دمـــوع تــحــتــرق
أحلام عشق متدفق من الأعماق ؛ أشرقت يانعة بكل الوفاء؛ بكل الإخلاص؛ بكل المحبة ..أنت التي سطرت عنوانها في صفحات أيامك الزاهية قبل مغيب الشمس وسواد الليل ؛ قبل أن تطالك يد الزمان المتصلبة ؛ فتسرق من شفتيك الابتسامة الحنون .
رسمت أفقا بهيجا لتطلعاتك ؛ وأحلامك المستنيرة تبدد الظلمة من دربك الذي بدا معتما .. فتاة في مقتبل العمر تجدف في بحر اليتم منذ نعومة أظافرها ؛ توقف زورقها في منتصف الحياة .ترقب عن كثب شاطئ الأمان ، تريد بناء عش لاحتضان فلذات الأكباد وسماع أصوات الأمومة فيكسر الحب طوق العزلة ...ما أطيب أمانيك وما أسعد توقعاتك يا عائشة !!.
عندما غضت يد الدهر ولانت مفاصلها ؛داعبت أحلامها بابتهاج منقطع النظير ..فتاة ممشوقة القد ذات بشرة بيضاء؛ ووجه مستدير ؛ وعينين واسعتين؛ وحاجبين مقوسين كهلالين متقابلين؛ وشعر فاحم مسبل. بنت برجل مبهور بصفاتها ؛ مشدود إلى عزيمتها القوية وإرادتها في الانطلاق نحو الأعلى. صنائع يديها البارعتين في الحياكة والتطريز نسجت خيال وصاله وحبه لها، فأهدته زهرات الود حتى كان اليوم المشهود ؛ تعانقا فأجهشا بالبكاء، والدمع المنهمر يلهب خديهما ؛ ويبلل أعطافهما .. ودع كل واحد منهما الأخر بسبب كساد الرحم الذي بخل عليهما بفلذات الأكباد ...المرأة عاقر والرجل يريد الولد.
طوت عائشة صفحة الأيام البهية؛ واستسلمت لمصيرها المحتوم تبتلع الغصص الأليمة بكامل وحدتها واغترابها ، تلوك أنينها في حلقها بصمت ....لا شيء في اليد غير المهارة والحذق بصنع المبهرات من الأبسطة والأفرشة؛ وحسن تطريزها وحياكتها .تسابق إيقاع الحياة مثقلة بهمومها كأنها تجر ذيول الخيبة بلا انقطاع ...ذهب عنفوان الشباب وأحلامه اليانعة ،ولوحت المفاتن الجسدية بالذبول .
طرق بابها الرجل الثاني فاستعدت لجذب الحب المفقود ولو من تلابييه الظاهرة بعدما جفت منابع عشقها الأسطوري؛ وضاع مع الزمن إلى الأبد؛ إلى غير رجعة ....رجل فقد زوجته وأراد ملء الثغرات ؛فسعى إلى عائشة . بذل جهدا مضاعفا لجمع وثائق هويتها كي يحصل على جواز سفر لها ، ويتأبط ذراعها الغض خارج حدود الوطن . وعندما اصطدم بالتماطل الإداري قال لها : " وداعا يا عائشة " !! والفرق أنها في هذه الحالة الثانية جحظت عيناها للمفآجآة ؛ لكنها لم تسكب دموعا من مقلتيها .
أحنت ظهرها لضربات الزمن القاسية ، عادت إلى بيتها اليتيم تضمد جراحها وتجني غلال مشاقها من صنع يديها ..ملاءات براقة يسرح الخيال في إبداعها تجلب لجيبها الصغير دريهمات فتسد الرمق .لكن أي رمق لغصن مقطوع من شجرة .؟ أي معنى لحياة تبخرت فيها الأحلام ؟ شعرت عائشة كأنها تمشي فوق الأسلاك الدامية عندما أيقنت إنها لا تنجب . كبرت فاستأسدت المأساة تتألم فلا يواسيها غير نجوم السماء . عندما تصحو ترمقها العيون بنظرات الازدراء ؛ تتوجه الأصابع إلى الكوة في حائط البيت الذي تسكنه ..اتهم رجال القرية عائشة بأنها تستحيل كل ليلة إلى كائن ممسوخ يتقلص حجمه بشكل متناه، فيخرج من الكوة ؛ ويتحول إلى دابة تائهة في القفار الشائكة فتؤذي كل من يعترض سبيلها
طعنتها سيوف الاتهامات الخرافية وسط جماعة غارقة في أوحال الأسطورة إلى أخمص القدمين ..في كل اللحظات تعض على الأنامل من الغيظ ، تنتظر بارقة أمل ورحمة وحنان ومواساة من الجميع ،لكن قذائف من الجمر لا تكف من التساقط عليها كزخات مطر .. أي حنان ترعاه قلوب هؤلاء في وسط الجهل القاتل ..؟ أي رحمة تجني ثمارها ممن يتشدقون بالكلمات النابية التي تسيء إلى الأرامل والأيتام والعاقرات ..؟
لم تعد تسقى إلا من معين الحزن ؛ فتقهقر جسدها الغض؛ وذبل كشمعة تحترق دون توقف . تكاسلت يديها المتعبتين عن التطريز والحياكة الذهبية . أسندت ظهرها إلى الحائط واستسلمت لنومها العميق ...
