عصاه الغليظة بثبات تنقر الأرض ، يده النحيلة تتحسس لحيته الفضية ومسبحته الكهرمانية الطويلة حول عنقه الأسمر ، على خطوه يعدو صف من المجلببين منكسي الرؤوس رافعي أعلاما ملونة قد اعتمروا ( طراطير) خضر من ورق ، تتعاهدها أيديهم بالرفع كما لو كانوا في تحية مستمرة .

    بإشارة من عصاه تجمعوا حوله ، شاخصًا نحو السماء الحالكة ينظر النجم المرتقب :
    -- " اللهم صلي عليك يا نبيييييي ! "

    ورجع الإيقاع ينساب بين الدقّ والترنح والصياح يضبطه شيخ " السيمفونية " بعصاه الخشبية ..

    " الله .. حي .. الله .. حي ! "

    الوجوه تتقلب يمنة ويسرة ، الجذوع تتثنى ثملة مع الضرب المستمر ، بقوة يطوّحها أصحابها إلى الأمام وإلى الخلف ، وأُغمضت الأعين في ارتقاب نشوة لارتقاء سلم القربى أو سلوك دروب العرفان .. وأُغمِضَت أخرى أثقلها الوهن فتوسدت كتفا ملاصقا .. فافترش هؤلاء أرضا ( مُشَمَّعة ) تَخِز أكبادهم بإبر باردة .. متململةً تتمطى أطرافهم لتلتقط لقيمات خليطها غبار الأسفلت بين أنامل فاقدة الإحساس .

    وصاحب المولد تتواثب نظراته حول حمى الخيام المعقودة منذ أسبوعين تلاحق ذكريات أمس ولّى

    -- " لقد أتوا من صحراء الأهرامات .. يقلقهم المولد !! "
    -- " وأين نحن من الأهرامات ؟ ... شيء لا يصدق ! "

    مكرون مفرون من زمن امرئ القيس لا يظهر منهم سوى أعين مات فيها النور ، تلوّح أيديهم بسيوف وسلاسل حديدية يضربون من يعترضهم من رفاقه ، يمتطون بالخيول والبعير أكتاف أصحاب طريقته ليعيدوا خطّ ذكرى الجمل المعقور والهودج الشريف وسيوف اصطكت في فتنة عظمى . ولم تكن سوى سويعات تطوّق انتظارهم حتى لفظت النوافذ والشرفات القنان المشتعلة لتحصد منهم ما تشاء ، أجساد مشتعلة تهيم في الطرقات تتمرغ في الأرض علّ التراب يخمدها .. الكثير يريدون نقض المولد .. يَصِمونهم بالعته والشعوذة وولوج مسارب المستحيل !

    الأصوات تلعلع تئد رعدا لاهثا لتبتلعه السماء ، الأعين شاخصة إلى أعلى تتابع البريق اللامع يشرخ السواد ، ينبسط في براحه عروقا ملتوية سرعان ما تتلاشى في العتمة الطاغية ، المطر يتقاطر من الأجسام المتراقصة يغسل عناء أيام مضت .." يا فرج الله ! .. فُتحت السماء! " .. الأصوات ترجها ، نشوة باردة اجتاحت أبا ( طرطور ) جعلته يلقي بعصاه ويرعش كفيه ويصرخ .. ويزيد في التثني فما عاد ( للطرطور ) مستقر فألقاه ..

    -- " الله حي ! .. شعبنا (جاي ) .. انصرف .. انصرف ! "

    صدحت الأصوات المبحوحة تقطعها الأنفاس المتهدجة على إثر صراخ أبي ( طرطور )
    -- " انصرف .. ارحل !! "

    تتمايل الجذوع الآيلة للسقوط صارت تتسند على بعضها .. وارتمى صاحب ( الطرطور ) على الأرض يتلوّى كالأفعى . . " الله أكبر ! "
    ...

    وتعالت أصوات قهقهات وتصفيق متناثر ، وبسرعة امتدت الأيادي لأبي ( طرطور ) تجذبه .. ليعتدل ضاحكًا ينفض عن ردائه الطين العالق به ويحيي من أبدوا الإعجاب .. حوله وميض وأصوات التقاط صور من ( كاميرات ) الهواتف النقالة ..
    ووسط موجة الضحك التي شملته وأتباعه ، أعادوا ( الطراطير ) لأصحابهم لتصلح لفافات لشطائر الغد ، ثم رفعوا الأعلام من جديد ، وقد تبدلت الملامح

    .. " ارحل .. ارحل ! "...

    يحملها الهواء فتعانق أنغامًا في ناحية أخرى من ساحة التحرير ، قد اعتلى صاحبها خشبة مسرح يعزف على ( جيتاره ) .. نفس الكلمات بلحن عصري بينما التحف جمهوره بأغطية ( المُشَمَّع ) تتقافز عليها القطرات لترسم وجوهًا باسمة ترتجف .. علاها ظل تماويج الأمطار..
    والكاميرات تصور من قريب ومن بعيد

    لتختزل الساحة في عناصر قليلة : الأفق الرمادي المظلم ، والمصابيح الباهتة ، والأجسام المتلاحمة ... ( والمُشَمَّع ) !!

  • جودت الانصاري
    أديب وكاتب
    • 05-03-2011
    • 1439

    #2
    مرحبا سيده دينا
    المشكله العويصه في كافة المجتمعات العربيه:
    انها لا تجيد التعبير عن المشاعر فرحا او حزنا
    لذلك تجدنا لا نحسن التصرف
    احسنت سيدتي في عرض موضوع حساس كهذا
    على الود نتواصل
    لنا معشر الانصار مجد مؤثل *** بأرضائنا خير البرية احمدا

    تعليق

    يعمل...
    X