في رِحابِ الجنةِ الضائعة
كم كنتُ أتشوق للقائها، أحمل في قلبي لَهَفاً شديدا، وعشقاً متناهيا، وشوقاً ليس له حدود، إلى ذلك الفردوس الذي فقدناه، والمجد الذي أضعناه.إلى الجنة الضائعة.
لم أكن أتوقع أن يثير ذلك اللقاء ما أثاره في نفسي من شجون.
لم أتمالك نفسي من البكاء، فإن تلك الصروح الشامخة بقدر ما أنها شاهدة على رفعة مجدنا، وسموِّ حضارتنا، إلا أنها في الوقت نفسه صورة من صور الخيبة، ومشهد من مشاهد الضياع.
وهي على عظمتها تُجَسِّدُ هول الفجيعة، وفداحة المصيبة، وروعة المأساة.
دَعَتني والحَياءُ يَفيضُ هَمساً
ويَشمَخُ فوقَ وَجنَتِها الوَقارُ
فَيَعكسُ وَجهُها الوَرديُّ شَوقاً
ويُزهرُ ملئ مَبسِمها النُّوارُ
تُشيرُ بِمعصَمٍ بَضٍّ وتوحي
بإيماءٍ يواريهِ الخِمار
فَترمُقُ حَولها بِخَفيِّ طَرفٍ
وتوحي لا تَرَدَّدُ أو تَحارُ
يَزيدُ شُموخَها حُسْنٌ رَتيبٌ
ويَطفحُ من مُحيّاها الفَخَارُ
وتَهمسُ هلْ توافيني أجبني
فإنّي قد تَناءَتني الدِّيارُ
تعالَ فقد سَئمتُ الدهرَ وحدي
وهاجَ بِمُهجتي شَوقٌ ونارٌ
تعالَ، فقد تَشكَّتْ لي ضُلوعي
وكمْ في البُعدِ أضناني اصطبارُ
وكمْ جاشَ الهَوى فأثارَ وَجْدي
وأشجاني الخُزامى والعَرارُ
تعالَ تَردُّ لي أشتاتَ روحي
ويوري في حَنايايَ الأوارُ
لقد ضاقَ الفضاءُ بِحَملِ مَجدي
كما ضاقتْ بلؤلئها المَحارُ
تُشيرُ بعزّةٍ لِزَمانِ فَخرٍ
بهِ شَمخَتْ وكانَ لها القَرارُ
* *** *
أتَيتُكِ نابضاً بالشَّوقِ قلبي
وتَزهو فيهِ أحلامٌ كبارُ
أتيتُ أهزُّ أعطافَ المعالي
فيُقشَعُ عن مَعارجِها الغُبارُ
أسائلُ عنْ رُموزٍ خالداتٍ
تَسامَوا في الفَخارِ، فأين صاروا
لِهَيبتهم يَغُضُّ الدَّهرُ طَرْفا
ويَخفضُ هامَهُ لهمُ الوَقارُ
أتيتُكِ سائِحاً وجَليّ قَصدي
بأن يَلقى الحِمى قَلبٌ يغارُ
أسائلُ كيفَ سارَ الأمرُ بعدي
أَ طابتْ في مَرابِعِها الثِّمارُ
أما زالتْ رُبا الزَّهراءِ تَزهو
وهلْ في رَوضِها المَغصوبِ غارُ
وهلْ في النَّاصريَّةِ من جُدودي
بَقايا تَزدهي بهِمُ الدِّيارُ
* *** *
بَكَتْ واخضلَّتْ الوَجناتُ منها
فقد طالَ النَّوى ونأى المزارُ
ومن بينِ الدُّموعِ دَوى صَريخٌ
تَفلَّتَ ليسَ يَضبِطُهُ الوَقارُ
لقد أمضَيتُ أعواماً طِوالاً
ويَحدوني على الصَّبرِ انتظارُ
أُجَالِدُ غاصبي يَوماً فيَوماً
وأجهدُ لا يُدانيني الخُوارُ
يُمزِّقُ أضلعي تَدنيسُ عِرضٍ
وفي الأحشاءِ تَدليسٌ وعارُ
فلا يُرعى لأبنائي ذِمارٌ
ولا تُحمى مَساجدُ أو ديارُ
وبي أملٌ يَهيجُ بكلِّ يومٍ
فيَخْطَفُهُ مِنَ الليلِ النهارُ
سَترجعُ غُدوةً، لا بلْ عَشياً
