البيت المهجور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الشيخ احمد محمد
    أديب وكاتب
    • 16-10-2011
    • 228

    البيت المهجور

    صمم على المبيت في الدار المهجورة وحده هذه الليلة ، أجل فلقد تخطى الحلم وهذا هو عامه الثاني بعد البلوغ ، لابد أن يثبت أنه أصبح رجلا ، وأنه لم يعد يخاف مثلما كان في السابق ، خاصة أن دار أهله لم تجد من يبيت فيها الليلة بسبب غياب الرجلين الذين كانا يبيتان فيها ، فقد سافر أحدهما في إجازة إلى أهله ، بينما ذهب الثاني إلى مدينة أخرى لجلب بعض البضاعة من هناك ، وكانت الدار مخصصة للكراء لكن منذ مدة لم تجد من يؤجرها ، ونظرا إلى أنه يوجد فيها بعض الأمتعة والأثاث القيم مخزنا في أحدى الغرف ، كان لابد لها ممن يبيت فيها كل ليلة خوفا من اللصوص ، وقد سمح والده بسبب ذلك لاثنين من معارفه التجار بالسكنى فيها دون أجر ، مقابل حمايتها من السرقة ، لكن الوالد لم يجد الليلة من يسند له هذه المهمة ، فاحتار في أمره قبل أن يعلن الفتى عن استعداده للقيام بالمهمة.
    تعشى أحمد عند أهله ، وأخذ بطانية ووسادة، وغادر بعد منتصف الليل منزل أهله متوجها إلى الدار المهجورة ، فوصلها بسرعة إذ لم تكن بعيدة ، ففتح الباب وولج داخل الدار ، لم يسمع أي حركة ومع تركيزه على التصنت ، وحذره الناتج عن كونه يقضي لأول مرة الليل وحده ، إلا أن أي صوت لم يترام إلى سمعه ، الكل قد نام فيما يبدو ، فتح غرفة الصالون ، وأنار مصباح الكهرباء وأعد فراشه ، ثم حدثته نفسه بأن يطفئ النور حتى لا يراه اللصوص فيعلمون أنه وحده في الدار ، فيأتون للسرقة ، عندها قام وأطفأ المصباح ، لكن تضاعف خوفه بسبب الظلام الدامس الذي خيل إليه معه أن أي لص يمكن له أن يمسك به دون أن يراه يقترب أو يعلم به حتى ، فقام ثانية وأنار المصباح من جديد ، على الأقل سوف أتمكن من رؤية القادم من مسافة قريبة ، إلا أنه لم يطمئن ولم يعرف هل من الأفضل إطفاء النور أم تركه مضاءا ، وفجأة تناهى إلى سمعه صوت بعض القطط تموء في الظلام ، فأوجس خيفة ، وبدت له تلك الأصوات غريبة بعض الشيء ، وخيل إليه أنها أصوات آدمية تتعذب ، فاشتد به الخوف ، وقرر إغلاق باب الغرفة عليه ، بعد إقناع نفسه بأنه سوف لن تفوته أي حركة مشبوهة في الغرف الأخرى ، لأنه لن ينام تلك الليلة على مايبدو ، وسيقوم بالصياح إن لاحظ وجود أي لصوص في البيت ، من أجل أن ينتبه الجيران القريبون ويأتونه في الوقت المناسب لصد الجناة ، أغلق الباب لكنه لم يطمئن أيضا فاللصوص يمكنهم الآن الإقتراب أكثر والوقوف عند باب غرفته دون أن ينتبه لهم وعندها يمكنهم نزع الباب بوسائلهم السحرية في طرفة عين ، كما أنهم قد يأتون من الأعلى إذ أن سقف البيت من الزنك الرقيق ، ولن يصعب عليهم نزع بعضه بخفة والتسلل داخل الغرفة ، واحتار هل يراقب السقف أم يراقب الباب ؟ ، وفي غمرة من السكون والصمت المطبق من حوله ، اهتز فجأة سقف الدار فوقه بقوة محدثا ضجة هائلة ، فخيل إليه أن اللصوص قفزوا بقوة فوق السقف ، وانتزعوه من مكانه ، فهب من موضعه بقفزة عنيفة تسمر بعدها واقفا قرب الباب ، فهو لايستطيع فتح الباب أيضا خوفا من أن يكون عنده أحدهم ، وبعد لحظات سمع مواء القطط من جديد فوقه ، فأدرك أن تلك الضجة ناتجة عن تعارك بعض القطط فوق المنزل ، عاد إلى فراشه من جديد ، واضجع ، ثم سمع صوت مشادة كلامية في الشارع ، فتشجع قليلا بسماع تلك الأصوات ، وهم بفتح الباب ، إلا أنه خاف أن يكون المتخاصمون قادمون نحوه للإعتداء على المنزل وعليه ، لكن الأصوات تلاشت بسرعة في سكون الليل ، كان متيقظا يلاحظ ابسط حركة أو صوت ، فكر مرات عدة في الهرب من المنزل والعودة إلى دار أهله ، وإعلان استسلامه ، لكنه لم يأمن على نفسه الخروج في الشارع في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل ، وشعر بأنه أصبح محبوسا في الدار لا يستطيع مغادرتها حتى لو أراد ذلك ، كما أنه لايطيق الإنتظار والمكوث فيها من شدة الخوف ، تناهى إلى سمعه صوت حفر في الحائط ، فقعد يصغي بانتباه ظانا أن هناك من يحاول شق الحائط من أجل الدخول عليه ، فكر فيما يفعل لكن الصوت كان ضعيفا بعض الشيء ، وقف حاملا معه البطانية التي كان يلبسها ، ووضع أذنه قرب الحائط يتصنت ، وجه رأسه إلى الأسفل قليلا فرأى خنفساء انقطعت بها السبل في كيس ورق ، كلما صعدت نحو حافته تسقط في قعره ، عاودته السكينة بعض الشيء ، فأخذها ورماها من تحت شق الباب بعيدا ، وعاد إلى الفراش ، خيل إليه طوال الليل أنه يسمع بعض الكلام الخفي والهمهمة والدمدمة التي لم يعرف من أين تأتي ، ولم يتبين كلمة واحدة منها ، فبات يقرأ كل ما يعرف من السور القرآنية.
    سمع أصوات الكلاب تنبح في أرجاء الحي مدة طويلة من الوقت ، ثم تناهى إلى سمعه نهيق بعض الحمير ، وأخيرا سمع صوت الديوك تؤذن معلنة البداية الطويلة لنهاية الليلة الليلاء ، انتظر بفارغ صبر أن ينشر الصباح نوره ليتمكن من النهوض دون خوف ، ومغادرة ذلك المنزل ، وضع رأسه على الوسادة لأول مرة وقد اطمئن قليلا إلى انقضاء الليل دون مشكلة ، لكن الكرى تسلل إلى أجفانه فنام أخيرا ، واستيقظ مذعورا على أصوات قرب باب الغرفة ، كلام عال وطرق مستمر للباب ، وسمع اسمه يتردد على السنة الواقفين ، إفتح الباب ، كان الوقت زوالا والضوء قد غمر الغرفة متسللا عبر الباب والنوافذ ، إقشعر جسمه قليلا ، لكنه سرعان ماعرف أصوات المتكلمين ، إنها أمه وبعض النسوة معها ، ففتح الباب وهو يحاول الإبتعاد بوجهه قدر الإمكان عن نور الشمس الوهاج.
  • محمد الصاوى السيد حسين
    أديب وكاتب
    • 25-09-2008
    • 2803

