في أفياء مثل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الطيب سيد أحمد الشنهوري
    أديب وكاتب
    • 08-07-2011
    • 78

    في أفياء مثل


    في أفياء مثل
    ........................................


    1- خلّ سبيل من وَهى سِقاؤه

    التخلية عدم التعرض، ووهى السقاء يهي وهيا: تمزق. و السقاء: القِربة ( وعاء يحفظ الماء ).
    ويضرب هذا المثل في الرجل لا يستقيم في أمره، وأنه لا ينبغي أن يعانى. و قيل إنه يضرب في إفشاء السر، بمعنى إذا باح صاحبك بسرك و نضح به كما ينضح السقاء الواهي بالماء، فدعه عنك ولا تؤاخه ولا تصاحبه، فلا خير فيه.

    2-أحلم من فرَخ الطائر الحِلم

    يضرب لصاحب الأناة و العقل... و نسب الحلم إلى فرخ الطائر لأنه يخرج من البيضة على قمة الجبل، ثم لا يتحرك حتى يتم نبات ريشه، و لو تحرك سقط. و يقال أيضا: أحزم من عقاب، ومن فرخ العقاب، و هو المقصود هنا.

    3-أخف من لا على اللسان

    الخفة ضد الثقل، ولا: حرف النفي المعروف، وهي خفيفة على اللسان. فيضرب المثل بذلك في الخفة، وهو يحتمل أن تكون الخفة من جهة اللفظ لقلته وهو ظاهر، أو من جهة المعنى لملاءمة الإنكار للطبع غالبا، وخفة التبري والتنصل على النفس في أكثر الأمور، أو منهما معا.

    4-اختلط الحابل بالنابل

    الحابل الذي يصيد بالحبالة، والنابل الذي يصيد بالنبل، فيُضرب ذلك في اختلاط الرأي.
    ويقال الحابل هنا هو السدى و النابل الطعمة. وهذا مثل قولهم: حوّل حابله على نابله.
    أو أن الحابل من يجر الدابة بحبلها
    والنابل من يرمي النبال في القتال

    5- جاءوا على بكرة أبيهم

    البكرة (بالفتح ثم السكون): الفتية من الإبل،
    و الفتى منها بَكْر. وكان يقال البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس، و البكرة بمنزلة الفتاة،
    و القَلوص بمنزلة الجارية الشابة، و البعير بمنزلة الإنسان، والجمل بمنزلة الرجل، والناقة بمنزلة المرأة. والبكرة بالفتح هي بكرة الدلو التي يُستقى عليها.
    واختلف في معنى هذا المثل فقيل: معنى جاءوا على بكرة أبيهم: جاءوا مجتمعين، لم يتخلف منهم أحد... وفي الحديث جاءت هوازن على بكرة أبيها. و قيل هو وصف بالقلة والذلة، أي جاءوا بحيث تكفيهم بكرة واحدة يركبون عليها، وذكر الأب احتقار.
    وقيل إن أصل هذا المثل أن قوما قتلوا فحملوا على بكرة أبيهم، فقيل فيهم ذلك، ثم صار مثلا للقوم يجيئون معا. وقيل إن البكرة هاهنا هي بكرة الدلو، والمعنى جاءوا بعضهم في إثر بعض، كدوران البكرة على نسق واحد. وقيل: أريد بالبكرة الطريقة، أي: جاءوا على طريقة أبيهم يقتفون أثره .