وأحلامي الخِصابُ بها اخضرارُ
وأصحو والرُّؤى أضحتْ سَراباً
وآمالي يُبدِّدُها الدَّمارُ
وأرجِعُ للتَّعلُّلِ والتَّمني
غَداً لا شَكَّ يَنْزاحُ الستارُ
غداً سَيعودُ صَقرٌ من قُريشٍ
ببـَيْرَقِهِ و يَلتهبُ الغِمارُ
غداً ستُرَدُّ لي أشتاتُ روحي
ويُمسحُ عنْ مَفارقيَ الغُبارُ
وتَعظمُ خَيبتي ويطولُ أسري
كأنَّ قريشَ ماتَ بها النِّـزارُ
ويُطبقُ بعدَ طولِ الحُلمِ يَأسٌ
ويُفضي بي إلى الذُّلِّ المَسارُ
فأسلمتُ المعاقلَ والنَّوادي
وقد عَمَّ الخَنا وفشا الجِرارُ
ومَسجديَ العظيمُ غدا كَنيساً
وتَعلوهُ نواقيسٌ كبارُ
وفي أرجائِهِ قامَتْ رُموسٌ
لأهلِ البَغي كَلَّلَها الفَخارُ
* *** *
روَيدكِ فارحَمي عَجزي وضَعفي
فإن الجُرحَ غارَ به المَغارُ
وقد نَكأتهُ أدمعُكِ الحَيارى
وفي أحشائيَ استَعَرَ الأوارُ
أليسَ أتوكِ من عَهدٍ قريبٍ
وفي مَدريدَ قد عُقِدَ الحِوار
أَليسوا حَقّقوا فيكِ انتصاراً
وعَمَّ السّلمُ، وانسَدَلَ السِّتارُ
ألم تَخْفِقْ لهم راياتُ نَصرٍ
وفي الحَمراءِ أينعتْ الثمارُ
* *** *
أَتَسخرُ بعدَ طولِ العَهدِ مِنِّي
وتَهزأ بي، وأنتَ أخٌ وجارُ
وأنتَ. أَ أنتَ، وَيحي ثمَّ وَيحي
أيَشْغَلُكم عن الجُلاّ الهِزارُ
تُشتِّتُ شَملَكُم أطماعُ نَفسٍ
وشيمتُها التَّنازعُ والشِّجارُ
وغايتُكم مَناصبُ واهياتٍ
فلا أمرٌ يُعَدُّ ولا قَرارُ
ألمْ تغضبْ وقدْ ألفَيتَ طُهري
يُدنَّسُ، أم أحاقَ بكَ البَوارُ
ألستَ تَثورُ من تَدنيسِ عِرضٍ
ولا يَعروكَ خِزيٌ أو صَغارُ
وهلْ أدْمَنْتَ وَقْعَ الذلِّ حتى
كأنكَ لا تُحسُّ ولا تَغارُ
أمْ أنكَ قدْ وَهَنْتَ فلا حِراكٌ
وليس لَديكَ رأيٌ أو خيارُ
* *** *
وَجَمتُ وقد فُجِعتُ أسىً وذلاًّ
وبي عَجَزَ التَّجلُّدُ والوَقارُ
فلا أقوى وقد أسحَحْتُ دَمعاً
كأنَّ المقلَتين بها عُوارُ
ولم أملِكْ سوى تَنكيسِ رأسي
وألوي راجعاً وبي انكسارُ
وحِرتُ ولم أجدْ عندي جَواباً
وقد يَعيى الحَليمُ وقد يَحارُ
وعُدتُ وأرجلي تَصطَكُّ وَهْناً
وفي الأَحشاءِ يَستَعِرُ الأوارُ
إلى ما الوَهنُ يا قَومي وحتَّى
مَتى سَيظلُّ يَعرونا الخُوارُ
أليسَ لنا مَفاخرُ زاهياتٍ
وتَعرفُنا المَواطنُ والقِفارُ
وأجدادٌ مَفاخرُهم تَسامَى
على قُلل الفَخار لها انتشارُ
فهُبّوا يا بَني قَومي جَميعا
فقدْ سَعِرتْ وهاجَ بها الغُبارُ
غرناطة - كاستيون 3 رمضان / 1421 ه
محمد نادر فرج
كم كنتُ أتشوق للقائها، أحمل في قلبي لَهَفاً شديدا، وعشقاً متناهيا، وشوقاً ليس له حدود، إلى ذلك الفردوس الذي فقدناه، والمجد الذي أضعناه.إلى الجنة الضائعة.
