بـيـن الـجـلـيـد والــدّم
تشهق.. تزفر طويــــلا.... ثمّ تجيبني كجبل صامد لا يهتزّ، أنّها بصمة من بصمات أبي في الصّغر.. وسبب ارتباطها بهذا المتهوّر، حتى يدفع ثمن ما اقترفته شقاوته هناك على حافة التلّ.
وكم انفجرتُ بضحكات عالية عندما تهمس في أذني بصوتها الرّقيق وعيناها تقطران حبا:
- لهذا السّبب أنا أكره أباك..!
ظلّت أمي تكذب عليّ كأنّ ما لكلّ سؤال أطرحه جواب.. لم تتجرأ يوما على دق باب الصّراحة وكشف صورة تلك الذّبذبات السّريعة التي تصيب خفقان قلبها حين تراه...
أما اليوم.. ليس لها ما تخفيه عني.. فأنا أدرك جــــيّـــدا.. لماذا بقيا هذان القلبان وفيين لبعضهما أربعين سنة؟! وكم كانت أمي تخجل من البوح لي بمشاعرها وبما يكتنزه قلبها من حب وهيام؟ فلا يعقل ألا تعشق رجلا أنجبت منه سبعة من الأبناء، أو تحيد نفسها عن سهام من عرف كيف ينال منها، وعلّمها كيف تغيّر اتجاه الهواء..؟!
ولأنّني أصبحت أفرّقُ بين الكذبة والإمضاء.. ارتحلُ بمخيلتي كلّما رأيتُ أمي وغرزة ابن عمها: السيّد أبي.. صاحب البشرة السّمراء.
في الثّلج بياض وأمي أنصع بياضا منه.. استفزته بجمالها المتدفّق تدفق البرد.. فاغراها بكرة ثلج محشوة بصخرة حادة طرّزت أسفل جبهتها..
وأظنّه اعتمد ذلك ليصيب قلبها الذّي لم يتدفق إلاّ بتدفّق قطرات من دمائها على مرآة الثّلج، أو ليعبّر عن نزيف أصاب عمقا ابتلع من البرد ما يكفي.. وجفف رغبته بضربة تركت أثرها وأثمرت ثمارها.
وأتخيلُ يومها..أن أبي لم تزعزعه كمية الدّموع الحارة التي ذُرفت، وأطلقت حرارتها فوق زجاج الجو البارد.. فأخيرا وضع حدا لمعاناته واستسلمت أمي لراميها.
وأسمعت ضربة أبي حفلة عالم البياض ميلاد قصة أضاءت شعاب الشّتاء.. فما أروع ما يولد بين الجليد والدّم.. بين الأحمر والأبيض!
25 فيفري 2008
تعليق