اليوم السادس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الحميد عبد البصير أحمد
    أديب وكاتب
    • 09-04-2011
    • 768

    اليوم السادس

    كان الليل عنيفاً ساخناً ،كوحشٍ بربري، يُزمجر فوق جُثّة الفريسة، ويلعق دمائها في نشوة ،ثم يسحق العظام ويذرها في الفراغ ، والسماء باتت تختنق أنفاسُها غرقاً تحت الأمواج المتلاطمة والمعربدة لذرّات
    البارود، والرصاص المسكوب. وبعد مرور ثلاثة أيام من إجتياح غزة ،تسللت حفنة من الميليشيات اليهودية وبعض المرتزقة من عصابات الهاجاناه داخل النقاط الأمامية التابعة للحامية العسكرية المرابطة حول أسوار الفالوجا لمحاولة إستفزاز الحامية. ظن العرب وقتها أن اليهود يحاولون تشتيت الإنتباه من أجل تخفيف الحصار عن باقى المناطق التى تشهد معارك ضارية قرب غزة .حرك اليهود وقتها رتلاً عسكرياً كبيراً، ورابض خلف الجدران والمنازل المهجورة ، وداخل الخنادق التى أقامهم حال الإنسحاب والهزيمة، وأيضاً في أعماق الحفر التى زرعها داخل رؤوس الطرق ، وسدود الرمال التى أنشائها حال الدفاع والهجوم . ثم أقام نقاط دعم مركزية للإتصالات ،وتحديد أماكن الأهداف، وكشف الثغرات . ثم تصدر المشهد في الخطوط الأمامية كتيبتين يناوشون الحامية بالأسلحة التقليدية الخفيفة لإخفاء نوايا الهجوم . كانت المكيدة أشبه بالإلتفاف حول اليرقة "مقصلة هانيبال للإيقاع بروما ، في وقت إرتدت المقصلة وقصفت عنق هانيبال " وأقرب إلى فخ طرواده حينما صنع الذئاب عشاء للخراف " هكذا أشار أبو جودة في حديثه قائلاً :اليهود ياساده يخشون من مقصلة هانيبال، إنه الخوف الذي يعتمل في القلوب ..لا أعتقد أنهم أذكياء في الرهان على عامل الحسم ومحاولة الهجوم الخاطف وإن كنت أرجح ذلك على المدى القريب ..في حال وصول الإمدادات والتعزيزات من الغرب. ! على الجانب الأخر من الحرب الدائرة في عموم فلسطين. ظل العرب في خصومة مع بعضهم ، يحلقون دوائر من التيه، ظنوا انهم يحتجزون اليهود ولم يفطنوا أن من يخُط الدائرة يكون داخلها. أشعل أبو جودة سيجارته التى تأجج دخانها في الغرفة، وهو يشير إلى الخريطة الممددة فوق الطاولة قائلاً : يمكننا المساهمة في تغيير بوصلة الحرب برمتها، في وقت يمكن للعرب أن يستعيدوا ما ُسلب منهم خلال الأيام الماضية،مثلما حدث في وادى كيناروت. اليهود دائماً يعتمدون في حروبهم على عامل الترويع وبث الفرقة وتشتيت العقول ، ثم تناول كوباً من الماء ،أفرغه في جوفه ،وأردف قائلاً : عند وصول الإمدادات ،سيقل التركيز ،ويمنحنا الوقت حيز ضئيل للهجوم الخاطف السريع ،وقتها سيتكبد العدو خسائر فادحة ،مما سيمنحنا ورقة أخرى وهي المزيد من الوقت ،لأنهم سيعيدون تنظيم صفوفهم وعتادهم خشية الهجوم الثانى وسنلغى من رؤوسهم بصورة مؤقته حتمية الهجوم ..لابد أن حصن آخيل يمثل لهم أهمية كبيرة.لا أدري ماهي ،ولكن الحروب تفصح عن الكثير من الأسرار تباغاً،لكن قائد الحامية أسعد باشا الخازندار رفض فكرة الهجوم المضاد وتمسك بالأوامر الصادرة من قادته بعدم الهجوم والإكتفاء فقط بالدفاع عن الحصن..
    في اليوم الرابع كانت الجيوش العربية تفكر في كيفية إستعادة غزة ،وكانت الفرصة سانحة أمام اليهود للإنقضاض على الفالوجا ،مما أتاح الفرصة لبعض الكتائب اليهودية من إقتحام النقاط الدفاعية للمدينة والأستيلاء على بضع أميال داخلها . مما جعل الحامية العسكرية تققهقر إلى الوراء وتتخلى عن بعض النقاط المركزية، وانكفأت تناوش الميليشيات اليهودية المتقدمة ريثما تأتي التعزيزات من الجنوب ولم يتبقى لديها سوى الدفاع عن حصن آخيل . أدرك اليهود أنها مسألة وقت فاشتبكت قواتهم المدججة بالأسلحة الحديثة مع التعزيزات القادمة من القاعدة العامة لهيئة أركان الجيوش العربية في الأردن ، من أجل قطع الإمدادات والعتاد عن حامية الفالوجا. حاولت الكتائب العربية إستعادة الفالوجا .لكن القرار الأممى الذي صدر بوقف إطلاق النار ،حال دون ذلك فصدرت أوامر الإنسحاب والعودة إلى النقاط المركزية .استطاع اليهود إخفاء حقيقة وجود حامية لاتزال تستبسل في الدفاع عن الفالوجا حتى لا يتحمس العرب ويطالبون باستردادها. الدول العظمى كانت تتابع مجريات القتال عن كثب ، وعلمت إجهزة الإستخبارات لديها أن اليهود يتسترون على وجود حامية عربية ماتزال قابعة في الفالوجا وترفض الإستسلام .في الوقت ذاته حاول العملاء الأمريكان عقد صفقة مع عصابة الأربعين للتخلى عن المخطوطات الذهبية وتسليمها مقابل مبالغ مالية طائلة ،وتوفير ممر آمن لهم ،بالإضافة إلى هوية جديدة والعمل على حمايتهم ،لكن المحاولات بائت بالفشل واتخذت عصابة الأربعين قرار حاسم بعودة المخطوطات إلى مصر وإخفائها في مكان غير معلوم .وحتى لا يتركوا ثغرة للتردد والتراجع أصر الجيار على عودتها في تلك الليلة ،بعدما حاول غريب وعتريس دعوة الرفاق للتريث ومناقشة الخيارات المتاحة بجدية حتى لايندموا فيما بعد،خاصة أن العرض المقدم يتيح لهم الرحيل إلى بلد آمن والتنعم بحياة هانئة سالمة .داخل المعسكر مسح عتريس شاربه ،واخرج علبة فضية من جيب سترته ،وتناول منها سيجار "كان "الألمانى وأشعل اللهيب في سيجارته ،ثم رنا إلى الأفق، ورمق النجوم البعيدة وهي تضوى تحت الغيوم الثكلى بالمطر وقال يارفاق :أرى أن العرض الذي لدينا هو أفضل الخيارات المتاحة حتى الأن ..لايمكننا أن نغامر ،أو نجازف دون حسابات ..يارفاق علينا الرحيل والقبول بالواقع ..قريباً ستختنق السماء بدخان الحرب ،لدينا فرصة كبيرة لتحقيق مكاسب آمنة ،ثم التفت إلى الجيار بعد أن سحق السيجارة تحت قدميه ، أيها الزعيم لا أرى أن تغرر بهؤلاء الرفاق الذين وضعوا رقابهم بين يديك ،لن ينفع في ذلك الوقت ترجيح ميزان الحماس ياصديقي، أرى أن تشاهد الأحداث بميزان المصلحة ..فإذا أردت أن تمكث وحدك فتلك معركتك أنت ..ولن نخاطر بأرواحنا من أجل أن تسدد ديونك ..زمام الأمور بدأ يتفلت من يديك ياصديقي..لابد أن الأحداث الأخيرة قد أثرت على موازين الحكمة والعقلانية لديك .وهنا غضب الجيار، واحمر وجهه من شدة الغضب وأمسك بقميص عتريس قائلاً : والدماء البريئة التى سفكتها الأيادى الآثمة،سمراء ..هل نسيتها؟ ..وكل الرفاق الذين زُهقت أرواحهم ،ذهبت هباء في شريعتك القبيحة، انفجر عتريس هو أيضاً ،وتلمظ من الغضب بعد أن نزع يدي الجيار عن قميصه : أنت تفكر في نفسك فقط ، هل استيقظ ضميرك الأن ؟، أخبرنى ، ماذا أخذنا من الوطن المقهور.الوطن المسلوب ، غير القيود ، والهروب ،ثم الهروب ،لم نحيا مثل الأخرين ، نحن نجوب الطرقات والمدن في الظل ،والعتمة نختبيء مثل الزواحف ،ونعيش في الجحور والأوكار ،نلتهم الطعام مثل القردة ،الكلاب الضالة، نخشى رصاصة غادرة يطلقها الخوف المتغلغل في إحشائنا منذ عقود ، هل فكرت في أن يكون لديك أسرة ؟،عائلة ،أطفال . لقد كنت أحلم مثل الأخربن لكن قطار العمر مر سريعاً، وخط الشيب في رؤوسنا جسور اللاعودة ،هناك من يتنعم بالحياة ،السعادة ،ودفءالعائلة، والأبناء ،ونحن نعيش في الظل والطين ولا نأكل إلا الفتات كالفئران . ثم رفع رأسه في كبرياء وقال ساخراً: ينبغي عليك أيها الزعيم الفذ أن تدرك أن قواعد اللعبة تغيرت هنا ،ولم تعد الأمور تجري على الطريقة القديمة المعتادة ،يجب عليك أن تأخذ في الحسبان المصلحة الكبرى للمجموعة التى تقتضيها الأمانة العامة التى خولناك إياها خاصة بعد رحيل زعيمنا تيفور الناسك ،أم أنك قد نسيت تيفور ..تيفور الذي افتدى حياتك بحياته يوماً من الإيام وقد قطعت معه عهداً بمواصلة الطريق والحفاظ على مصلحة المجموعة . أيها الزعيم ليس لك الأن أن تتخذ قرار منفرداً فيه هلاكنا جميعاً ..أنت لا تدرك خطورة الوضع، ثم حدق في وجه رفاقه وأشار إليهم : يجب أن تراعي تلك الحقوق لا أن تدفعهم للموت والفناء حيث لاعودة .. ليست هذه معركتنا ..هل تجازف بمواجهة قوى عسكرية كبرى..الدول المنتصرة في الحروب الأخيرة ستزحف إلى هنا من أجل المخطوطات..جهنم ستوقد نيرانها هناك.. وأشار إلى الحصن، ثم إلى المخطوطات الساكنة داخل الصناديق ، بسبب تلك المخطوطات اللعينة ستندلع حرب ضروس هنا ؟ ..يا إلهي .. أخشى أنك قد أصبت حقاً بعقدة آخيل ..آخيل الذي خدعه صديقه ، وحدثه عن ذكراه التي سُتخلد وُتبعث بعد مقتله..ثم أشار إليه غاضباً : أنت شخص أنانياً حقاً !.. لا يجيد إلا البحث عن ذاته، ولو فوق التضحية برؤوس الأخرين ،هل جُننت في عقلك أيها الزعيم .!،وهنا إنفعل الجيار ولم يتمالك نفسه ،وغضبا غضباً شديداً ،فصرخ في وجهه ،وقام بصفعه على خده . حاول الرفاق تهدئة الأجواء، لكن عتريس غادر الإجتماع بوجه مكفهر يتلظى من شدة الغضب ، وهو يكيل اللعن للوقت والمكان .غشيت سحابة من الحزن والندم وجه الجيار لكنه تمالك نفسه ودعا الرفاق لإجتماع عاجل قائلاً: كنا مرتزقة ،نقاتل من أجل المال ،وولم يكن هناك سوى أنفسنا ،لم نكن ننتمى لشيء سوى المال ،حصدنا الكثير من الأرواح ، وخضنا الكثير من المعارك ،من أجل المال فقط ،ليس هناك الكثير لتعرفوه ،لكن تلك الفتاة لها دين في أعناقنا ،ثم رمق إلى السماء :أشعر أن النهاية قد دنت يا أصدقائي، ثم استدار إليهم ،من يريد منكم الرحيل ،فليذهب ،كل شخص لديه الخيار .لكننى سأمضي في طريقي ،سأقاتل هنا لشيء أجهله، لكنه ينمو داخلى، شيء حدثتنى عنه تلك الفتاة يوما ما . ثم امتشق بندقيته ،قائلا :لأجل سمراء التى مازالت روحها تحلق هنا في ذات المكان ثم تمتم بنفس الكلمات المخنوقه ..في ذات المكان.ثم إلتفت إلى جاد وأمره بحمل المخطوطات إلى مصر، وإخفائها في المكان المتفق عليه،نظر إليه جاد وقد إغرورقت عينيه بالدموع : كنت أريد أن أبقى معك ..أقاتل إلى جانبك ..ربت الجيار على كتفه ثم اعانقه بقوة ..لاتقلق يا أخى ..