"جدار" محمد مثقال الخضور وأغنيته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الهويمل أبو فهد
    مستشار أدبي
    • 22-07-2011
    • 1475

    "جدار" محمد مثقال الخضور وأغنيته

    أخشى دائما مقاربة النصوص الصعبة؛ خاصة تلك التي كُـتبت بلغة أجنبية لا أجيد حتى أبجدياتها. وقصيدة النثر ليست فقط أصعب ما واجهني من نصوص بل أيضا أصعب لغة أقرأ حروفها لكن نحوها وصرفها وشفراتها ليست جزءا من معرفتي. فهي شعر ونثر لا تخضع لشفرات الشعر ولا لشفرات النثر (وثار حولها جدل عارم، ما زال يعتمل، أضاف صعوبة إلى صعوبتها). فهذا النوع من الفن ملغز/ وصور متتابعة ومتناقضة تستثير حالات نفسية وعاطفية غير متجانسة، تتبدى تدريجيا وتحاول الاكتمال لكنها تبقى غير مكتملة. فثمة نقص جوهري قار يعتريها، وظيفته حث القارئ/الشاعر على سد النقص ليتفاقم النقص ويطلب المزيد من الردم دون جدوى. وقد نصفها بأنها لغة ينبغي فك شفراتها وتقنين نحوها لنصل إلى استيعابها وتذوقها (إن أمكن). قليل زادي من هذا الفن، ومع ذلك سأحاول أن أتسلق جدارا وأن أستمع إلى أغنية، مستمدا بعض الشجاعة من محاولات سبقتني إلى قراءة القصيدة.

    للجدارِ أَيضًا . . أُغنية

    العنوان في البدء ينفصل عن "أغنية"، ويكاد يكون عبارة شاعرية مقروءة مباشرة. لكن الفضاء بين "أغنية" و "للجدار أيضا" هو مسافة علينا (أو على القارئ) أن يقطعها سيرا أو نظرا. وكلما حاولنا أن نفهم لماذا جاء العنوان بهذه الصورة المرئية في انفساحه وتباعد أجزائه عن بعضها، انتابنا شعور بأن العنوان يخفي خلفه أو في المساحة الفاصلة سرا أو لغزا ما. البعض سيرى أيضا التقديم والتأخير، دون أن يعيره كثير اهتمام، بل لو طُرح سؤال: ِلمَ جاء على هذه الشاكلة من تقديم وتأخير لكان الجواب المقبول معبرا عن ضرورة "اللغة الشاعرية" أو شيئ من هذا القبيل. نعم: هذا جواب مقنع، ولا شك أن له من الصواب حظا كبيرا. لكن دعنا نقول: كان الأجدر أن تأتي "أغنية" في البداية لأنها أهم (بل هي الأصل) من الجدار الذي قضى على أهميته حرف الجر والظرف "أيضا"! فلماذا اختار الشاعر هذه البنية لعنوان الأغنية، أو لماذا جاء العنوان على هذه الصيغة؟ لا أجد تبريرا مقنعا لا يرقى إليه شك إلا أن المسافة بين "للجدار أيضا" و"أغنية" هي نفسها فراغ يحول بين الجدار وأغنيته، أي أن المسافة المرئية هي نفسها جدار آخر، وكأن العنوان في بنيته وشفرته (التي تنتظم القصيدة) يقول "وللجدار جدار" يحول بينه وبين ما هو "له" سواء كان "أغنية" أو غير أغنية! بل إن العنوان نفسه بصعوبته وغموضه يصبح جدارا لأغنية هي القصيدة التي تتوارى خلفه وتظهر في الوقت نفسه بعده (ولنا أن نتأمل أيضا في الظرف "بعد" الذي يعني "خلف")!