    #2
    يمكن القول أننا فكرة سردية تستحق التأمل والقراءة فى هذا النص ، هى فكرة مواجهة المجهول والغيبى والمخفى ، فكرة حد السكين التى يقف عليها الإنسان اختيارا او جبرا ليكتشف المجهول ، فكرة الرغبة فى كسر هذا المجهول ، فكرة اكتشافه والوقوف على قمته ليثبت الإنسان لنفسه وللحياة كلها أنه صار الأقوى صار يعرف ، وهى فكرة ثرية بحق وتحمل عمقها إنسانيا وفنيا

    - وهذى الفكرة التى يقوم عليها النص نتلقاها هنا عبر معالجة فنية تقدمها لنا عبر حادثة بطلنا الشاب الصغير الذى يدرج إلى الرجولة فيود لو يثبت لنفسه وللمحيطين به أن حقا قد صار رجلا ، إنه يصمم دون أن يطلب منه أحد أن يبيت فى البيت المهجور حيث نتلقى هذا السياق

    صمم على المبيت في الدار المهجورة وحده هذه الليلة ، أجل فلقد تخطى الحلم وهذا هو عامه الثاني بعد البلوغ ، لابد أن يثبت أنه أصبح رجلا

    - إن المعالجة الفنية هنا تقدم لنا إذن فكرة مواجهة المجهول عبر بطلنا الذى يود لو يببت ولو ليلة فى ذلك البيت المهجور مواجها خوفه ومواجها ربما ثقافة الخرافة التى تسيطر فيما يبدو على المكان ربما منذ العنوان الذى تحمل علاقة النعت " المهجور " دلالة واضحة على تفعيل هذى الثقافة والإيحاء الفنى بوجود ما يخيف تجاه البيت