سأعود ،سنعود جميعاً ،وسنلتقى هناك ،في بيتنا ..هيا أمضي ،ولا تخذلنى ،غادر جاد برفقة المحاربين بعدما حملوا المخطوطات إلى الشاحنة .نظر أبو جوده إلى قلاع الفالوجا ،وأنفاسه تحمحم من الغضب : لدي إبنة أخى تدعى كلير.. لم أرها منذ زمن بعيد ،كنت أرسل المال فقط..لم أهتم برسائلها .لم يكن لدى الوقت لقرائتها ..لكننى أحتفظ بها ثم أخرج لفافة رسائل تتدلى من حمالة جلديه ملفوفة حول صدره ،ثم فض عنها الغبار وشرع في قرائتها ، كم أتمنى لو رأيتها مرة أخيرة ،لكننى سأجعلها فخورة بي، وشرع بقية الأعضاء في محاولة رأب الصدع الذي حل بين عتريس والجيار ،لكن دون فائدة . إبتسم غريب قائلاً : لا تقلقوا يارفاق ..أنتم تعرفونهم ، إنهم حقاً مثل الأطفال ، تناول غريب سلاحه قائلا :إنتهت أوقات العاطفة أيتها الراقصة .. وسيبدأ المرح قريباً ..لدينا عمل يجب أن ننجزه. في تلك الأونة قُتل قائد الحامية أسعد باشا الخازندار على أثر قذيفة بترت ساقه اليسرى فظل ينزف حتى عاجله الموت ،ثم تولى القيام بمهام القائد الجديد الملازم الشاب نيجيل غسان وكان لبنانياً وسيماً ينحدر من دير القمر ،علمت المخابرات الإسرائيلية بمقتل عارم الديلمى ،فعملت على إستغلال ذلك لصالحها ،فعقدت إتفاق مع بريطانيا يقضي بمساعدتها في إستعادة المخطوطات مقابل دعم إسرائيل في الإستيلاء على الحصن ،ثم عقدت إتفاق مزدوج مع أمريكا ،يقضي بمنع تسليم المخطوطات إلى بريطانيا مقابل المساعدة في الإستيلاء على الحصن ،ثم نقلت مساعى بريطانيا وأمريكا في الإستيلاء على المخطوطات الذهبية من أجل فرض الهيمنة على العالم إلى صانعو القرار في الإتحاد السوفيتى مقابل المساعدة العسكرية في الإستيلاء على حصن آخيل وبعد سلسلة من المفاوضات والمساومات ،رفضت عصابة الأربعين التخلى عن المخطوطات الذهبية. وفي مساء 1948 حل زائر مدنى على معسكر عصابة الأربعين ،وطلب مقابلة الجيار برفقة الصحفي لوجيانو ،فوجيء الجيار بدخول الزائر المدنى حيث تبين أنه الجنرال الألمانى توماس آلجرين صديقه القديم، تصافحا بحرارة، وناقشا الأحداث الجارية وحاول آالجرين إثناءه عن تمسكه بالقتال والوقوف ضد الحلفاء ،وبين له أن الطريق الذي سيسلكه يُعد مغامرة غير محسوبة عواقبها، وأنه طريق لاعودة ،ولا مفر منه .لكن الجيار أكد للجنرال الألمانى أن شمس الأمل حاضرة في أفق المغيب ،وأن الوقت قد أذف للرحيل والخلود للراحة ،وأن هناك وعود يجب أن يقطعها ،ونذور يجب أن يفي بها . غادر الجنرال آلجرين معسكر الأربعين بعد مصافحة شديدة المودة مع الجيار، وربت على صدره وتمنى له أن يحالفه الحظ ،لكن الصحفي مارك لوجيانو أصر على البقاء برفقة الأربعين ،من أجل تسجيل وقائع وزمنية الأحداث، ثم توثيقها في كبرى الصحف الإيطالية . كانت الأمور مضطربة في الغرب بين قادة الجيوش المنتصرة حيثُ عُقد إجتماع عاجل في تشرين الأول ، بين قادة الحلفاء لرآب الصدوع التى حلت بسبب عقدة المخطوطات الذهبية ، وتم عقد الإجتماع تحت رعاية الإتحاد السوفيتى ،وصدر عنه حزمة من القرارات الصارمة والتى تقضي بمساعدة إسرائيل في حربها ضد الكيانات الإرهابية داخل فلسطين .وعلى الفور صدرت الأوامر داخل القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي بالزحف تجاه الفالوجا، وتدميرها والقضاء على المجموعات المسلحة حتى لا تتراجع هيبة إسرائيل فوق طاولة المفاوضات .أظهرت الحامية العربية بطولات مبهرة في التصدي لزحف الميليشيات اليهودية وعجز اليهود عن هزيمتهم ،فأرسلت أمريكا وبريطانيا وفرنسا والإتحاد السوفيتى سواء، رتل عسكري مدجج بالأسلحة الحديثة والمعدات الثقيلة ، بالإضافة إلى سرب من الطائرات لاقتحام الفالوجا والقضاء على الحامية العسكرية داخلها . في الوقت ذاته أرسل الجيار غريب وأبو شعر خيفة للتنسيق مع قائد الحامية ،وفي طريقهم إرتديا زيا جنود إنجليز ، وابتاع غريب لفافة تبغ من فتاة مقتعدة تُدعى سُهيلة سمراء منفوشة الشعر تناهز من العمر الرابعة عشر ، حيثُ علما منها الطرق المجهولة والممرات الآمنة التى تؤدي إلى الحصن ، وتمكنوا من دخول الحصن عبر مجرى مائي يصل إلى أحد الأبار ،وما كاد الجندى يملأ دلو الماء حتى علقت رأس أبو شعر بالدلو، وصعق الجندى عند رؤيتهم وخرج غريب وأبو شعر عراة والتقيا بالقائد الجديد . الذي رحب بهما وأطلعهما على حقيقة الأمر وأنهم عزموا جميعاً على القتال والإستبسال وعدم تسليم الحصن، مهما كانت التضحيات. غشيت سحابة من التفكير سماء القائد الجديد الذي قال : لا أخفي عليكم ..لسنا في وضع نُحسد عليه ،كما ترون ،الأسلحة التى لدينا تقليدية ،لن تصمد الكثير ، فقدنا المزيد من المدافع ،وكاد البارود أن ينفذ ،والجنود يتضورون جوعاً .نحن بحاجة للمساعدة أتمنى من القيادة الموحدة في الأردن أن تلبي حاجاتنا على وجه السرعة أشعل أبو شعر لفافة تبغ ثم رمق القائد ساخراً : نصيحة لك ..لا تعول على أحد ،أنت تقف وحيداً في منتصف المعركة، نظر القائد بريبة إلى أبو شعر وأدرك حقيقة ما يقوله .ثم قفل غريب وأبو شعر عائدين إلى معسكر الأربعين،وفي طريقهما إبتاع علبة أخرى من التبغ وشكر الفتاة على مساعدتها ،ومنحها قلادة يتدلى منها مشبك ذهبي ،قائلاً :هذه كانت لفتاة إيطالية مثلك ..سرت الفتاة كثيراً ، ومضيا غريب وأبو شعر في طريقهما وأطلعا الجيار على مجريات الأحداث خارج المدينة وداخل الحصن ،عزم القائد على إخبار القاعدة المركزية في الأردن قبيل التوقيع على الهدنة المزمع إبرامها بين الجيوش العربية واليهود ،الذين أعلنوا كذباً سيطرتهم على المدينة لكن الملازم حسان آل دامر استنفر قائلاً : لن يكون هناك وقت أيها القائد ..قوات الحلفاء أرسلوا قطعاناً من الجنود والعتاد ، هم في طريقهم إلى مساعدة اليهود من أجل إجتياح المدينة والقضاء على الحامية. لقد وصلتنا برقية سرية تحمل تحذيراً شديداً من مغبة الهجوم الوشيك. القائد : بماذا تشير..؟ الملازم حسان آل دامر: لم نأتي الى الحرب للتوقيع على بيع أرضنا لحفنة من الأشرار،لم نجازف بحياتنا ،من أجل التمسك بأمل واهي،وإلا كان الإستسلام هو الخيار الأخير القائد : أيها الملازم "دامر" أراك تُشير على بمخالفة القيادة العامة.. الملازم: سيدى القائد..أسف سيدي ..ولكن فليذهبوا جميعاً إلى الجحيم أين هم الأن والعتاد والسلاح يتقاطر على اليهود ،ليس لدينا ما نخسره بعد اليوم ،وقد تخلى عنا الكثير ..ثم قطب جبينه قائلاً :إنك تقف لوحدك أيها القائد غسان .على الجانب الأخر من المشهد المتأزم داخل ساحة المعركة ،معسكر الأربعين يشهد مناورات ليلية بين المجموعة وجنود الحامية ،حيث عكف الجيار على دراسة كيفية محاولة صد الهجوم الوشيك دون خسائر ،أمر أبو جوده الرجال بضرورة حفر جحور دودية داخل باطن الأرض تكون مخبأ بعيداً عن أعين العدو ،ثم كثفت عصابة الأربعين من تدريباتها للمتطوعين من الرجال الجدد والنساء ،على كيفية إستخدام السلاح وزرع الألغام الأرضية . أمر الجيار باصطفاف كتيبة من الجنود كى ترابض خلف النقاط الأمامية خارج أسوار الفالوجا لصد الهجوم المحتمل ،وكتيبة أخرى تغطى الأولى عند الإنسحاب ،وثالثة ،ورابعة ...حتى يفقد الهجوم قوته ، ساد الصمت عباءة الليل الكئيب ،ثم انتهك ستارته ،أسراب من الطائرات تحلق فوق قلاع المدينة ..
    هنيهات وتلونت السماء بسحب من الأدخنة على أثر قذيفة مدوية قضت على نصف الكتيبة الأولى ،ومنحت الأخرين طريقة للموت يوما أخر،جال قائد الكتيبة بعينيه مفزوعاً، الفضاء معتم بفعل الأدخنة والتراب، حرك كفيه في الهواء محاولا إيجاد منفذ للرؤية، زكمت أنفه رائحة البارود واللحم البشري المحترق . لم يرى سوى صوت قذيفة شعر بأنفاسها الساخنة فتهاوى على أثرها فوق الجدار والدماء تخضب بزته العسكرية . ارتدت أنظارهم إلى أسوار المدينة وقلاعها تهوي تحت قذائف الطائرات وحديد الدبابات ، صوت العتاد يتقاطر على بوابات المدينة ،شعروا بالمذلة والعار ،ورايات اليهود تكاد أن تخفق فوق الأسوار، والمدينة الأسيرة تكاد تسقط حصونها الأخيرة إنطلقت حمم القذائف من أفواه المدافع .دفنوا موتاهم بعدما اصطبغت الشمس بحمرتها القانية في غروبها الدامي، قبل نهاية اليوم الرابع . غرزوا سلاح القائد فوق قبره وعلقوا فوق سمكه قبعته. وسطروا بضع كلمات ،هنا يرقد الملازم أحمد آل فريد . قائد الكتيبة 114 . الشرر يقدح ويتطاير من أعينهم، والغضب يتأجج في قلوبهم فيحيل الحمم إلى بركان يتلمظ من شدة الغيظ ، تنقشع الأدخنة ،ويتبدد الغبار في طبقات الهواء ،يبتعد أزيز الطائرات شيء فشيء ويختفي خلف السحب المارق في ساحة الفضاء ..حملوا أشلائهم ،دفنوا موتاهم ..
    مثل جنديٍ يافعٍ يمتلك جسارة الوقوف على جسد صاحبه الذي مزقته طلقة أو شظيةٌ خائنة، شدوا قاماتهم وألحدوه في حفرةٍ ضيقةٍ، حيوهُ وودَّعوهُ بأدمعٍ أرطبت قبره،
