مجرم حقيقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد معمري
    أديب وكاتب
    • 26-05-2009
    • 460

    مجرم حقيقي

    مجرم حقيقي

    بدأت الشمس تجمع خيوطها العسجدية المنمقة بحمرة لا تخلو من جمال وروعة؛ وهي تغرق في أفق العتمة رويدا رويدا. رحلت كما رحل أسامة من متجره هذا المساء، وهو يتجه نحو الحانة، ربة الخمر والألحان، زبونا معتادا…

    ألقى بجسده المتعب فوق كرسي متعب، معطر بالخمور، برائحة السجائر؛ ومرفقيه فوق طاولة عتيقة، أريجها وأريج المكان سيان.. أتاه الساقي بقنينة خمر تعانق قدحها؛ أشعل لفافته، بدأت شفتاه تداعبها بمهارة، ثم تتوقف هنيهة، فيمتص نفسا طويلا، كأنه سحب مكثفة داخل رئتيه المطلية بالنيكوتين والقير.. بعدها ينفث الدخان صافيا! على شكل دوائر ثملة مرهقة، تتصاعد في سماء الحانة.. فيصعد معها عقله، يقرأها حياة فارغة، تتداول، تبتعد.. تتلاشى.. ثم تختفي.. يرمي بما تبقى منها تحت الطاولة، ثم يسحقه بقدمه كمن يبحث عن زر المصباح في الظلام…

    كانت يداه تمتدان إلى القنينة وزوجها في كل مرة، وصحن صغير تنقرض منه بعد كل رشفة حبات الزيتون الأسود، وقطع سمك صغيرة، يلتقط حبات لوز موضوعة فوق قطعة ورق بين الفينة والأخرى؛ كما كان يشعل سيجارة بعد كل كوب… يغرق في صمت عميق لا يوقظه منه سوى نباح الكلاب الضالة.. فينظر إلى الزبائن وسط ضباب السجائر، وضجيج الألسن المعوقة.. دارت في عقله أسئلة كثيرة عن سبب مجيء هؤلاء، هل هو هروب…؟ أم أمراض نفسية…؟ أم هذا انتحار بطيء؟.. يختم تفكيره على أن هذه الوجوه ذات ضباب تشبهه…

    دقت ساعة إغلاق الحانة.. لم يبق من الزبائن إلا القليل.. خرج أسامة يتمايل، يدندن.. أوقف سيارة الأجرة فحملته إلى بيته..
    طرق الباب عدة طرقات.. فتحت زوجته الباب، هي الأخرى تتمايل من شدة النوم.. بدأت توبخه:«ما هذا العيش النكد معك؟ متى يقول أبناءك أن لهم أبا يجلس معهم و…؟»
    كان جوابه لكمات، ركلا، شنقا… لم يدعها حتى فقدت قواها وهوت إلى الأرض…
    راح إلى غرفة النوم، استلقى على ظهره فوق الفراش.. هام في أفق خياله..
    مكثت طويلا على الأرض فاقدة الوعي، أبناءها حولها يبكون، يلاطفون وجهها، يتوسلون إليها لتستيقظ.. وعلى إثر دموع الصغير التي دغدغت وجهها أفاقت…
    أعادت أبناءها إلى فراشهم، غسلت وجهها من الدم الذي نزف من أنفها وفمها، غيرت ملابسها الملطخة.. راحت إلى فراشها.. ألقت بجسدها الشاكي من آلام حادة في رأسها وصدرها…

    استفاق في الصباح الباكر، بدأ يعتذر:«حبيبتي! اسمحي لي، أرجوك، لم أكن في وعيي، أتوسل إليك، سأحاول بعد اليوم ألا أشرب الخمر، سأهتم بك أكثر من أي وقت مضى، سأشتري لك اليوم أجمل فستان، وأطيب عطر… أتسمعين؟ ما لك لا تنطقين؟…»

    لم ترد عليه ولو بحرف واحد! فألقى يده على وجهها، تحسسه، إنها باردة! جس النبض فأيقن أنها قد فارقت الحياة…
    ***********************
    بقلم: محمد معمري
    [glint]
    كل مواضيعي قابلة للنقد

    [/glint]https://maammed.blogspot.com/
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    أطالت منك قليلا كاتبنا الجميل ؟
    المستهدف من الحانة لم يصل بالشكل الذي قد نرغب ايصاله
    فلا أدخلتنا في منولوج داخلي
    و لا أثرت حوارا أو نقاشا نستكشف من خلاله لم دخلت بنا هنا
    ليس غير الصمت !
    فماذا لو كنت اختصرت كل ما سبق على دخول بيته وفي حالة سكره ؟
    هل ينتقص هذا من الأمر شيئا ؟
    هو سؤال .. ربما أنتظر إجابته منك أنت لمعرفتي بمدي ما تتمتع به من رؤية و ثقة فيما تكتب !!

    أهلا بك أستاذي

    محبتي

    آسف للعودة مرة أخرى
    فقط أحببت أن أعرف مدى صحة ( أبناءها ) .. أبناءك فى حالاتها الثلاث
    هل تظل الهمزة فى الرفع كما النصب و الجر، على نفس الرسم ؟!
    التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب; الساعة 28-11-2011, 09:23.
    sigpic

    تعليق

    يعمل...
    X