قراءة في قصيدة ( أحببت فيك صراحة الصبار )
تبدأ القصيدة بهذا المقطع ذي فجوة تفاجئ المتلقي المعاصر عند مصافحته الأولى للنص – إذ رحل زمن الصبار والصحراء - ، مما يحدث هزة لديه وبالتالي يشدّ من عزمه ولمّ شتات فكره في محاولة إيجاد استقرار لأفكاره لفهم دلالة البيت ، لكن هذه السمة تبدو عربية أصيلة وذلك من خلال المفردات التي شكلت مشاهد غريبة عن المدينة وثقافتها ، وهنا تطالعنا ألفاظ : ( الصحراء – الصبار – النوار ) ، فتعود بالقارئ الذاكرة إلى أيام النابغة وعنترة والمرقش ، حيث البراءة لأَنها أقرب إلى الطفولة العمرانية ، وبالطبع الطفولة أكثر براءة من غيرها .
حَتّى السّكوتُ على شِفاهِكِ حِكْمَةٌ فَالشَّمْسُ تُكْسَفُ في ذَرا الأقْمارِ
المحب كي يبرر ما يصيبه من سهر وأرق يلاحظ في الأغلب الأعم يصور محبوبته بأَنها المحبوبة التي تشبه الشمس جمالاً ، والثريا علواً ، أضف أنها بؤرة الكون وكل ما دونها يدور حولها ، تبع لها ، خدم لها ، فتنجذب نحوها الكواكب والأقمار ، فلما يرتسم السكوت على شفتيها ، لا بخلاً كما هو مألوف وانما لحكمة ، فيشعر المتلقي أنها أميرة ، وملكة مختلفة عن الأخريات ذوات كلام فارغ دون أية حكمة أو فائدة من تلك الثرثرة .
الصورة دقيقة ؛ فالسكوت هنا ليس مجرد سكوت عادي وإنما يعلوها وكأنما وشاح السلطة وتاجها ، فبصمت و هدوء يعطيها من الوقار والجمال والحكمة ، فتشبه الشمس التي يتحرك كل ما حولها ، فتصمت والكون حولها يغني ، أو هي متربعة على عرشها ، ونجد البطل يكلل هدأة الكون بشذا أشعاره .
إن هذا جمال فريد لأنها في ذاتها جميلة وسكوتها كان لها زينة وإضافة لجمالها .. فلما تسكت هذه المحبوبة صور الشاعر سكوتها بكسوف الشمس بفعل " ذرا الأقمار " ولم يقل قمرا واحدا وإنما كمن تتفتت الأقمار من أجلها فصارت ذرا أمامها لأنها شمس كبيرة ، أو كأن كل ما حولها أقمار صغيرة في المقارنة ببهائها فكأن كل ما خلافها هو التراب او شيء قليل الاهمية .
هناك صورة أُخرى تبدو للقارئ العاشق أيضاً ، إذ لا غرابة من أن يصور العاشق ثغر حبيبته بالشمس لنوره وجمال طلعته ، فالتشبيه هنا مختلف عمّا ورثناه ، من أن ثغرها يشبه لمعان السيوف أو بريقها ، أو بريق السماء ، إذ هو هنا الشمس بأكملها ، وطبيعي عند غياب ثغرها تظلم الدنيا بأكملها لهذا العاشق ، ما أجمله ذاك الثغر الذي تحاكيه الشمس بضيائها ، عند غيابه البسيط يعم الظلام لا يتحول الكون إلى عتمة موحشة مخيفة ، كما نظن ، لكن يبدو للعاشق شعرها المتلألئ مما يجعل العاشق في فضاء جمالي جديد ، فيدنو منها وينشد الأشعار فيتضوع ذلك المكان بأجواء العشق المثالي ، فبعد أن غاب الثغر لحكمة وهي كي يلتفت العاشق إلى جمال شعرها المتلألئ ، أو ينشدها العاشق شذا الأشعار ، وما هذه القصائد إلا عطر تلك الروح المحترقة وجداً ، وهذا الاحتراق أشبه باحتراق البخور .