    وكعاداتهم، لفوا شاهد قبرهِ بقميصه وأتى أحدهم بقطعةٍ حديديةٍ مسننةٍ وحفر فوق الشاهد اسمه وموطنه وتاريخ وفاته، ثم صبّ في النقشِ طلاءاً أسوداً حتى يتشربه النقشُ فتحفظ ما كتبه، وقد ذيلَ كلّ ذلكَ بكلمةٍ بالغَ في التفنن فيها: جندي مجهول. ظلت أعينهم يقظة ، لا تأخذهم هجعة من الليل ، يتفقدون أسلحتهم .لم يتحادثوا تلك الليلة ،لم يتفاكهوا مثل الليالي الماضية ، لقد شحذت أذهانهم بما هو آت غداً لم تشرق الشمس ذاك اليوم ، إحتجب القرص الذهبي خلف ستائر من الغيم ، الأفق الغربي يبرق ويرعد ، زخات من المطر تلثم نواصيهم المعفرة من غبار يوم صلف ، عيونهم الحادة تلحظ إلى قدور الماء الساخن وهي تغلي فوق النار فتستطير وتقدح شرراً ،تناولوا طعامهم وارتشفوا قليل من الشاي ،إمتشق سلاحه ،وألصقه كالرضيع على عاتقه يجب أن نطيل أمد المعركة ، نفتح ثغرة في الجبهة الشمالية ريثما تصلهم الإمدادات ،من الأهالي والمتطوعين ،يقيناً أن الأوغاد سيدفعون بإمدادات هائلة في سبيل إجتياح اليهود للفالوجا ..إنهم يعلمون بأمر الحامية ..وهذا شيء سيء ..لكنهم لا يعرفون بأمرنا وهذا شيء طيب ...سنختبيء بعيداً عن أعين الطائرات ..وعند حلول المساء سنتسلل تباعاً ،كيفما اقتضى الإتفاق الأخير ... تهاطل المطر وسح كشلال أهرق من صدع ،انتصفت الظهيرة ، وغدت طائرات الإمدادات تحلق فوق المنطقة الشمالية للحصن حيث تتمركز كتيبة عسكرية من اليهود ،وتمطر صناديق من الطعام والأدوية ،كانت عيونهم ترقب الجنود وهم يتلقفون الصناديق بالرقص والطرب ، ويحتسون زجاجات الخمور الفرنسية المتراصة داخل الصناديق ..أذف النهار على الرحيل مع أفول أخر شمعة من الضوء ، تسلل الليل الزاحف على صدر المدينة وألقى أرديته على عتبتها..توقف المطر ، إلا من زخات خفيفه ترشق الأديم المخضل ،ساخت الأرض تحت أقدامهم .. .. كانوا يزحفون كالديدان تحت أبط الموت وقد اصطبغت وجوههم بالماء والطين ، تمركزوا في نقاط الهدف داخل الجحور الدودية التى حفروها بمعاول الصبر والألم نصبوا بنادقهم ، حددوا الأهداف ،نصبوا المدافع خلف الصخور، وداخل الحفر البرميلية ،وخلف الجدران ، ثم دُثرت بكساء من العشب والطين ،وانتظروا جميعاً إشارة البدء .وعند حلول منتصف الليل إجتاحت الكتائب الإسرائيلية مدينة الفالوجا دون مقاومة تذكر، مدعومة بغطاء جوي من قبل قوات الحلفاء ،ثم دقت الساعة الخامسةُ مساءاً، وحدث إشتباك عنيف خارج الحصن، وابل من الرصاص ينهال على الكتائب الإسرائيلية التى وقعت في الفخ ،ضوء الإنفجارات يراقص الظلال على مسرح الجدران ..الإشارة يارفاق .. الأن ..أشغلوهم ..انطلقت أفواه البنادق بأصواتها الصاخبة، فدوى شرارها وانطلق يسابق الريح ،ويخترق جدران الحصن ، البارود الأسود يتناثر فوق الأجساد ، فيحيل اللحم إلى شواء ورماد . صوت القنابل في سباق محموم مع طلقات الرصاص التي تردي أي حركة خافتة، وتعتقل أي نسمة عابرة .أشداق المدافع ترسل خوارها فتذيب اللحم والعظام، والحصى والرمال .شعر اليهود أن الجبهة الجنوبية للجيش تخترق بنيران غريبة ،اندفعوا بكل قواتهم وتركوا الباقي يناوش الحامية . حدثت الثغرة في البوابة الشمالية، و كانت الفرصة سانحة لنقل الإمدادات إلى الكتيبة المحاصرة. تمكنت عصابة الأربعين بمساندة عناصر المقاومة الفلسطينية، من نقل معدات وألغام وديناميت وصناديق بارود إلى الحامية ،بالإضافة إلى قطع مدفعية ألمانية الصنع ، إضافة إلى صناديق من الإطعمة الأمرلايكية استولوا عليها أثناء عمليات الإمدادات التى أسقطتها الطائرات .فض الإشتباك عند حلول الفجر ،سقط 3 من عصابة الأربعين ،التعزيزات العسكرية لقوات الحلفاء ،تحاول غسل وجهها ودعم القوات الإسرائيلية المتقهقرة ، أصوات المدافع الثقيلة ،تزمجر كأنها شياطين غاضبة، كسرت أغلالها، وانطلقت تعربد بجنون. القذائف تنفجر في كل مكان، وتتناثر في كل اتجاه لا تفرق بين لحم البشر، وحديد الدبابات، ورمل ونبات الصحراء. بين آن وأخر تمرق طائرة فتعبث بسلام السماء، وتمزق وجه الأرض وما عليها. تقهقروا للوراء بعدما اطمأنوا لوصول الإمدادات ،شعر الضابط بحريق يضطرم في ظهره ، شظية ملتهبة من أثر البارود اخترقت ملابسه ونفذت إلى جلده . ظل يزحف على خاصرته، ويجتر ساقه الدامية التى تلونت بالدم القاني ،واصطبغت بالحصى والتراب ،حتى اهتدى إلى جدار هار، يتقي به شلال الأعيرة النارية ،التي كادت أن تطيح برأسه.تفقد بندقيته تارة ،ورمق مؤخرة ساقه التي تنزف جرحاً غائراً تارة أخرى.إنتزع سدادة ركوة الماء،بصق الدماء، تجرع القليل،سكب الباقي على جرحه العميق،خلع خوذته،حدج إلى طلقات الرصاص المتراشق فوق الجدار ،وضباب الأدخنة يصرع الميدان بظلاله المترامية الأطراف ،حاول النهوض ،فلم يستطع الثبات، الرصاصة اخترقت قصبته ،هشمت أنسجتها ، برزت عظمة ناتئة تزيد من ألمه كلما حاول الحراك ،كأن ساقيه قضبان من لحم تحمل عربات مثقلة بالعتاد ، تناول لوح صغير من الخشب الفاحم نزع حوافه الناتئة بسكينه الحاد ،ثم حشا الجرح بقطعة قماش ،ووضع فوقها القطعة الخشبية بطريقة عمودية ،ويداه ترتعشان من شدة الألم ،وقد تحلب العرق من جبهته وانبثقت الدماء من الجرح .فألقم فاه قطعة من الخشب ظل يلوكها كلما أشتد نصل الألم ،
    ثم عقد عليه برداء إقتطعه من بزته ، قال مقطباً:الحمقى الذين قبلوا بالهدنة..أوقعونا في مأزق..تذكر الوعد الذي قطعه أمام زوجته ، أنه سيعود يوماً ما.غشيت وجهه سحابة رقيقة من الحزن ،وهو يرى السماء تمطر قذائف مدوية، والأرض تشتعل باروداً فتحصد رفاقه،الذين سقطوا حوله كأوراق الخريف معذرة. يبدو أنني لن أستطيع أن أفي بوعدي اليوم. عند حلول المساء ،سكن صوت المدافع ،وعاد الصمت يخيم فوق أسوار المدينة .إرتدى الجيار خوذته ،واتكىء على بندقيته، بعد أن أدمت ساقه قذيفه مستعرة باللهيب ، حدق إلى رفاقه من عصابة الأربعين . لدينا أخبار طيبة ،وأخرى سيئة ..قُمتم بعمل جيد حتى الأن ،تمكنا معاً من دعم الحامية بالعتاد ،والإمدادات ،بمعنى أخر نجحنا في إطالة زمن الحرب ،وقمنا بزيادة معاناة اليهود والحلفاء ..الأخبار السيئة ..لقد انكشف أمرنا ،أراهم الأن يعدون العدة ليغسلوا ماء وجوههم .. ثم جالت عينيه قبل الشفق الأحمر ..لا شك أن الأمور باتت تغلي الأن في الغرب ..سيسارعون بإرسال التعزيزات للقضاء علينا..لقد تورطوا هنا ..لن يمنحونا موت سريع .ثم أطلق ابتسامة باهتة مشوبة بالكدر .. التفت الجيار إلى رفاقه وقد تعفر وجهه بالغبار والتراب قائلاً: يارفاق ستكون معركة غير متكافئة .. أشيروا على..هل ننسحب ونعود أدراجنا ،ونكتفى بما حققناه، ونعول على القادة في إرسال جيوشهم لإنقاذ الفالوجا .حلقوا حوله ،خلع أحدهم خوزته وهو ينفض التراب والغبار ،ثم أطرق برأسه ،مط شفتيه ،ثم أطلق بضع كلمات : أيها الزعيم ..ليس لدينا مانخسره ..قطعنا شوطاً كبيراً ها هنا ..وهناك أطفال ونساء وشيوخ يعقدون أمال على وقوفنا معهم..لا تنتظر شيء من الجيوش العربية ..لقد هُزمت قبل أن تأتي إلى هنا ...قال غريب :معك حق ..كنت أسمع معلم التاريخ يختال ببطولات العرب وإننا أمة لا تُهزم ..وعندما أتيت هنا ، رأيت بطولات وأمجاد، ورأيت خيانة وعار، تحدث لاسيما عندما وسد الأمر إلى غير أهله ،وأقصد - سيدى - الجنود الذين صدرت لهم أوامر بالإنسحاب ..قال أبو جوده لن تكون المعركةُ الأخيرة ،قد تكن بداية لمن ياتوا بعدنا، ويسمعوا بحديثنا ..فلنرى إلى أي مدى سترسو بنا سفينة الأحداث ..دعنا نقاتل حتى يجد من بعدنا أن أجدادهم لم يستكينوا ولم يرتعدوا ..وأن الأمل عالق في لهيب شمعة .قال الإبراهيمي وقد حمل سلاحه على عاتقه : لاتروق لي نسمات الحماس المحلقة فوق رؤوس الرجال هذا اليوم.. المعركة غير متكافئة ..أرى أن نكتفي بما حققناه ،وأن نعود أدراجنا فلا قبل لنا بهم. الجيار: حسنا ..من يريد العودة ومن يريد أن يمكث معنا ..رفع يده ..ورفعوا أيديهم تباعاً ..تمتم بصوت خافت .. أقل من 40 رجل إضافة إلى حامية تقدر ب400 جندى ،سيقاتلون أكثر من نصف العالم ..- حسناً يارفاق ..ثم أشار الجيار إلى أبو شعر والشناوى :كم لدينا من الذخيرة ..أريدك أن تقدم لي تقريرا دقيقاً بما تبقى لنا من العتاد والبارود .ثم التفت إلى عمار ..انت فني ماهر ولديك خبرة بالأعطاب :عليك بإصلاح المدافع التى أصابها التلف داخل الحصن ..هيا يا رفاق .لدينا عمل شاق الليلة ..انبروا في احصاء المعدات والذخائر وإصلاح الأعطاب ..تناولوا القليل من الطعام ،تفاكهوا بينهم ..تسللت الشمس خلسة من ستار الغيم، ورنقت للمغيب. الليل يزحف ببطء في أعين الخوف مخلفاً وراءه عناقيد الغضب والألم. وعند منتصف الليل فوجيء الجيار بأفراد من المقاومة الفلسطينية يطلبون مقابلته بوجوه مشوبة بالحزن والألم تقدم أحدهم قائلاً : سيدى يجب أن تأتى معنا الأن .تسرب القلق إلى وجوه أبو جوده وغريب وسارعا بالمضي مع الجيار حيث تسللا خلسة خارج المدينة وفوجيء بالشاحنة التى تقل المخطوطات وقد تهالكت من أثر الرصاص والقذائف. سارع الجيار والقلق يجز فؤاده حيث صُعق عندما وجد شقيقه جاد ملقي والرفاق يحاولون إسعافه ورفاقه قد تمددوا حوله ينازعون الألم والموت قال جاد والدم يسعل من فيه : كانت الحدود مغلقة ..حاولنا التسلل ..لكنهم اكتشفوا أمرنا ..ظلوا يطاردوننا بموكب من الجنود والأسلحة ..ثم تنهد وخفق قلبه بقوة من شدة الجراح التى ألمت به ..لكننى سعيد أننى لم أخذلك ..لم يتمكنوا من الإمساك بنا ..المخطوطات بأمان ثم أسلم الروح وفارق الحياة ،وأثر دمعة حارة تنساب على وجنتيه ،صرخ الجيار صرخة عظيمة لفقدان شقيقه وسالت دموعه فوق وجنتا جاد وهو يعانق رأس أخيه بقوة .