    ترى لو اتبعنا بنية العنوان التي تبدأ بالجدار وتسلقناه، فما عسانا نرى (أو نسمع) خلفه أو بعده؟ لا شك أننا سنجد الجدار (دون أغنية)، بل سنجده "وحده": "وحده الجدار.."، وخلفه مسافه تميزه عن غيره وتبعده عن معرفته تماما مثلما ابتعدت "أغنيته" عنه في العنوان. فماذا يعرف "الجدار" وقد حال بينه وبين ما يعرف مسافة فاصله، جدار آخر أو هاوية سحيقة؟ في ظاهر الأمر، الجدار "وحده" ولا سواه يعرفنا ولا تخدعه أطوالنا ويذكر أقوالنا "كيف كانت". المعنى واضح وبسيط ومباشر، بل هو نثر مرسل لا شعر فيه ولا شاعرية ولا "أغنية"! هل هذا ممكن؟ العنوان يقول "وللجدار أيضا . . أغنية"! فأين الأغنية؟ واقع الحال أن العنوان لا يفضي إلى شيء غير "جدار" يقف وحده، وبين معرفته لنا (يعرفنا) يقف جدار آخر ابتنته مفردات البيت التالي (لا تخدعه أطوالنا . . وأقوالنا) ليعزل هذه المعرفة عن ذكرى أقوالنا، عن "يذكر كيف كانت . . !" فالمدقق في البيت الوسط يرى بجلاء أنه يعزل الأول عن الثالث. بل حتى مفرداته أكثر حروفا وأطول (الأول والثالث يتكونان من ثلاث كلمات وفراغات، أما الوسط فله إضافة "لا"). إذن الجدار يقف وحده، وليس صحيحا أنه هو وحده من يعرفنا؛ بل هو يقف وحده وكذلك هو أيضا يعرفنا إن كان لابد ممن يعرفنا — وحسب هذه المعرفة أنها معرفة "جدار"، لهذا لا تخدعه أطوالنا لسبب بسيط: وهو أن البيت الأوسط مع "أطوالنا" أصبح جدارا آخر. أما "أقوالنا" فهي جزء من الذاكرة وليست من متعلقات المعرفة التي تعتمد على مادية الطول، بل إنه لا يذكرها تماما وإنما يذكر هيئتها (كيف كانت) ويستبعدها في الزمان وكأنه يضع بينه وبينها مسافة معنوية إضافة إلى مسافات الوقوف (التي تمثلها النقاط).
    وَحدَهُ الجدارُ . . يَعرفنا
    لا تَخدعُهُ أَطوالُنا . . وأَقوالُنا
    يَذكرُ كيفَ كانتْ . . !
    والجدار في صورته هذه أصبح "بيت القصيد" أو جداره (كما تقول العبارة المأثورة)، فلم تعد الـ"أغنية" محل اهتمام أو ذكر. بل إذا عدنا إلى العنوان ندرك أن "أغنية" جاءت غفلا من التعريف، فحري بها أن تختفي خلف ما هي له "أغنية". ولنا أن نتساءل: ترى لماذا اختفت الأغنية وبقي الجدار؟ وكيف تحقق ذلك؟ هل ثمة "سر" مغلق يكمن وراء "الاختفاء" أو وراء الجدار؟ في أبسط الصور، اختفت الأغنية لأن الجدار حاجز مانع محبوب، يحول بينك وبين ما وراءه، لكن بنية السر (أي سر في العالم) تقتضي كشفه، فأثر السر في بنيته يفضي إليه، وإلا لما كان سرا (لا وجود لسر مغلق تماما لا يقبل الفك والتكرار).وهكذا هي حال الجدار يغلق ليكشف، أو يغلق فيكشف في آن، وعلامات كشفه محفورة في سماته، في من يحبه وفي موقعه وحالته وفي من يشبه وفي ما يضم أو يخفي:

    تُحِبُّه السقوفُ . . والأَسرار

    يَنامُ بيننا وبين الكونِ . .
    يُشبهُ أُمي . . !
    فَجانبٌ منهُ لنا ، والآخرُ للصقيع



