وجئتكم محدثا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • جلول بن يعيش
    أديب وكاتب
    • 05-05-2011
    • 29

    وجئتكم محدثا

    ...وجئتكم محدثا
    وقفت بينكم مستسمحا بباقة الأعذار
    لأنني أحرقت كل ما كتبت من أشعار
    لكي أنير درب عودتي
    لا تعجبوا إن قلت أن ما أتيتكم به من غربة الأسفار
    حكاية صلعاء
    حكاية وددت لو حوقت رأسها بكان يا ما كان
    حكاية وددت لوأسندت ظهرها إلى عمود سالف الأزمان
    ورغم أنها حكاية تعافها أسماعكم
    لأنها مبصوقة من حلق حاضر الزمان
    أقصها لكم
    خرجت حالما وحاملا في صرة الآمال قلبي الضرير
    جراحه تغور كل لحظة أعيشها في عالم الجهامة المرير
    تغور كلما يطنطن التلفاز معلنا عن نشرة الأخبار
    حصيلة انفجار
    مجاعة تهدد البلاد بعد طول مدة الحصار
    أسراب لاجئين تعبر الحدود
    مهاجرون يغرقون في البحار
    خرجت ساريا بأنفي المبتور
    فالأنف عورة في وجه فارس أو شاعر مقهور
    خرجت هاربا من عالم منهوم
    عالم ينادم الطغاة والجناة بالدماء كل يوم
    عالم يعج بالأشلاء والجماجم
    عالم تورّمت أطرافه من تخمة الجرائم
    الفارس المندوب لايزال واردا لقومه من بئره بدلوه المثقوب
    والبائس المغلوب لايزال طامعا في غرفة كي يطفئ الكروب
    وكنت قد سمعت عن مدينة عذراء
    أسوارها مبنية بزرقة السماء
    عيونها نضاخة بالعدل والصفاء
    تركت كل ما عرفته مع الأنا القديمة
    وهبت كل ما جربته ابتغاء غفوة في ظل نسمة رحيمة
    وصلت جمرة إلى مدينة النقاء
    من بعدما احترقت في ظلام دربها السحيق
    بالشوق والرجاء
    وعندما انطفأت في بحيرة الضياء
    طفوت فحمة سوداء فوق لجّة زهراء
    فحمة تود لو تفتتت من شدة الحياء
    وقد رأت رمادها ينجّس الأنوار بالشقاء
    شقاء طينة تمزقت على تراب أرضنا الكئيبة
    طينة تعجّبت من مسخها الغرائب العجيبة
    طينة تحجرت بلفحة الفحيح
    فحيح لعنة تجيء كلّما رأت قروحها تقيح
    فالأرض قد تكمّشت من خشية الخراب
    والطينة السفيهة تعرّضت له ...تظنّه السحاب
    من بعدما تمرّغت في خيبة على ضفاف مهمه السراب
    دخلت يا مليكة المدينة ...من كوّة الضياع
    تركت خلفي أمة سقيمة ...مهدومة القلاع
    تئن تحت وطأة الأوجاع
    يموج بعضها في بعضها ..يؤزّها النّزاع
    يموت جلها لأجل بعض بعضها... بخنجر الأطماع
    خرجت حين قيل لي دواؤها ألقاه في مدينة البكارة
    وها رجعت بعد رحلتي للعالم العبيط
    عالم تعفّنت انحاؤه من المحيط للمحيط
    أحرقت كل ما جمعت كي أنير ظلمة الطريق
    لعلني أصل
    وفي يدي بقية مما قطفت من حدائق الطهارة
    لأمة ترى في كل فتنة بشارة
    وها وجدت أمتي تقدمت بكبوة إلى بوادر التغيير
    فالنار أصبحت وسيلة للبوح والتعبير
    والشعوب لا تخاف هوة المصير
    وإنّما تخاف أن تعيش ثم تنتهي
    ولا تقول لا
    لحضرة الأمير.
  • محمد الصاوى السيد حسين
    أديب وكاتب
    • 25-09-2008
    • 2803

