إللي خلف ما مــتّش
للأديب دكتور أشرف كمال-إللي خلف مامتّش..!!
كانت جدتي (رحمة الله عليها) دائماً ماتقول لي هذه المقولة -لم أدرك معناها في حينها..؟!- تعلل ذلك بأنني أشبه والدي كثيراً , و أملك صفاتاً عديدة منه - برغم أنني لم أره مطلقاً , فلقد استشهد في حرب 48- لم تكن جدتي وحدها من تقول لي ذلك , لكن أمي كذلك..!! تحتضنني و تبكي قائلة:
-إنت الوحيد في إخواتك.. إللي بتفكرني بأبوك..!!
كثيراً ما أسعدتني هذه الكلمات , و كانت موطن فخر لي بين أخوتي , الذين كانوا يحقدون عليّ ؛ على الرغم من أنهم الأكبر , و تمتعوا بحضن أبي الدافئ ؛ الذي حرمت منه للأبد.
صار الجميع كلما مرت السنوات يقولون لي تلك المقولة - بالأخص أصدقاء أبي , و جيراننا الذين عاصروه في طفولته و شبابه حتى أحسست أنني هو - كنت أرتدي ثياباً عتيقة أكبر من سني – مما كان مصدر سخرية أصحابي- , كنت متحملاً مسؤولية المنزل منذ حداثة سني , أنا من يمسك بميزانيته الهزيلة , يشتري كل طلباته , و يدبرشئونه , أنا من يعطي جدتي , و عمّاتي العيديات التي كان يمنحهم أياها والدي في حياته. لذا كانت جدتي دائمة البكاء كلما رأتني , قائلة :
- في دخلتك عليا كأنك أبوك .. طلتك.. و ضحكتك .. حتى ريحتك..!!
حتى عمّتاي كانتا تسررنني بأسرارهن , و مشاكلهن مع أزواجهن و أولادهن . و كنت لا آلو جهداً , أو أدخر وسعاً في مساعدتهن , و إدخال السرور على قلوبهن.
..كبرت و كبر ذاك الإحساس معي , تزوجت , و أنجبت ولدين , و بنت؛ كانت أحب أولادي إلى قلبي , و أكثرهم قرباً إلى روحي . كانت تشبهني كثيراً , تحمل العديد من صفاتي , تساءلت كيف تعلمت ما أحب و أكره ..؟! كيف تسنى لها معرفة تلك الخصال , و هي بعد في مثل هذه السن الصغيرة..؟! شبت إبنتي فجأة إلى الحد الذي بدأ يتقدم إليها الخطاب, فأسقط في يدي..!!
كأن أحدهم يريد أن ينتزع روحي مني . لكني لا يمكن أن أقف حائلاً بينها و بين سعادتها , تركت لها حرية الإختيار إلى أن وقع اختيارها على شابٍ خلوق - حقيقة لم أستطع أن أجد فيه عيباً واحداً كي أرفضه , فاضطررت أسفاً أن أوافق على مضض..!!- مرت سنوات الخطبة سريعاً , و تدهورت صحتي بشكل أسرع . كانت تجلس دائماً بجانبي لتمرضني , رفَضَتْ اتمام الزواج حتى استرد عافيتي و أحضر الزفاف , تحاملت على نفسي , و أوهمت الجميع أنني قد شفيت تماماً ؛ لأدخل الفرحة على ابنتي . كنت أرى سعادتها , وهي ترقص فرحة مع عريسها بينما الوجع يمزق صدري, فأبتسم و أنتشي ألماً . سافرت مع عريسها إلى دولة عربية حيث مقر عمله . كانت دائمة الإتصال بي لكي تطمئن على صحتي , أخبرتني, و صوتها متهللاً:
- أنا حامل يا بابا..!! و إن شاء الله هأجيب ولد ..و هأسميه على أسمك..
سعدت كثيراً بهذا الخبر, أحسست عندها بأنني قد أديت رسالتي , و أن دوري في الحياة قد انتهى .
