القافلة
لاحت لنا كثبان الصحراء من بعيد ، يلفها السكون والغموض وتعصف بها الريح من كل جانب فتثير عواصف رملية تغشي العيون ، سرت بيننا موجة من الارتياب والقلق ، اصطفت السيارات خلف بعضها بينما تجمع راكبو البغال والنوق كل فريق يتحصن بشبيهه كأنما يستمد منه الأمان .
خرجنا من تيه إلى تيه أكبر وتعلقت أبصارنا بدليلنا الذي التفّ بعباءته وأحكم قبضته على بندقيته التي ترتكز على كتفه وهتف من فوق حصانه بمايشبه الصراخ ليصل صوته إلى كل من في القافلة :
- علينا أن نجتاز هذه الصحراء الكبرى قبل أن نصل لنهاية الرحلة ،هي ليست كتلك التي اجتزناها للتو ، عليكم أن تتسلحوا باليقظة والحذر ، ستهاجمكم الأفاعي السامة وتعترضكم الذئاب الجائعة ، إياكم والتشتت وإلا هلكتم .
سرت موجة جديدة من القلق وغشيت الوجوه كآبة وترقب حين التفت إلى راكبي البغال والنوق وتابع تحذيره :
- ستكون مهمتكم أسهل في الطرق الوعرة فلاتستسلموا لسرعة النوق والبغال وارفقوا بأصحابكم .
كان قرص الشمس مصفراً وهو ينحدر نحو خط الأفق حين هتف أحد راكبي السيارات وكأنما يطمئن رفاقه :
- لدينا من الوقود مافيه الكفاية ،المهم ألا نبتعد عن بقية الرفاق .
من الخلف جاء صوت مغلف بالقلق يداريه بالاحتجاج صاح بالدليل المتحصن ببندقيته وحصانه :
- ارسم لنا خريطة للطريق حتى لانتوه ، إذا غابت الشمس ودخل الليل فلن يكون الطريق آمناً ، وقد تبتلعنا رمال الصحراء واحداً إثر واحد.
لاح التململ وعدم الارتياح بين راكبي النوق فصاح أحدهم :
- لاداعي للقلق يارجل ، ليس معنا كثير من الوقت لنضيّعه في رسم الخرائط ، بقي على غروب الشمس ساعة أو أقل ، لو حثثنا السير فسنصل قبل بزوغ الفجر ، لنستثمر إذن مابقي من ضوء النهار .
تداخلت أصوات أصحاب السيارات وهي تغمغم :
- لابد من رسم طريق نمضي فيه بأمان هكذا تقضي الأصول ، قد تنحرف إحدى السيارات فتتوه في الصحراء الشاسعة .
نزل الدليل من فوق حصانه ولوّح للجميع ببندقيته وقال في هدوء وثقة :
- لامبرر للخوف فأنا أعرف الطريق جيداً وقد اجتزت هذه الصحراء عشرات المرات ومع ذلك فليس عندي مانع من رسم حدود للطريق الذي سنمضي فيه والمحطات التي سنتوقف عندها للتزود بالماء والوقود ، فقط اتفقوا فيمابينكم حتى لايضيع الوقت دون جدوى ، ننتظرحتى نحدد المسار أم نرحل على الفور.
تعالت صيحات راكبي النوق والبغال حتى غطت على أصوات المحركات التي بدأت في الدوران :
- بل نرحل الآن .. معنا الدليل فمم نخاف ؟..
كأنما ارتاح الدليل إلى هذا الإطراء المغلف بالثقة فحسم الأمر بأن قفز على ظهر حصانه ولكزه منطلقاً إلى جوف الصحراء وهو يصيح :
- اتبعوني.
بزغ الفجر .. ثم فجر وفجر.. تشتتت القافلة في الصحراء الشاسعة ولم تظهر محطة الوصول.
تعليق