يمكن القول أن الشاعر يعاود فيستأنف الصورة التي كان قد رسمها عن محبوبته التي تشبه الشمس ، فكان آخر ما ذكره عنها أنها لما تسكت يعمّ الظلام والليل المتلألئ ، لكن هذا الليل ذاته يأبى أن ينتسب إلى ما هو متعارف عليه من عتمة أويظل حالكاً ، لذا فتزين ظلمته الحالكة النجوم اللامعة التي تزيده جمالا وبهاء ، وهذا يفعل بالشاعر أن يفجر به انهار الشعر فيأخذ يكلل جبين هذا الليل أو صمته وسكوتها كما ذكر في الصورة الماضية بعذب شذا أشعاره .. وكأنها جالسة بين يديه وتسمح له أن يقول فيها أجمل الأشعار ، وربما تؤول هذه الصورة بشكل آخر .. فكما أن الليل يزين سواده بالنجوم ، فالشاعر هو الآخر يجد في الليل ملاذه كي ينشد أجمل أشعار الغزل حتى لا يسمعها سواها .
وَالشِّعْرُ مِثْلُ الْغَيْمِ يَحْمِلُهُ الْهَوى حُرّاً يُحَلّقُ فَوْقَ كُلِّ جِدارِ
يَعْلو وَيَرْقُصُ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِنا مُسْتَهْزِئا بِالْقَيْدِ وَالْأسْوارِ
ينتقل الشاعر هنا إلى صور جديدة حديثة أكثر تراكبا وامتدادا عبر الأسطر لتكون صورة أكثر اتساعا لدى المتلقي :
يقارن الشاعر بين حاله وحال شعره على أنه جزء منه ولكنه الجزء الحر على عكسه هو فالقيد من أسوار ومن بحار ومن حدود ، فيسخر هذا الجزء الطلق من القيود ويصل الى ديار الحبيبة ، فالشعر الغيم يحمله ( الهوى ) ولم يقل الهواء فيكون أكثر ارتفاعا وخفة على النفس فيحلق في كل مكان بحرية بل ويأتي بأشياء لا يقدر عليها الشاعر ، فيرقص ويستهزئ بالقيود والأسوار والتي تبقى منتصبة واقفة لا تستطيع منعه من التحليق وهو ينظر إليها من علٍ ساخرا ، أضف أن الشاعر جعل قصائده غيماً ولا حاجة لبيان فائدة الغيم ، وإنما يلاحظ في الثقافة الصحراوية كيف يكون الغمام مصدر حياة ونماء ، اذ فيه حياة النفوس ، ومن ثم تظهر هنا الأنا ويضفي عليها الشاعر من سمات الخير الكثير .
كَمْ تُهْتُ مُتَّهَماً بِحُبِّ سَحابةٍ بَخِلَتْ عَلى الْبَيْداءِ بِالْأمْطارِ
يبوح البطل بحبه العاثر بصدِّ الحبيب ، وهو في غاية الظمأ والشوق إلى وصلها ، فتتركه بصمت ، فيبقى الصمت واللظى تستولي على نفسية البطل ، إذ بعد تاه في العشق ليروي ما فيه من أمانٍ ، لكنها تركته زاحفة إلى مجهول وهنا لا يعرف المتلقي أين اتجاه الحبيبة ، لكن هذا لا يعني شيئا للمحب فالأهمّ والاكثر أثر في نفسية البطل هو رحيلها لا أين رحلت ؟
قد أجاد الشاعر عندما عبر عن حالة البطل بأنّه صحراء ، والحبيبة هي السحابة مصدر الخير والحياة إلى أرض ميتة ، المحبوبة وتشبيهها بالسحابة يبدو في غاية التوفيق ، فالسحابة تبث الحياة والأمل في الأرض المجدبة ، أضف أنها تنعش الهواء وتجعل فيه عطرا خاصاً ، لا يتحسسه إلا الظمأ أو المشتاق إلى قطرات المطر ، وبالتالي فلا يعرف عطر الحبيبة سوى عاشقها ، لكن البطل يقول أنّ السحابة بخلت – هنا العودة الى الصور المتوارثة -، والبخل من المحبوبة شيء وارد لدى العرب لاسيما الغزل العذري ، مما يضفي عليها جمالاً آخر ، فهي ليست قريبة المنال وانما بعيدة .
يظهر جليا الآن مدى الاشتياق واللوعة لتلك المحبوبة التي صدت عن حبيبها ، وكيف الحبيب يبقى مع الذكرى وحيداً يعزف الشوق شعرا ، وكم هذا الشعر موجع ومقطع للقلب ، فهو ينبعث من أعماق الروح الملتهبة الظمأى ، رغم ما هو متعارف عن الأَلحان من طرب لكن لحن البطل هنا شجي ، يحكي لنا مغامرة حبٍّ قوبل بالصدود ، لكنه لا يزال يحن إلى تلك الحبيبة وذكراها .