    هنا محبيه أثنان فقط، لكنهما كثر: "السقوف . . والأسرار"، وموقعه استقر بيننا وبين الكون، وحالته "النوم" (لا عجب) أما ما يشبه فهو يشبه أيضا اثنين مفردين (أمي والوطن)، وكل منهما "جدار" داخل جدار، يمنع ويهب في الوقت نفسه. فما لنا منه مثل ما للصقيع منه، فهو ثابت أبدا يمنع الصقيع (والخطوب) لكنه يمنحنا جانب "أمي" بكل ما تحمله من معاني الدفء والطمأنينة. وهو جانب يمد الجدار إلى المقطوعة التالية. فالآصرة الرابطة بين مقطوعة الجدار وسقوفه وبين مقطوعة الوطن ودموعه، هي آصرة الشبه بين "أمي" و "الوطن" في إن كلاهما يشبه الجدار. وهما معا يشكلان جدارا متصلا تتناوبه "أنفسنا" وعنواننا فيدمع لمناسبة البكاء ويستقر عنوانا ثابتا يدل علينا. نحن إذن جزءا لا يتجزأ من الجدار فنحن من أم ومن وطن انتظمهما الجدار، وأصبح "دليل" وجودنا إن لم يكن هويتنا.

    ولا بد أن يقف المرء أمام "تُدمعه أنفاسُنا"، وسواء كان الأمر يتعلق بـ "نفس" بالتسكين أو التحريك، فإنها لا محالة ستعني حياتنا وموتنا، وهو يدمع، وسبب دمعه "أنفاسنا"! وبما أنه مرة يشبه "أمي" وأخرى دامعا يشبه الوطن، فلابد أنه يدمع لأمر جلل، فيكون عنوان/شاهد (قبر ؟) "فقط"!

    وَيُشبِهُ الوطن . . !

    فَمَرَّةً ، تُدْمِعُهُ أَنفاسُنا
    وَمَرَّةً ، يكونُ عُنوانًا . . فقط !



    هنا تنتهي الصورة الأولى التي تصبح بدورها عنوان أغنية للجدار، أغنية أخفاها وكتم ألحانها جدار. فالقصيدة بعد هذا العنوان ليست سوى رثاء حياة مدبرة تبدأ قبل "بلوغ سن الهزيمة" عندما كان "ثوب الأم" ضرورة للوقوف والجدار ضرورة للمشي. غير أن عبث الوقوف وعبث المشي سرعان ما يتبدى فنتنازل عما هو ضروري لنقبل ما هو حتمي. فالأمر الأكيد أن الحلم والريح "يستجديان الجدار" بلا جدوى! فلا يجتاز أي منهما الجدار ولا أيهما ينتصر على قوى الجدار وامتداده . فهو يتبدى في كل مظاهر الحياة وآفاق الكون، المادي منها والمعنوي. ولهذا

    كُلَّما ضاقَت الأَرضُ . . يَتَّسعُ الجدار

    ليمنّ علينا بما له من أغنية أخفاها حتى النهاية (نهاية "للجدار أيضا . . أغنية")، وحري بنا أن نسمعها بعدما خلت المعاجم من "لحن الصمت":

    كُلَّما ضاقَت الأَرضُ . . يَتَّسعُ الجدار

    يُعيدُ إِلينا ما أَذبْنا عليْهِ مِنْ أَقلامِ الرصاص . .
    وما اختلسْنا خَلفَهُ مِن القُبلات
    يُعيدُ النظراتِ التي تَجاوزتْهُ يومًا . .
    وعادتْ إِليهِ خائِبةً باكية
    يُعيدُ الأَحلامَ التي تسلَّلتْ عَبرَ شُقوقِهِ
    وخانَتْها . . الوعود
    يَقبلُ اعتذارَ المساميرِ
    يَتركُ قُربَ نافذتِهِ رُقعةً لِظهورِنا وَرؤوسِنا
    تكفي . .
    لِمُمارسةِ التأَمُّلِ . . والذهولِ
    وَتَفْريغِ التَعَبْ . . !