    6-رَجَعَ بِخُفَّي حُنَيْنِ

    يضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة
    قال أبو عبيد: أصله أن حنيناً هذا كان إسكافيا من أهل الحيرة، فساومه أعرابي بخفين فاختلفا حتى أغضبه فأراد غيظ الأعرابي، فلما ارتحل الأعرابي أخذ حنين أحد خفيه وطرحه في الطريق، ثم ألقى الآخرة في موضع آخر، فلما مر الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا الخف بخف حنين. ولو كان معه الآخر لأخذته ، ومضى.
    فلما انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول وقد كمن له حنين فلما مضى الأعرابي في طل بالأول، عمد حنين إلى راحلته وما عليها فذهب بها، وأقبل الأعرابي وليس معه إلا الخفان فقال له قومه: "ماذا جئت به من سفرك؟" فقال: "جئتكم بخفي حنين" , فذهبت مثلاً.
    وقال ابن السكيت: و حنين هذا كان رجلاً شديداً ادعى إلى أسد بن هاشم بن عبد مناف، فأتى عبد المطلب وعليه خفان أحمران فقال: يا عم، أنا ابن أسد بن هاشم فقال عبد المطلب: لا وثياب ابن هاشم ما أعرف شمائل هاشم فيك فارجع، فرجع. فقالوا: رجع حنين بخفيه. فصار مثلاً.

    7- رب رمية من غير رام

    الرمية فعلة من الرمي، و يقال: رمى السهم عن القوس و على القوس أيضا، و لا يقال: رميت بالقوس. و معنى المثل أن الغرض قد يصيبه من ليس من أهل الرماية. فيضرب عندما يتفق الشيء لمن ليس من شأنه أن يصدر منه...
    و يذكر أن المثل لحكيم بن عبد يغوث المنقري، و كان من أرمى الناس. فحلف يوما ليعقرن الصيد حتما.
    فخرج بقوسه فرمى فلم يعقر شيئا فبات ليلته بأسوأ حال، و فعل في اليوم الثاني كذلك فلم يعقر شيئا، فلما أصبح قال لقومه: ما أنتم صانعون؟ فإني قاتل اليوم نفسي إن لم أعقر مهاة. فقال له ابنه: يا أبت احملني معك أرفدك بها فانطلقا،
    فإذا هما بمهاة، فرماها فأخطأها. ثم تعرضت له أخرى فقال له ابنه: يا أبت ناولني القوس. فغضب حكيم و همّ أن يعلوه بها. فقال له ابنه: أحمد بحمدك، وتحمد بحمدي ,فإن سهمي سهمك. فناوله القوس فرماها الابن فلم يخطئ. فقال عند ذلك حكيم: رب رمية من غير رام.



    حتى وإن ضاعت خطانا .. وافترقنا
    سنظل نذكر أننا ... في الحب يومًا .. قد غرقنا
    وأن الله ما شاء اقترابًا ... فابتعـــدنا
  • الطيب سيد أحمد الشنهوري
    أديب وكاتب
    • 08-07-2011
    • 78

    #2
    8 - أَعْطِ الْقَوْسَ بَارِيَها

    القَوْسُ : آلـةٌ على هَيْئَةِ هِلالٍ تُرمى بها السِّهام ، يصحّ أن تذكّرَ وتُؤنّثَ ،
    وتجمعُ على : أقْواسٍ وقِسِيٍّ.

    بَرَى العودَ أو الحجر ونحوهما بَرْياً : نَحَتَه ، فهو بَارٍ.
    وفي هذَا المثلِ يروى أنّ الشاعرَ الحطيئةَ دخلَ في يومٍ على سعيدِ بن العاصِ في قصرِه في وليمةِ عشاءٍ مرتدياً ثياباً رثةَ وباليةَ الهيئة.
    فلمّا فرغَ الناسُ من طعامِهم وخرجُوا ، جلسَ الحطيئةُ مكانَه فأتَاه الحاجبُ ليخرجَه ، فامتنعَ وقال:
    أترغبُ بهم عن مجَالستِي ؟ إنّي بنفسي عنْهم لأرغَبْ !
    فلمّا سمعَ سعيدُ ذلكَ منه وهوَ لا يعرفُه ، قالَ لحاجبِه: دعه
    ثمّ أخذُوا في الحديثِ والسمرِ يتذاكرونَ الشعرَ والشعراءَ ، فقالَ لهمُ الحطيئةُ:
    أصبْتم جيّدَ الشعرِ ، ولو أعْطيتُمُ القوسَ بارِيها لوقعتُم على مَا تُريدونَ !
    فانتبهَ له سعيدٌ فقالَ: من أنْت ؟
    فانْتسبَ له الحطيئةُ ، فقالَ سعيدُ : حياكَ اللهُ يا أبا مليكة ؛ ألا أعْلمْتَنا بمكانِك ولم تحمِلْنَا على الجهلِ بكِ فنُضيعَ حقّكَ ونبْخَسَكَ قِسْطكَ ؟! ،
    وأدْناهُ وقرّبَ مجْلسَهُ واستَنْشَدَهُ ووصلَهُ وحبَاهُ.