في الصباح الباكر طرق الباب رجل يحمل رسائل اعتذار من زوجها الأول .أثقلت كاهله منذ عشرة أيام. يريد أن يتخفف من عبئها الثقيل .. يريد أن يتودد إليها كي تمسح عار المكر والخديعة عن جبينه بعدما أصبح جسده المتهالك ملتصقا بكرسي المعاقين؛ يرجو من الأيادي الناعمة ؛والأيادي الفاضلة أن تحرك به الكرسي في اتجاه أبسط أغراضه ....هذا حصاد الدنيا !! تعرض لحادثة مفجعة؛ وآل مصيره إلى إعاقة دائمة .
طرق الرجل الباب عدة مرات ؛وانتظر سماع إيقاع خطوات بطيئة لكن الصمت المطبق خيم على المكان .قرقع المزلاج وفتح الباب بصعوبة؛ ثم دخل الغرفة المظلمة ؛تملكه الخوف؛ أحس بقشعريرة في جسده كما لو أن ستارا شائكا يلفه .غاصت يده المرتجفة في جيبه دون تردد ؛فانتشل عود ثقاب من ثناياه .حكه على الحائط فاشتعل وأنار العتمة . صاح بملء صوته : عاااااااااااااائشة ..بدا له الجسد ممتدا على البساط جثة هامدة ؛ والوجه المتجعد تعلوه ابتسامة ساخرة ثم صاح : عاااااااائشة .
أحلام عشق متدفق من الأعماق ؛ أشرقت يانعة بكل الوفاء؛ بكل الإخلاص؛ بكل المحبة ..أنت التي سطرت عنوانها في صفحات أيامك الزاهية قبل مغيب الشمس وسواد الليل ؛ قبل أن تطالك يد الزمان المتصلبة ؛ فتسرق من شفتيك الابتسامة الحنون .
رسمت أفقا بهيجا لتطلعاتك ؛ وأحلامك المستنيرة تبدد الظلمة من دربك الذي بدا معتما .. فتاة في مقتبل العمر تجدف في بحر اليتم منذ نعومة أظافرها ؛ توقف زورقها في منتصف الحياة .ترقب عن كثب شاطئ الأمان ، تريد بناء عش لاحتضان فلذات الأكباد وسماع أصوات الأمومة فيكسر الحب طوق العزلة ...ما أطيب أمانيك وما أسعد توقعاتك يا عائشة !!.
عندما غضت يد الدهر ولانت مفاصلها ؛داعبت أحلامها بابتهاج منقطع النظير ..فتاة ممشوقة القد ذات بشرة بيضاء؛ ووجه مستدير ؛ وعينين واسعتين؛ وحاجبين مقوسين كهلالين متقابلين؛ وشعر فاحم مسبل. بنت برجل مبهور بصفاتها ؛ مشدود إلى عزيمتها القوية وإرادتها في الانطلاق نحو الأعلى. صنائع يديها البارعتين في الحياكة والتطريز نسجت خيال وصاله وحبه لها، فأهدته زهرات الود حتى كان اليوم المشهود ؛ تعانقا فأجهشا بالبكاء، والدمع المنهمر يلهب خديهما ؛ ويبلل أعطافهما .. ودع كل واحد منهما الأخر بسبب كساد الرحم الذي بخل عليهما بفلذات الأكباد ...المرأة عاقر والرجل يريد الولد.
طوت عائشة صفحة الأيام البهية؛ واستسلمت لمصيرها المحتوم تبتلع الغصص الأليمة بكامل وحدتها واغترابها ، تلوك أنينها في حلقها بصمت ....لا شيء في اليد غير المهارة والحذق بصنع المبهرات من الأبسطة والأفرشة؛ وحسن تطريزها وحياكتها .تسابق إيقاع الحياة مثقلة بهمومها كأنها تجر ذيول الخيبة بلا انقطاع ...ذهب عنفوان الشباب وأحلامه اليانعة ،ولوحت المفاتن الجسدية بالذبول .
