دمـــــــــوع تــــــحــــــــــتـــرق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • البكري المصطفى
    المصطفى البكري
    • 30-10-2008
    • 859

    دمـــــــــوع تــــــحــــــــــتـــرق

    دمـــوع تــحــتــرق

    أحلام عشق متدفق من الأعماق ؛ أشرقت يانعة بكل الوفاء؛ بكل الإخلاص؛ بكل المحبة ..أنت التي سطرت عنوانها في صفحات أيامك الزاهية قبل مغيب الشمس وسواد الليل ؛ قبل أن تطالك يد الزمان المتصلبة ؛ فتسرق من شفتيك الابتسامة الحنون .
    رسمت أفقا بهيجا لتطلعاتك ؛ وأحلامك المستنيرة تبدد الظلمة من دربك الذي بدا معتما .. فتاة في مقتبل العمر تجدف في بحر اليتم منذ نعومة أظافرها ؛ توقف زورقها في منتصف الحياة .ترقب عن كثب شاطئ الأمان ، تريد بناء عش لاحتضان فلذات الأكباد وسماع أصوات الأمومة فيكسر الحب طوق العزلة ...ما أطيب أمانيك وما أسعد توقعاتك يا عائشة !!.
    عندما غضت يد الدهر ولانت مفاصلها ؛داعبت أحلامها بابتهاج منقطع النظير ..فتاة ممشوقة القد ذات بشرة بيضاء؛ ووجه مستدير ؛ وعينين واسعتين؛ وحاجبين مقوسين كهلالين متقابلين؛ وشعر فاحم مسبل. بنت برجل مبهور بصفاتها ؛ مشدود إلى عزيمتها القوية وإرادتها في الانطلاق نحو الأعلى. صنائع يديها البارعتين في الحياكة والتطريز نسجت خيال وصاله وحبه لها، فأهدته زهرات الود حتى كان اليوم المشهود ؛ تعانقا فأجهشا بالبكاء، والدمع المنهمر يلهب خديهما ؛ ويبلل أعطافهما .. ودع كل واحد منهما الأخر بسبب كساد الرحم الذي بخل عليهما بفلذات الأكباد ...المرأة عاقر والرجل يريد الولد.
    طوت عائشة صفحة الأيام البهية؛ واستسلمت لمصيرها المحتوم تبتلع الغصص الأليمة بكامل وحدتها واغترابها ، تلوك أنينها في حلقها بصمت ....لا شيء في اليد غير المهارة والحذق بصنع المبهرات من الأبسطة والأفرشة؛ وحسن تطريزها وحياكتها .تسابق إيقاع الحياة مثقلة بهمومها كأنها تجر ذيول الخيبة بلا انقطاع ...ذهب عنفوان الشباب وأحلامه اليانعة ،ولوحت المفاتن الجسدية بالذبول .
    طرق بابها الرجل الثاني فاستعدت لجذب الحب المفقود ولو من تلابييه الظاهرة بعدما جفت منابع عشقها الأسطوري؛ وضاع مع الزمن إلى الأبد؛ إلى غير رجعة ....رجل فقد زوجته وأراد ملء الثغرات ؛فسعى إلى عائشة . بذل جهدا مضاعفا لجمع وثائق هويتها كي يحصل على جواز سفر لها ، ويتأبط ذراعها الغض خارج حدود الوطن . وعندما اصطدم بالتماطل الإداري قال لها : " وداعا يا عائشة " !! والفرق أنها في هذه الحالة الثانية جحظت عيناها للمفآجآة ؛ لكنها لم تسكب دموعا من مقلتيها .