    يقولُ الشاعرُ متَمَثّلاً بهذَا المثلِ:
    يا باريَ القوسِ برْياً ليسَ يحسنُه : لا تظلمِ القوسَ أعْطِ القوسَ بارِيهَا !
    ويُضربُ هذَا المثلُ للاستِعَانَةِ على العَمَل بِأَهْلِ الـمَعْرِفَةِ والحِذْق .



    9 - رُبَّ أَكْلَةٍ تَمْنَعُ أَكْلاَتٍ!

    أول من قال ذلك عامر ابن الظَّرِبِ العَدْوَاني،
    وكان من حديثه أنه كان يدفع بالناس في الحج، فرآه ملك من ملوك غَسَّان، فقال: لا أترك هذا العَدْوَاني أو أُذِلَّهُ
    فلما رجع الملك إلى منزله أرسل إليه : أُحِبّ أن تزورني فأحْبُوَكَ وأكرمك وأتخذك خِلاًّ، فأتاه قومه فقالوا: تَفِدُ ويَفِدُ معك قومُك إليه، فيصيبون في جَنْبك ويَتَجَيَّهُونَ بجاهك، فخرج وأخرج معه نَفَراً من قومه.
    فلما قدم بلادَ الملك أكرمه وأكرم قومه، ثم انكشف له رأيُ الملك فجَمَع أصحابه وقال: الرأيُ نائم والهوى يَقْظَان، ومن أجل ذلك يغلبُ الهوى الرأيَ، عَجِلْتُ حين عجلتم، ولن أعود بعدها، إنا قد تَوَرَّدْنَا بلاد هذا الملك، فلا تسبقوني برَيْثِ أمرٍ أقيم عليه ولا بعَجَلَةِ رأي أخفّ معه، فإن رأيي لكم
    فقال قومه له: قد أكرمَنَا كما ترى، وبعد هذا ما هو خير منه، قال: لا تَعْجَلوا فإن لكل عام طعاما، ورب أَكْلَةٍ تمنَعُ أكلات!
    فمكثوا أياماً، ثم أرسل إليه الملك فتحدَّثَ عنده ثم قال له الملك: قد رأيتُ أن أجعلك الناظِرَ في أموري، فقال له: إنَّ لي كَنْزَ علمٍ لستُ أعلم إلا به، تركتُه في الحي مدفوناً، وإن قومي أَضِنَّاء بي، فاكتب لي سِجِلاًّ بجباية الطريق، فيرى قومي طَمَعاً تطيبُ به أنفسُهم فأستخرج كنزي وأرجع إليك وافراً، فكتب له بما سأل، وجاء إلى أصحابه فقال: ارْتَحِلُوا، حتى إذا أدبروا قالوا: لم يُرَ كاليوم وافدُ قومٍ أقل ولا أبعد من نَوَالٍ منك، فقال: مهلا، قليس على الرزق فَوْت، وغَنِمَ من نجا من الموت، ومَنْ لا يُر باطنا يَعِش واهنا، فلما قدم على قومه أقام فلم يَعُدْ.
    يضربُ هذَا المثل في ذمّ الحرصِ على الطعام!