    نعم، تلك "رقعة" تكفي لممارسة التأمل والذهول، ولحظة راحة من تعب! هذا هو السر الذي يخفيه الجدار ليكشفه في رقعة "تكفي"، كما أن أغنيته هي أغنية الحياة التي عليها أن تمارس التأمل والذهول عند تفريغ التعب! هكذا هو الجدار يخترق الكون شرقا وغربا، برا وبحرا، روحا ومادة، وبما أنه أغنية فإنما هو أغنية/قداس الموتى!


    ***

    القصيدة

    للجدارِ أَيضًا . . أُغنية



    وَحدَهُ الجدارُ . . يَعرفنا
    لا تَخدعُهُ أَطوالُنا . . وأَقوالُنا
    يَذكرُ كيفَ كانتْ . . !


    تُحِبُّه السقوفُ . . والأَسرار
    يَنامُ بيننا وبين الكونِ . .
    يُشبهُ أُمي . . !
    فَجانبٌ منهُ لنا ، والآخرُ للصقيع


    وَيُشبِهُ الوطن . . !
    فَمَرَّةً ، تُدْمِعُهُ أَنفاسُنا
    وَمَرَّةً ، يكونُ عُنوانًا . . فقط !


    قَبلَ بُلوغِ سِنِّ الهزيمةِ
    كانَ ثوبُ الأُمِّ ضرورةً للوقوفِ
    والجِدارُ ضَرورة للمشي


    بَعدَ انضباطِنا بِقواعِدِ الإِعرابِ ، قُلنا :
    الجِدارُ عائِقٌ للمشي
    لا داعي للوقوف . . !


    الحلمُ اختراقٌ للمحيط
    الريحُ بُطولةٌ تتنازلُ عن أَوسمتها . . للأَشرعة
    الحلمُ والريحُ يَستجديان الجدار !


    الصمتُ . . حقيقةٌ تَسخَرُ مِنَ النفي والإِثبات
    لحنٌ لمْ تَعثرْ عليْهِ المعاجِمُ
    آهةُ الأَرضِ حين تَجْرحُها البذورُ
    وحينَ تَنكَأُ الثمارُ ذاتَ الجروح
    الصمتُ . . جدارٌ مُعتقلٌ بين صخرةٍ وسقف


    الأَبوابُ جدرانٌ متحركة
    الأَسرارُ جدرانُ النفْسِ
    البحارُ جدرانُ البلاد


    يَقُولُ - في عِتابِهِ - الجدارُ :
    المساميرُ تُوجِعُني !
    المرايا تَكاثُرٌ غيرُ شرعيٍّ للأَشياء
    اللوحاتُ كائناتٌ طُفيليَّةٌ كسيحة
    النوافذُ طَعناتٌ من الخلف
    الستائرُ وَهْمٌ يُثيرُ سُخريةَ الشمسِ وَفُضولَ العابرين
    الأَنوارُ تُشاغِبُ التعاقُبَ
    أَسلاكُها تَنخَرُ هَيكلي العظميَّ


    كُلَّما ضاقَت الأَرضُ . . يَتَّسعُ الجدار
    يُعيدُ إِلينا ما أَذبْنا عليْهِ مِنْ أَقلامِ الرصاص . .
    وما اختلسْنا خَلفَهُ مِن القُبلات
    يُعيدُ النظراتِ التي تَجاوزتْهُ يومًا . .
    وعادتْ إِليهِ خائِبةً باكية
    يُعيدُ الأَحلامَ التي تسلَّلتْ عَبرَ شُقوقِهِ
    وخانَتْها . . الوعود
    يَقبلُ اعتذارَ المساميرِ
    يَتركُ قُربَ نافذتِهِ رُقعةً لِظهورِنا وَرؤوسِنا
    تكفي . .
    لِمُمارسةِ التأَمُّلِ . . والذهولِ
    وَتَفْريغِ التَعَبْ . . !