    #2
    يمكن القول إننا أمام فكرة شعرية ثرية بحق ، فكرة إنسانية قديمة لكنهاهنا عبر معالجة فنية خاصة تهبها الخصوصية والدهشة ، فكرة تتمثل فى "نشدان المدينة الفاضلة " والبحث عنها كمحاولة لإيجادها على الأرض ، وهى محاولة تقدمها لنا الفكرة كمحاولة فاشلة محكومة بالفشل منذ بدايتها ، بل إن حالة النشدان ذاتها نتلقاها عبر المعالجة كذكرى أليمة يخجل صاحبها من اجترارها حيث نتلقى هذا السياق

    لا تعجبوا إن قلت أن ما أتيتكم به من غربة الأسفار
    حكاية صلعاء
    حكاية وددت لو حوقت رأسها بكان يا ما كان
    حكاية وددت لوأسندت ظهرها إلى عمود سالف الأزمان
    ورغم أنها حكاية تعافها أسماعكم
    لأنها مبصوقة من حلق حاضر الزمان
    أقصها لكم

    فالفكرة إذن تختار أن تقدم لنا فكرة نشدان المدينة الفاضلة كفكرة من أفكار الهزيمة أو محاولة الدوران فى الحلقة المفرغة ، وهى نقطة فارقة حيث نتلقى خطاب بطل النص الذى عبر عنه الشاعر كخطاب من خطابات الهزيمة والانكسار والخبية إنه يفشل حتى فى أن يحتفظ بذكرى طيبة لمحاولة إيجاد تلك المدينة ، لكن لماذا ؟

    - فى الحقيقة تحمل الفكرة إيحاء هاما عبر معالجتها فى النص بل إنه يمثل بصمة الخصوصية التى تميز الفكرة الشعرية هنا فى هذا النص ويتمثل هذا الإيحاء فى أن فكرة نشدان هذى المدينة الفاضلة لا يمكن أن يتحقق خارج الوطن ، لا يمكن أن يربح الحالمون إذا كان حلمهم هو التحليق فى جنات وفراديس لم يصنعوها ولم يكابدوا لأجلها ، إنهم إذن ومنذ البداية محكومون بالهزيمة والانكسار ، لكن لعل هذا الرحيل نحو المدينة الفاضلة والبحث عنه له ما يبرره فلعل الوطن قد ضاق كما تضيق الملابس القديمة البالية على أهلها ، ولنتأمل هذا السياق

    خرجت حالما وحاملا في صرة الآمال قلبي الضرير
    جراحه تغور كل لحظة أعيشها في عالم الجهامة المرير
    تغور كلما يطنطن التلفاز معلنا عن نشرة الأخبار

    إن هذا السياق ينتقل بفنية إلى إضاءة فكرة الرحيل نحو المدينة الفاضلة ونشدانها أينما كانت مهما يكن الدرب وعرا فالوطن صار عالما للجهامة والألم والفجيعة حيث يتوالى بعد ذلك وفى سياقات تالية رسم لوحة فاجعة للوطن بما يجعلنا أمام الوجدان الذى ربما يعطف على فكرة الارتحال عن الوطن الذى صار سجنا

    - بل إن بطل النص فى سبيله إلى هذى المدينة الفاضلة التى يحلم بها وطنا إنما يحاول أن يصطنع لنفسه كيانا يليق بروعة هذى المدينة فنتلقى هذا السياق

    تركت كل ما عرفته مع الأنا القديمة
    وهبت كل ما جربته ابتغاء غفوة في ظل نسمة رحيمة
    وصلت جمرة إلى مدينة النقاء
    من بعدما احترقت في ظلام دربها السحيق

    حيث يستحيل بطل النص عبر علاقة الحال المفردة " وصلت جمرة " يستحيل جمرة وهو تخييل يقوم على جمالية التشبيه البليغ المتحول من الجملة الاسمية والذى نتلقاه أيضا كتعبير كنائى عن المكابدة التى يصل إليها بطل النص فى محاولة لأن يستنبت له كيانا آخر يليق بوطنه الجديد لكن هذى المكابدة تنتهى إلى الخيبة والفشل حيث نتلقى

    وعندما انطفأت في بحيرة الضياء
    طفوت فحمة سوداء فوق لجّة زهراء
    فحمة تود لو تفتتت من شدة الحياء
    وقد رأت رمادها ينجّس الأنوار بالشقاء