    10 - كيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهَذَا أَثَرُ فَأَسِكَ !؟

    أصلُ هذا المثل ما حَكَتْه العرب على لسان الحية أن أخوين كانا في إبل لهما فأجْدَبَتْ بلادهما، وكان بالقرب منهما وادٍ خَصيبٌ وفيه حية تَحْمِيه من كل أحد، فَقَال أحدهما للآخر: يا فلان، لو أني أتيتُ هذا الوادي المُكْلِئ فرَعَيْتُ فيه إبلي وأصلحتها فَقَال له أخوه: إني أخاف عليك الحية، ألا ترى أن أحداً لا يهبط ذلك الوادى إلا أهلكته، قَال: فوالله لأفعَلَنَّ، فهبط الوادى ورعى به إبله زماناً، ثم إن الحية نَهَشَتْه فقتلته.
    فَقَال أخوه: والله ما في الحياة بعد أخي خير، فلأطلبَنَّ الحية ولأقتلنها أو لأتبعنَّ أخي، فهبط ذلك الوادى وطلب الحية ليقتلها، فَقَالت الحية له: ألست تَرَى أنِّى قتلت أخاك؟ فهل لك في الصلح فأدعَكَ بهذا الوادي تكون فيه وأعْطِيك كل يوم ديناراً ما بقيت ؟ قال : أو فاعلة أنت؟ قَالت: نعم، قَال: إني أفعل، فحلف لها وأعطاها المواثيقَ لا يضرها، وجعلت تُعْطِيه كلَّ يوم ديناراً، فكثر مالُه حتى صار من أحسن الناس حالا.
    ثم إنه تَذَكَّر أخاه فَقَال: كيف ينفعني العيشُ وأنا أنظر إلى قاتل أخي؟ فعَمِدَ إلى فأسٍ فأخذها ثم قَعَدَ لها فمرَّت به فتبعها فضربها فأخطأها ودخلت الجُحْرَ، ووقعت الفأس بالجبل فوقَ جُحْرها فأثرت فيه، فلما رأت ما فَعَلَ قطعت عنه الدينار، فخاف الرجل شَرَّها وندم، فَقَال لها: هل لك في أن نَتَوَاثقَ ونَعُودَ إلى ما كنا عليه ؟ فَقَالت: كيف أعاودك وهذا أثَرُ فأسِك؟
    قَال نابغة بني ذبيان في هذا المثل:
    وإنِّي لألقَى من ذَوىّ الغَيِّ مِنْهُمُ : وما أصْبَحَتْ تَشْكُو مِنَ الشَّجْوِ سَاهِرَهْ
    كما لَقِيَتْ ذاتُ الصَّفَا مِنْ حَلِفَهَا : وكانَتْ تُرِيهِ المَالَ غِبّاً وَظَاهِرَهْ
    فَلَمَّا رأى أنْ ثَمَّرَ الله مَالَهُ : وَأثَّلَ مَوْجُوداً وَسَدَّ مَفَاقِرَهْ
    أكبَّ عَلَى فأسٍ يُحِدُّ غُرَابَهَا : مُذَكَّرَةٍ مِنَ المَعاوِلِ بَاتِرَه
    فَقَامَ لَهَا مَنْ فَوْقَ جُحْرٍ مُشَيَّدٍ : لِيَقْتُلَهَا أوْ يُخْطِئ الكَفُّ بَادِرَهْ
    فَلَمَّا وَقَاهَا الله ضَرْبَةَ فأسِهِ : وَلِلشَّرِّ عَيْنٌ لا تُغَمِّضُ نَاظِرَهْ
    فَقَال: تَعَالَي نَجْعَلِ الله بَيْنَنَا : عَلَى مَا لَنَا أوْ تُنْجِزِي ليَ آخِرَهُ
    فَقَالت: يَمِينُ الله أفعَلُ؛ إننِي : رَأَيْتُكَ مَشْؤوماً يمينُكَ فَاجِرَهْ
    أبَى لي قبر لا يزال مُقَابِلِي : وَضَرْبَةُ فأسٍ فَوْقَ رَأسِيَ فَاقِرَهْ
    وهذا من مشاهير أمثال العرب، يضرب لمن لا يَفِي بالعهد
    ويضرب لمن يخون ثم يطلب الصفح .