هنا الصورة متراكبة توضح حال الشاعر في حالين مختلفتين : الانتظار واللقاء ، فيقول ان حال فؤاده كالقش المتناثر الهش اليابس لا حياة فيه فلما يأتي ذكرى محبوبته وهي عنه غائبة فيتلملم ويحترق بشرار ذكراها .. لذا ففي البيت الثاني يناديها ويوجه لها الخطاب يطالبها بالعودة إليه فتعود بالربيع معها حيث الندى والحب المعطار والدفء ولا يكتفي عند هذا الحد وإنما يطلب منها ان تنثر رذاذها على صدر حقولهما والتي قد تألمت من شدة الشوك كما تتألم من الشوك والمسمار ، وهنا أرى ان هذا الجزء من الصورة ( المشبه به ) غير متوافق ربما يتوافق الحقول مع الأشواك . فالشوق حار ملتهب كما أن الرذاذ لا يهدئ ألم الأشواك بل يزيدها ..
أحْبَبْتُ فيكِ صَراحَةَ الصّبّارِ وَبَراءَةَ الصَحْراءِ وَالنُّوّارِ
تبدأ القصيدة بهذا المقطع ذي فجوة تفاجئ المتلقي المعاصر عند مصافحته الأولى للنص – إذ رحل زمن الصبار والصحراء - ، مما يحدث هزة لديه وبالتالي يشدّ من عزمه ولمّ شتات فكره في محاولة إيجاد استقرار لأفكاره لفهم دلالة البيت ، لكن هذه السمة تبدو عربية أصيلة وذلك من خلال المفردات التي شكلت مشاهد غريبة عن المدينة وثقافتها ، وهنا تطالعنا ألفاظ : ( الصحراء – الصبار – النوار ) ، فتعود بالقارئ الذاكرة إلى أيام النابغة وعنترة والمرقش ، حيث البراءة لأَنها أقرب إلى الطفولة العمرانية ، وبالطبع الطفولة أكثر براءة من غيرها .
حَتّى السّكوتُ على شِفاهِكِ حِكْمَةٌ فَالشَّمْسُ تُكْسَفُ في ذَرا الأقْمارِ
المحب كي يبرر ما يصيبه من سهر وأرق يلاحظ في الأغلب الأعم يصور محبوبته بأَنها المحبوبة التي تشبه الشمس جمالاً ، والثريا علواً ، أضف أنها بؤرة الكون وكل ما دونها يدور حولها ، تبع لها ، خدم لها ، فتنجذب نحوها الكواكب والأقمار ، فلما يرتسم السكوت على شفتيها ، لا بخلاً كما هو مألوف وانما لحكمة ، فيشعر المتلقي أنها أميرة ، وملكة مختلفة عن الأخريات ذوات كلام فارغ دون أية حكمة أو فائدة من تلك الثرثرة .
الصورة دقيقة ؛ فالسكوت هنا ليس مجرد سكوت عادي وإنما يعلوها وكأنما وشاح السلطة وتاجها ، فبصمت و هدوء يعطيها من الوقار والجمال والحكمة ، فتشبه الشمس التي يتحرك كل ما حولها ، فتصمت والكون حولها يغني ، أو هي متربعة على عرشها ، ونجد البطل يكلل هدأة الكون بشذا أشعاره .
إن هذا جمال فريد لأنها في ذاتها جميلة وسكوتها كان لها زينة وإضافة لجمالها .. فلما تسكت هذه المحبوبة صور الشاعر سكوتها بكسوف الشمس بفعل " ذرا الأقمار " ولم يقل قمرا واحدا وإنما كمن تتفتت الأقمار من أجلها فصارت ذرا أمامها لأنها شمس كبيرة ، أو كأن كل ما حولها أقمار صغيرة في المقارنة ببهائها فكأن كل ما خلافها هو التراب او شيء قليل الاهمية .