قام الجيار بدفن شقيقه ،ورطب ثراه بالماء ،حاول الرفاق تهدئته والتسرية عنه ولكن دون جدوى ، حيث قتل الحزن جزء كبيراً في قلبه واقتلع احشائه في اليوم التالي إشتد الحصار على المدينة وضاق الخناق عليها حتى نفذ الطعام. ولم يبقى لديهم سوى الفلفل والزيت يُشوى على مواقد النار،كان غريب يمزح مع أصدقائه داخل الجحر،حيث كانت بطونهم تتضور من شدة الجوع فيتذكر الأيام الخوالي التى قضاها عند الوكر حيث لحوم الأسماك وشوائها الذي يعطر الأنوف، ويسكن البطون. مضى شهر وهم يعانون الحصار في ليالي الشتاء حيث نفذ الطعام وتهاوت قوتهم واستعرت نيران الجوع في أحشائهم، فأكلوا كل ما يطرق قشرة الأرض ويدب عليها من فئران، وزواحف، حتى امتصوا سيقان العقارب والحشرات ،وعند حلول الظلام قامت الفتاة سُهيلة بحمل صرة كبيرة من الطعام، وحاولت التسلل إلى داخل المدينة لكن جنود الحصار إكتشفوا أمرها ،وسائلوا عن وجهتها فقالت : إننى في طريقي إلى سوق الكير فندت أعين الذئب الجائع في ملامح الجندى فشرع في التحرش بها والعبث بجسدها : وماذا تفعلين هناك والطريق محفوف بالخطر. قالت والخوف يلف جسدها : أبتاع الحلي ثم أبيعها في بلدتى حتى يتسنى لي رعاية أمي القعيدة . سمح لها الجندى بالمضي وهو ينهش جسدها بنظراته الجائعة ،فحملت صرة الطعام إلى عصابة الأربعين الذين صُعقوا عند رؤيتها خاصة غريب الذي سارع بالترحيب بها وإسداء الشكر على صنيعها ،أقبل الرفاق يأكلون الطعام ويتقاسمون قطع اللحم المجفف وحبات الزيتون المخلل بنهم شديد. ووعدتهم بإحضار المزيد في المرة القادمة ،وهى تواري دمعة ندت من عينيها جراء الألم الذي لحق بها. دأبت سُهيلة على إحضار الطعام لعصابة الأربعين وكانت تدفع ثمن ذلك إحتساء الألم حتى أخر قطرة متبقية في كؤوس العفة ، وفي أحد الليالي تحرش بها الجنود وتحركت فيهم غريزة الذئاب فجردوها من ثيابها وتناوبوا على إغتصابها ثم سمحوا لها بالمضى وهى تجتر لباس الذل وتلعق ملح العار . وبينما الرفاق يأكلون أغرورقت عينيها وسحت الدموع كشلال غزير، مما إستدعى قلق غريب الذي لمح كدمات أسفل عنقها .فلما رفع الرداء عنها وجد قميصها ممزق والكدمات تتراشق على جسدها الصغير أمسك غريب بوجهها ،والدموع تنهمر من عينيها كشؤبوب فاض من الغيث.أدرك غريب أن الفتاة دفعت ثمن المخاطرة بشرفها وعفتها من أجل إنقاذهم كظم غيظه ،وركل الأرض بقدمه ،ولعن الحرب ،وتشرشل ،وملكة إنجلتر ... ثم استدار إليها :أريد أن أعرف منك ..كيف هي ؟ .. وجوههم، فشرعت الفتاة في البكاء والنحيب وطفقت تقص عليه وتصف صورهم وهيئتهم. تناول غريب سكين كبير ومضى غاضباً يقطع صمت الليل ،وتسلل بحذر داخل القاعدة ، وطفق يبحث داخل المعسكر عن المطلوبين ، فسمع ضحكاتهم وتندرهم على الفتاة المسكينة ، فتسلل خلف أحدهم الأصلع الذي كان يتحرش بالفتاة فمرر السكين على عنقه حتى غرغر الدما ءمن فيه ، ثم رمى السكين بقوة فاستقر نصالها في صدر الأخر ،ثم عالج الثالث بضربة في خاصرته ووجأ عنقه كما يُكسر العظم ، ثم قام بجز رقابهم جميعاً وألقاها بين يدي الفتاة وصرخ فيها قائلاً : لا تجازفي بحياتك مرة أخرى .نحن كائنات تافهة لا تستحق الحياة أو التضحية .ساد الذعر في جنبات المعسكر بعد مقتل الجنود الثلاثة ،وأسفرت التحقيقات عن ضلوع الفتاة في مقتل الجنود فقاموا بالقبض عليها والتنكيل بها حتى فقدت بصرها .في الوقت ذاته كان الميجور جنرال أريكسون والكولونيل جورج هارفي يتشاوران داخل قاعدة تشرشل البريطانية، بشأن المخطوطات حيث أشار أريكسون أن الفرصة سانحة لترويض عصابة الأربعين، وإستعادة المخطوطات لإنتشال الإمبراطورية من الضياع والفناء . كان الميجور أريكسون يحدق النظر إلى الخرائط الممددة فوق الطاولة ويتحسر على ضياع المستعمرات الإنجليزية في العالم نزع الميجورأريكسون قبعته وأشار إلى هارفي :كل الحقب التاريخية التى استعمرت العالم القديم ،وشيدت إمبراطوريات عُظمى ،لم يتركها الزمن صحيحة حتى أكل نواتها وفُنيت ،وأشار بعصاه إلى بلاد اليونان ،مصر ،فارس، بابل ،تركيا،بريطانيا ،إنظر ياهارفي ،لقد اندثرت تلك الحُقب وطُمرت تحت رمال النسيان ،فلنعد إلى أزمتنا مع هؤلاء الصعاليك ،كليمنت لن يُمهلنا مزيد من الوقت : إن ثمار الحصار أتت أوكلها يا هارفي :مائة مخطوطة ذهبية بحوزة هؤلاء الأقزام ،تشير إلى مائة مدينة مطمورة تحت الرمال ،كفيلة بعودتنا للساحة العالمية واستعادة ريادتنا ،وصعودنا إلى مقاعد السلطة والهيمنة، وإقصاء القادمين الجدد من الشيوعيين ورعاة البقر ..أتمنى أن يفلح آالجرين في مسعاه ،لقد تقاضى ذلك النازي اللعين ثمن باهظاً من أجل إستدراج هذا المرتزق .بعد مرور أيام من رسالة كليمنت شديدة اللهجة إلى الميجور أريكسون القائد العام للقوات المتحالفة في فلسطين، أرسل الجنرال الألمانى المتقاعد توماس آلجرين لعقد تسوية مع الجيار، تقضي بتسليمهم المخطوطات مقابل إطلاق سراحهم والتخلى عن حصار المدينة قبل دكها. تشاور الجيار مع رفقائه قائلاً :إنهم يريدون المخطوطات مقابل إطلاق سراحنا ،واليهود يريدون الإستيلاء على المدينة بعد مغادرة الحامية من أجل التسوية التى تضمن التفاوض على الأرض وحق الوجود، اطلع الجيار على مستجدات الأحداث الأخيرة في مناطق القتال ،والتى شهدت نزاعاً محتدماً بين قادة الجيوش العربية. حيثُ أخبر رجال المقاومة الجيار بمعلومات خطيرة عن إنسحاب وشيك للجيوش العربية من فلسطين مقابل تسوية بين الطرفين تحت رعاية مجلس الأمن .حيثُ أشار الجيار بسلاحه إلى قلاع المدينة المنكوبة قائلاً:هناك حشود من القوات المتحالفة تنتظر دك تلك المدينة ،فوهات البنادق الغاضبة والساكنة في أحضان الرجال ،تنتظر صيحة الحرب.ثم التفت إلى رفقائه وعقله يسبح في بحر من الشرود :قريباً سيتخلى عنا الجميع ،الجيوش العربية ،لم تأتى هنا للقتال ..ولكن من أجل حفظ ماء الوجه ، لعلنا نحتاج مزيدا من الوقت والتفكير للرد عليهم ،سنحتاج إلى يومين ،ثم نرى ماذا تُخبيء الأيام في جعبتها .بعد مرور ثلاثة أيام قبل الجيار ورفاقه مقابلة الجنرال أريكسون داخل القاعدة البريطانية .حيث استقبلهم الميجور أريكسون بفائض غنى من عبارات الحفاوة والترحيب ،واغتصب الرجل ابتسامة صفراء بين شفتيه التى تلظت عند رؤيتهم قائلاً :مرحباً عزيزي الجيار ..الأمبراطورية الإنجليزية ترحب بك وتعول عليك الكثير..لقد أرهقتنا أنت وأصدقائك في مستعمراتنا. ابتسم أبو شعر وأشار إلى رفقائه ساخراً : الرجل معه حق ..لقد قتلنا الكثير منهم، وأشعلنا الجحيم في القطارات الإنجليزية،وسرقنا الغلال ،والملابس ،والذهب ،والمخطوطات ، ولم ينسى أبوشعر أن يتفاكه مع رفقائه قائلاً: هل تذكرون الشيخ حسن ،عندما كنا نحرق القطارات الإنجليزية ،ونسلب ما فيها ،كان يكتب أية قرأنية على صدر القطار "هذه بضاعتنا رُدت إلينا" علقت غصة شديدة في حلق الميجور فابتسم مكرهاً وتناول كأسا من الخمر تُطفيئ جمرة الغضب المتقدة في قلبه : أجل ..نحن لن ننساكم أبدا ..ولن نفرط بكم .ثم دعاهم لطعام العشاء حيث كانت المائدة تكتنز بألوان الأطايب من اللحوم ،والفاكهة، والمقاعد المذهبة، والأوانى الفضية : يقيناً أن أمعائكم مازالت خاوية تتضور من الجوع بسبب الحصار الذي فرضناه على مجموعة من قطاع الطرق والأرهابيين ثم أشار عليهم بالجلوس والإستمتاع بالعشاء .كانت بطونهم تئن من الجوع ،ينتظرون زعيمهم الذي أبدى إمتعاضه بسبب النوايا التى يخفيها الميجور . قال الميجور ساخراً بعدما رأى الجيار ممتنعاً لا يمد يده لتناول شيء : استمتع بالطعام ياعزيزي ..هذه الفاكهة من أجود أنواع الفاكهة في فلسطين وتلك اللحوم تأتى من مراعينا.. لقد أُعدت بشكل جيد من أجل خدمة الإمبراطورية العظمى وشعبها النبيل ..ثم رفع الميجور كأس النبيذ عالياً :نخب الأمبراطورية العظمى ،ونخب الصفقات الجيده .لكن عقل الجيار غاص في غلالة من الشرود والخيال حينما تخيل العمال الفلسطينيون وهم يكدون ويكدحون في حقولهم ،وعند قطف الثمار وحصد المحاصيل يأتى المستعمر الغاصب ،يسفك دمائهم ويسلب قوتهم ..وهنا إستيقظ الجيار على صدى صوت الميجور وهو يدعوه لتناول النبيذ ،والإستمتاع بالطعام .إبتسم الجيار بناجذه ..معك حق ..ثم رفع كأس النبيذ قائلاً: نخب العمال الكادحين ،والمعتقلين في غياهب السجون الإنجليزية ..نخب المغيبين تحت التراب ،والأرامل والثكالى والأطفال الذين قتلتم ابائهم واستعمرتم حقولهم ..نخب القتلى ،واللصوص .ثم رشق وجه الميجور بالنبيذ، وغادر المائدة، فتبعه رفاقه وقد اغتصب أبو شعر قطعة لحم كبيرة .رحل الجيار والكيل يطفح على وجه الميجور الذي استدعى الكولونيل رامسي قائلاً :للأسف لم تفلح مساعينا في إخضاع ذلك اللص الوضيع ،ثم حدق إلى الكولونيل قائلاً : أنت تعرف ماذا ستفعل ياكولونيل .عاد الرفاق إلى معسكرهم ،وابتسامة ظفر تتسلل إلى وجه الجيار الذي قال : لن ينام الميجور الليلة ولن تنام لندن أيضاً ..يقيناً أن كليمنت سيتحدث إلى الميجور وينعته بابن العاهرة، وهنا انخرط الرفاق في وصلات من المزاح والضحك . أشعل غريب سيجارته قائلاً: ليست صفقة جيدة ..تباً لهم ،لقد تعبت من كثرة الهروب والتنقل ،وأشعر أن جسدي سيتمدد هنا في ذلك المكان البائس .خلع الإبراهيمي خوذته قائلاً:قيل أن آخيل مر من هنا ،وتعثر جواده في ذات المكان فبنى حصناً منيعاً يخلد إليه كلما ضاقت به بلاد الإغريق ،يقال أيضاً أن هذا المكان شبت فيه معركة حامية الوطيس حيث تخلى رفاق آخيل عنه ، فلعن جنوده الذين تركوه وحيداً ..قال أبو شعر : قصة جيدة ، ولكننى لم أفهم شيئاً، ثم اقتعد الأرض وشرع في وخزها بمديته الحادة ،وقد أطرق رأسه قائلاً : لقد عشت حياة بائسة ..كنت لص وقاطع طريق ، لم أنل حظاً من العلم مثلكم ،كل ما أعرفه ، هو تلك السكين الكبير التى صاحبتنى طيلة عشر أعوام مضت ، كنت أرى النساء يسخرن منى بسبب قبحى ،كنت أبكى ..لم يكن لي أم أو والد أو حتى شقيق أو صديق أفضي له ،الأشواك التى لم يفلح الزمن في تجريفها داخلى ، لم يكن لدي معين،لم يكن لدى أحد .عشت وحيداً، وساموت وحيداً ، ..سواء مت أو حييت ..لن يتذكرنى أحد ..ثم دنا منه أبو جوده وربت على كتفه : لا عليك ياصديقي القبيح ..إننى أعرف ماهية ذلك الشعور .. ثم جال بصره عند الأفق وقال : عزيزتى كلير أتمنى فقط أن تسامحينى .خلع غريب كل متعلقاته ،وتذكر الفتاة التى كان يبتاع منها علب التبغ وتمنى أن تسامحه ،لأنه نسى أن ينقضها ثمنه يوما ما ثم حمل سلاحه على عاتقه ، في الوقت ذاته كان عتريس يرثي جاد بدموع أرطبت قبره قائلاً : لقد غادرت ياصغيري دون أن تودعنى ، لم يكن هذا الإتفاق منصفاً ، لقد تركت فراغاً كبيراً ياصغيري ، لم يعد هناك شيئ تحلو رؤيته بعد رحيلك ،وقد ذهب صفاء الحياة ،لم تكن صديق فقط ..بل كنت أخي الذي لم أعرفه ..