    أحنت ظهرها لضربات الزمن القاسية ، عادت إلى بيتها اليتيم تضمد جراحها وتجني غلال مشاقها من صنع يديها ..ملاءات براقة يسرح الخيال في إبداعها تجلب لجيبها الصغير دريهمات فتسد الرمق .لكن أي رمق لغصن مقطوع من شجرة .؟ أي معنى لحياة تبخرت فيها الأحلام ؟ شعرت عائشة كأنها تمشي فوق الأسلاك الدامية عندما أيقنت إنها لا تنجب . كبرت فاستأسدت المأساة تتألم فلا يواسيها غير نجوم السماء . عندما تصحو ترمقها العيون بنظرات الازدراء ؛ تتوجه الأصابع إلى الكوة في حائط البيت الذي تسكنه ..اتهم رجال القرية عائشة بأنها تستحيل كل ليلة إلى كائن ممسوخ يتقلص حجمه بشكل متناه، فيخرج من الكوة ؛ ويتحول إلى دابة تائهة في القفار الشائكة فتؤذي كل من يعترض سبيلها
    طعنتها سيوف الاتهامات الخرافية وسط جماعة غارقة في أوحال الأسطورة إلى أخمص القدمين ..في كل اللحظات تعض على الأنامل من الغيظ ، تنتظر بارقة أمل ورحمة وحنان ومواساة من الجميع ،لكن قذائف من الجمر لا تكف من التساقط عليها كزخات مطر .. أي حنان ترعاه قلوب هؤلاء في وسط الجهل القاتل ..؟ أي رحمة تجني ثمارها ممن يتشدقون بالكلمات النابية التي تسيء إلى الأرامل والأيتام والعاقرات ..؟
    لم تعد تسقى إلا من معين الحزن ؛ فتقهقر جسدها الغض؛ وذبل كشمعة تحترق دون توقف . تكاسلت يديها المتعبتين عن التطريز والحياكة الذهبية . أسندت ظهرها إلى الحائط واستسلمت لنومها العميق ...
    في الصباح الباكر طرق الباب رجل يحمل رسائل اعتذار من زوجها الأول .أثقلت كاهله منذ عشرة أيام. يريد أن يتخفف من عبئها الثقيل .. يريد أن يتودد إليها كي تمسح عار المكر والخديعة عن جبينه بعدما أصبح جسده المتهالك ملتصقا بكرسي المعاقين؛ يرجو من الأيادي الناعمة ؛والأيادي الفاضلة أن تحرك به الكرسي في اتجاه أبسط أغراضه ....هذا حصاد الدنيا !! تعرض لحادثة مفجعة؛ وآل مصيره إلى إعاقة دائمة .
    طرق الرجل الباب عدة مرات ؛وانتظر سماع إيقاع خطوات بطيئة لكن الصمت المطبق خيم على المكان .قرقع المزلاج وفتح الباب بصعوبة؛ ثم دخل الغرفة المظلمة ؛تملكه الخوف؛ أحس بقشعريرة في جسده كما لو أن ستارا شائكا يلفه .غاصت يده المرتجفة في جيبه دون تردد ؛فانتشل عود ثقاب من ثناياه .حكه على الحائط فاشتعل وأنار العتمة . صاح بملء صوته : عاااااااااااااائشة ..بدا له الجسد ممتدا على البساط جثة هامدة ؛ والوجه المتجعد تعلوه ابتسامة ساخرة ثم صاح : عاااااااائشة .
    التعديل الأخير تم بواسطة البكري المصطفى; الساعة 04-12-2011, 22:47.
  • عبير هلال
    أميرة الرومانسية
    • 23-06-2007
    • 6758