طرق بابها الرجل الثاني فاستعدت لجذب الحب المفقود ولو من تلابييه الظاهرة بعدما جفت منابع عشقها الأسطوري؛ وضاع مع الزمن إلى الأبد؛ إلى غير رجعة ....رجل فقد زوجته وأراد ملء الثغرات ؛فسعى إلى عائشة . بذل جهدا مضاعفا لجمع وثائق هويتها كي يحصل على جواز سفر لها ، ويتأبط ذراعها الغض خارج حدود الوطن . وعندما اصطدم بالتماطل الإداري قال لها : " وداعا يا عائشة " !! والفرق أنها في هذه الحالة الثانية جحظت عيناها للمفآجآة ؛ لكنها لم تسكب دموعا من مقلتيها .
أحنت ظهرها لضربات الزمن القاسية ، عادت إلى بيتها اليتيم تضمد جراحها وتجني غلال مشاقها من صنع يديها ..ملاءات براقة يسرح الخيال في إبداعها تجلب لجيبها الصغير دريهمات فتسد الرمق .لكن أي رمق لغصن مقطوع من شجرة .؟ أي معنى لحياة تبخرت فيها الأحلام ؟ شعرت عائشة كأنها تمشي فوق الأسلاك الدامية عندما أيقنت إنها لا تنجب . كبرت فاستأسدت المأساة تتألم فلا يواسيها غير نجوم السماء . عندما تصحو ترمقها العيون بنظرات الازدراء ؛ تتوجه الأصابع إلى الكوة في حائط البيت الذي تسكنه ..اتهم رجال القرية عائشة بأنها تستحيل كل ليلة إلى كائن ممسوخ يتقلص حجمه بشكل متناه، فيخرج من الكوة ؛ ويتحول إلى دابة تائهة في القفار الشائكة فتؤذي كل من يعترض سبيلها
طعنتها سيوف الاتهامات الخرافية وسط جماعة غارقة في أوحال الأسطورة إلى أخمص القدمين ..في كل اللحظات تعض على الأنامل من الغيظ ، تنتظر بارقة أمل ورحمة وحنان ومواساة من الجميع ،لكن قذائف من الجمر لا تكف من التساقط عليها كزخات مطر .. أي حنان ترعاه قلوب هؤلاء في وسط الجهل القاتل ..؟ أي رحمة تجني ثمارها ممن يتشدقون بالكلمات النابية التي تسيء إلى الأرامل والأيتام والعاقرات ..؟
لم تعد تسقى إلا من معين الحزن ؛ فتقهقر جسدها الغض؛ وذبل كشمعة تحترق دون توقف . تكاسلت يديها المتعبتين عن التطريز والحياكة الذهبية . أسندت ظهرها إلى الحائط واستسلمت لنومها العميق ...
في الصباح الباكر طرق الباب رجل يحمل رسائل اعتذار من زوجها الأول .أثقلت كاهله منذ عشرة أيام. يريد أن يتخفف من عبئها الثقيل .. يريد أن يتودد إليها كي تمسح عار المكر والخديعة عن جبينه بعدما أصبح جسده المتهالك ملتصقا بكرسي المعاقين؛ يرجو من الأيادي الناعمة ؛والأيادي الفاضلة أن تحرك به الكرسي في اتجاه أبسط أغراضه ....هذا حصاد الدنيا !! تعرض لحادثة مفجعة؛ وآل مصيره إلى إعاقة دائمة .
طرق الرجل الباب عدة مرات ؛وانتظر سماع إيقاع خطوات بطيئة لكن الصمت المطبق خيم على المكان .قرقع المزلاج وفتح الباب بصعوبة؛ ثم دخل الغرفة المظلمة ؛تملكه الخوف؛ أحس بقشعريرة في جسده كما لو أن ستارا شائكا يلفه .غاصت يده المرتجفة في جيبه دون تردد ؛فانتشل عود ثقاب من ثناياه .حكه على الحائط فاشتعل وأنار العتمة . صاح بملء صوته : عاااااااااااااائشة ..بدا له الجسد ممتدا على البساط جثة هامدة ؛ والوجه المتجعد تعلوه ابتسامة ساخرة ثم صاح : عاااااااائشة .
تعليق