    11 - سَبَقَ السيفُ العَذَلَ!
    توفي النعمانُ بن ثَوَاب بعد أن أوصى بينه ، وكان فيما أوصى به ابنه سعيد قوله:
    يَا بُنيّ، لا يَبْخلُ الجوادُ , فابذلِ الطارفَ والتِّلاد , وأقْلِل التّلاحِ تُذكرْ عندَ السّمَاح , وابْلُ إخوانَكَ فإنّ وفيّهُم قليلٌ , واصْنعِ المعروفَ عندَ مُحتَمَلِه.
    فقال ابنه سعيد :
    لآخذنّ بوصية أبي ولأبلُوَنَّ إخواني وثقاتي في نفسي!
    فعمدَ إلى كبشٍ فذبحَه ثمّ وضعَه في ناحيةِ خِبائِه، وغَشَّاه ثوبًا، ثمّ دعَا بعضَ ثقاتِه فقالَ:
    يا فلان، إنّ أخاكَ مَنْ وفَى لكَ بعهدِه، وحاطّك بِرِفدِه، ونصرَكَ بودِّه، قال: صدقْتَ، فهل حدثَ أمْرٌ؟ قالَ: نعمْ ، إنّي قتلتُ فلانًا، وهوَ الذي تراهُ في ناحيةِ الخِباءِ، ولابدّ منَ التعاونِ عليهِ حتّى يُوَارَى، فمَا عندَك؟
    قال: يالَهَا سَوْأةً وقعتَ فيهَا!
    قالَ: فإنّي أريدُ أنْ تعيننَي عليهِ حتَى أغَيّبَهُ
    قالَ: لستُ لكَ في هذَا بصاحبٍ !، فتركَهُ وخرَجَ
    فبعثَ إلى آخرٍ من ثقاتِه فأخبرَه بذلكَ وسألَه مَعُونَتَه، فردّ عليه مثلَ ذلك ، حتّى بعثَ إلى عَدَدٍ منهم، كلّهم يردُّ عليه مثلَ جوابِ الأوّل
    ثمّ بعثَ إلى رجلٍ من إخوانِه يُقالُ لهُ خُزَيمُ بن نَوْفل، فلمّا أتاهُ قالَ له:
    يا خُزَيمُ مالي عندَك؟
    قال: ما يَسرُّك، وما ذاكَ؟
    قال: إنّي قتلتُ فلاناً وهو الذي تراهُ مُسَجًّى
    قال: أيْسَرُ خَطْبٍ! ، فتريدُ ماذَا ؟
    قالَ: أريدُ أن تُعينَني حتّى أُغيّبَه
    قالَ: هانَ ما فَزِعْتَ فيهِ إلى أخيكَ
    وكانَ غلامٌ لسعيدٍ قائما معهما، فقالَ له خُزيم:
    هلْ اطلعَ على هذَا الأمرِ أحدٌ غيرَ غلامِك هذَا؟
    قالَ: لا
    قالَ: انْظرْ ما تَقول
    قالَ: ما قلتُ إلا حقًا
    فأهْوَى خزيمٌ إلى غلامِه فضربَه بالسيفِ فقتَلَه، وارتاعَ سعيدٌ وفزعَ لقتلِ غُلامِه، فقالَ:
    ويحَكَ! ما صنعْتَ ؟ وجعلَ يلومُه،
    فقالَ خزيمٌ: إن أخَاكَ من آسَاكَ !، فأرسلَها مَثَلا
    قالَ سعيدٌ: فإنّي أردْتُ تجربتَك، ثمّ كشفَ له عنِ الكَبْشِ، وخبّره بما لقِي من إخوانِه وثقاتِه وما ردّوا عليه، فقالَ خزيمٌ:
    سَبَقَ السيفُ العَذَلَ، فذهبتْ مثلا .
    يضرب هذا المثلُ في اللوم يأتي بعد حصول الأمر