    #2
    قصة حزينة ومؤلمة للغاية

    قلوب لا تعرف الرحمة

    وأنثى بللها دمع الأسى

    نهاية مفجعة لآمل

    أديبنا القدير

    قد عرفت أن تؤثر علي

    شعرت كأنني أقف هناك

    أراقب عائشة بكل تفاصيلها اليومية

    حتى يوم مماتها وانطفاء شمعتها الأخيرة

    سعيدة لكوني أول المتواجدين هنا

    لك مني أرق تحياتي

    وأمنياتي لك بالمزيد من الإبداع والتألق
    sigpic

    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      الزميل القدير
      مصطفى البكري
      ماسونية وقسوة تمارس على المرأة وخاصة العاقر
      ظلم الزمن لم يكفي ليأتي معه ظلم البشر وتحجر القلوب
      نص موجع لكني رأيت ومضة النهاية أخلت بالنص قليلا
      ليتك تحذف ( عائشة ماتت ) وتترك النهاية عند ابتسامة ساخرة
      هو رأي لك أن تأخذ به أو ترميه
      ودي ومحبتي لك زميلي

      أرجوحة

      القاصة عائدة محمد نادر أرجوحة أحس بحركة خلفه, حين تبين له أن القادم ابنه, أطفأ شاشة التلفاز مسح مقلتيه, يخفي آثار أمطار عصفت همس بحزن, يتصنع ابتسامة: - هل حان موعد ذهابك وأقرانك لأراجيح العيد , بني!؟ أجاب الابن جازما: - لا, لم يحن أبتي, سأنتظر حتى أكبر, فالكبار فقط من يمتطون أراجيح العيد!..
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • ريما ريماوي
        عضو الملتقى
        • 07-05-2011
        • 8501

        #4
        وكم تعيش مثل عائشة مستورات
        يتهمن تارة بالجنون وتارة بقلة الاخلاق فقط
        لان الحياة قست عليهن, وصرن مقطوعات من شجرة.
        قصة مؤلمة حزينة .. شكرا لك.


        أنين ناي
        يبث الحنين لأصله
        غصن مورّق صغير.

        تعليق

        • حورالعربي
          أديب وكاتب
          • 22-08-2011
          • 536

          #5


          تحية طيبة أستاذنا مصطفى البكري

          قصة موجعة بنهاية مفجعة لخصت نظرة الرجل الشرقي إلى المرأة ،
          فعلاقته بها قائمة على مصلحته بالدرجة الأولى ،بينما تذهب هي إلى جحيم الوحدة والوحشة.

          لكم جزيل الشكر والتقدير

          تعليق

          • البكري المصطفى
            المصطفى البكري
            • 30-10-2008
            • 859

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة أميرة عبد الله مشاهدة المشاركة
            قصة حزينة ومؤلمة للغاية

            قلوب لا تعرف الرحمة

            وأنثى بللها دمع الأسى

            نهاية مفجعة لآمل

            أديبنا القدير

            قد عرفت أن تؤثر علي

            شعرت كأنني أقف هناك

            أراقب عائشة بكل تفاصيلها اليومية

            حتى يوم مماتها وانطفاء شمعتها الأخيرة

            سعيدة لكوني أول المتواجدين هنا

            لك مني أرق تحياتي

            وأمنياتي لك بالمزيد من الإبداع والتألق
            الغالية أميرة عبد الله تحيتي العطرة :
            أسعدني حضورك هنا بذوقك الرفيع؛ وإحساسك النبيل الذي ترجمته مشاعرك الإنسانية إزاء الحدث . لم تكن قراءتك مجرد مرور البصر فوق السطور، وإنما قراءة اجترحت المعاني ؛ فأدركت كنهها في واقع الإنسان. خاصة المرأة الفقيرة ؛ المحرومة من أبسط شروط العيش الكريم ؛ المرأة التي تعيش في وسط يخنق أنفاسه الجهل وانعدام الوعي . المرأة التي أسدل الستار عن إنسانيتها لعدم إنجابها ...كم أتمنى أن يكون للأدب دور مهم في تعرية هذا الواقع وفضح أسراره ؛ وملء ثغراته .
            أشكرك مجددا على تعليقك .

            تعليق

            • البكري المصطفى
              المصطفى البكري
              • 30-10-2008
              • 859

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة أميرة عبد الله مشاهدة المشاركة
              قصة حزينة ومؤلمة للغاية

