القسمة والنصيب
...نعْتصمُ أمام البرلمان، أمام الوزارة....أمام جهنم..نُضْربُ عن الطَّعام...ندق كل الأبواب، نركب كل الأهوال ..نموت...أدارت وجهها نحوي وابتسمت :
- الموت معك حتما سيكون جميلا..كحلم، لاشيء أبشع عندي من فكرة فقدانك أو الابتعاد عنك.
كنا نحث الخطى على القنطرة الطويلة تحت شمس أكتوبرية خجولة، في الأسفل يبدو البحر على هدنة مع اليابسة. الشاطئ خال إلا من بضع أطفال يطاردون كرة،، وبعض الصيادين. تذكرتُ الصباحات حيث كنا نعدل عن ركوب حافلة الجامعة ونفضل عبور القنطرة مشيا... نفس الكلام، نفس الأحلام، نفس الإصرار، نفس الغرور، نفس الحب المعلق على حبل المستقبل، نفس الحبل المتآكل. نفس الشك. نفس الخوف. نفس الرغبة في فك طلاسم الخيوط المتشابكة بين الحب والذات والعمر والرضا والصبر والجسد والآخر والأنا والشغل و.وو..وو....وو
أزالت خصلة الشعر على عينيها وهي تتابع سرب نوارس في إقلاعها المذعور لاقتراب الأطفال من طعام كانت تتجاذبه. اتسعت بسمتها وهي تريني نورسا لم يخفه ركض الأطفال، أطبق على الطعام بشجاعة وحلق مبتعدا يتقاسمه مع وليف على الطرف الآخر من الشط. وقفنا، طوقت خصري بدراعها تفاعل الملح في دمي وسرت الكهرباء في جميع أوصالي. أطبقتُ على خصرها، وددتُ لو تبادلنا الدم وتبادلنا الملح وتبادلنا الكهرباء، وددت لو انصهرنا فينا. شفتان تضجان بالشهوانية. والعينان واسعتان كنافذتين ألفيتُني أغلقهما في قبلة سافرت بي عبر سحابة فوق الزمن وفوق البحر و فوق المدينة. تبادلنا أنفاسنا، تخففتُ عبرها من كل خوف السنين، كأني نفخت كل شقائي في جسدها النحيل. لأنفاسها طعم يستخف بالموت. لنظرتها، بعد القبلات، أثر النصل في الأوصال....
- ..أنا خايفة..
يعتق الدم ورد الخفر على وجنتيها
وكانت خائفة....خائفة وتعلم جيدا مصدر خوفها...كان تعيينها في تلك القرية الجنوبية يحتم عليها مرافقة والديها، ويحتم عليها الغياب والسفر والضياع والنسيان والزواج و..وعالما يصر على دفني وراءها في هذه المدينة ..
يومها وقفتُ على مشارف الدرب أقضم قدري و أنعي أمسا تولى من يدي..أتأمل جدارا انتصب بيني وبينك لمجرد ولوجك سوق العمل قبلي..
أيقظتْني من غيبوبتي لحظتها طفلة بعينين جميلتين يتصنعان مشاركتي الأسى:
- دالْ "زهلة" لحْلوا الصْباح**....
على لسان الطفلة الصغيرة
**دالْ "زهلة" لحْلوا الصْباح : دار "زهرة" رحلوا الصباح..
تعليق