لن أنساك يا أخي ،ولن أنسى ضحكتك ..عاد عتريس متسللاً إلى معسكر المعركة ،حيث ربت على ظهر الجيار وعانقه والدموع تنهمر من مقلتيه قائلاً : لم تعد الحياة تنضح بالعذوبة أو تصفو في غياب الرفاق ثم مدوا سواعدهم وبايعوا على القتال حتى أخر رمق.إتكيء قائد الحامية نيجيل الغسانى على جدار هار دس يده في فتحة قميصه فغاصت قليلاً ثم استخرج صورة لحسناء ،داعب بأصبعه مفرك رأسها ثم أعادها إلى موضعها . ثم استدعى رفاقه وأمرهم أن يتحلقوا حوله ،ثم أشار إليهم : يارفاق سنموت يوماً ما ،وسنمسي ذكرى حينما يهال علينا الثرى ،لن يعرفنا أحد ، سنتلاشى مثل ذرات الغبار حينما يملأ الفراغ والعدم . نحن قلة ،وهم كثره..لديهم عتاد وعدد وأسلحة أضعاف ما نملك ..لكننا سنقاتل على أي حال ،لن نستسلم ، ولن يستطيعوا أن يتناسوا ما سنفعله اليوم .. ثم وضع ربت بيده على أكتافهم مبتسماً : كنتم خيرة الجنود الذين قاتلت معهم ،إننى حقاً فخور بكم أيها الأشداء ثم امتشق سلاحه وأطعمه البارود ..وأطلق ابتسامة ساخرة : حينما يأتي الليل سنطعم الأرض بالبيض الفاسد .تسللوا تباعاً واحتفروا حفر حميقة ضيقة ،وطمروا الأرض بالألغام الألمانية ، في محيط دائرة كل خمسة أمتار لغم بصورة مثلثية .ثم قفلوا إلى كمائنهم ،في باطن الأرض ،وحدق إليهم القائد بمؤخرة عينه ودعاهم: هناك بعض الأشقياء ياساده يعبثون بالمدينة، وينشرون الفوضى .ثم طلب الجيار من لوجيانو أن يسديه صنيع أخير أن يسطر كل ماحدث بدقة، حتى تعلم الشعوب، زيف القادة الجدد الذين سيحكمون العالم . ثم ساد صمت بعمق السماء ،قاطع كحد السيف، بارد كالجليد ، تجمدت الأوصال، جفت الحلوق، حملقت العيون بثبات دون رَمش ، فُغرت الأفواه مشدوهة..اليوم سنركل مؤخرة العاهرات ..حدجوا إليه جميعاً وقد تعفرت رؤوسهم بالغبار والتراب، فمكثوا يلتقطون الأنفاس ، سنموت جميعاً ..سنرحل كذرات التراب ، لن يبقى شيء من أثرنا ولن يعرف أحد ماذا حدث ذلك اليوم ..!! التاريخ ينتظر ماذا سيسطر لنا في صفحاته .لن يذكر شخوص كعادته ولكنه سيذكر أمجاد، ثم أشار بسبابته إلى أسوار المدينة وقال ساخراً: شاهدوا يارفاق ،إنهم قادمون ليت صلاح الدين يشاهد ذلك اليوم ،الأرضُ تهتز تحت عتادهم وجيوشهم، .. لكننا لن نتراجع ،آي وربي ..لن نفعل .. سنعزف معاً يارفاق، ثنائية الدماء والبارود، على إيقاع الأشلاء والعظام ، نكس أبو جوده رأسه ورمق إلى قلادة متدلية على صدره، أزال الغبار بأصبعه المعفر بالدماء من فوق صورة إبنة أخيه "كلير" ولثمها بقبلة حانية ،ورأى الشناوى طيف إبنه "سعد" المُقعد في المشفى ينهض من كرسيه المتحرك ويقبل عليه، يخترق الضباب والغبار يركض نحوه تسبقه ضحكات بريئة : بنى سأجعلك تفخر بي للأبد. دوى صوت القائد : سنحيل الأرض إلى فوضى سنموت جميعاً ..لكن ليس اليوم يارفاق ..! تبادلوا فيما بينهم ابتسامات ساخرة وهزوا رؤوسهم بإيماءة الرضا، القائد : تخلصوا من أي شيء يعيق طريقكم ..لا تتركوا عتاد ورائكم ، تناثر البارود من أيديهم وهم يلقمون بنادقهم ، انتظروا ساعة الصفر مكثوا ملبدين تحت زخات المطر ولسعات البرد ،والأسلحة تعانق صدورهم قُبيل المعركة . الأرض تهتز تحت وطأة الدبابات والمدافع والعربات التي تقل الجنود والأسلحة تتقاطر جميعها قرب الفالوجا في فيالق عسكرية مهيبة كأنها ذئاب مسعورة تحمحم بأشداقها وهي تدك الجدران، وترصف الحص والرمال بعجلاتها وجنازيرها ..الجنود يهللون .. والأرض تسعر بألألغام ، تنكيء جراحها ، فتحيل الجنود إلى أشلاء وعظام ، والمركبات إلى رماد ، وغبار ، فيصعد حطامها إلى أعلى ثم يعود ليرتطم بالأرض ، الإنفجارات تتوالى فتحيل المركبات الى صفائح ساخنة من النار، ورائحة الدماء تعانق حمم البارود ،الأدخنة تُلقي أرديتها فوق ساحة المعركة وتعتقل أي منفذا للرؤية، إنطلقت شرارة الهجوم الخاطف المضاد ،أحالوا المعركة إلى فوضى .إندفعوا مثل كرة مشتعلة ،تنحدر من فوق جدران اللهب، تتلمظ بالغضب والكراهية ، لرد الهجوم الكاسح للقوات الإسرائيلية المدعومة من جيوش الحلفاء . أزيزُ الطائرات ، يسبق الهجوم،ويرسل نعيقه في السماء ، فيهتز له بأس الرجال ،وتنخلع القلوب ،أشداق المدافع الأرضية ترشُق السماء بخوارها الذي لاينقطع في الفضاء ، والأرض تصلى من تحتها بجحيم القنابل ،والرصاص ..اشتبك البارود بالبارود فلمع كساء الأرض .المدافع لاتفتأ تحيل الحصى والنخيل إلى رماد .الطائرات تتقاطر من كل طرف في ملحمة قتالية شرسة ،تعترض طريقها المدافع الأرضية المضادة للطائرات فيسقط بعضها كالثمار المعطوبة من شجرة السماء .القنابل تدك الأرض بزائيرها فتفني التراب الحي . أشتد القتال وحمي الوطيس،صارت الفالوجا كرة من اللهب،تقذفها البنادق وتركلها المدافع ،امتشق الجيار سلاحه وخرج من جحره وراح يسدد الطلقات حتى نفذت ذخيرته فتناول سلاح ملقى بجوار جثة يعرفها وعبأ ذخيرته بالبارود ،تبعه رفقاء الدرب والسلاح . صوت الرصاص يخترق الأذان والأجساد ،سقط الجيار على قدميه بعدما اخترق الرصاص ساقه السرى ،ثم حاول النهوض فعاجلته كتائب الجيوش المتحصنة خلف الدبابات بوابل من الرصاص والقذائف لتحيله إلى رماد وغبار. الغضب يجتاح عصابة الأربعين لرؤية زعيمهم يسقط أمامهم ،فيتوالى السقوط المدوى .الرصاص يمارس هوايته في اعتقال الحياة، وإزهاق الأنفس فيسقط غريب ،وعتريس على أثر قذيفة مدوية أطاحت بهما وقد تمدد سكينه العملاق بجانبه ،أبو شعر ينتقل بين الصخور والجدران يسدد الطلقات من سلاحيه حتى نفذت ذخيرته فيخرج عارياً بسكينه الضخم فيسقط على أثر قذيفة بترت نصفه العلوي ،حاول أبو جوده التراجع لكن صورة كلير تتراءى بين السحاب عابرة طيف الأدخنة، والأتربة فيحدق ببصره إلى السماء ،ويمضي بسلاحين يسدد من خلالهما الرصاص حتى يسقط مضرجاً في دمائه وابتسامته لا تغادر شفتيه، وقد بترت ساقيه ،والإبراهيمي يزحف من الجراح التى كللت جسده حتى سكن إلى رفيقه الشناوى، برد جسده أخيراً ،سقطت عصابة الأربعين الواحد تلو الأخر، ولم يبقى سوى جنود الحامية الذين تخلوا عن الحصن واندفعوا تباعاً يستبسلون في القتال ،والقائد نيجيل غسان يحثهم على الصبر في القتال . فراح يسدد الطلقات من سلاحه ، ويزحف بين الجثث الممدة،والمدافع ،ترسل زائيرها حوله ،سقط الكثير من جنود الأعداء،ونجحت الحامية في صد الهجوم الكاسح ،عشرات الدبابات والمدافع تم تدميرها ،الطائرات التى سقطت في ساحة المعركة ،أعاقت تقدم العتاد المتحرك ،فُأتيحت الفرصة لجنود الحامية من التقدم ،صُدرت الأوامر بالإنسحاب الفوري ،بعدما تكبدت قوات الحلفاء خسائر فادحة . لكن الميليشيات اليهودية رفضت القرار وواصلت القتال،خوفاً من زعزعة ثقة الجنود خاصة بعد تخلى الحلفاء عن الإستمرار في القتال والإنسحاب المفاجيء . وفي خضم المعركة شعر القائد نيجيل غسان ببرودة تدب في اوصاله،فسالت الدماء من أنفه ، تحسس ثقوباً حارة أخترقت بزته ، فقد توازنه سقط جاثيا على ركبتيه، تسللت الدماء بكثرة بين شفتيه ،حدق إلى السماء، السحاب يمرق بين إجفال العين من الألم، وارتداد الطرف عند يقظة الروح. تجشأ الدماء حاول أن ينهض ترنح قليلاً،رغم كثافة الأدخنة سقط متكيء على ركبتيه مستنداً على بندقيته .إنسابت دمعة ثقيلة على خده مرق نصفها على نحره ،وعلق شطرها بخصلة متدلية من شعره، ثم تناثرت لتحدث نتوء عميقة في ذكرياته،دس يده المخضبه بالدماء إلى صدره ،فنزع من جيبه ،وشاح ابيض،تخضب بالدماءيفوح بأريج الياسمين،ثمُلت عينيه من الألم في نزعها ، فاستحالت الأرض حقول ومروج خضراء، والضباب سحائب ُيقطر بعضه، وحدائق غناء ،وجداول يكثر على حوافها الزهور البيضاء ، حيثُ تحط الفراشات على أوراقها ثم تحلق فوق الغدير وحسناء تدلى ساقيها الدقيقتين فوق ضريح نبع صافي ،تشطر الماء وتنثره في أعراف الهواء . لثم جدائلها المعقودة كحبات العنب، وقد انسدل منها قطوف التوت والعنب، ثم طبع قبلة رقيقة بلثمة حانية على خدها الأرجواني الأسيل، ففتر ثغرها الوضاء عن ابتسامة ساحرة أضاءت محياها الكحيل بأيات الجمال، ثم ولت مدبرة في غنج ودلال ..تكايده وتنافحه بكل ما تظفر به يداها على امتداد ذراعيها حتى أدمى الشوك أخمص قدمها فتأوهت وكادت تسقط فوق الغدير لولا أن أمسك بطرف ثوبها، ثم حملها بين ذراعيه وأجلسها على صخرة ملساء .وطفق يتحرى الألم ولثم أصبعها الدامي بعذوبة شفتيه ولعق ماتبقى من عسل أنساب من جرحها ، ثم نظر إليها : هل أنت بخير الأن ياسيدتى ..أشارت إليه بإيماءة الرضا ثم ألقت بنفسها بين ذراعيه ودست رأسها في صدره المترع بالحب والحنان . لم يبقى سوى أيام قليلة ،وتزف إلى حبيبها، والقرية الصغيرة تنتظر بلهفة إقترانهما الأبدي، والشموع البيضاء تتسابق لكي ترقص تحت إيقاع اللهيب ..لكن ناعق الحرب دق طبوله قرب الفالوجا عندما اجتاحت عصابات يهودية أرض فلسطين .ظلا سوياً سويا يقضيان سحابة اليوم بين الروابي والمروج .يقطف لها أزكى الثماروالأزهار قبل مغادرته لأرض المعركة .عقد عليها لكنه لم يبني بها حتى عودته .في اليوم الأخير كانت تعاونه في إرتداء بزة الحرب وتطمئن من متاعه وطعامه وكتبه تجهش بالبكاء والدموع تجري على نحرها ،تكفكفها بقبلات الدعاء والرجاء كلما خشيت أن يراها على تلك الحالة فينوء بثقل الحرمان أضعاف ما يحمله من لوعات الفراق .وبينما يتأهب للرحيل نظر إليها ، فما راعه إلا الدموع تنحدر على نحرها وجلبابها فصاح " رباه ؟ إنك لترتجفين من فرعك إلى قدمك ..هوني عليك وما كادت تولي ظهرها حتى خنقتها العبرات فأجهشت بالبكاء وأسندت رأسها إلى الجدار تنتحب إنتحابا ،ثم عمدت إليه وارتمت إلى عنقه وهي تتشبث به تشبث الميت بالحياة . غادر الفتى في قطار الجنوب يحمل معه أماني الحب المعقودة في فؤاده ،وجراح الوطن التى أوغلتها الأيدى الآثمة للمحتل والمستعمر الغاصب .