              قلوب لا تعرف الرحمة

              وأنثى بللها دمع الأسى

              نهاية مفجعة لآمل

              أديبنا القدير

              قد عرفت أن تؤثر علي

              شعرت كأنني أقف هناك

              أراقب عائشة بكل تفاصيلها اليومية

              حتى يوم مماتها وانطفاء شمعتها الأخيرة

              سعيدة لكوني أول المتواجدين هنا

              لك مني أرق تحياتي

              وأمنياتي لك بالمزيد من الإبداع والتألق
              الغالية أميرة عبد الله تحيتي العطرة :
              أسعدني حضورك هنا بذوقك الرفيع؛ وإحساسك النبيل الذي ترجمته مشاعرك الإنسانية إزاء الحدث . لم تكن قراءتك مجرد مرور البصر فوق السطور، وإنما قراءة اجترحت المعاني ؛ فأدركت كنهها في واقع الإنسان. خاصة المرأة الفقيرة ؛ المحرومة من أبسط شروط العيش الكريم ؛ المرأة التي تعيش في وسط يخنق أنفاسه الجهل وانعدام الوعي . المرأة التي أسدل الستار عن إنسانيتها لعدم إنجابها ...كم أتمنى أن يكون للأدب دور مهم في تعرية هذا الواقع وفضح أسراره ؛ وملء ثغراته .
              أشكرك مجددا على تعليقك .

              تعليق

              • البكري المصطفى
                المصطفى البكري
                • 30-10-2008
                • 859

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                الزميل القدير
                مصطفى البكري
                ماسونية وقسوة تمارس على المرأة وخاصة العاقر
                ظلم الزمن لم يكفي ليأتي معه ظلم البشر وتحجر القلوب
                نص موجع لكني رأيت ومضة النهاية أخلت بالنص قليلا
                ليتك تحذف ( عائشة ماتت ) وتترك النهاية عند ابتسامة ساخرة
                هو رأي لك أن تأخذ به أو ترميه
                ودي ومحبتي لك زميلي

                أرجوحة

                http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...
                التعديل الأخير تم بواسطة البكري المصطفى; الساعة 04-12-2011, 22:49.

                تعليق

                • وسام دبليز
                  همس الياسمين
                  • 03-07-2010
                  • 687

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة البكري المصطفى مشاهدة المشاركة
                  دمـــوع تــحــتــرق

