قراءة نقدية لقصيدة "عشرة " للشاعر التونسي "محسن الفقي"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فؤاد محمود
    أديب وكاتب
    • 10-12-2011
    • 517

    قراءة نقدية لقصيدة "عشرة " للشاعر التونسي "محسن الفقي"

    (عِشْرة)

    يغتابون القمرْ..
    همْ يغْتابون القمرَ و كنْتُ أُسامرُهْ ..
    كخيطٍ تدلّى من خاصرةِ شمْعة تحترقْ ..
    كعُرجونِ ذكْرَى خصيبة تُسابقُ الرّيحْ ..
    همْ يغْتابونَ القمرَ و كنت أهمُّ بهِ ..
    كمفْزُوع في روحهِ حين تتعرّى ..
    حينَ تهبُ خصرها كرْها لطبْلة لا تليقْ ..
    همْ يغْتابُون القمر و كنتُ أتلوّى ..أَتوجّعْ ..
    أمتطِي صهوة الليْل الحزينْ ..
    أدْفعُ اليْهِ بأَواخر الرّاتب زُلْفى ..
    أُنكرُ فيَ كلّ الأماكنْ ..
    أهبُ للزّمنِ خريفا مطيرا ..
    خريفا يتماثل للشفاء حين يجردْ .
    يغتابون القمرْ...
    و كنت أُسامرُ القمرْ ..
    و كانوا يغتابونهْ ..
    و كان يُجيبهم ..وتْرا وتْرا ..
    و كان يدنو ..يسجدْ ..يقتربْ ..
    و أقتربْ ..
    أُعدُّ النُّمْرُقة ..و السّرُر أرفعها اليه ليسلم وطْؤهْ ..
    و يميدْ ..اليهم يميدْ ..ثمّ معهم يغتابني و يأْبى أَن يسامرْ ..
    و أسامرُهْ ..فأَلفظُ أنفاسي ليستريح القمر..