كان بريد الرسائل العاجلة يخفف من ألام قدحت في أحشائها وأذابت سويداء قلبها .تلثم الرسائل وتدسها إلى وثير صدرها الحاني .وفي الصباح تغادر إلى المروج والحقول تظل سحابة اليوم تطوف بين الجداول والروابي تستعيد أيامهما الأولى وتمكث عند الصخرة الملساء تستجيش صدى صوته المترع بالحب والحنان .وفي أحد الأيام تأخرت رسالته كادت شعبة من مهجتها تقع وتذوب حتى انصرفت إلى مكتب البريد وهناك تعلل الموظف بأن الحرب دمرت معظم الطرق والكباري ..وفقد المكتب عدد كبير من سعاة البريد..كانت تلتمس له العذر في تندر رسائله بسبب القتال الدائر على الجبهة ،حتى انقطعت رسائله ، فكانت تذهب لمكتب البريد تتفقد الرسائل علها تجد واحده هناك .لكن الحظ لم يحالفها ولم يحالف الكثير من الفتيات والأمهات الذين احتشدن متسائلين عن تأخر الرسائل .. أيام العلل والحزن تسربت إلى روحها ،فسالت نفسها وذابت كالشمعة البيضاء يأكلها اللهيب .ثم سار الخبر في القرية كالنار تسري في الهشيم . أن أحد أبنائها لقي حتفه وهو يقاتل ببسالة ضد عصابات اليهود .أخفت القرية عنها حقيقة الخبر خشية وطئة الألم .فكانوا يسارعون في قضاء حوائجها والتسرية عنها حتى شعرت بمجهول يراودها .و بذور الشك تسري في قلبها حتى عزمت على استجلاء غامض الأحداث ولعبت الصدفة دور في الكشف عن السر الأعظم الذي تخبئه القرية .عندما كانت منهمكة في الأعداد لوليمة على شرف المصابين العائدين من الحرب ..فتناهى إلى مسامعها حديث فتاتين إحداهما تفضي لصديقتها نوادر الحروب وأخبارها مما يسمعونه من أبائهم حتى وصلا لحادثة الفتى ومصرعه في الميدان .. وإخفاء الأمر عن زوجته خشية عدم تحملها لصدمات الألم ،قرع الخبر فؤادها المكلوم هرعت مهرولة إلى منزلها . كان والدها رجلاً سميناً ذو وجه عريض ، ملتهب الحمره، مثقفاً، يشغل منصب رفيع في البلدة وعلى سيماءة علامات الجد والوقار وقفت تناديه وهو منهمك في مكتبته يقوم بتصفيف الكتب فوق الرفوف..أبي ..ما الذي تخفونه عني ؟..ما الذي حدث لنيجيل ..؟ خيمت سحائب الحزن داخل المكتبة وكست وجه الرجل فنكس رأسه ،ثم رفع رأسه قائلاً : إبنتى وقرة عينى لم يعد هناك حاجة لأن نخفي عليك ..فليرحمني ربي..ولتسامحيني أبنتي ..وضعت يدها على صدرها وشهقت وطفق الرجل يقص عليها الحدث ..أغرورقت عيناها وأجهشت بالبكاء وسرعان ما فقدت توازنها وأغشي عليها ..فصرخ والدها -بيسان ..بيسان.. هرع الطبيب إلى منزل السيد نُصيف ..وأعد تقرير بحالتها مذيل بتعليق ..صدمة عصبية تستدعي الراحة التامة، مع المتابعة الجيدة، ستكون على مايرام ..استفاقت بيسان من صدمتها، وقد اصطلحت عليها أعاصير المرض والذبول فكانت تردد ..ويلي ..ما في قلبي مهجة إلا ذابت شجى ..ولا مقلة إلا أسبلت أسى ..وإني كالشمعة أذوب على كر الليالي، ثم يُغشي عليها ..إرتدت بيسان السواد وأصيبت بالهذيان ..فلا تفتأ تذهب إلى المروج الخضراء، حيث تشعر بالراحة والسكينة ..معذرة حبيبي ..لا يمكنني إيقاف ألم المعيشة دونك.. ثم تسقط في وصلة من النشيج المرير ..ظلت أعوام تتردد على الحقول والمروج .. تستعذب مناجاة الأطياف والأشباح حتى جفت دموعها الرقراقة..وكلما عاتبت عليها صديقاتها كثرة الدموع كانت تجهش بالبكاء وتردد : مازالت الدموع قدما مضرحة الآثام والذنوب ومنفاة الآلام والكروب..والدمع يغسل الأشجان كما يغسل السحاب الجدب،، قال الشاعر «توماس مور»:بكت الفتاة على قبر حبيبها ونور القمر يتوسد فرش الثلج، فانطلقت دمعة حارة جمدها الهواء القارس، ولبثت طول الليل حتى برق الصباح، فبرقت في شعاعه، وكان أحد امللائكة قد فارق فلكه يرفرف على عظام الموتى، فأبصر تلك الدمعة الجامدةفحملها إلى «الرحمة» ذات العني الندية.ثم تنخرط في وصلة من البكاء والنحيب ،حتى ذهبت نضارتها،
    كانت كصباح ربيع باهت، متمسك ببرودة الشتاء ، حين انتزعت منها روحها ،امام ضريحه المزعوم، واسدل الليل حلكته ، على عالمها ، فاتشحت نفسها السواد ،واستترت به
    وفي يوما من الأيام ذهبت إلى المروج تتكيء على طفل شقيقتها قاصدة ماء النبع.. جلسا سوياً يدليان ساقيهما ..ويشطران الماء هنيهات وحطت الفراشات فوق رأس الصغير الذي شرع في القبض عليهن ومطاردتهن بين الجداول ..رفعت ساقيها وسارت برفق حتى أدمى الشوك أصبعها النحيل تأوهت قليلاً ،فنادت على الطفل الذي كان منهمك في ملاحقة الفراش ،كانت قد فقدت بصرها جراء الدموع التي أذابت بريقهما ،تحسست برفق موطي قدميها حتى اهتدت للصخرة الملساء ،بدت على وجهها ابتسامة خجولة وكأنها تستذكر الأيام الخالية التى جمعت بينهما في ذات المكان ،رفع رأسها بيديه، رأى عينيها دامعتين وأهدابها ذابلة.همس لها:احبك بصمتٍ.نظرت إلى طرفِ عينيه بصفاءٍ، رأت عينيه مثقلتين بالدموع تحكي وتدمع ،وظل يدنو منها حتى صار قريباً من النبع..نزع كوفية بيضاء وعمد إليها ..يتحرى الجرح الذي يقطر دماء فلثمه بفيه ولعق ماتبقى منه .. شعرت بالسكينة بين يديه ..أخالت نفسها في حلم نمطي أخر ..قطع غفوتها صوته الحاني وقال -:وقال :معذبتي هل أنت على ما يرام الأن..عركت مابين عينيها فرأت طيف منهمكاً بمساعدتها في ارتداء حذائها لقد وعدتك أنني سأعود يوماً ما ..! شهقت شهقة كادت أن تنتزع روحها وألقت بنفسها بين ذراعيه حيث كانت ذراعه الأيسر قد بترت، دست رأسها بين وثير صدرها الحاني ..وضمها من جديد وشدها أكثر وغابا في الحنين.وبدون أن يدري اندفعت أنامله بين خصلات شعرها ثم غابا في قبلة طويلة ثم احتملها كالطفلة الوديعة ،يخترق بها الحقول والمروج..ومضت السنون في خرطها للأيام والأحداث وظل ذلك حصن آخيل مكاناً موحشاً مُرعباً تحيطه الكثير من الأسرار والغموض ، وصارت قلاعه المدمرة طريقاً معروفاًُ للموتى الذين لعنت أرواحهم ذلك المكان في فترة من الزمن،حيثُ يبست جذور الأشجار وسقطت الأوراق ،وجفت الأغصان ، وذبلت الأعشاب الخضراء، وتفتت قطع الصخور، وكأن الوباء خيم وعشش فوق المكان ،حاول رجال الدين اليهودى تلاوة الترانيم واستعمال التعاويذ من أجل طرد الأرواح الشريرة كما يزعمون ،لكن الرياح الغاضبة كانت تهب بحممها وزفيرها الساخن فتلفح وجوههم. فقامت البلدية ببناءسور شائك من الأسلاك وذيل بعبارة خطر ممنوع الإقتراب ،وقيل أنه حصن ملعون ،بسبب الرياح الغاضبة التى تهب منه كل حين وتصرخ في فضاء المكان ،وفي عصرأحد الأيام كانت عجوز شمطاء تقتعد الأرض وتفترش الحصى . مر من أمامها ظلال وأصوات ،ثم دنا منها أحدهم وسألها :هل أجد عندك تبغاً منغولياً .. ثم ألقى إليها قطعة ذهبية رن جرسها في أذنها ..تراقصت ابتسامة بين شفتيها ورددت : لقد عادوا ..لقد عادوا.بعدما انتهى البروفسور فريمان من تلاوة قصته على مسامع الحاضرين، أغلق الكتاب الذي يحوى الرسائل .. ثم أشار البروفسور إلى عجوز مسن مقعد على كرسي متحرك .رفع العجوز رأسه المنكسة قائلاً بصوت واهن ..أُدعى لوجيانو ..مارك لوجيانو .. لقد كانوا عظماء..أعتقد أنهم أخر الرجال العظماء.ثم ساد صمت طويل وبسط أجنحته فوق رؤوس الجميع مما دفع الكسندر بابل للصياح قائلاً:وأين ذهبت المخطوطات الذهبية ؟ .. ساد صمت بحجم السماء ،وشعر بافل بالحرج ، حدق إلى رفاقه الذين أبدو استيائهم من جرأته ووقاحته ..لكنه أصر على المطالبة بحقه في المعرفة والرد على سؤاله ..ابتسم لوجيانو قائلاً :هناك رجلين يعرفان مكان المخطوطات ياعزيزي ..أحدهما سقط في أرض المعركة ..والأخر حي يعيش في مزرعة صغيرة أقصى الشمال برفقة زوجته وأبنائه .بعد أيام سرت شائعة قوية تردد صداها بين أروقة أوميترا عن رحيل بعض طائفة من العلماء ،والباحثين العاملين في المنظمة نظراً للأزمة المالية الطاحنة التى تمر بها "أوميترا" وانخفاض حجم التمويل من بعض الدول الكُبرى التى تعمدت أن تشن ضغوطاً مالية على روؤساء المنظمة من أجل التأثير على توجهات أوميترا المناهضة لسياسات وسلوكيات الدول العُظمى .لكن أوميترا لم تنصاع ،فتقلصت عقود التمويل شيء فشيء ،حتى فقدت أوميترا الكثير من عقول النخبة والمفكرين ،ومع إنقطاع التمويل باع البروفسور فريمان كل ما يملكه من مدخرات حتى لا تتأثر أوميترا بنقص الدعم المالي . ومع توقف العديد من الخدمات الصحية والثقافية عانى الطلاب الموهوبين في أوميترا من تلك الأزمات العاصفة التى حلت بهم .مما كان له أثر سيء على صحة البروفسور فريمان والتى باتت شمعة الحياة يخبو ضوئها في جسده ومع مرور الأيام ساءت صحته وقضى البروفسور فريمان نحبه وحلقت روحه فوق أعمدة أوميترا ثم صعدت إلى السموات .علم الطلاب فيما بعد أن البروفسور فريمان قد فقد بصره تدريجياً وأخفى عن الطلاب حقيقة الأمر حتى لا يؤثر ذلك على تحصيلهم العلمى والتجربي.شيعت جموع من العلماء والطلاب جثمان البروفسور فريمان إلى مثواه الأخير. ونعى البروفسور ريتشارد هيز في كلمته المأثورة الجهود العلمية المُضنية للبروفسور فريمان وسعيه من أجل تشييد صرح علمى أكاديمى يضم العديد من النخب العلمية والعقول الفكرية والتى حلقت خمسة عقود في سماء أوميترا. حيثُ قال في كلمته المآثورة- سنواصل النضال يا أبنائي ولن يهتز إيماننا أو تخور عزيمتنا،سنواصل عملنا هنا في محاولة إنقاذ العالم لن نعود إلى الوراء سنصمد ونقاتل الشر أينما كان ،ثم نظر إلى طلابه وتفرس في وجوههم : لن أتخلى عنكم يا أبنائي ..فأنتم الأمل القائم ،الذي سيتشبث بها العالم يوماً ما.سنظل معاً حتى يتحقق الحلم الذي راود البروفسور فريمان .ثم التفت إلى قبر الدكتور فريمان وعيناه تذرفان :لن تسير وحدك ياصديقي .
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد عبد البصير أحمد; الساعة 28-01-2019, 06:14.
    الحمد لله كما ينبغي