    للجدارِ أَيضًا . . أُغنية !

    التعديل الأخير تم بواسطة الهويمل أبو فهد; الساعة 16-12-2011, 17:23.
  • محمد مثقال الخضور
    مشرف
    مستشار قصيدة النثر
    • 24-08-2010
    • 5517

    #2
    أستاذي الفاضل
    الهويمل أبو فهد

    وددت أن أعرب لكم عن بالغ شكري وتقديري
    لهذه القراءة العميقة والمفيدة

    لقد شرفت النص إذ وضعته في هذا القسم الجميل
    قسم النقد - الذي أفرح كثيرا حين أرى نصا لي بضيافته

    أتمنى أن نحظى بتعليقات ونقد أساتذتنا هنا للنص ولقراءتكم

    مرة أخرى أشكركم أستاذي
    تقبل مودتي واحترامي

    تعليق

    • الهويمل أبو فهد
      مستشار أدبي
      • 22-07-2011
      • 1475

      #3
      العزيز الشاعر محمد مثقال الخضور

      سرني كثيرا أن القراءة أعجبتك، وأنني على الأقل كنت قريبا من الصواب. وأضم صوتي لصوتك بأن "
      نحظى بتعليقات ونقد أساتذتنا هنا للنص" ولقراءتي. ولعلها أمنية "عزيزة"، فهذا القسم (لسوء الحظ) لا يحظى بما يقتضيه من اهتمام، ولا يعكس مسماه.

      تحياتي وتقديري
      التعديل الأخير تم بواسطة الهويمل أبو فهد; الساعة 18-12-2011, 13:08.

      تعليق

      • سليمى السرايري
        مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
        • 08-01-2010
        • 13572

        #4
        أستاذي الناقد الهويمل أبو فهد

        شدّتني كثيرا هذه القراءة العميقة والتي سلّطت الضوء على جوانب مهمّة من نص الجدار لشاعرنا الراقي محمد الخضور

        لك الشكر والامتنان والتقدير
        وللشاعر محمد الخضور كلّ الألق

        /
        /
        /
        سليمى
        لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

        تعليق

        • الهويمل أبو فهد
          مستشار أدبي
          • 22-07-2011
          • 1475

          #5
          القديرة الأستاذة سليمى السرايري

          شرفني حضورك ولك الشكر على ما أبديتيه من ثناء على القراءة


          والأمل في ملتقى النقد أن تستدعي بعض النقد أو تستثير قراءة موازية تضيء جانب آخر من هذا النص الثري


          تحياتي وتقديري
          التعديل الأخير تم بواسطة الهويمل أبو فهد; الساعة 18-12-2011, 14:54.

          تعليق

          • محمد زعل السلوم
            عضو الملتقى
            • 10-10-2009
            • 2967