    الشاعر : محسن الفقي

    إِنَّ الموقف من القمر، كان دائما، إِمَّا موقفا جزئيا ذهنيا لا يعدو أن يكون شكليا كما في الشعر الجاهلي، و إِمَّا موقفا تأمُّليا كما عند ابن خفاجة و موقفا عاطفيا رو منطيقيا، أو موقفا مثاليا كما عند "محمود درويش " في قصيده " صلاة للقمر " أو موقفا واقعيا كما عند نزار قباني في قصيده " خبز وحشيش و قمر "
    و أيا ما تكن المواقف من القمر فان ما يثير هو أنه ظل على مرَّ الزمن ملهم الشعراء و ظلَّ تشبيها جاهزا و مجازا متاحا لأن اللَّفظ شاعري من تلقاء نفسه مُفض نحو العاطفة و الحب و الجمال و التأمُّل .
    و في قصيدة الحال يحس القاريء لنص الأخ محسن "عشرة " أنه يحاول من خلال هذا البوح للقمر أن يجد فيه صوته و شعره و الأرض التي يستند عليها ، يضع عليها قدميه دون أن تهتز . لذا نراه يندفع بفورة الغضب حينا ، و الموقف المعقلن حينا آخر ،الى ضرب من المناجاة للقمر تصبح الكلمة هي السبيل الى الكشف و المكاشفة . فتتملكه و تلقي على ظلال القصيدة دوالها حتى لكأنه حين يجمعها و يرصفها يقوم بكامل عنايته بتخليصها من شوائبها ، لتضطلع بمهمته الأساسية في محاولة السيطرة على عالمه مأخوذا بحالة من الألم المفارق و الرؤيا الثاقبة و الموقف المتنامي
    يغتابون القمرْ..
    همْ يغْتابون القمرَ و كنْتُ أُسامرُهْ ..
    كخيطٍ تدلّى من خاصرةِ شمْعة تحترقْ ..
    كعُرجونِ ذكْرَى خصيبة تُسابقُ الرّيحْ ..
    ينهض المقطع على الخطاب المباشر المحمَّل بمعان مفارقة . خطاب طرفاه أنا الشاعر في " كنت " و الآخر ممثلا في الضمير "هم " دون تحديد لهوية فضفاضة انتماءاتها ، على الاطلاق ، و في ذلك ايحاء بتصدع العلاقة و تأكيد على مناخ التوتر الذي يكتنف تجربة الشاعر في مواجهة ال " هم " . و لعلنا نلمح منذ البداية نزوع الشاعر الى ضرب من السلوان يجده في القمر يسامره و غيره من عُجْب و من جهل و من حسد يغتابه . هذا القمر الذي يظل في نظر شاعرنا عاملا من العوامل الكاشفة لدواخله . فيصير الحديث اليه نوعا من الرَّحيل الى الذات لدفع الذاكرة الى إِفراغ مخزونها في ضرب من التجلي و الانزياح العاطفي . يظهر ذلك في تلك الذكرى الخصيبة اذ تسابق الريح . إِلاَّ أنَّ هذا البوح للقمر لا يعدم أن يكون محمَّلا بمعاني الدرامية يفرز الصور فتجيء تشبيها بالكاف على غاية من الانفجار. انفجار الصورة تراكم بشكل مكثَّف معاني الاصطراع الداخلي تفتته عيانا صورة " خيط شمعة يحترق " و ذكرى تسابق الريح على ما تحمله لفظة الرِّيح من معنى سلبي في الشعر العربي قديمه و حديثه .. ثم تاتي تلك الحركة المبنية على ضرب من الجدل القائم بين الذاكرة و الرؤيا و من داخلها ينبثق الفعل" يغتابون "يصهر تغريبة الشاعر في خضم تلك الأصوات المتشابكة المتداخلة . وتنبني هذه الحركة على ضرب من المعاناة تنشأ و تتولد غالب معانيها من عالمه الداخلي المكتنز " كعرجون ذكرى" و هو يترجم عالمه الداخلي و عذاباته الشخصية في تفاصيلها . وهنا صار المقطع منسجما مع معناه الأساسي و صار في تلبس الذكرى بالرؤيا روح و حقيقة ذاك البوح للقمر و تلك المناجاة .
    همْ يغْتابونَ القمرَ و كنت أهمُّ بهِ ..
    كمفْزُوع في روحهِ حين تتعرّى ..
    حينَ تهبُ خصرها كرْها لطبْلة لا تليقْ ..
    همْ يغْتابُون القمر و كنتُ أتلوّى ..أَتوجّعْ ..
    أمتطِي صهوة الليْل الحزينْ ..
    أدْفعُ اليْهِ بأَواخر الرّاتب زُلْفى ..
    أُنكرُ فيَ كلّ الأماكنْ ..
    أهبُ للزّمنِ خريفا مطيرا ..
    خريفا يتماثل للشفاء حين يجردْ ..
    في هذا الباب نلاحظ تحول في الدلالة من انعقادها على التذكرالى ضرب من التصوير لحال المكابدة ، مكابدة الشاعر. يظلُّ فيها الخطاب محافضا على وظيفته التأثيرية في كشف عذابات الذات " أتلوَّى ، أتوجَّع "