    12 - مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ!
    عرقوب: رجلٌ من العَمَاليق، أتاهُ أخٌ له يسأله، فَقَالَ له عرقوب: إذا أطْلَعَتْ هذه النخلة فلك طَلْعُها، فلما أطلعتْ أتاهُ للعِدَةِ، فَقَالَ: دَعْها حتى تصير بَلَحًا، فلما أبْلَحَتْ قَالَ: دَعْها حتى تصيرَ زَهْوًا، فلما زَهَت قَالَ: دَعْها حتى تصير رُطَبًا، فلما أرْطَبَتْ قَالَ: دَعْها حتى تصير تمرًا، فلمّا أتْمَرَتْ عمدَ إليها عرقوبٌ من الليلِ فجدَّها ولم يُعْطِ أخاهُ شيئًا!!، فصارَ مثلاً في إخلافِ الوعدِ
    قالَ كعبُ زهيرُ في قصيدتِه الشهيرةِ التي مدحَ بها النبيّ -صلى الله عليه وسلم:
    كانتْ مواعيدُ عرقوبٍ لهَا مثلا : وما مواعيدُها إلا الأباطيلُ
    وفيه يقول الأشجعي:
    وَعَدْت وَكاَنَ الخُلْفُ مِنْك سَجِيَّةً : مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أخَاهُ بِيَتْربِ
    وقَالَ آخر:
    وأكْذَبُ مِنْ عُرْقُوبِ يَتْرَبَ لَهْجَةً : وأبْيَنُ شُؤماً في الْحَواَئجِ مِنْ زُحَلْ
    يضربُ هذا المثلُ لمنْ لا يلتزمُ بعهدٍ أو وعْدٍ!


    13 - رُبَّ رَمْيَةٍ مِنْ غَيْرِ رَامٍ!

    أي: رُبَّ رميةٍ أصابتْ هدفًا حَصَلتْ من رامٍ مخطئ ! ، لا أن تكون رميةً من غير رامٍ فإنّ هذا لا يكونُ قطّ.
    وأولُ من قالَ هذَا المثلَ الْحَكَمُ بن عَبْدِ يَغُوث المنْقري، وكان أرمى أهلِ زمانه، أقسمَ يمينًا ليذبَحَنَّ على الغَبْغَبِ مَهَاةً (نوعٌ من ظباءِ الصحراءِ تشبهُ الغزالَ لكنّ حجمها أكْبر، وبعيونِها الواسعةِ يُشَبهُ شعراءُ الغزلِ عيونَ المحبُوبَة).
    فحملَ قوسَه وكِنانتًه، فلم يصنعْ يومه ذلك شيئاً، فرجعَ كئيبًا حزينًا، وباتَ ليلته على ذلك!
    ثمّ خرجَ إلى قومِه فقال: ما أنتمْ صانعونَ فإني قاتلُ نفسِي أسفًا إن لمْ أذبحْها اليومَ؟
    فقالَ له الحُصَيْنُ بن عبد يَغُوث (أخوه): يا أخي اذبحْ مكانَها عَشْرًا من الإبلِ ولا تقتلْ نفسَك!
    قال: لا واللهِ لا أظلمُ عاترة، وأترك النافرة !
    فقال ابنُه المُطْعِمُ بن الحكم: يا أبةِ احملْني معك أرْفِدْكَ
    فقالَ له أبوه: وما أحملُ من رعشٍ وَهِلْ، جَبَانٍ فشلْ !
    فضحكَ الغلامُ وقال: إنْ لمْ ترَ أوْدَاجَها تخالطُ أمشاجَها فاجْعلْني وداجهَا!
    فانْطلقَا، فإذا همَا بمَهَاةٍ فرمَاهَا الحكمُ فأخطأَها، ثمّ مرتْ بهِ أُخرَى فرماهَا فأخطأَهَا
    فقالَ الغلامُ : يا أبةِ أعْطِنِي القوسَ، فأعطاهُ فرماهَا فلمْ يخطئْهَا
    فقال أبوهُ: رُبَّ رميةٍ من غيرِ رَامٍ!
    يضرب هذا المثل في الرجلِ يصيب أمرًا دونَ جُهدٍ أو دونَ إجَادةٍ


    14 - كلُّ فَتَاةٍ بأبِيْهَا مُعْجَبَةٌ!