  • أمل ابراهيم
    أديبة
    • 12-12-2009
    • 867

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة احمد فريد مشاهدة المشاركة
    ظل يزحف على خاصرته،يقصد جدار هار يتقي به شلال الأعيرة النارية المنهمرة،التي كادت أن تطيح برأسه،تفقد بندقيته تارة ،ورمق ساقه التي تنزف جرحاً غائراً تارة أخرى.
    أنتزع سدادة ركوة الماء،بصق الدماء، تجرع القليل،سكب الباقي على جرحه العميق،خلع خوذته،عقد حاجبيه، قال مقتضباً:الحمقى الذين قبلوا بالهدنه..اوقعونا في مأزق.
    تذكر الوعد الذي قطعه على نفسه، أمام حبيبته، أنه سيعود يوماً ما
    السماء تمطر حوله قذائف مدوية، تحصد رفاقه،الذين تساقطوا حوله كأوراق الخريف: معذرة حبيبتي..لن استطيع أن أفي بوعدي اليوم.
    اعتمر خوذته،تناول بندقيته،صرخ صرخة مدوية،وثب فوق الجدار،يزأر كالتنين
    رمق جثث،وأشلاء رفاقة المتناثرة هنا وهناك،راح يسدد الطلقات،لتحصد اعدائه،الذين هرولوا امامه كالخراف،نفذت ذخيرته
    حدق إلى رفاقه،الذين التفوا حوله،نزع خوذته،القى بندقيته،عقد حاجبيه،قال مقطباً :ستظل ارواحنا حبيسة هنا..لن ترى النور...
    وأبناء العاهرة..ينعقون كالغربان فوق اسوار الفالوجا.
    -هذه دمائي..دماء ابائي ..دماء اجدادي..مسح بيده الثرى،عفر جبينه،ملأ رئتيه بالهواء تناول بندقيتين،وثبوا خلفه إلى خط المواجهة
    بلا غطاء يحميهم اشتد القتال،حمي الوطيس،صارت الفالوجا،كرة من اللهب،تقذفها البنادق،وتركلها المدافع، احس ببرودة تسري في اوصاله،فقد توازنه سقط جاثيا على ركبتيه،حدق إلى السماء،رمق سحابة بيضاء،رغم كثافة الأدخنة المتصاعدة ،جراء الأنفجارات
    تسللت دمعة ثقيلة التكوين،علقت بخصلة متدلية من شعره،تناثرت لتحدث صخب في ذكرياته،استخرج وشاح ابيض،تخضب الدماء
    يفوح بأريج عطر الياسمين،ثملت عينيه،فتراءى له،طيف رقيق يختال عند رابية خضراء مقبل عليه.دلفت في اعماقه ذكريات وصور أنين حبيبته، عندماكان يقف امامها ببزة الحرب،عند شجرة الكروم، التي شهدت لقاءهما الأول،مودعاً أياها، وهي تقبل أنامله، تتوسل إليه أن يقسم لها أنه سيعود يوماً ما.
    سرت شائعة وقتها، أن أحد أبناء القرية، لقي حتفه،وهو يقاتل ببسالة
    لم تحتمل وقع الخبر ،سقطت مغشياً عليها،انقطع صوتها كثرة البكاء
    والعويل ،مزقت ثوب زفافها،نشرت جدائلها حزناً وكمدًا،ساءت حالتها فكانت تتخيل أشباحاً وترى أطيافاًولم يجرأ أحد أن يثنيها عن الذهاب إلى شجرة الكروم ،عجز الأطباء عن انتشالها من كبوتها،فكانت تردد عند شجرة الكروم:لا يمكنني إيقاف ألم المعيشة بدونك،تمكث إلى الغروب تنتظر عودته.
    ضجت شجرة الكروم لحزنها،ذبلت أوراقها،يبست اغصانها
    وهجرتها البلابل.
    في أحد الأيام، جلست عند شجرة الكروم،قد نشرت جدائلها
    تبكي بصوت متقطع،تتمتم بكلمات غير مفهومة،من شدة الهذيان
    وإذ بظل يدنو منها، يتحسس جدائلها،ظنت أنها الرياح تعبث بها
    صرخت: إليك عني.
    لكنها انقادت طواعية،لأحساس يتأجج في الأعماق تشبثت بتلك الأنامل،ظلت ترشقها بسيل من القبلات،صعقت عندما سمعت أغنيته القديمة:حبيبتي.. أرى نساء العالم كلهن في ملامحك.
    سقطت بين ذراعيه،مضى بها يخترق الحقول ،استفاقت بين يديه
    أنشدت: ادركت لتوى..أنك آمالي العظمى..انتظرت طويلاً
    سأمض معك..
    أذهب حيثما تذهب..
    لن اطلب الكثير..أظل معك..أصير رفاتاً بين يديك..أي شبح وسيم أنت!!
    وعادت البلابل، تستوطن شجرة الكروم،لتصدح بصوتٍ بالغ العذوبة والجمال.
    الزميل الرائع احمد فريد
    مساء الخير
    سرد رائع قصة صيغت بطريقة رائعه
    كل الوطن العربي مر بهكذا عدوان وفيه من يدافع
    ولهم قصص في سوح الميدان بورك قلمك
    أسعدني المرور هنا
    تحياتي ومودتي
    درت حول العالم كله.. فلم أجد أحلى من تراب وطني

    تعليق

    • عبير هلال
      أميرة الرومانسية
      • 23-06-2007
      • 6758

      #3
      قصة رائعة للغاية

      فيها نوعين من الحب يجتمعان ....

      القدير أحمد فريد

      ورومانسية ووفاء

      نادر في زمننا هذا

      استمتعت جداً بقراءة رائعتك

      المعطرة بالياسمين

      والتي آثرت بي كثيراً..