    - إذن يمكن القول أن النص وعبر هذى المعالجة الفنية يضعنا منذ البداية أمام لحظة حرجة ، وأمام توتير فنى ينذر بمجهول ما لا نعرفه ، خاصة مع التفاصيل الجانبية التى تشى بقصة ما للبطل مع الخوف ، حيث نتلقى هذى التفصيلة الجانبية

    وأنه لم يعد يخاف مثلما كان في السابق


    - لكن الحقيقة إن المعالجة الفنية بعد هذا التمهيد الفنى الناجح والتحفيز الوجدانى لتلقى حركة السرد ، نجدها غير قادرة على إدهاشنا تلك الدهشة الفنية التى تناسب التمهيد ، لا نجد المعالجة الفنية تقوم على تكثيف قلق بطل النص ولا وضعنا أمام لحظات حرجة أخرى ، لا تكون قادرة على أن تتركنا للإيحاء والتخيل ولنتأمل هذا السياق

    وكانت الدار مخصصة للكراء لكن منذ مدة لم تجد من يؤجرها ، ونظرا إلى أنه يوجد فيها بعض الأمتعة والأثاث القيم مخزنا في أحدى الغرف ، كان لابد لها ممن يبيت فيها كل ليلة خوفا من اللصوص


    - إن السياق السابق يسهب عبر بنية السرد فى تخفيف من دلالة العنوان " البيت المهجور " بل إنه يقوم على التقليل من خطره وما يكتنفه من غيبى ومخفى عنا ، إن المعالجة هنا تقدم لنا مجرد مخزن للبضائع لا أكثر ، ولا خطر يتعرض له إلا مجرد السرقة ، وهذا السياق لا يتناسب مع العنوان بمجازه الذى يستدعيه كما لا يتناسب مع التحفيز الذى نتلقاه فى مفتتح النص ، وحتى لو كان الخطر هو اللصوص إن المعالجة الفنية يجب انتكون أكثر تكثيفا لهذا الخطر ، أكثر تحفيزا لنا على أن نتلقى إيحاء آخر أو أكثر من إيحاء ولنتأمل هذا السياق

    وفجأة تناهى إلى سمعه صوت بعض القطط تموء في الظلام ، فأوجس خيفة ، وبدت له تلك الأصوات غريبة بعض الشيء ، وخيل إليه أنها أصوات آدمية تتعذب ، فاشتد به الخوف ، وقرر إغلاق باب الغرفة عليه ، بعد إقناع نفسه بأنه سوف لن تفوته أي حركة مشبوهة في الغرف الأخرى ، لأنه لن ينام تلك الليلة على مايبدو


    - إن هذا السياق السابق منذ بدايته يحكم بالفشل على تلقى الفكرة ورسالتها التى يحتويها النص ، حيث يفوت فرصة كبيرة لتكثيف حدة القلق من مواجهة المجهول ، ويضيع فرصة تحفيز المتلقى وتركه للإيحاء والتخيل ، ولنتأمل هذا السياق دون ما أفسده فى رأيى

    وفجأة تناهى إلى سمعه صوت ( ...... ) يموء في الظلام ، فأوجس خيفة ، وبدت له تلك الأصوات غريبة بعض الشيء ، وخيل إليه أنها أصوات آدمية تتعذب ، فاشتد به الخوف ، وقرر إغلاق باب الغرفة عليه ، بعد إقناع نفسه بأنه سوف لن تفوته أي حركة مشبوهة في الغرف الأخرى ، لأنه لن ينام تلك الليلة على مايبدو

    - إن السياق بهذى المعالجة الفنية يقدم لنا الدهشة والتحفيز والإيحاء الذى تحتاجه الفكرة ، يقدم لنا الوجدان الواقف على حد السكين بين الإقدام والإحجام ، إننا بهذى المعالجة لا تنفضح لنا علة الأصوات ولا ندريها ، نحن إذن أمام التفاعل مع النص ومحاولة إنتاج خبرة ذهنية ووجدانية حول هذى الأصوات ، أمام استدعاء واستكناه الفكرة التى قام عليها النص فكرة مواجهة المجهول ولحظة هذى المواجهة الحرجة

    - والغريب أن النص يكرر هذا المعالجة التى تكشف لنا تماما طبيعة المخاوف التى يكابدها بطل النص ، بل إنها تقدمها لنا على أنها مجرد مخاوف وهمية بلا خطر حقيقى متجاهلة أننا أمام كيان حى بيبت ليلته الأولى وفى مواجهة نفسية وذهنية مع فكرة المجهول وثقافة الخرافة التى تكتنف مشهدية الأماكن المهجورة ولنتأمل هذا السياق

