لقاءٌ ... ليلي
قالت لي :
يا لهؤلاء الرجال ..
هل تشعرون بالأنثى ؟
غربتها وضياعها والغرق الناجم عن فقدان البوصلة واللهاث عبر الأماكن المنسية عن المادة وحسب
فكتبت لها :
لقاءٌ ليلي
وأهديته لها
والى كل أنثى ...
الى العزيزة : مها
نعم .. أنا على الموعد
مساءً ، حين يعلن القمر الفضي عن بلوغه منتهاه ، سأكون أنا وأنتَ ، نتمرن على رقصتنا الأولى منذ تركتك ، أم تركتني أنتَ ؟ لا فرق ، فالدهشة من افتراقنا كانت وحدها كفيلة بازاحة التساؤلات كلها لصالحها وحدها – الدهشة وحسب .
هذا الحب الذي أضحى رهين المدن المنسية ، يحتمي اليوم خلف أشياء لم تزل في قلبي ، لم تمت ولم تضعف رغم الغربة التي عايشتها وقضت على بعض احساسي .
عندما يعود زوجي كل ليلة منهكاً ، أتعذر به ، وأهرب منه اليه ، تكبلني حواجز تبدأ من كياناتي الصغيرة ، التي تتشبث بي في قوة كأنهم يخافون سقوطي أو اقلاعي بعيداً ، ولا تنتهي الا بهم .
هؤلاء الأطفال الثلاثة ، كم أحبهم ، وتزهر روحي بوجودهم ، ما أجمل البكاء حين يكون مقترناً بهكذا حب ! لكن البهجة ستختلف ، حين يكون الحب حائراً ، لأنه يكبلك ..
لماذا يسعدني البكاء ؟ ويصبح خير سفير لي ؟ عندما أجد الطرق كلها مقفلة ، والموانئ كلها فارغة لأن كل سفينة تحمل قلبي غادرتني ، وكل موجةٍ تحفظني عادت دوني ، يا لهذا المساء الذي لا يريد أن يأتي ..
أمام كل هذا الوجع ، مجبرةٌ أنا على تذكر التفاصيل ، وحدها تجعل الأيام تختلف ، أم تراني أهذي ، أخدع نفسي وحسب ..
بالأمس عاد زوجي قبل موعده بدقيقتين ، وهو لعمري أمر نادر الحدوث ..
كنت أنتظره ، فلم أنجح كعادتي في الوصول الى باب المنزل لاستقباله ، لأنهم مرة أخرى .. كبلوني .. طلب الأول أن أحمله ، والثانية أن أصنع لها وجبة ساخنة ، وتعثر الثالث أمامي ، ليصنع من جسده الصغير حاجزاً يمنعني من بلوغ هدفي ..
التفاصيل وحدها ، تجعل مني أختلف .. لهذا غيرت تسريحة شعري مراراً ، دون أن يراها أحد ، او يبدي اعجابه بها أحد ، حتى أني كنت أصنعها وأنساها ، فلا تسعفني المرآة في تذكرها ، أو تذكر نفسي ..
لكنها تستفزني .. هذه المرآة ، وصورتي التي تبدو مموجة فيها ، تروق لي كل التفاصيل الا هي ، نعم أعشق كل شيء على حدة ، أحب شوارع هذه المدينة المتحضرة ، أحب زوجي الطيب ، وأدمن أولادي وشقاوتهم ، لكن الصورة مركبة تبدو غريبة علي ، هل هذه أنا حقاً ؟
أمد يدي لألمسها – هذه المرآة – آملاً أن أنجح في اختراقها ، ، لأجد نفسي هناك ، حيث أردت أن أكون ..
هل يمكن لجدار المادة أن يضع حاجزاً أمام القلوب العاشقة ؟ أن يعطل مشاعرنا فتصبح باردةً غريبةً ، تشبه كل شيء نلمسه هنا .. ؟
وحدك أنت تختلف ، في لقائنا معانٍ أخرى كنت قد نسيتها ، ورحلات مجنونة أكون أنا بطلتها ، وحدك تعرف كيف تقودني وأقودك ، تشتعل مع رغباتي ، وتنتفض مع غزواتي ، وتصير فارسي الأوحد ، أقودك عبر دروب كنت أحفظها ، فلا أخشى أن أتوه ، لأنك وحدك تستطيع اخراجي ، والعودة بي ، لا تهمك الغربة ، ولا تقف أمامك الحواجز وجوازات السفر ، وحدك تتخطى الأزمنة والأمكنة ، وتجعل المستحيل ممكناً .
لموعدنا هذا كانت تلزمنا جرأة وقدرة على التمرد ، ومساحة عميقة من التجرد ، بعيداً عن التفاصيل والذاكرة ، فلماذا نلتقي اليوم خائفين تطاردنا ارتعاشة اللحظة الأولى .. كأني بك لا تعرفني ، وكأني بي لا أعرفك ، وأنا التي حفظتك وخاضت معك دروباً تبدأ هناك ، حين كان اللقاء الأول ، ولا تنتهي أبداً ، لأن الخيال لا يحده المكان .
اليوم أعانقك ، حين أجهز اللقاء الذي طال انتظاره ، أضع أحبتي الصغار في أسرتهم ،
أرسم قبلة صغيرة على ثغر زوجي المتعب ، أتسلل الى مكتبه ، أبحث عنك بين أدراجه ،
تختلج مشاعري وأنا أحتضنك مرة أخرى ، لتعانق أوراقي من جديد ،
فتسافر بي رغم القيود ...
الى الوطن .
تعليق