هناك صورة أُخرى تبدو للقارئ العاشق أيضاً ، إذ لا غرابة من أن يصور العاشق ثغر حبيبته بالشمس لنوره وجمال طلعته ، فالتشبيه هنا مختلف عمّا ورثناه ، من أن ثغرها يشبه لمعان السيوف أو بريقها ، أو بريق السماء ، إذ هو هنا الشمس بأكملها ، وطبيعي عند غياب ثغرها تظلم الدنيا بأكملها لهذا العاشق ، ما أجمله ذاك الثغر الذي تحاكيه الشمس بضيائها ، عند غيابه البسيط يعم الظلام لا يتحول الكون إلى عتمة موحشة مخيفة ، كما نظن ، لكن يبدو للعاشق شعرها المتلألئ مما يجعل العاشق في فضاء جمالي جديد ، فيدنو منها وينشد الأشعار فيتضوع ذلك المكان بأجواء العشق المثالي ، فبعد أن غاب الثغر لحكمة وهي كي يلتفت العاشق إلى جمال شعرها المتلألئ ، أو ينشدها العاشق شذا الأشعار ، وما هذه القصائد إلا عطر تلك الروح المحترقة وجداً ، وهذا الاحتراق أشبه باحتراق البخور .
الليْلُ زَيّنَ شَعْرَهُ بِنُجومِهِ وَأنا أُكَلّلَهُ شَذا أشْعاري
يمكن القول أن الشاعر يعاود فيستأنف الصورة التي كان قد رسمها عن محبوبته التي تشبه الشمس ، فكان آخر ما ذكره عنها أنها لما تسكت يعمّ الظلام والليل المتلألئ ، لكن هذا الليل ذاته يأبى أن ينتسب إلى ما هو متعارف عليه من عتمة أويظل حالكاً ، لذا فتزين ظلمته الحالكة النجوم اللامعة التي تزيده جمالا وبهاء ، وهذا يفعل بالشاعر أن يفجر به انهار الشعر فيأخذ يكلل جبين هذا الليل أو صمته وسكوتها كما ذكر في الصورة الماضية بعذب شذا أشعاره .. وكأنها جالسة بين يديه وتسمح له أن يقول فيها أجمل الأشعار ، وربما تؤول هذه الصورة بشكل آخر .. فكما أن الليل يزين سواده بالنجوم ، فالشاعر هو الآخر يجد في الليل ملاذه كي ينشد أجمل أشعار الغزل حتى لا يسمعها سواها .
وَالشِّعْرُ مِثْلُ الْغَيْمِ يَحْمِلُهُ الْهَوى حُرّاً يُحَلّقُ فَوْقَ كُلِّ جِدارِ
يَعْلو وَيَرْقُصُ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِنا مُسْتَهْزِئا بِالْقَيْدِ وَالْأسْوارِ
ينتقل الشاعر هنا إلى صور جديدة حديثة أكثر تراكبا وامتدادا عبر الأسطر لتكون صورة أكثر اتساعا لدى المتلقي :
يقارن الشاعر بين حاله وحال شعره على أنه جزء منه ولكنه الجزء الحر على عكسه هو فالقيد من أسوار ومن بحار ومن حدود ، فيسخر هذا الجزء الطلق من القيود ويصل الى ديار الحبيبة ، فالشعر الغيم يحمله ( الهوى ) ولم يقل الهواء فيكون أكثر ارتفاعا وخفة على النفس فيحلق في كل مكان بحرية بل ويأتي بأشياء لا يقدر عليها الشاعر ، فيرقص ويستهزئ بالقيود والأسوار والتي تبقى منتصبة واقفة لا تستطيع منعه من التحليق وهو ينظر إليها من علٍ ساخرا ، أضف أن الشاعر جعل قصائده غيماً ولا حاجة لبيان فائدة الغيم ، وإنما يلاحظ في الثقافة الصحراوية كيف يكون الغمام مصدر حياة ونماء ، اذ فيه حياة النفوس ، ومن ثم تظهر هنا الأنا ويضفي عليها الشاعر من سمات الخير الكثير .