    اهتز فجأة سقف الدار فوقه بقوة محدثا ضجة هائلة ، فخيل إليه أن اللصوص قفزوا بقوة فوق السقف ، وانتزعوه من مكانه ، فهب من موضعه بقفزة عنيفة تسمر بعدها واقفا قرب الباب ، فهو لايستطيع فتح الباب أيضا خوفا من أن يكون عنده أحدهم ، وبعد لحظات سمع مواء القطط من جديد فوقه ، فأدرك أن تلك الضجة ناتجة عن تعارك بعض القطط فوق المنزل ، عاد إلى فراشه من جديد

    وفى هذا السياق نجد كأن السياق يصر على إفراغ لحظة القلق التى يحتاجها النص من أثرها ، بل وكأنه يسخر من بطل النص ومخاوفه ويفقدنا كمتلقين الرغبة فى التفاعل معه والتعاطف مع صراعه حيث ما هو إلا ولد صغير يريد أن يتشبه بالرجال بينما كان الممكن عبر المعالجة أن نتلقى هذا الصراع بدرجة أعمق عبر الفكرة التى يفترض ان النص يشتغل عليها ، حيث هو بهذا السياق يشتغل على فكرة أخرى هى فكرة السخرية من ذلك الولد الذى يفزع من القطط إذا تعاركت فى الليل

    - ثم إن هذى المعالجة التى تعمد إلى فضح هذى المخاوف التى يكابدها بطل النص بجلاء تام لا تقدم لنا مع هذى الإضاءة ما الذى يحدث فى نفسية بطل النص حين تفتضح مخاوفه ، إنه يتصرف كأنه آلة ما عندما يجد هذى المخاوف وقد تجلت إلى لا شىء ، إنه يرجع إلى النوم هذا ظاهريا لكن المشهد لا يشتغل على نفسية البطل ولا ماذا يعتمل فيها أمام فكرة افتضاح المخاوف عن لا شىء ، ربما ليس إلا فى هذا المشهد حيث نتلقى هذا السياق

    وجه رأسه إلى الأسفل قليلا فرأى خنفساء انقطعت بها السبل في كيس ورق ، كلما صعدت نحو حافته تسقط في قعره ، عاودته السكينة بعض الشيء ، فأخذها ورماها من تحت شق الباب بعيدا وعاد إلى الفراش

    وهو السياق الذى يقدم لنا مشهدية رد الفعل عند افتضاح صوت شق الجدار وأنها كانت لخنفساء فى كيس ، لكننا نظل أيضا أمام مجرد تأثير ظاهرى فصوت شق الجدار الذى يتحول لخنفساء محبوسة فى كيس ، كيف لا يثير فى نفسية البطل شيئا غير ان يرميها بعيدا ، أليس محبوسا مثلها ، ألا تثيره فكرة أن كليهما حبيسان مثلا ؟ ألا يحفزه افتضاح خوفه لاستدعاء مشاهد خوفه السابق وتحليلها على أثر ما تكشف له ؟ فى الحقيقة هناك الكثير والكثير من أدوات المعالجة الفنية التى أغفلتها المعالجة وهى تصوغ مثل هذى الأسيقة

    - ربما من حيث المعالجة الفنية للبنية اللغوية لى هذى الملاحظات

    - وكانت الدار مخصصة للكراء

    ربما أجد كمتلق ان لفظة الكراء على صحتها المعجمية ليست مناسبة لفصحى العصر الشائعة المستخدمة والتى هى الأنسب دوما للسرد

    - ومع تركيزه على التصنت

    ربما الصواب هنا هو التنصت من التفعل
    - يكون المتخاصمون قادمون
    أرى ان تكون قادمين خبر منصوب

    - إقشعر - أرى أن تكون دون همزة لأن ألفها ألف وصل


    وختاما نحن أمام نص سردى جميل ويحمل فكرة ثرية ربما فحسب كان بحاجة إلى إحكام الحبكة الفنية بدرجة تجعلنا نتفاعل أكثر مع فكرة المجهول ونستبصر أكثر وجدان البطل فى مثل لحظته الحرجة التى انتهت - ويا لحظ السرد - دون مشكلة

    تعليق

    • الشيخ احمد محمد
      أديب وكاتب
      • 16-10-2011
      • 228

      #3
      شكرا جزيلا سيدي الكريم ، هذا هو النقد البناء الذي يمكن للإنسان أن يستفيد منه ويثري معلوماته إذا كان فعلا راغبا في ذلك ، لقد أستفدت من هذا النقد الهادف الذي وضع النقاط على الحروف أكثر وأبان السلبيات الكثيرة التي لم أكن أراها أنا في النص ، فألف شكر وتقدير لك أستاذي الفاضل محمد الصاوي السيد حسين.
      التعديل الأخير تم بواسطة الشيخ احمد محمد; الساعة 14-12-2011, 08:43.

      تعليق

      يعمل...
      X