                  أحلام عشق متدفق من الأعماق ؛ أشرقت يانعة بكل الوفاء؛ بكل الإخلاص؛ بكل المحبة ..أنت التي سطرت عنوانها في صفحات أيامك الزاهية قبل مغيب الشمس وسواد الليل ؛ قبل أن تطالك يد الزمان المتصلبة ؛ فتسرق من شفتيك الابتسامة الحنون .
                  رسمت أفقا بهيجا لتطلعاتك ؛ وأحلامك المستنيرة تبدد الظلمة من دربك الذي بدا معتما .. فتاة في مقتبل العمر تجدف في بحر اليتم منذ نعومة أظافرها ؛ توقف زورقها في منتصف الحياة .ترقب عن كثب شاطئ الأمان ، تريد بناء عش لاحتضان فلذات الأكباد وسماع أصوات الأمومة فيكسر الحب طوق العزلة ...ما أطيب أمانيك وما أسعد توقعاتك يا عائشة !!.
                  عندما غضت يد الدهر ولانت مفاصلها ؛داعبت أحلامها بابتهاج منقطع النظير ..فتاة ممشوقة القد ذات بشرة بيضاء؛ ووجه مستدير ؛ وعينين واسعتين؛ وحاجبين مقوسين كهلالين متقابلين؛ وشعر فاحم مسبل. بنت برجل مبهور بصفاتها ؛ مشدود إلى عزيمتها القوية وإرادتها في الانطلاق نحو الأعلى. صنائع يديها البارعتين في الحياكة والتطريز نسجت خيال وصاله وحبه لها، فأهدته زهرات الود حتى كان اليوم المشهود ؛ تعانقا فأجهشا بالبكاء، والدمع المنهمر يلهب خديهما ؛ ويبلل أعطافهما .. ودع كل واحد منهما الأخر بسبب كساد الرحم الذي بخل عليهما بفلذات الأكباد ...المرأة عاقر والرجل يريد الولد.
                  طوت عائشة صفحة الأيام البهية؛ واستسلمت لمصيرها المحتوم تبتلع الغصص الأليمة بكامل وحدتها واغترابها ، تلوك أنينها في حلقها بصمت ....لا شيء في اليد غير المهارة والحذق بصنع المبهرات من الأبسطة والأفرشة؛ وحسن تطريزها وحياكتها .تسابق إيقاع الحياة مثقلة بهمومها كأنها تجر ذيول الخيبة بلا انقطاع ...ذهب عنفوان الشباب وأحلامه اليانعة ،ولوحت المفاتن الجسدية بالذبول .
                  طرق بابها الرجل الثاني فاستعدت لجذب الحب المفقود ولو من تلابييه الظاهرة بعدما جفت منابع عشقها الأسطوري؛ وضاع مع الزمن إلى الأبد؛ إلى غير رجعة ....رجل فقد زوجته وأراد ملء الثغرات ؛فسعى إلى عائشة . بذل جهدا مضاعفا لجمع وثائق هويتها كي يحصل على جواز سفر لها ، ويتأبط ذراعها الغض خارج حدود الوطن . وعندما اصطدم بالتماطل الإداري قال لها : " وداعا يا عائشة " !! والفرق أنها في هذه الحالة الثانية جحظت عيناها للمفآجآة ؛ لكنها لم تسكب دموعا من مقلتيها .
                  أحنت ظهرها لضربات الزمن القاسية ، عادت إلى بيتها اليتيم تضمد جراحها وتجني غلال مشاقها من صنع يديها ..ملاءات براقة يسرح الخيال في إبداعها تجلب لجيبها الصغير دريهمات فتسد الرمق .لكن أي رمق لغصن مقطوع من شجرة .؟ أي معنى لحياة تبخرت فيها الأحلام ؟ شعرت عائشة كأنها تمشي فوق الأسلاك الدامية عندما أيقنت إنها لا تنجب . كبرت فاستأسدت المأساة تتألم فلا يواسيها غير نجوم السماء . عندما تصحو ترمقها العيون بنظرات الازدراء ؛ تتوجه الأصابع إلى الكوة في حائط البيت الذي تسكنه ..اتهم رجال القرية عائشة بأنها تستحيل كل ليلة إلى كائن ممسوخ يتقلص حجمه بشكل متناه، فيخرج من الكوة ؛ ويتحول إلى دابة تائهة في القفار الشائكة فتؤذي كل من يعترض سبيلها
                  طعنتها سيوف الاتهامات الخرافية وسط جماعة غارقة في أوحال الأسطورة إلى أخمص القدمين ..في كل اللحظات تعض على الأنامل من الغيظ ، تنتظر بارقة أمل ورحمة وحنان ومواساة من الجميع ،لكن قذائف من الجمر لا تكف من التساقط عليها كزخات مطر .. أي حنان ترعاه قلوب هؤلاء في وسط الجهل القاتل ..؟ أي رحمة تجني ثمارها ممن يتشدقون بالكلمات النابية التي تسيء إلى الأرامل والأيتام والعاقرات ..؟
                  لم تعد تسقى إلا من معين الحزن ؛ فتقهقر جسدها الغض؛ وذبل كشمعة تحترق دون توقف . تكاسلت يديها المتعبتين عن التطريز والحياكة الذهبية . أسندت ظهرها إلى الحائط واستسلمت لنومها العميق ...
                  في الصباح الباكر طرق الباب رجل يحمل رسائل اعتذار من زوجها الأول .أثقلت كاهله منذ عشرة أيام. يريد أن يتخفف من عبئها الثقيل .. يريد أن يتودد إليها كي تمسح عار المكر والخديعة عن جبينه بعدما أصبح جسده المتهالك ملتصقا بكرسي المعاقين؛ يرجو من الأيادي الناعمة ؛والأيادي الفاضلة أن تحرك به الكرسي في اتجاه أبسط أغراضه ....هذا حصاد الدنيا !! تعرض لحادثة مفجعة؛ وآل مصيره إلى إعاقة دائمة .
                  طرق الرجل الباب عدة مرات ؛وانتظر سماع إيقاع خطوات بطيئة لكن الصمت المطبق خيم على المكان .قرقع المزلاج وفتح الباب بصعوبة؛ ثم دخل الغرفة المظلمة ؛تملكه الخوف؛ أحس بقشعريرة في جسده كما لو أن ستارا شائكا يلفه .غاصت يده المرتجفة في جيبه دون تردد ؛فانتشل عود ثقاب من ثناياه .حكه على الحائط فاشتعل وأنار العتمة . صاح بملء صوته : عاااااااااااااائشة ..بدا له الجسد ممتدا على البساط جثة هامدة ؛ والوجه المتجعد تعلوه ابتسامة ساخرة ثم صاح : عاااااااائشة .