      لك مني أرق تحياتي
      sigpic

      تعليق

      • وسام دبليز
        همس الياسمين
        • 03-07-2010
        • 687

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة احمد فريد مشاهدة المشاركة
        ظل يزحف على خاصرته،يقصد جدار هار يتقي به شلال الأعيرة النارية المنهمرة،التي كادت أن تطيح برأسه،تفقد بندقيته تارة ،ورمق ساقه التي تنزف جرحاً غائراً تارة أخرى.
        أنتزع سدادة ركوة الماء،بصق الدماء، تجرع القليل،سكب الباقي على جرحه العميق،خلع خوذته،عقد حاجبيه، قال مقتضباً:الحمقى الذين قبلوا بالهدنه..اوقعونا في مأزق.
        تذكر الوعد الذي قطعه على نفسه، أمام حبيبته، أنه سيعود يوماً ما
        السماء تمطر حوله قذائف مدوية، تحصد رفاقه،الذين تساقطوا حوله كأوراق الخريف: معذرة حبيبتي..لن استطيع أن أفي بوعدي اليوم.
        اعتمر خوذته،تناول بندقيته،صرخ صرخة مدوية،وثب فوق الجدار،يزأر كالتنين
        رمق جثث،وأشلاء رفاقة المتناثرة هنا وهناك،راح يسدد الطلقات،لتحصد اعدائه،الذين هرولوا امامه كالخراف،نفذت ذخيرته
        حدق إلى رفاقه،الذين التفوا حوله،نزع خوذته،القى بندقيته،عقد حاجبيه،قال مقطباً :ستظل ارواحنا حبيسة هنا..لن ترى النور...
        وأبناء العاهرة..ينعقون كالغربان فوق اسوار الفالوجا.
        -هذه دمائي..دماء ابائي ..دماء اجدادي..مسح بيده الثرى،عفر جبينه،ملأ رئتيه بالهواء تناول بندقيتين،وثبوا خلفه إلى خط المواجهة
        بلا غطاء يحميهم اشتد القتال،حمي الوطيس،صارت الفالوجا،كرة من اللهب،تقذفها البنادق،وتركلها المدافع، احس ببرودة تسري في اوصاله،فقد توازنه سقط جاثيا على ركبتيه،حدق إلى السماء،رمق سحابة بيضاء،رغم كثافة الأدخنة المتصاعدة ،جراء الأنفجارات
        تسللت دمعة ثقيلة التكوين،علقت بخصلة متدلية من شعره،تناثرت لتحدث صخب في ذكرياته،استخرج وشاح ابيض،تخضب الدماء
        يفوح بأريج عطر الياسمين،ثملت عينيه،فتراءى له،طيف رقيق يختال عند رابية خضراء مقبل عليه.دلفت في اعماقه ذكريات وصور أنين حبيبته، عندماكان يقف امامها ببزة الحرب،عند شجرة الكروم، التي شهدت لقاءهما الأول،مودعاً أياها، وهي تقبل أنامله، تتوسل إليه أن يقسم لها أنه سيعود يوماً ما.
        سرت شائعة وقتها، أن أحد أبناء القرية، لقي حتفه،وهو يقاتل ببسالة
        لم تحتمل وقع الخبر ،سقطت مغشياً عليها،انقطع صوتها كثرة البكاء
        والعويل ،مزقت ثوب زفافها،نشرت جدائلها حزناً وكمدًا،ساءت حالتها فكانت تتخيل أشباحاً وترى أطيافاًولم يجرأ أحد أن يثنيها عن الذهاب إلى شجرة الكروم ،عجز الأطباء عن انتشالها من كبوتها،فكانت تردد عند شجرة الكروم:لا يمكنني إيقاف ألم المعيشة بدونك،تمكث إلى الغروب تنتظر عودته.
        ضجت شجرة الكروم لحزنها،ذبلت أوراقها،يبست اغصانها
        وهجرتها البلابل.
        في أحد الأيام، جلست عند شجرة الكروم،قد نشرت جدائلها
        تبكي بصوت متقطع،تتمتم بكلمات غير مفهومة،من شدة الهذيان
        وإذ بظل يدنو منها، يتحسس جدائلها،ظنت أنها الرياح تعبث بها
        صرخت: إليك عني.
        لكنها انقادت طواعية،لأحساس يتأجج في الأعماق تشبثت بتلك الأنامل،ظلت ترشقها بسيل من القبلات،صعقت عندما سمعت أغنيته القديمة:حبيبتي.. أرى نساء العالم كلهن في ملامحك.
        سقطت بين ذراعيه،مضى بها يخترق الحقول ،استفاقت بين يديه
        أنشدت: ادركت لتوى..أنك آمالي العظمى..انتظرت طويلاً
        سأمض معك..
        أذهب حيثما تذهب..
        لن اطلب الكثير..أظل معك..أصير رفاتاً بين يديك..أي شبح وسيم أنت!!
        وعادت البلابل، تستوطن شجرة الكروم،لتصدح بصوتٍ بالغ العذوبة والجمال.
        وتتحفنا دوما بكل ما هو جميل يبقى دوما حب الوطن هو الغالب حين يترك الجندي حبيبة أو زوجة قد تكون تحمل نبضا منه أو طفلا في عامه الأول ففي ساحة الحرب لا مجال للخيار ،الوطن أولا وثانيا وعاشرا ويبقى الأمل معشعشا في أرواحنا كانت قصة جميلة حقا

        تعليق

        • عبد الحميد عبد البصير أحمد
          أديب وكاتب
          • 09-04-2011
          • 768

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أمل ابراهيم مشاهدة المشاركة
          الزميل الرائع احمد فريد
          مساء الخير
          سرد رائع قصة صيغت بطريقة رائعه
          كل الوطن العربي مر بهكذا عدوان وفيه من يدافع
          ولهم قصص في سوح الميدان بورك قلمك
          أسعدني المرور هنا
          تحياتي ومودتي

          شكراً لتواجد حضرتك أ . أمل فهو يعني لي الكثير
          مازالت اروحهم هناك في فلسطين تنتظر من يطلق سراحها بالقضاء على الصهاينة
          وستبقى الفالوجا في فلسطين، العراق...
          المعركة الحاسمة الأخيرة.
          مودتي لحضرتك
          الحمد لله كما ينبغي








          تعليق

          • عبد الحميد عبد البصير أحمد
            أديب وكاتب
            • 09-04-2011
            • 768

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة أميرة عبد الله مشاهدة المشاركة
            قصة رائعة للغاية

            فيها نوعين من الحب يجتمعان ....

            القدير أحمد فريد

            ورومانسية ووفاء

            نادر في زمننا هذا

            استمتعت جداً بقراءة رائعتك

            المعطرة بالياسمين

            والتي آثرت بي كثيراً..

            لك مني أرق تحياتي

            الجميل هو تواجد حضرتك أ. أميرة يسرني أنها حظيت
            بمرور شخصك النبيل
            مودتي الصادقة
            الحمد لله كما ينبغي








            تعليق

            • عبد الحميد عبد البصير أحمد
              أديب وكاتب
              • 09-04-2011
              • 768

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة وسام دبليز مشاهدة المشاركة
              وتتحفنا دوما بكل ما هو جميل يبقى دوما حب الوطن هو الغالب حين يترك الجندي حبيبة أو زوجة قد تكون تحمل نبضا منه أو طفلا في عامه الأول ففي ساحة الحرب لا مجال للخيار ،الوطن أولا وثانيا وعاشرا ويبقى الأمل معشعشا في أرواحنا كانت قصة جميلة حقا

              إلى من تدين بولائك،وإلى من تنتمي...الوطن،ولاشيء غير الوطن..
              سررت بتواجدك أستاذي وسام دبليز
              تحية الورد
              الحمد لله كما ينبغي








              تعليق

              • صالح صلاح سلمي
                أديب وكاتب
                • 12-03-2011
                • 563

                #8
                أ/ احمد فريد
                برغم تميزك في نصوصك السابقه. التي صبغت بها ساحتك بصبغة خاصة
                الا انني ارى ان نصك هذا هو القمة في التعبير عن
                احمد فريد
                الذي يحب وطنه
                تعجبني النصوص الوطنية
                لان الوطن ببساطة هو أصل كل ما نكتب ونفكر فيه.
                شكر لك

                تعليق

                • آسيا رحاحليه
                  أديب وكاتب
                  • 08-09-2009
                  • 7182

                  #9
                  أعجبتني القصة فكرة و كتابة ..
                  راقت لي كثيرا الجمل الفعلية القصيرة .
                  راجع أخي أحمد ..هناك بعض الأخطاء .
                  سررت بالقراءة لك .
                  و أنتظر جديدك .
                  تحية و تقدير.
                  يظن الناس بي خيرا و إنّي
                  لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                  تعليق

                  • إيمان الدرع
                    نائب ملتقى القصة
                    • 09-02-2010
                    • 3576

                    #10
                    زميلي الرائع أحمد :
                    وجدت هنا نبضك الوطنيّ الصادق في أحلى تجلّياته
                    فجاء النصّ على هذه المصداقيّة التي نلمسها بين السطور..
                    بورك بقلمٍ يحمل همّ الوطن بهذا التعبير الراقي ، المؤثّر ..
                    حيّاااااااااك أحمد أخي الغالي.

                    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                    تعليق

                    • عبد الحميد عبد البصير أحمد
                      أديب وكاتب
                      • 09-04-2011
                      • 768

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة صالح صلاح سلمي مشاهدة المشاركة
                      أ/ احمد فريد
                      برغم تميزك في نصوصك السابقه. التي صبغت بها ساحتك بصبغة خاصة
                      الا انني ارى ان نصك هذا هو القمة في التعبير عن
                      احمد فريد
                      الذي يحب وطنه
                      تعجبني النصوص الوطنية
                      لان الوطن ببساطة هو أصل كل ما نكتب ونفكر فيه.
                      شكر لك
                      تقديري أ.صلاح لتواجدك في متصفحي بتلك اللفتة الطيبة التي تعبر عن حسك الوطني
                      عميق شكري لحضرتك
                      الحمد لله كما ينبغي








                      تعليق

                      • عبد الحميد عبد البصير أحمد
                        أديب وكاتب
                        • 09-04-2011
                        • 768

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                        أعجبتني القصة فكرة و كتابة ..
                        راقت لي كثيرا الجمل الفعلية القصيرة .
                        راجع أخي أحمد ..هناك بعض الأخطاء .
                        سررت بالقراءة لك .
                        و أنتظر جديدك .
                        تحية و تقدير.
                        أحاول أن ابذل قصارى جهدي، تقديري العميق لمرور حضرتك
                        أ.آسيا
                        الحمد لله كما ينبغي








                        تعليق

                        • عبد الحميد عبد البصير أحمد
                          أديب وكاتب
                          • 09-04-2011
                          • 768

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
                          زميلي الرائع أحمد :
                          وجدت هنا نبضك الوطنيّ الصادق في أحلى تجلّياته
                          فجاء النصّ على هذه المصداقيّة التي نلمسها بين السطور..
                          بورك بقلمٍ يحمل همّ الوطن بهذا التعبير الراقي ، المؤثّر ..
                          حيّاااااااااك أحمد أخي الغالي.

                          يسعدني جداً تواجد شخصك النبيل أ. إيمان.. شكراً لك دائماً أبدا
                          الحمد لله كما ينبغي








                          تعليق

                          • دينا نبيل
                            أديبة وناقدة
                            • 03-07-2011
                            • 732

                            #14
                            أ / أحمد فريد ..

                            قد مررت بهذه القصة منذ شهر تقريبا .. وأذكر أنني أخبرتك أن هذه القصة من أجمل ما قرأت في تناول مثل هذه الموضوعات ..

                            ولكن ..
                            اليوم ..
                            وكأنني أقرأها من جديد !

                            عنصر التكثيف هنا كان في غاية الروعة .. ركزت على الحدث الرئيس مما جعل المتلقي في حالة تأهب مستمرة وتركيز عالٍ فلا يتشتت في أحداث جانبية .. هذا التركيز منح النص قوة وكأنه سهم مسدد نحو الهدف

                            الجمل القصيرة .. رائع استخدامك إياها في هذه القصة على وجه التحديد ، ذلك لأنها تناسب مع الموضوع ، فالسرعة والدفعات المتلاحقة التي ترسلها مثل هذه الجمل تبين سرعة الأحداث وتلاحقها حيث ساحة القتال ولا مجال لأن يلتفت إنسان عن هدفه

                            الإحساس الشجي بها .. لا يزال موجودا بل وأكثر .. إنها آمال عظمى .. أتمنى أن تتحقق يوما ما .. أرجو أن يكون قريبا !

                            جميل ما أتحفتنا به من موضوع هنا .. فما أجمل من حب الوطن ؟!

                            ربي يحفظ لنا أوطاننا عزيزة شامخة .. ونحرر أقصانا السليب ونعيد مجدنا التليد

                            لك خالص الشكر أ / فريد ..

                            دمت بهذا التميز وأكثر

                            تعليق

                            • ريما ريماوي
                              عضو الملتقى
                              • 07-05-2011
                              • 8501

                              #15
                              الاستاذ احمد فريد عندما قرأت العنوان
                              تبادر إلى ذهني رائعة تشارلز ديكنز آمال كبيرة,
                              فكل واحد فينا يكبر وعنده آمال كبيرة,,
                              وكيف عندما تكون متعلقة بحب الوطن والحب الأوّل معا.

                              شكرا لك على نص ماتع.

                              تحياتي,



                              أنين ناي
                              يبث الحنين لأصله
                              غصن مورّق صغير.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X