    أول من قالت ذلك العَجْفَاءُ بنت عَلْقَمة السعدي ، وذلك أنها وثَلاثَ نسوة من قومها خَرَجْنَ فتَواعدنَ بروضة يتحدثنَ فيها ، فوافَيْنَ بها ليلاً في قمرٍ زاهر ، وليلةٍ طَلْقَةٍ ساكنةٍ ، وروضةٍ مُعْشِبةٍ خَصْبةٍ ،،
    فلما جلسن قلن: ما رأينا كالليلةِ ليلةً ، و لا كهذِهِ الروضةِ روضةً! ، أطيبَ ريحاً ولا أنْضَرَ ، ثم أفَضْنَ في الحديثِ ،،
    فقلن: أيُّ النساءِ أفضل؟ قَالت إحداهن: الخَرُود الوَدُود الوَلُود ، و قَالت الأخرى: خَيْرُهن ذات الغناء وطيب الثناء ، وشدة الحياء ، وقَالت الثالثة: خيرهنّ السَّمُوع الجَمُوع النَّفُوع، غير المنوع ، فقَالت الرابعة: خيرهنّ الجامعةُ لأهلها ، الوادعة الرافعة ، لا الواضعة!
    قلن: فأيّ الرجالِ أفضل؟ قالت إحداهن: خيرهم الحَظِي الرّضِيُّ غيرُ الحظال
    ( الحظال: المقترُ المحاسب لأهله على ما ينفعه عليهم) ولا التبال! ،
    قَالت الثانية: خيرهم السيدُ الكريم ، ذو الحسب العميم ، والمجد القديم ،
    قَالت الثالثة: خيرهم السخِيُّ الوفي الذي لا يُغِيرُ الحرة ، ولا يتخذ الضرة ،
    قَالت الرابعة: وأبيكن إن في أبي لنَعْتَكُنَّ كرم الأخلاق ، والصدقَ عند التلاق ، والفلج عند السباق ، ويحمده أهل الرفاق ،
    فقَالت العَجْفَاء عند ذلك : كلُّ فتاة بأبيها مُعْجَبة!

    وفي بعض الروايات أن إحداهنّ قَالت: إن أبي يُكْرِمُ الجار ، ويعظم النار ، ويَنْحَر العِشَار ، بعد الحوار ، ويحل الأمور الكبار ،
    فَقَالت الثانية: إن أبي عظيم الخَطرِ ، منيع الوَزَر ، عزيز النفر ، يُحْمَدُ منه الوِرْدُ والصَّدَر ،
    فَقَالت الثالثة: إن أبي صدوقَ اللسان ، كثير الأعْوَان ، يرْوي السِّنَان ، عند الطعان ،
    قَالت الرابعة: إن أبي كريم النِّزَال ، منيف المقَال ، كثير النَّوَال ، قليل السؤال ، كريم الفَعَال ،
    ثم تنافَرْنَ إلى كاهنةٍ معهن في الحي فقلن لها: اسمعي ما قلنا ، واحكمي بيننا ، واعدلي ، ثم أَعَدْنَ عليها قولَهن ، فقالت لهن: كل واحدة منكن ماردة ، على الإحسان جاهدة ، لصواحباتها حاسدة ، ولكن اسْمَعنَ قولي: خيرُ النساء المبقيةُ على بعلها ، الصابرة على الضراء ، مخافة أن ترجع إلى أهلها مطلقة ، فهي تؤثر حظ زوجها على حظ نفسها، فتلك الكريمة الكاملة ، وخير الرجال الجَواد البَطَل ، القليل الفشل ، إذا سأله الرجل ألفاه قليل العلل ، كثير النَّفَل، ثم قَالت : كل واحدةٍ منكن بأبيها مُعْجَبة ! فذهب مثلا .

    يضرب هذا المثل في عُجْب الرجلِ برهطِهِ وعشيرتِه .


