توظيف عناصر الطبيعة في نص (ذاكرة الشتاء) للكاتب عمر مسلط

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عمر مسلط
    أديب وكاتب
    • 30-11-2011
    • 44

    توظيف عناصر الطبيعة في نص (ذاكرة الشتاء) للكاتب عمر مسلط


    ذاكِرة الشِتاء







    غيومٌ تملأ السماء ، الضباب بدأ يتكاثر ، أمطار خفيفة بدأت تتساقط ، نَظرت إلى ساعتها ، إنتهى


    وقت العمل ، إنتابها شيءٌ من القلق ، تناولت حقيبتها السوداء ، وضَعت وشاحها الخمري على كتفيها


    أغلقت باب المكتب ، نزلت إلى الشارع ، وقفت على حافة الرصيف ، أخذت تُراقب الناس المُسرعين


    تحت المطر ، لَمَحت الحافلة تقترب ، صَعدت إليها ، المطر يزداد غزارة ، جلست بجانب النافذة


    أخذها خيالها بعيداً ، ذكريات الشتاء لم تزل تُؤلمها ، صوت المطر المُرتطم بالنافذة يَعزف على جِراحها ،


    تأخذها الأحلام بعيداً ، يوقظها فجأةً صوتُ رسالة إلى هاتفها الجوال ، صوت الرعد بدا مُخيفاً ،


    ترتبك قليلاً ... تفتح الرسالة ... تقرأُها ... تُغلق هاتفها ... تتأمل الشجر الواقف وحيداً تحت المطر ...


    تَبتَسم .... تضع رأسها على النافذة ... وتَشعُر بِرَغبةٍ في البكاء ...





    توظيف عناصر الطبيعة في نص (ذاكرة الشتاء) للكاتب عمر مسلط



    نقد وتحليل الأديب والناقد د. فيصل عبد الوهاب حيدر



    يبدأ النص بالعنوان حيث يؤنسن الكاتب الشتاء ، فالشتاء له ذاكرة كالإنسان. وقد أحسن الكاتب في رسم خلفية الحدث من حيث الزمان والمكان. فالزمان هو فصل الشتاء الذي يرمز عموما للموت أو برودة العواطف مما يتناقض والعواطف المتأججة التي تعتمل في نفس المرأة ولكن الكاتب يجعل الحدث غامضا إلى درجة ما ، بحيث يمكننا أن نستنتج أن برودة العواطف هنا ربما تشير إلى الطرف الآخrر الذي اتصل بهذه المرأة. أما المكان فهو الطبيعة المتحركة والتي وظفها القاص بما يتوافق مع حركة البعد النفسي للشخصية ، حيث تبدأ الغيوم بالتكاثر والضباب يتكاثف بشكل يشير إلى تكاثف الهموم لدى الشخصية ويبدأ المطر يتساقط بشكل خفيف حين تبدأ المرأة بالتفكير بمشاكلها بعد أن تكمل مشوار العمل الذي شغلها مؤقتا عن هذا التفكير. ويتكاثف سقوط المطر بعد رؤية الناس والزحام وصعودها إلى الحافلة التي تتحرك بها لتنطوي إلى ذاتها حيث يتصاعد حزنها مع تصاعد غزارة المطر . فالحدث هنا كالأعمال الدرامية الكبيرة يتصاعد متناغما مع صعود الشخصية إلى الحافلة مصحوبا بتصاعد كثافة المطر أيضا. وإلى هذه اللحظة لا نعرف عن الحدث شيئا لولا الإيحاءات والإشارات التي قدمها القاص في بداية النص ومنتصفه . فالحقيبة السوداء ترمز للحزن أو الحداد والمطر المتصاعد يدق على نافذة الحافلة ليعزف لحنه الحزين ويذكر المرأة بجراحها وآلامها. فالقارئ هنا لا يفهم ماهية الحدث ولكنه يحس به وهنا تكمن براعة القاص حيث الغموض الذي يلف الحدث ليعمم هذا الحدث وليترك الفرصة للقارئ كي يتخيله وفق ما تقتضي مخيلته. ويصل الحدث الغامض إلى ذروته في الرسالة التي تصل المرأة عبر هاتفها الجوال لتزيد الحدث غموضا ، ولكننا نفهم من صوت الرعد المخيف الذي تزامن مع وصول الرسالة أن مضمون هذه الرسالة قد فاقم من حزن المرأة وهنا يصل الحدث إلى ذروته . ولا يترك لنا القاص الفرصة لإدراك حركة الحدث النازلة سوى أنه يلمح لنا من خلال بعض عناصر الطبيعة أن الشخصية قد تركت لوحدها كالشجر الواقف وحيدا تحت المطر. وقد أجاد القاص بوصفه هذا حيث يمكننا أن نفهم من هذا الرمز(الشجر) لغة الصمود بكونه (واقفا) أمام العواصف والرعود والمطر. وهو يوازن الحركة النفسية للمرأة التي بقيت صامدة رغم المشاكل ولم يبد منها سوى الرغبة في البكاء التي اعترتها في نهاية النص. إن بكاء الطبيعة في الخارج وتعاطفها مع المرأة قد لاقى استجابة من المرأة نفسها برغبتها في البكاء ولكنها لم تبك لتشعرنا بقدرتها على الصمود لا بل إنها ابتسمت بداية للدلالة على هذه القدرة.ومن الرموز المهمة الأخرى رمز( النافذة) الذي يوحي بأن المرأة ربما ظلت تنتظر فارسها الذي لا يأتي وتخلى عنها أو ربما فارسا آخر يأتي ليخلصها من محنتها. أما (الحافلة) فإنها ترمز للحياة نفسها وقد تصور الكاتب الحياة رحلة قصيرة وحسنا فعل حين لم ينه القصة بتوقف الحافلة ولكنه أنهاها والحافلة ما زالت تسير في طريقها ويرمز بذلك أن المرأة ما زالت تحث بسيرها وتواصل رحلتها الحياتية رغم الآلام التي تعتريها ورغم المطبات والصعاب
    ما يميز هذا النص المكثف هو اللغة الموحية وازدحامه بالرموز حيث أخذ معظمها من الطبيعة وتم توظيفها بدقة متناهية لتعبر عن الحدث الغامض. وغموض الحدث هنا يتناسب كثيرا مع طبيعة فن القصة القصيرة جدا الذي يقترب كثيرا من الشعر. وقد عمق الكاتب الخاصية الشعرية في النص إلى درجة يذكرنا بالشاعر الأمريكي روبرت فروست الذي عرف شعره بالرمزية الطبيعية حيث يستقي معظم رموزه من الطبيعة ويوظفها في العلاقات الإنسانية.
    إن السمفونية التي عزفتها الطبيعة في هذا النص قد كشفت لنا الدواخل النفسية للشخصية وذلك بفضل التوظيف البارع الذي قام به القاص لعناصرها في النص.