..مضت عدة شهور , و ذات يومٍ أحسست بالاختناق , بأن العالم يميد من حولي , و كأنني أطفو فوق الماء , أخذت أحاول التشبث ببارقة أمل , أبحث عن طوق للنجاة . أخذت أتقلب في ذاك الفراغ الضيق الذي يعتصرني , و تلك الأوجاع التي تملؤني , أحاول أن أفرد هامتي المنثنية . فجأة غمرتني الضياء , شهقت من الفرحة لكنها جاءت كالبكاء . إذ بأيدي حانية تنتشلني , و إبنتي تحملني في سعادة , تلقمني ثديها , و هي تبكي
---------------------------
(جماليات ومداعبات )
في نصّ إللي خلف مامتش للأديب دكتور أشرف كمال
مُش (جمالات) لا مؤاخذة هاهاهاها من جمالية غاية بالحُسن
محمد سليم:
طبعا يا باشا ,, إللي خلف ما ماتش,,
مقولة تتردد على ألسنة أهل مصر من الصعيد إلى بحري,,ومن مطروح الى شلاتين ,,ومطرح ما نروح نسمعها ونكررها..حيث,,,,يقولها العامة والبسطاء وأكابر القوم أيضا بنوع من الفخر لصفات حميدة مرغوبة ومستمرة مع الأجيال.. وبنوع من الرضا والقبول بالقضاء والقدر عمن فقدناه ..وأيضا بنوع من التعويض عن (الغائب الغالي.. أو المرحوم العزيز) في ولد يشبه أبيه ويعيش في روحه وجسده وجلبابه! ....
أظن ؛
أن تلك المقدمة البسيطة اختصرت القص ..كما وأظن أن القاص لا/ لم يغب عن باله معنى ومغزى تلك المقولة ( إللي خلف ما مات ) وإنما حاول بأسلوب سردي أن يشرح ويوضح ما غاب عن البال...فما الذى حاول القاص التأكيد عليه والنقاش حوله ؟؟كى لا نقول أن القص ترجمة لمعنى مثل شعبي أو مقولة شعبية...
الحقيقة؛
أن القاص وظّف شخوص القص بطريقة لبقة وذكية
وجعلت من الحوار ذو مغزى ومعني ...
مثلا ؛
الجدة/ لا شك أنها الجده لأبيه أم أبيه ..التى وجدت في هذا الطفل اليتميم صورة طبق الأصل من أبنها الحان البار ..كما وجدت الأم زوجة المرحوم نفس صفات زوجها في أبنها الخدوم الذى يلبي طلباتها ويجتهد لرضاها,,ولا يجب أن ننسى أن (اليتميم) ينال رعاية واهتماما أكثر وكلما كان اليتم صغيرا كان محط رعاية أكبر.....
الغيرة/دوما هناك غيرة بين الأبناء ..كل منهم يريد أن يكون محط إعجاب ورعاية وتفضيل من الأم أو الأب ..ولكن لم لا يسال الأبناء أنفسهم لم هذا " الأخ" هو الأكثر حبا لدى أبينا أو لدى أمنا ؟..ربما كانت الملامح والقسمات الجميلة..لا ظن ..ولكني أظن أنها نوع من الحب الإلهي ( حيث الأكثر طاعة ,,الأكثر إخلاصا في حبه..الذى يقدم ولا ينتظر أي مقابل ) هو المقرّب أكثر للقلب الأم / الأب...وأيضا الوالدين يلاطفان الأصغر أكثر بحجة ( أننا لن نعيش معه عمرا أكثر مما عشنا مع أخوته له يكبرونه عمرا ).. كما وأن الأصغر عمرا يظن بل ويطالب بمعاملة أفضل !...
القدوة/ كل منا يبحث عن قدوة يقتدي بها لتكون مثلا أعلى ..وقدوتنا تكون من نفس الجنوسة (الأب للولد ..والأم للبنت ) ونفتخر ونحب سماع أننا نشبه أحد أبوينا....
حرب 48/ وظف الكاتب الحرب ليكون الأب شهيد واجب وفداء ضحى بنفسه في سبيل الله والأرض والمقدس وهذة لفته ذكية ورائعة ولا شك فالشهادة والشهيد هى القدوة الحقة وليس غيرها من مهن وحرف ..كما تُدلل على التضحية بالنفس والفداء والزود عن الأخرين ممن نحبهم ...الخ ..