لم أكن أتوقع أن يثير ذلك اللقاء ما أثاره في نفسي من شجون.
لم أتمالك نفسي من البكاء، فإن تلك الصروح الشامخة بقدر ما أنها شاهدة على رفعة مجدنا، وسموِّ حضارتنا، إلا أنها في الوقت نفسه صورة من صور الخيبة، ومشهد من مشاهد الضياع.
وهي على عظمتها تُجَسِّدُ هول الفجيعة، وفداحة المصيبة، وروعة المأساة.
دَعَتني والحَياءُ يَفيضُ هَمساً
ويَشمَخُ فوقَ وَجنَتِها الوَقارُ
فَيَعكسُ وَجهُها الوَرديُّ شَوقاً
ويُزهرُ ملئ مَبسِمها النُّوارُ
تُشيرُ بِمعصَمٍ بَضٍّ وتوحي
بإيماءٍ يواريهِ الخِمار
فَترمُقُ حَولها بِخَفيِّ طَرفٍ
وتوحي لا تَرَدَّدُ أو تَحارُ
يَزيدُ شُموخَها حُسْنٌ رَتيبٌ
ويَطفحُ من مُحيّاها الفَخَارُ
وتَهمسُ هلْ توافيني أجبني
فإنّي قد تَناءَتني الدِّيارُ
تعالَ فقد سَئمتُ الدهرَ وحدي
وهاجَ بِمُهجتي شَوقٌ ونارٌ
تعالَ، فقد تَشكَّتْ لي ضُلوعي
وكمْ في البُعدِ أضناني اصطبارُ
وكمْ جاشَ الهَوى فأثارَ وَجْدي
وأشجاني الخُزامى والعَرارُ
تعالَ تَردُّ لي أشتاتَ روحي
ويوري في حَنايايَ الأوارُ
لقد ضاقَ الفضاءُ بِحَملِ مَجدي
كما ضاقتْ بلؤلئها المَحارُ
تُشيرُ بعزّةٍ لِزَمانِ فَخرٍ
بهِ شَمخَتْ وكانَ لها القَرارُ
* *** *
أتَيتُكِ نابضاً بالشَّوقِ قلبي
وتَزهو فيهِ أحلامٌ كبارُ
أتيتُ أهزُّ أعطافَ المعالي
فيُقشَعُ عن مَعارجِها الغُبارُ
أسائلُ عنْ رُموزٍ خالداتٍ
تَسامَوا في الفَخارِ، فأين صاروا
لِهَيبتهم يَغُضُّ الدَّهرُ طَرْفا
ويَخفضُ هامَهُ لهمُ الوَقارُ
أتيتُكِ سائِحاً وجَليّ قَصدي
بأن يَلقى الحِمى قَلبٌ يغارُ
أسائلُ كيفَ سارَ الأمرُ بعدي
أَ طابتْ في مَرابِعِها الثِّمارُ
أما زالتْ رُبا الزَّهراءِ تَزهو
وهلْ في رَوضِها المَغصوبِ غارُ
وهلْ في النَّاصريَّةِ من جُدودي
بَقايا تَزدهي بهِمُ الدِّيارُ
* *** *
بَكَتْ واخضلَّتْ الوَجناتُ منها
فقد طالَ النَّوى ونأى المزارُ
ومن بينِ الدُّموعِ دَوى صَريخٌ
تَفلَّتَ ليسَ يَضبِطُهُ الوَقارُ
لقد أمضَيتُ أعواماً طِوالاً
ويَحدوني على الصَّبرِ انتظارُ
أُجَالِدُ غاصبي يَوماً فيَوماً
وأجهدُ لا يُدانيني الخُوارُ
يُمزِّقُ أضلعي تَدنيسُ عِرضٍ
وفي الأحشاءِ تَدليسٌ وعارُ
فلا يُرعى لأبنائي ذِمارٌ
ولا تُحمى مَساجدُ أو ديارُ
وبي أملٌ يَهيجُ بكلِّ يومٍ
فيَخْطَفُهُ مِنَ الليلِ النهارُ
سَترجعُ غُدوةً، لا بلْ عَشياً