                  كنت سأغضب لو أنها عادت ،تكابد المرأة حين يكون الرجل لا ينجب وتطعن بـأمومتها من أجله في حين يتركها حين يدرك أنها زهرة لا تثمر ، بين الحق في الزواج وبين تلك التضحية نارين من حيرة

                  قصة جميلة استمتعت بها

                  دمت مبدعا

                  تعليق

                  • البكري المصطفى
                    المصطفى البكري
                    • 30-10-2008
                    • 859

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
                    وكم تعيش مثل عائشة مستورات
                    يتهمن تارة بالجنون وتارة بقلة الاخلاق فقط
                    لان الحياة قست عليهن, وصرن مقطوعات من شجرة.
                    قصة مؤلمة حزينة .. شكرا لك.
                    الغالية ريما ريماوي تحتي العطرة :
                    أشكرك على قراءتك النص .أشاطرك الرأي فيما تلاحظين من تصرفات مخلة ؛ تجني النساء من أمثال عائشة ؛ ثمار شقائها ؛ لذلك تمنيت أن يكون للأدب بالإضافة إلى وظيفته الإمتاعية دور تعميق الوعي بأهمية الرحمة الإلهية انطلاقا من القاعدة الشرعية :( ارحموا من في الأرض ؛يرحمكم من في السماء ).

                    أجدد لك تحيتي وتقديري.

                    تعليق

                    • البكري المصطفى
                      المصطفى البكري
                      • 30-10-2008
                      • 859

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة حورالعربي مشاهدة المشاركة


                      تحية طيبة أستاذنا مصطفى البكري

                      قصة موجعة بنهاية مفجعة لخصت نظرة الرجل الشرقي إلى المرأة ،
                      فعلاقته بها قائمة على مصلحته بالدرجة الأولى ،بينما تذهب هي إلى جحيم الوحدة والوحشة.

                      لكم جزيل الشكر والتقدير
                      سعيد بحضورك الأخ الفاضل حور العربي ؛ مع تحيتي وتقديري:
                      ملاحظتك توحي أننا أمام نظرة الرجل الشرقي للمرأة ؛ مقابل نظرة مختلفة للرجل الغربي .. عندما نقارن بين الشرق والغرب - كثقافتين وحضارتين مختلفتين في تعاملهما مع موضوع المرأة - نصاب بخيبة أمل لا لان الغرب قد أسعد المرأة وأن الشرق لم يحقق الأمل المنشود في هذا المجال ولكن لسبب المغالطات التي أفرزتها دعوات الإباحية باعتبارها قيمة إنسانية تحررية مثالية وعادلة في مقابل جبروت الإنسان الشرقي؛ وقيوده وأغلاله ..أعتقد أن الغربال لا يحجب أشعة الشمس ...لا تزال المرأة الشرقية تعيش حرمانا مضاعفا ، ولا تزال المرأة في الغرب تعيش حرمانا من نوع آخر . وأعتقد أن التكريم الحقيقي للمرأة ينبع من سلوك ذي أساس شرعي عندما نكون على جسر (المؤمنون للمؤمنات) نعبر صراط الحياة بنجاح .
                      أشكرك على الملاحظة ودامت لك المسرات .

                      تعليق

                      • البكري المصطفى
                        المصطفى البكري
                        • 30-10-2008
                        • 859

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة وسام دبليز مشاهدة المشاركة

                        كنت سأغضب لو أنها عادت ،تكابد المرأة حين يكون الرجل لا ينجب وتطعن بـأمومتها من أجله في حين يتركها حين يدرك أنها زهرة لا تثمر ، بين الحق في الزواج وبين تلك التضحية نارين من حيرة

                        قصة جميلة استمتعت بها

                        دمت مبدعا

                        الأخت الفاضلة وسام دبليز لك مني أغلى التحيات :
                        أشكرك بداية على قراءتك النص القصصي ؛ وأشكرك على ملاحظتك حول نهاية القصة ؛لقد حمدت الله على تلبيتي ذوقك الفني الرفيع ، فلو عادت عائشة لكانت القصة مبتورة المعنى هجينة الدلالة . طبعا لن تكوني راضية على ذلك مهما قلت لك لا تغضبي هههههه.
                        دامت لك المسرات .
                        التعديل الأخير تم بواسطة البكري المصطفى; الساعة 05-12-2011, 20:18.