العيديّة / لمحة طريفة وذكية أيضا ..مما يدلل على أن الابن يصر إصرارا على لبس ثوب أبيه برجولة لافته وبتقمّص طاغي ..ولا شك لو فعلها طفل لعماته سيكون لها وقع السحر في النفوس وتصبح فعلته( إعطاء عيدية ) مثار تندر مقرون بإعجاب وحب لذيذين ..والطريف بالقص أن العمات كن يقصصن عليه أدق المشاكل ( والفضفضة معه) ..أذن هذا نوع من التقمّص الكامل والذى أعترف به الجميع وأقروه ( سواء من الصغير أو من المحيطين به)..
ثياب عتيقة / تعبير جميل مختار بعناية فلم يقل ملابس أبي كأسلوب مباشر ليدلل على أنه عاش وتقمّص نفس أبيه وبذات الملابس ...ومع ذلك كان يعاني ( الصغير ) سخرية من قرانه ولكنه لم يبالي .....
تزوجت..نقلنا القاص إلى الـ( المصيبة ..أو كما يقول أهل االأدب العقدة ونسجها )
تزوج البطل وأنجب
( الف الف مبارك هاهاهاها ) انتقلنا لعالم الكبار والرجولة ؛
أي الأولاد أقرب للأب / ..أختار القاص أبنته ( وهو حر فليحب أكثر ما يختار )فلن نسأله أسبابا ولا يصح مني هاهاهاهاهاحتى لو كانت قراءة عابرة لا أُحاسب عليها ( ولكن الكاتب أرداها ليناقش من خلالها!)..وغير
وللحق الابنة كان أبيها هو القدوة والمثل ( وهنا عكس العادة والمتبع أن تأخذ أمها القدوة ) ومن هنا ( يظهر للقارئ أن للكاتب رؤى يريد توضيحها ومناقشتها وليس فقط تصوير المثل الشعبي للقارئ )....
جاء العريس/ ليخطف روح الأب كعزرائيل ...وافق الأب على مضض....تدهورت صحته ( من كثرة الهم والغم ..ولوجود منافس قوي وبديل !!)..تحامل على نفسه ليتم مراسم الزواج ( وقلبه بيتقطع هاهاهاها)... يبتسم ويتنشي ألما ...
وطارت ألبنت .................
الحقيقة تصوير رائع لمشاهد صادقة وتعبيرات واختيارات تنم عن حرفية واعية في اختيار المفردة ودقة المشاهد ........
القنبلة / والله صعبان عليّ هذا البطل !..فلم يكتفي القاص بطيران أبنته عنه( بعدما كانت تطمئن عليه عن بعد فقط) ..بل حااااااااااااااااامل هي ....
مضت عدة شهور / طبعا شهور الحمل يا باشا ....وماسك قلبك أن شريكا آخر غير زوجها سيأتي لينافس لتصبحا ثلاثة والثالثة (تابته ) سيجئ صغيرا يستحق الرعاية أكثر ..ومن حقك تختنق
نهاية القص / ...((فجأة غمرتني الضياء , شهقت من الفرحة لكنها جاءت كالبكاء . إذ بأيدي حانية تنتشلني , و إبنتي تحملني في سعادة , تلقمني ثديها , و هيتبكي(( ......
نهاية مكتوبة بعناية وبلغة ومفرادت غاية في الجودة والاختيار...
وابني تحملني في سعادة تلقمني ثديها وهى تبكي /
صدقت أخى العزيز دكتور أشرف كمال..
فالحفيد هو امتدادنا ( ن الأبوة )جزء منا تربية أولادنا ...وصدقت فالأيام تمر والشيخوخة تستبد بنا ونحتاج صدور أولادنا لنرتاح عليها ............................
والسؤال المطروح من القاص( أظن ..) هل أولاد الأبنة امتداد للأب !؟
أخى العزيز أشكرك استمتعت معك وبما كتبت لنا .....
وتقبّل منى ما كتبت من جماليات ...
وبس خلاااااااااص.
تعليق