    إن الكيان الذى اصطنع لنفسه كيانا آخر ،ها هو ينطفىء وتنكشف وجيعته ، أنه ليس بقادر على أن يحيا فى مدينته التى كان يحسبها فاضلة ، فإذا بها فما كبيرا يلفظ هذا الدخيل الغريب الهارب من وجعه وقضيته إلى نشدان الوهم الذى لا يمكن أن يكون حقيقة إلا حيث نبت بطل النص وكانت جذوره الإنسانية فها هو البطل يرسم لنا خاتمة رحلته حيث نتلقى

    خرجت حين قيل لي دواؤها ألقاه في مدينة البكارة
    وها رجعت بعد رحلتي للعالم العبيط
    عالم تعفّنت انحاؤه من المحيط للمحيط

    حيث تتكشف له الحقيقة التى كان يهرب منها فلا وطن للمرء إلا وطنه ولا حقيقة للمرء إلا وطنه ، ولا هوية للمرء إلا وطنه ، ولا مدينة فاضلة تنال من الهواء ، الذى يحلم بالمدينة الفاضلة فليحفرها على لوحة الوطن فهنا فحسب تكون حقيقة وليست سرابا وخيالا لا يطال

    - هناك أيضا نقطة هامة فى هذا النص فيما يخص المعالجة الفنية هى قدرة النص على السرد ، السرد السلس السهل الممتنع الذى يشى بمكابدة طويلة مع اللغة الشعرية انتهت لمثل هذى السلاسة والسيطرة على السرد فى عذوبة ودون تفلسف أو تقعر

    - ولو تأملنا بنية السرد فى هذا النص الشعرى لوجدنا أننا امام فنية تقوم على ما يشبه السرد الدائرى الذى يبدأ من حيث ينتهى حيث نتلقى فى مفتتح النص نهايته ثم تصاعد حدة السرد إلى أن نرجع إلى ذات المشهد مشهد بطل النص العاجز الذى طارد سرابا وهى المعالجة الفنية التى تجلو لنا فكرة نشدان المدينة الفاضلة ومحاذيرها

    - ربما من حيث البنية الموسيقية أجد أننا أمام إيقاع الرجز الذى يذكرنا بالحداة القدامى الذين كانوا يضبون بالرجز فى الفلوات الوسيعة كأن إيقاع الرجز هو دفة يديرونها فى بحر لاهب صاخب موار ، تماما كما يفعل بطل النص الذى يحدو وجيعة خيبته وحلمه ثم بصيص الأمل الذى يتمثل فى الثورة التى يراها مائرة نابضة فكأنها الباب المشرع له ليدخل مدينته الفاضلة التى طال الارتحال إليها بعيدا دون جدوى

    تعليق

    • جلول بن يعيش
      أديب وكاتب
      • 05-05-2011
      • 29

      #3
      الناقد المتمرّس ...الأستاذ محمد الصاوي السيد حسين :تحية عطرة أزفها لك عبر هذا المتصفح الذي يخدم بحق الإبداع الأدبي. أنت تمتلك حدسا شعريا يمكنك من الكشف عن البؤرة الخطابية التى يلتف حولها النص ،فعلا فالدوران في الحلقة المفرغة :هي الخيط الجمالي الذي يشد أجزاء الصور الشعرية ...بالإضافة إلى تطويع أدوات السرد وإخضاعها لسلطان التجربة الشعورية ....وهذه الفنية كما قلت تحتاج إلى مهارة وسلاسة ...ويصعب على الشاعر امتلاكها دون مكابدة ،أعجبت كثيرا بوعيك النقدي ،فالخطاب الشعري اليوم تنصهر فيه جميع الأجناس الأدبية ،ومسألة النقاء لم تعد مطروحة ،وعلى الناقد اليوم فك شفرة الخطاب بنفس الوعي التعبيري والإيحائي الذي شفّر به الكاتب أو الشاعر نصه،وهذا لا يتأتى إلا بالفهم العميق لنظرية التلقى ،فسبر أغوار النص الإبداعي الحديث يحتاج من الناقد امتلاك أدوات مرنة تتكيف مع مختلف الظواهر الخطابية التي يتلقّاها ،وبذلك يشترك الشاعر أو الكاتب مع الناقد في التحليق معا وسط الأ بعاد الفنية والجمالية للخطاب
      التعديل الأخير تم بواسطة جلول بن يعيش; الساعة 13-12-2011, 10:40.

      تعليق

      يعمل...
      X