الحزن أولى درجات السلم المؤدية إلى الصبر ..
والصبر قارب الأمل ...
والأمل شقيق الروح ...
والروح يعتلج فيه كل هذا الخليط...
مدخل إلى الصفحات :
أناخ الحزن راحلته في بهو القلب وفناء الروح ..
ولأنه أضمر السكنى .. يأبى الزوال والنزوح ..
نشر عباءته وتربع وجلس القرفصاء..
وأومأ برأسه أَنْ لا فرار منه إلا إليه ..
ثم دق أوتاد خيمته وثبتها بحنايا الضلوع ..
وأوقد نار اللوعة بين أثافي العشق الثلاث : ( القلب والروح والذكرى ) ...
الحزن ..أحيانا يدفعك للتوغل داخل سراديبه ..
فتتقوقع داخل كهوفه الباردة ..الموحشة .. المُقْفِرة
ينخر فيها سوس الألم عظام تفكيرك...
فيتركها جوفاء تصْفِر رياح الذهول بين جوانبها ..
تضربك أجنحة خفافيش الوحدة ..
تناوشك من كل إتجاه بعشوائية تزيد من وجع الجرح النازف ..
أما أنا .. فقد صالحته هذاالحزن .. وصادقته.. فأودعني أسراره .. رغم مرارتها وعلقم طعمها ..
عندما تقتحم أسواري أسراب الحزن.. ألجأ إلى صفحات (الألبوم) الذاخر بصورها.
أتصفحه صورة صورة ..
ألوك تفاصيل اللحظة ..
أمضغها على مهل ..
تُشْبع نهمي ..
تُسْكِتُ جوع اللوعة ..
وعند كل صورة ينساب سلسبيل الخواطر..
شلالا مموسَقا بكل خلجة من خلجات الملامح المرسومة عند سفح الذاكرة .
أتصفحه متوشحا سحر تلك اللحظات التي لن تعود ..
متدثرا بالذكرى الراقدة في الخاطر ...
الصفحات :
أيا أنتِ ...
أيا أنت الراقدة في بهاءالطمأنينة ..
أستأذنُكِ الدخول ..
فأنتِ هنا تتلألأ ذكراك في بريق وضَّاء ..
كنجمة صبح تفارق الليل ..
وصورك هنا ترقد تطويها هذه الصفحات ..
في صمت يجلله السكون ..
بإنتظار إطلالتي الملهوفة ..
إسمحي لي ...
أن أطرق بابك ..
إسمحي لي بأن أعكر صفاء سكونك السرمدي ...
في أول الألبوم ..
هناك جملة مكتوبة بخط يدك على ورقة زرقاء:
( إليكَ .. يا مَنْ جعلتَ سوادالليالي أكثر إشراقا .. ويا من أضاءت كلماته دروب حياتي ) ..
هذه الكلمات تزلزل كياني..
تربت على أكتاف حسرتي ..
أُلامِس بأصابع مرتعشة الحروف المكتوبة بأناقة بلون أخضر ..
ألامسها حرفا حرفا ..
أتنفسها معنى .. معنى ..
أتحسسها علها تنبض.. ببعض نبضك ذاك ا لذي كان ..
علها تلفحني ببعض حرارة مِداد الصدق..
أكاد أسمع الحرف منطوقا بصوتك..
ويا لصوتك الساكن فيني ..
هنا .. في هذه الصورة .. عمرِك سبع سنوات ..
شقاوة الأطفال المرسومة في عينيك ..
تستفز ذاكرتي المتعبة ..
تسافر في سِفْر حياتك ..
تجعلني الصورة أبدأ من حيث بدأنا ..
منتهيا هنا .. في عمرك السابع..
ثم أعود و أبدؤك ..
يوما بعد يوم .. حتى مماتك ..
هنا في هذه الصورة ..
تستقبل ( الجامعة ) أولى خطواتك
أجزم بأنك كنتِ وقتها..جزءا من خيالي السادر في تيه تفاصيلٍ كتفاصيلك ..
ليتني كنت هناك ..أداعب قمة حلمك البكر ..
أحتل منك كل تجاويف الفكر ..
أزرع أولى زنابق الحب .. في بستان قلبك اليانع..
إبتسامتك في هذه الصورة تكاد تقول :
أعرف أنني مرسومة خلفية في قاع عقلك يا هذا ..
فمن أنتَ ... يا أنا ؟
ومن أنا .. يا أنتَ ؟
ومتى ألقاك يا منتهى اللقيا ؟
إقْبِلْ يا توأم الروح ..
تقدم يا وعد قدري الآتي .. وحلم حاضري المنتظر ..
وهنا في هذه الصورة ..
تقفين محملقة في فضاء لا نهائي..
أكاد أجزم أنني رأيتك يومها ..
ناديتك .. فلبيتِ النداء ..
أمسكتُ بيدك ..
يا لخَدَر الوهلة ..
ومشينا حفاة على الرمل ..
والأمواج تردد أهزوجة ضحكاتك ..
لا تزال صداها في أذني .. ترقد كإيقاع يصاحب كل صوت أسمعه وسأسمعه ....
هنا في هذه الصور ..
أولى سنوات اللقاء ..
زخم مترع بالفرح العارم ..
حين حطّتْ أسراب طيورنا في أعشاشها..
بعد أن سكنتْ صفحة نهرنا الجاري.....
..
من كل الصور
تضج شتى المعاني ...
تعزف شتى أنواع النغم ..
تحلق عشرات المشاعر ..
والدنيا لا تسع ..
فحجم النغم المدندن في خضم اللحظة ..
أكبر منا .. أكبر منا ..
تكاد الصور تتحدث بما قلناه .. وبما لم نقله ..
تكاد الضحكات المجلجلة تخرج وتشق الصمت المقيم هنا ..
تعربد بها الصفحة الخرساء...
أمد يدي ..
فستان أبيض .. وطرحة دانتيل أكثر بياضا .. وابتسامة رضا ترقد راضية ..
أكاد أستنشق ذاك العطر المدلوق..
وهذه الصورة ..
هذه الصورة بالتحديد ..
وبتاريخها المحفور في ذاتي ..والممهور ببنانك ..
عذرا ..
فهنا أتوقف رغما عني ..
غامت كل الصور ..
أنا أعرف كنه هذه الدمعات ..
لن يتوقف سيلها ..
لن تبرد حرقتها ..
وعندما أصل هذا الحد ..
أعرف إستحالة الإستمرار.. ..
وأغلق الألبوم .. ليرقد في سكون..
يضم صورك في رفق وتحنان ..
منتظرا أن تضج أسراب الحزن
وتهاجر في موسم الشوق
إلى باحات الذكرى لترتاح هنا على ضفافك ..
فإلى ذلك الحين ...
حين الحزن المقيم
***
جلال داود
تعليق