    و لم يخطيء الخطاب أن يكون معقلنا يعلن تفاصيله، علاقة بالقمر " كنت أهمُّ به " موجعا ، يصور حال قمر يغتابه الجهال ، و حال شاعر يركب صهوة ليل حزين معبأ بالرؤى فنرى بوضوح ذاك التحول من الانفعال
    و التفجع الى الفاعلية " أركب " يبشر بخريف ينهمر طلا أو مطرا..
    و ان المعنى الوارد في شكل ومضات يبعد بالقصيدة عن التصاعد المألوف للمعنى كما في القصيدة القديمة الى ضرب من التشضي في سياق لا يخلو من درامية تترجمه عبارات من قبيل " مفزوع .. أتلوى.. أتوجع .. حزينا ".
    و لكنه المعنى الذي يظلُّ يكشف عن وجوهه و ان كان بأبعاد تخييلية أدواته رموز الخصب –كما في المقطع الأول – يدعمها خريف ماطر يتماثل للشفاء كما في ذا المقطع .
    و تبعا لذلك بلغ بالرؤيا حدود الحلم و ان راكم الأوجاع في خضم ليل حزين ظل فيه مشدودا الى لحظات انعتاق تنفرج فيه هذه الرؤى عن عالم مليء بالصور و الأحلام و الذكرى .
    يغتابون القمرْ...
    و كنت أُسامرُ القمرْ ..
    و كانوا يغتابونهْ ..
    و كان يُجيبهم ..وتْرا وتْرا ..
    و كان يدنو ..يسجدْ ..يقتربْ ..
    و أقتربْ ..
    أُعدُّ النُّمْرُقة ..و السّرُر أرفعها اليه ليسلم وطْؤهْ ..
    و يميدْ ..اليهم يميدْ ..ثمّ معهم يغتابني و يأْبى أَن يسامرْ ..
    و أسامرُهْ ..فأَلفظُ أنفاسي ليستريح القمر..
    يعود النّص هنا هادئا ساكنا و كأنّه من معين الذاكرة يولد فعل التذكر. فتطغى الجمل الاسمية المصدرة بكان تعيدنا الى الماضي و ان كان فيها اشارات الى معنى الدوام و الاستمرار. ثمَّ تأتي الأفعال غالبها في صيغة المضارع الدَّال على الحال فتؤكد معنى الدوام و الاستمرار سالف الذكر.
    و ان لم تخلو حركة الأفعال من الهدوء و السكون وهو حال المسامر للقمر
    يسمع عنه و يحدث عنه . فنتحول من حكاية الأحوال الى حكاية الاقوال ينشأ منها حوار بين القمر و مغتابيه سجالا فيه ذكر للصفة " وترا.. وترا "
    و الحال " يدنو .. يسجد .. يقترب "و فيه الحكمة التي تصورالمغتاب جاهلا و القمر حكيما طال به المقام حتى غدا يغتاب شاعرنا الذي لم يدع أبدا في هذا الجدال كونه محايدا بل يسامر و "يلفظ أنفاسه ليستريح القمر"
    و يمكن القول ان الشاعر يصوغ من خلال هذه العلاقة مع القمر رموزه و صوره و رؤاه في عملية خلق تحمل تفاصيلها . و في خضمها يجعل الكامن فيه متجليا عبر الذاكرة و مخزونها و الذكريات و آلامها . و هي آلام حينا ، و رؤى أحيانا أخرى يقاسمها الشاعر القمر في مسامرة شعرية شاعرية ، أفق معاناته زمن الذكرى و آفاقها رؤى ينبجس لها فجر جديد.
    و لعل هذا الزمن في موضوعيته يحاول أن يربط القصيدة بواقع موضوعي فيه نرى الشاعر محكوما بفاعلية القصيدة بارهاصاتها و استشرافها أبواب المستقبل الذي يتأسس ان كان بالقوة أو بالفعل .
    ان هذا النص متمنع بما له من خصوصية و تفرد. و انه أيضا مجال خصب للقراءة و إِعادة القراءة و مجال للاجتهاد و إِن كان القول على القول صعب كما قال التوحيدي
    و لا مجال لادعاء أننا أمسكنا بحقيقة النص لانه يظل مرهونا بخاصية التفتح على كل القراءات بما اشبع من معنى و تبقى قدرة من يقرأه على استنطاق ما تمنع فيه بغية الكشف عنه .

    المقاربة النقدية بقلم فؤاد محمود
    التعديل الأخير تم بواسطة فؤاد محمود; الساعة 21-12-2011, 22:34.
  • د مرتضى الشاوي
    عضو الملتقى
    • 08-07-2011
    • 85

    #2
    بالرغم من امتلاك القصيدة مسحة عالية من المفارقات الفنية في مجال التصوير الفني الا ان الناقد اكتفى بالجانب الانطباعي السياقي دون ان يبرزتلك المفارقات البيانية وهذا ليس نقصا في التحليل وانما قراءة من داخل النص فسرت جانبا مهما لتجربة شعرية في مجال القصيدة السردية وهو منهج متميز بقدر ما هو منهج اجرائي عائم في دائرة النقد المعاصر .

    تعليق

    يعمل...
    X