    الأديب والناقد فيصل عبد الوهاب حيدر من مواليد محافظة صلاح الدين \ سنة 1955
    حصل على دبلوم فني في التحليلات الطبية من المعهد الطبي الفني في بغداد سنة 1974.


    - حصل على بكالوريوس في اللغة الانكليزية من كلية التربية \ جامعة تكريت 1997.
    - حصل على الماجستير في الأدب الانكليزي من جامعة تكريت سنة 2003.
    - حصل على بكالوريوس قانون من كلية القانون \ جامعة بغداد 2006.

    له العديد من الكتابات في القصة والنقد والترجمة
    عمل في وزارتي الصحة والتعليم العالي العراقيتين

    - يعمل الآن مدرساً في جامعة تكريت \ كلية التربية للبنات \ قسم اللغة الانكليزية.
    - له ديوان شعري مطبوع يضم أشعاره وترجمات شعرية لعدد من القصائد الانكليزية بعنوان ( وهج القصائد) 2002
    - له مجموعتان قصصيتان مطبوعتان: (الدفء) 1999 و (نحو القمة) 2001.
    - له كتاب مقالات في النقد الأدبي ومقالات عامة بعنوان (في الأفق القريب) 2002.
    وحاصل على جائزة القدس لسنة 2000 الصادرة عن الاتحاد العام للكتاب العرب ...


    له كتاب مطبوع في اللغة الانكليزية بعنوان


    The Omniscient Narration in Edwin Arlington Robinson's Poetry
  • مها منصور
    أديبة
    • 30-10-2011
    • 1212

    #2
    ذاكرة الشتاء
    نص جميل جداً وطريقة عرضه جذابة
    كما يحمل الكثير من المشاعر المختنقة والمكبوتة
    تحت وقع حبات المطر أو تحت خفقات القلوب !
    قراءة عميقة وممتعة لنص جميل فعلاً ..
    أرى أن الناقد أظهر مع القراءة نوع من الإحساس الجميل
    مما أضفى على القراءة نوع من الجذب ..

    سعيدة بتواجدي في هذا الصخب
    تقديري ...
    التعديل الأخير تم بواسطة مها منصور; الساعة 10-12-2011, 11:16.

    تعليق

    • عمر مسلط
      أديب وكاتب
      • 30-11-2011
      • 44

      #3
      الأخت الكريمة / مها منصور

      أشكركِ على عُمق قراءتكِ وتحليلكِ ...
      وتأكيداً على رأيكِ في هذا النقد.. أقول .. إن التحليل النقدي للنص ، كان أجمل من النص !

      ... أقدر لك مرة ثانية جمال قراءتكِ ..

      متمنياً ان أرى رأيكِ ونقدكِ دوماً ...

      تحياتي لك ...
      التعديل الأخير تم بواسطة عمر مسلط; الساعة 13-12-2011, 07:15.

      تعليق

      • يحي الحسن الطاهر
        أديب وكاتب
        • 20-03-2011
        • 111

        #4
        ماهذه الروعة يا صديقي؟ صدقني: مازلت أتسمع خلسا وقع حبات المطر على رمال ذاكرة فتاتك الفاتنة ..يالك من مبدع!!

        sigpic

        سارة..توتا..نونا ...حوتة ..والله وبس!!!
        yahia.change@gmail.com
        http://truthsekkers.blogspot.com/201...g-post.html#!/
        https://groups.google.com/forum/#!forum/yahiahassan

        تعليق

        • عمر مسلط
          أديب وكاتب
          • 30-11-2011
          • 44

          #5
          أستاذي الكريم / يحي الحسن الطاهر

          ما أجمل قراءتك المتأنية .. واستشعارك لتفاصيل النص .. وما بين السطور ..

          ولا أجامل إذا قلت .. إن الإبداع لا يأتي إلا من خلال نقدكم .. وتوجيهكم ...

          كم أسعدني مروركم وإبداء رأيكم ...

          أتمنى لك الخير ...
          التعديل الأخير تم بواسطة عمر مسلط; الساعة 15-12-2011, 06:37.

          تعليق

          يعمل...
          X