    15 - جَزَاءَ سِنِمَّارٍ
    أي: جَزَانِي جزاءَ سِنِمَّارٍ
    ويقال : جازاه جزاء سنمار
    وجزاؤه جزاء سنمار
    والسِّنِمَّارُ : القمرُ المضيءُ ، يُقال: قَمَرٌ سِنِمَّارٌ: أي مُضيءٌ.
    وسِنِمَّار : رجلٌ لا ينامُ بالليلِ ، واللِّصُّ يقال له سِنِمَّار
    وسِنِمَّار اسم رجلٍ روميٍّ كان مهندسا فبَنَى قَصْراً للنُّعْمانِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ يقالُ له الخوَرْنَقُ بظَهْرِ الكوفة ، فلما فَرَغَ، ألْقاهُ من أعْلاهُ لئلاَّ يَبْنِيَ لغيرِهِ مِثْلَهُ
    وقيلَ هو غُلامٌ لأُحَيْحَةَ بَنَى له أُطُمَهُ - أي بنى حِصْنًا له - فلما فَرغَ ، قال له أُحَيْحَة‏: لقدْ أحْكَمْتَهُ ، قال: إِنِّي لأَعْرِفُ حَجَراً لو نُزِعَ، لَتَقَوَّضَ من عندِ آخِرِهِ! ، فَسألَه عن الحجَرِ ، فأراهُ مَوْضِعَهُ ، فَدَفَعَه أُحَيْحَةُ من الأُطُمِ -الحصن- فخَرَّ مَيِّتاً.
    ويُضربُ لِمَنْ يجْزِى عن الإِحسانَ بالإِساءَةِ
    قال الشاعر‏:‏
    جَزَتْنَا بنو سَعْد بحُسْن فَعَالِنَا : جَزَاء سِنِمَّارٍ وما كانَ ذَا ذَنْبِ


    16 - عِنْدَ الْصَبَاح يَحْمَدُ الْقُوْمُ الْسُّرَى
    السُّرَى: هو سَيْرُ الليل.
    ومعنَى المثل : أن الذي يسْرِي ليلاً يَحمَد مَسِيرَه إذا أصِبَح،
    بِخلاف الذي ينام ليله ، فإنه يَندم إذا طَلَع النهار
    وأول مَنْ قال ذلك خالدُ بن الوليد لما بَعَثَ إليه أبو بكر -رضي الله عنهما - وهو باليمامة: أن سِرْ إلى العراق، فأرادَ سُلوكَ المَفازة، فقال له رافع الطائي : قد سلكتها في الجاهلية، وهى خِمسٌ للإِبل الواردة، ولا أظنك تقدِرُ عليها إلا أن تحمل من الماء، ثم سَقَاها الماء حتى رَوِيت، ثم كتَبَها وكَعَم أفواها، ثم سلك المَفَازة حتى إذا مضى يومان وخاف العطَشَ على الناس والخيل، وخشي أن يذهب ما في بطون الإبل، نحَرَها واستخرج ما في بطونها من الماء، ومضى، فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع: انْظُرُوا هل تَرَوْنَ سِدْرًا عِظامًا ؟ فإن رأيتموها وإلا فهو الهلاك، فنظر الناسُ فرأوا السِّدْر، فأخبروه، فكبَّر، وكَبَّر الناس، ثم هجموا على الماء، فقال خالد:
    لله دَرُّ رَافِع أَنَّى اهْتَدَى : فَوّزَ من قُرَاقِر إلى سُوَى
    خِمْساً إذا سار بِه الجيشُ بَكَى : ما سَارَهَا من قبله إنْسٌ يُرَى
    عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى : وَتَنْجَلِي عَنهُم غَيَابَاتُ الْكَرَى
    يضرب هذا المثلُ للرجل يحتمل الَشّقةَ رَجَاءَ الراحة.








    حتى وإن ضاعت خطانا .. وافترقنا
    سنظل نذكر أننا ... في الحب يومًا .. قد غرقنا
    وأن الله ما شاء اقترابًا ... فابتعـــدنا

    تعليق

    يعمل...
    X