                        تعليق

                        • سمية البوغافرية
                          أديب وكاتب
                          • 26-12-2007
                          • 652

                          #13
                          أهلا أستاذ مصطفى البكري
                          جميلة قصتك وحزينة ولا نعدم مع الأسف حالات ونماذج من عائشة في بيئة قروية مثل البيئة التي صورتها بإتقان
                          أجل أخي حينما يجتمع الجهل والأمية ويتعثر الحظ في بيئة مثل بيئة عائشة
                          يكون الموت رحمة لها وقد جاء في وقته
                          أحييك على تطرقك لهذا الموضوع القديم بلغتك الجميلة
                          ( كنت أول المارين بقصتك لكن النت المجحف أبى أن يسجل توقيعي)
                          تقديري

                          تعليق

                          • البكري المصطفى
                            المصطفى البكري
                            • 30-10-2008
                            • 859

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة سمية البوغافرية مشاهدة المشاركة
                            أهلا أستاذ مصطفى البكري
                            جميلة قصتك وحزينة ولا نعدم مع الأسف حالات ونماذج من عائشة في بيئة قروية مثل البيئة التي صورتها بإتقان
                            أجل أخي حينما يجتمع الجهل والأمية ويتعثر الحظ في بيئة مثل بيئة عائشة
                            يكون الموت رحمة لها وقد جاء في وقته
                            أحييك على تطرقك لهذا الموضوع القديم بلغتك الجميلة
                            ( كنت أول المارين بقصتك لكن النت المجحف أبى أن يسجل توقيعي)
                            تقديري

                            الأخت الفاضلة سمية البوغافرية ؛ تحيتي العطرة:
                            أشكرك على قراءتك القصة وحضورك شرف لي ؛ كبير . أنت صاحبة مواهب أدبية .أتمنى لك مزيدا من العطاء في هذا المجال .ملاحظتك جميلة حول واقع الجهل والأمية ؛ وأثرهما على الإنسان الذي ينفلت الحظ من بين يديه لقدر إلهي ، ويعيش مأساة أوضاعه . لكن الدور الأدبي يجب أن يصغي ويترجم أنين المحرومين، وبذلك يُلقِي بعض الحصى في الماء الراكد ؛ لتحصل بعض الارتجاجات من التعقل كي يضمد الإنسان جراح المعاناة .

                            لاجناح عليك ؛ نحن في هذا الملتقى يجب أن نقدر كل الظروف ، إنها حقيقة ؛ زحمة الحياة ؛ وإيقاعها السريع الجارف. نود دائما أن نقرأ كل شيء لكن العين بصيرة واليد قصيرة كما يقول المثل .
                            أجدد لك تحيتي وتقديري .

                            تعليق

                            • إيمان الدرع
                              نائب ملتقى القصة
                              • 09-02-2010
                              • 3576

                              #15
                              زميلي الغالي : البكري المصطفى ..
                              قرأت النصّ بتمعّنٍ ..
                              شدّتني رصانة اللغة ، وقوّة التعبير ..
                              عن حالةٍ تعيشها المرأة ..بكلّ أطياف القسوة الممارسة عليها ..حدّ الهلاك ..
                              ما أودّ التأكيد عليه أخي الفاضل ..
                              سروري ..وغبطتي وأنا أستعرض ردودك على مداخلات الزملاء الأحبّة
                              فأنت تحمل فكراً متنوّراً ، مثقّفاً ، واعياً ..يدلّ على سعة أفقك ..
                              كم أفخر بك أديبنا القدير ..وبأنك بيننا !!!؟؟
                              حيّاااااااااااكَ

                              تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                              تعليق

                              يعمل...
                              X