وأحلامي الخِصابُ بها اخضرارُ
وأصحو والرُّؤى أضحتْ سَراباً
وآمالي يُبدِّدُها الدَّمارُ
وأرجِعُ للتَّعلُّلِ والتَّمني
غَداً لا شَكَّ يَنْزاحُ الستارُ
غداً سَيعودُ صَقرٌ من قُريشٍ
ببـَيْرَقِهِ و يَلتهبُ الغِمارُ
غداً ستُرَدُّ لي أشتاتُ روحي
ويُمسحُ عنْ مَفارقيَ الغُبارُ
وتَعظمُ خَيبتي ويطولُ أسري
كأنَّ قريشَ ماتَ بها النِّـزارُ
ويُطبقُ بعدَ طولِ الحُلمِ يَأسٌ
ويُفضي بي إلى الذُّلِّ المَسارُ
فأسلمتُ المعاقلَ والنَّوادي
وقد عَمَّ الخَنا وفشا الجِرارُ
ومَسجديَ العظيمُ غدا كَنيساً
وتَعلوهُ نواقيسٌ كبارُ
وفي أرجائِهِ قامَتْ رُموسٌ
لأهلِ البَغي كَلَّلَها الفَخارُ
* *** *
روَيدكِ فارحَمي عَجزي وضَعفي
فإن الجُرحَ غارَ به المَغارُ
وقد نَكأتهُ أدمعُكِ الحَيارى
وفي أحشائيَ استَعَرَ الأوارُ
أليسَ أتوكِ من عَهدٍ قريبٍ
وفي مَدريدَ قد عُقِدَ الحِوار
أَليسوا حَقّقوا فيكِ انتصاراً
وعَمَّ السّلمُ، وانسَدَلَ السِّتارُ
ألم تَخْفِقْ لهم راياتُ نَصرٍ
وفي الحَمراءِ أينعتْ الثمارُ
* *** *
أَتَسخرُ بعدَ طولِ العَهدِ مِنِّي
وتَهزأ بي، وأنتَ أخٌ وجارُ
وأنتَ. أَ أنتَ، وَيحي ثمَّ وَيحي
أيَشْغَلُكم عن الجُلاّ الهِزارُ
تُشتِّتُ شَملَكُم أطماعُ نَفسٍ
وشيمتُها التَّنازعُ والشِّجارُ
وغايتُكم مَناصبُ واهياتٍ
فلا أمرٌ يُعَدُّ ولا قَرارُ
ألمْ تغضبْ وقدْ ألفَيتَ طُهري
يُدنَّسُ، أم أحاقَ بكَ البَوارُ
ألستَ تَثورُ من تَدنيسِ عِرضٍ
ولا يَعروكَ خِزيٌ أو صَغارُ
وهلْ أدْمَنْتَ وَقْعَ الذلِّ حتى
كأنكَ لا تُحسُّ ولا تَغارُ
أمْ أنكَ قدْ وَهَنْتَ فلا حِراكٌ
وليس لَديكَ رأيٌ أو خيارُ
* *** *
وَجَمتُ وقد فُجِعتُ أسىً وذلاًّ
وبي عَجَزَ التَّجلُّدُ والوَقارُ
فلا أقوى وقد أسحَحْتُ دَمعاً
كأنَّ المقلَتين بها عُوارُ
ولم أملِكْ سوى تَنكيسِ رأسي
وألوي راجعاً وبي انكسارُ
وحِرتُ ولم أجدْ عندي جَواباً
وقد يَعيى الحَليمُ وقد يَحارُ
وعُدتُ وأرجلي تَصطَكُّ وَهْناً
وفي الأَحشاءِ يَستَعِرُ الأوارُ
إلى ما الوَهنُ يا قَومي وحتَّى
مَتى سَيظلُّ يَعرونا الخُوارُ
أليسَ لنا مَفاخرُ زاهياتٍ
وتَعرفُنا المَواطنُ والقِفارُ
وأجدادٌ مَفاخرُهم تَسامَى
على قُلل الفَخار لها انتشارُ
فهُبّوا يا بَني قَومي جَميعا
فقدْ سَعِرتْ وهاجَ بها الغُبارُ
غرناطة - كاستيون 3 رمضان / 1421 ه
محمد نادر فرج
تعليق