صُدفةً أجدُ بعض اللحظات الدقيقة ، تكفي لاسترجاع قُصَّة من شريط حياتي الطفولية ..
بعض اللقطات المتكرّرة .. والمشاهد المُعادة تتراءى لي بوضوح الألوان القديمة في هالةٍ من الذّكريات ...
------------------------------------------------------
أذكر بشدّة .. أوّل يوم لامَسَت أناملي القلم "قلم الجير" ..
وجدتُ نفسي أمام صفحةٍ خشبيةٍ خضراء .. معلّقة على الجدار بما لا يناسب طولي ولا رغبتي .. لم تُغرني الصفحة ساعتها .. ولا قلم الجير كان يُشعر أناملي بالإرتياح ..
وجدتُ نفسي أمام صفحةٍ خشبيةٍ خضراء .. معلّقة على الجدار بما لا يناسب طولي ولا رغبتي .. لم تُغرني الصفحة ساعتها .. ولا قلم الجير كان يُشعر أناملي بالإرتياح ..
و لا زِلتُ أذكرُ بفخر أنّ كلّ المدرسين الذين تذوّقت صفعاتهم لم يفلحو في إصلاح ما كان بيني وبين قلم الجير من عداوة .. لم أحبّه يومًا ولم يحتمل هو أناملي الصغيرة ...
كانت ريشة الحبر الأقرب إلى قلبي وراحتي .. منذ التقينا أوّل مرّة على صفحات كراسة القسم المهيبة ..
لم نفترق حتى اللحظة .
كانت ريشة الحبر الأقرب إلى قلبي وراحتي .. منذ التقينا أوّل مرّة على صفحات كراسة القسم المهيبة ..
لم نفترق حتى اللحظة .
تسلقتُ دَرَجتين بأَمْر"مِسْيُو"-رحمه الله- لأرتفع من الأرض إلى المصطبة .. وحاولت جاهدا رفع يديّ إلى المكان المطلوب كأقصى ما تصله يدُ طفل في مثل سنّي ..
وعلى هامشٍ غريب من يسار الخشبة أمرني "مسيو"- رحمه الله - أن أتتبّع نقاطا خافتة رُسمت من قبل ..
أسْتَغرق بِغَير جُهدٍ بعض الثواني لأتمّ المطلوب .. مُتَّفقا على مضض مع سذاجة الموقف !
- ...ما لبث أن أشار "مِسْيُو"- رحمه الله- بِعَصاه على دائرة نَتَجت من اتِّفاقنا قبل قليل وقال :
-"lit" ..
-"lit" ..
(لم أعرف أنّني كتبتُ شيئا يُقرأ ... !)
أُتمتِمُ بما لا يحرّك الشّفاه : "ما أنا بقارئ " ..
- o'fff ..
(تصعد نبرة الأمر هذه المرة ):
josef , c'est quoi ça !
(تصعد نبرة الأمر هذه المرة ):
josef , c'est quoi ça !
- دائرة يا "مسيو"
يرمقتي "مسيو" -رحمه الله -بنظرة يائسة .. النظرة التي تسبق الصّفعة بلحظات ..
يلتفتُ إلى المحظوظين من الجالسين أمامه .. يُطلقُ قهقهةً ساخرة .. ويقول :
" Alor ! regardez-moi ce débile "
On dirait qu'il est venu de "Zaitouna
يسحب يده الخشنة من جيب المئزر .. وفي لحظةٍ ما يستقبل وجهي صفعة قويّة صفّرت لها أذناي الصغيرتان ثمّ صمّت
يقطع بعض الجالسين زفيرهم ، ويقطع البعض الآخر شهيقا ..
دمعةٌ تسبقُ أختها على الخدّ المزرّق .. و دمعةٌ تجّف بداخلِ العينِ الأخرى لا تُريدُ النّزول...وفي صمتِ البراءة والخوف .. يبتلعني الخجل ..
يوجع الألم .. ويوجع الموقف أكثر من كلّ الصفعات التي صفقّت في الوجوه ..
لا أدري كم مضى من الوقت على آخرِ ارتعاشة ليحلّ الدّوار محل الخوف ..
يُميلني رأسي وكأنّه مُلِئ بكلّ أثقال الدّنيا ..
أحاول أن أغلب تمايلي وأعود إلى مقعدي ..
تضيع مني الطريق .. أتيه على البلاط الشطرنجي .. تتراوح قدماي بين مربّع أسود ، وآخر أبيض .. وتتضبّب الألوان وتختلط ... ثم تعود خطوتي إلى أوّل مربّع انطلقت منه ..
أُرسل يدي مستنجدا .. أطلب أقرب شيء يصلح للاتّكاء حتى أحفظ توازن هذا الجسد الصغير ... وأنا أردّد سُحقًا لقلمِ الجِير .. سُحقًا لقلمِ الجير !!
------------------------------------------------
monseur -رحمه الله- هو معلّم الفرنسية في سنوات الدراسة الابتدائية الأولى 85/86.. واسمه "صوفي أحمد" .. ربي يرحمو ..
والحرف الذي كتبت هو حرف "0" بالفرنسية
تعليق