كَمْ تُهْتُ مُتَّهَماً بِحُبِّ سَحابةٍ بَخِلَتْ عَلى الْبَيْداءِ بِالْأمْطارِ
يبوح البطل بحبه العاثر بصدِّ الحبيب ، وهو في غاية الظمأ والشوق إلى وصلها ، فتتركه بصمت ، فيبقى الصمت واللظى تستولي على نفسية البطل ، إذ بعد تاه في العشق ليروي ما فيه من أمانٍ ، لكنها تركته زاحفة إلى مجهول وهنا لا يعرف المتلقي أين اتجاه الحبيبة ، لكن هذا لا يعني شيئا للمحب فالأهمّ والاكثر أثر في نفسية البطل هو رحيلها لا أين رحلت ؟
قد أجاد الشاعر عندما عبر عن حالة البطل بأنّه صحراء ، والحبيبة هي السحابة مصدر الخير والحياة إلى أرض ميتة ، المحبوبة وتشبيهها بالسحابة يبدو في غاية التوفيق ، فالسحابة تبث الحياة والأمل في الأرض المجدبة ، أضف أنها تنعش الهواء وتجعل فيه عطرا خاصاً ، لا يتحسسه إلا الظمأ أو المشتاق إلى قطرات المطر ، وبالتالي فلا يعرف عطر الحبيبة سوى عاشقها ، لكن البطل يقول أنّ السحابة بخلت – هنا العودة الى الصور المتوارثة -، والبخل من المحبوبة شيء وارد لدى العرب لاسيما الغزل العذري ، مما يضفي عليها جمالاً آخر ، فهي ليست قريبة المنال وانما بعيدة .
وَعَزَفْتُ ذِكْرى الْحُبِّ مِنْ وَجَعِ الصّدى كَمْ آلَمَتْ ألْحانُها أوْتاري
يظهر جليا الآن مدى الاشتياق واللوعة لتلك المحبوبة التي صدت عن حبيبها ، وكيف الحبيب يبقى مع الذكرى وحيداً يعزف الشوق شعرا ، وكم هذا الشعر موجع ومقطع للقلب ، فهو ينبعث من أعماق الروح الملتهبة الظمأى ، رغم ما هو متعارف عن الأَلحان من طرب لكن لحن البطل هنا شجي ، يحكي لنا مغامرة حبٍّ قوبل بالصدود ، لكنه لا يزال يحن إلى تلك الحبيبة وذكراها .
هذي الْقَصيدةُ طائرٌ وَسَفينةٌ أنْتِ الْمَدى وَجَناحُهُ وَبِحاري
يكرر البطل صورة حبيبته المتسمة بالشمول والإحاطة به من كل الجوانب فلا يجد عنها مهرباً ، ، وهل يهرب الإنسان من المدى !! فهناك كانت شمس مصدر الحياة على الأرض ، ثم كانت سحابة المصدر الآخر ، والآن هي المدى ، وهي البحر أيضا ، لنتمعن كيف جمع البطل الكون كله في الحبيبة ، فهي الشمس وهي السحابة ثم المدى ثم البحر ، عجيبة هي تلك المحبوبة .ذِكْراكِ لَمْلَمَتِ الْفُؤادَ فَقَشُّهُ هَشٌّ إذا لَمْ يَحْتَرِقْ بِشَرارِ
فَاسْتَيْقِظي حُلُماً يُبَشّرُ بالنّدى بِرَبيعِ حُبٍّ مُزْهِرٍ مِعْطارِ
رُشّي رَذاذَكِ فَوْقَ صَدْرِ حُقولِنا فالشَّوْقُ مِثْلُ الشَّوْكِ والْمِسْمارِ
فَاسْتَيْقِظي حُلُماً يُبَشّرُ بالنّدى بِرَبيعِ حُبٍّ مُزْهِرٍ مِعْطارِ
رُشّي رَذاذَكِ فَوْقَ صَدْرِ حُقولِنا فالشَّوْقُ مِثْلُ الشَّوْكِ والْمِسْمارِ
هنا الصورة متراكبة توضح حال الشاعر في حالين مختلفتين : الانتظار واللقاء ، فيقول ان حال فؤاده كالقش المتناثر الهش اليابس لا حياة فيه فلما يأتي ذكرى محبوبته وهي عنه غائبة فيتلملم ويحترق بشرار ذكراها .. لذا ففي البيت الثاني يناديها ويوجه لها الخطاب يطالبها بالعودة إليه فتعود بالربيع معها حيث الندى والحب المعطار والدفء ولا يكتفي عند هذا الحد وإنما يطلب منها ان تنثر رذاذها على صدر حقولهما والتي قد تألمت من شدة الشوك كما تتألم من الشوك والمسمار ، وهنا أرى ان هذا الجزء من الصورة ( المشبه به ) غير متوافق ربما يتوافق الحقول مع الأشواك . فالشوق حار ملتهب كما أن الرذاذ لا يهدئ ألم الأشواك بل يزيدها ..
تعليق