            #6
            تحياتي للاستاذ الكريم الهويمل ابوفهد وكل الشكر كونك قدمت قراءة في قصيدة نثرية للشاعر الجميل محمد مثقال الخضور
            اتفق معك في صعوبة القراءة للقصيدة النثرية وهي تعتمد على عدة عوامل منها المشهدية او الخلفية المشهدية للكاتب التي ستطلق العنان لخياله فقد تكون تلك المشهدية عن حلم او فيلم او رواية او حتى مقالة فكرية كانت او ترفيهية لكنها تترسخ في ذاكرة الشاعر وتتخمر حتى تخرج بشكل جديد ورؤيا جديدة قد تكون مادة خام اصيلة ومحلقة وقد تصبح تكرار لكن حتى هذا التكرار يحمل في طياته وميض
            النقطة الثانية مجال الابداع وهذا يعتمد على سوية الشاعر النثري وهدفه واختياره للعنوان فأنا على سبيل المثال احينا اكتب العنوان بعد انهاء القصيدة واحينا اختار العنوان لاتقيد بجو الكلمة التي اخترتها كعنوان للقصيدة
            النقطة الثالثة الفكرة ما الذي يريده الشاعر من نفسه وممن يوجه اليه الكلام احيانا فهنا يتنقل بين ثلاث ضمائر شخصية هي الانا والانت والنحن
            وقد يكون الانت هو المتلقي
            النقطة الرابعة المتلقي هل المتلقي قادر على الولوج الى ذات الشاعر التي قد تكون حيادية تمام وقادر على الابحار في الكلمات
            والآن اعود لقصيدة الجدار الجميلة التي يختار فيها الشاعر اللون الرمادي بل والاسود ليعبر عن كلمة جدار بسلبية وهو عكس الكاتب زكريا تامر في مجموعته القصصية القنفذ الذي يعتبر الجدار صديقه الوحيد الذي يحكي له اسراره ويحافظ عليها
            اما لدى شاعرنا فمشهديته تتنقل بين حلم ورؤيا لجدار مرتفع صعب المنال لا يمكن خرقه كئيب وكأنه جدار سجن أو جدار برلين أو جدار قبر أو جدار غرفة مظلمة وعتمة محدقة او حتى الجدار العازل بالضفة او حتى حاجز في طرقات دمشق
            القصيدة ممتعة وقراءة الجو النفسي فيها وخلفية الشاعر واسلوب التحدي الذكي لانتقاء الكلمات التي تخدم الفكرة والاسترسال القصصي لذاك الجدار المتجسد كوحش ثقيل على الصدر كل الشكر والتحية والحب والتقدير للناقد والشاعر
            محمد زعل السلوم

            تعليق

            • محمد زعل السلوم
              عضو الملتقى
              • 10-10-2009
              • 2967

              #7
              سأعود للتصحيح هنا بدأ شاعرنا المبدع محمد الخضور بصورة وردية عن الجدار وهو يتفق مع طفولة زكريا تامر ليختلف معها في الكبر فعند الاطفال يدل الجدار على الدفء والحنو والنوم العميق والراحة والاحلام من خارج كبير على الطفل الصغير وغريب وقد يكون مخيف فهو المكان الوحيد العازل الذي يعبر عن روح الامتلاك والاحتفاظ والحياة بمكان نعتقد ذات يوم بأنه قصر وهو دليل على وطن ومنزل وحب لكننا مع تغير حيواتنا نكتشف الظلم والظلام والطغيان والغربان والزنازين والعبودية واوطان القبور التي تعد عند الطغاة اجمل الاوطان فقد تكون الجدران في البداية مهد الانطلاق للعالم والفسحة السماوية التي نراها كبيرة وواسعة لتصبح حين نرى العالم على حقيقته مجرد ستر لمرارة لا يمكن تجاهلها
              تحياتي ومحبتي مجددا

              تعليق

              • الهويمل أبو فهد
                مستشار أدبي
                • 22-07-2011
                • 1475

                #8
                الأستاذ الفاضل محمد زعل السلوم

                كل عام وانت بخير (بمناسبة رمضان المعظم وقرب عيد الفطر)

                أشكر لك بعث هذا الموضوع وأشكر لك إضافاتك القيمة، فملتقى النقد ملتقى خامل ويحتاج إلى من يساهم في تفعيله. وقد لاحظت على مدى الأيام ندرة الردود على ما ينشر، وندرة المساهمة في إثراء القراءات بالتثاقف وتبادل الآراء وعرض قراءات بديلة تضيء جوانب تغفل عنها (أو تخفيها) أية قراءة بالضرورة.

                وبالتأكيد يستحق "جدار" الخضور قراءات متعددة ومقاربات مختلفة، فهو نص ثري ومغر بالقراءة

                أشكرك مرة أخرى وأملي أن تبقى قريبا من هذا الملتقى

                تحياتي وتقديري
                التعديل الأخير تم بواسطة الهويمل أبو فهد; الساعة 04-08-2013, 11:20.

                تعليق

                يعمل...
                X