تنويعاتٌ على إيقاع الرتابة / للشاعر عبد اللطيف غسري
1
لا شَيءَ يَصعدُ بي إلى أرجُوحة القمرِ
إلا انْفتِاحُ خياشيمِ الليلِ على رماد الكلمة المُحترِقةِ
هأنذا أرَقِّعُ ثوبَ التوَقعِ المَصلوبِ في جَسدي
أنا خارطةٌ مِن وَجَعِ الكلماتِ
تُمَزقُها تفرُّعاتُ الرتابة المَشدودةِ
إلى أوتادِ العَتَمَةِ
أحاولُ أن أشْرُدَ في غُبارِ الحركَةِ
وسَديمِ السكون اللاهِثِ
خلفَ بَريقِ الوجودِ الهُلامِيِّ
2
أبِحَثُ عن عِشْتارَ عَنكبوتِيَّةِ اللقاحِ
أخطبوطيَّةِ الانتشارِ
تَبِثُّ في تَجْويفاتِ ليلي
خُصُوبَةَ الضوءِ الأرْجُوانِيِّ المَسفوحِ
أبْحثُ عن (كِيُوبيدَ) مِن زَمَنِ الشيحِ والحَرمَلِ
يَقرأُ فوق صحراءِ التشوُّفِ في روحي
تعاويذَ الفرحِ المذبوحِ
3
لا شيءَ يَكتُبُني إلا لُغَةُ الترابِ المبحُوحِ
ما زلتُ أخَزِّنُ في جِرابِ النوايَا
بعضَ رُفاتٍ مِن أحلامِ اليَمامِ
وبَعضَ فُتاتٍ مِن نَهَمِ العُقابِ
ما زلتُ أتلَفَّتُ
لاوِيًا عُنُقَ الزئبَقِ المَسكوبِ في مِحْرار الزمنِ
ما زلتُ ألَوِّحُ للقمَرِ المتمَدِّدِ فوقَ أرجوحتِهِ الزرقاءِ
لا شيءَ يَصعدُ بي إليهِ
إلا لغةٌ مِن حَريرِ الوَهَجِ
تكتُبني
وتسْكُبُني
كرَحيقِ الحُلمِ في فِنجانِ الحقيقةِ
4
أنا، - يا أنا- مَنْ أنا؟
أَشِهابٌ مَبتورٌ مِن جِذعِ النارِ
أم خاطرٌ مَخبوءٌ في ضَميرِ الجليدِ المسْجُورِ؟
يَجِلِدُني السؤالِ بسِياطِ الصمتِ
يُجَندِلُنِي
يُمَرِّغ ظلي في سرابِ الحَيرةِ
لا ريبَ أنيِّ خَبرٌ
مَسطورٌ في كِتابِ النهرِ
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يقر...أنِي....؟
_ - _ - _ - _ - _ - _
كل ما يمر بنا من أحداث وصور وأشياء لا بد أن يصنع لنفسه بصمة تمثل هوية تعريف له في نفوسنا تترسخ وتتأصل
بعد تكرار المرور في حياتنا , وكثيرا ما يتخذ لنفسه نقاطا محددة تأخذ طابعا قياسيا زمنيا ومكانيا بحيث يشكل مروره في حياتنا المعتادة نوعا من الرتابة التي لا تخرج عن إيقاع روتيني يتضح مع كل ظهور متكرر جديد له ..
وفي الواقع أن المجتمعات كثيرا ما تضع الخطط وتعتمد البرامج
من أجل الوصول إلى تنظيم حياة الفرد بمنظومة اعتيادية تشكل له استقرارا نسبيا يسعى إليه ليكون عضوا فعالا ومنتجا في المجتمع .... وهذا وفق الرابطة النفعية التي تؤسَّس عليها المجتمعات في عقدها الاجتماعي بين الفرد والمجتمع ..
وهنا تنشأ إشكاليات كثيرة عامة وخاصة .. اجتماعية واقتصادية وسياسية .. وثقافية .. ولن نخوض فيها الآن ولكن لابد أن نلقي ضوءا بسيطا على مفارقة مهمة في هذا الموضوع
تتعلق بالإنتاج المادي والإنتاج الفكري والأدبي للإنسان ولا بد من الوقوف على إشكالية نظرية هامة مازالت قائمة حول اعتبار الإنسان مجرد قوة عمل تساهم في خلق حياة اجتماعية اقتصادية مجتمعية نافعة وبين اعتبار الإنسان كل إنسان كيانا فرديا لا يتكرر يحمل بصمته الإبداعية الخلاقة الخاصة به في مختلف تفاصيل حياته وفي جميع مفاصل المجتمع ..
من هنا سنبدأ الرحلة مع عبد اللطيف غسري في بحثه الحثيث
عن الإنسان , ليتوصل لما يمكن أن يمثل بالنسبة إليه إجابة شخصية وفردية ولو مؤقتة وغير كافية حول النشوء والتكوين عبر
بصمات للأشياء والصور والأحداث الحياتية وتعارضها وتناقضها .. وقد اختار أن يقدم كل هذا التنوع في مجموعات حدثية متميزة
بخصوصية جذرية وصورية سنتابعها معه في هذا النص ..
...........
كان النص جميلا وراقيا ويسوقنا بسلاسة بين بؤر الصراع الفكري العنيف المطروحة وكان العنوان " تنويعاتٌ على إيقاع الرتابة " واهيا جدا بحيث يمكن أن يخفي كل ملامح النص الضمنية ويعبر بشدة عن الحالة الشكلية في معالجة الموضوع .. ويشير إلى
الحالة الذاتية الإبداعية للكاتب في هذا النص ..
وإلى جانب الانزياحات والتكثيف واللغة الشعرية والشاعرية العالية والإيقاع الداخلي السلس والجميل .. حمل النص - وبتكثيف فكري عال - الكثير من القضايا والمفاهيم الكبيرة
وهنا أريد أن أشير إلى أن التكثيف لا يظهر في الجملة الشعرية الكلامية التعبيرية فقط بل في مستوى آخر أعلى هو التكثيف الفكري, وتكثيف الأفكار مع الحفاظ على وضوحها وبساطتها أمر في غاية الصعوبة والتعقيد اشتهر وتميز به الماغوط , وهنا لا بد أن أشيد بقدرات الكاتب الغسري
العالية في تقديم هذا النوع من التكثيف في نصه الجميل هذا
والذي يستحق بحد ذاته وساما على هذا التميز مع أني لم أقرأ باقي النصوص المشاركة في مسابقة قصيدة النثر ..
كل التحية والتقدير للشاعر المبدع عبد اللطيف غسري
مجلس النقد
1
لا شَيءَ يَصعدُ بي إلى أرجُوحة القمرِ
إلا انْفتِاحُ خياشيمِ الليلِ على رماد الكلمة المُحترِقةِ
هأنذا أرَقِّعُ ثوبَ التوَقعِ المَصلوبِ في جَسدي
أنا خارطةٌ مِن وَجَعِ الكلماتِ
تُمَزقُها تفرُّعاتُ الرتابة المَشدودةِ
إلى أوتادِ العَتَمَةِ
أحاولُ أن أشْرُدَ في غُبارِ الحركَةِ
وسَديمِ السكون اللاهِثِ
خلفَ بَريقِ الوجودِ الهُلامِيِّ
2
أبِحَثُ عن عِشْتارَ عَنكبوتِيَّةِ اللقاحِ
أخطبوطيَّةِ الانتشارِ
تَبِثُّ في تَجْويفاتِ ليلي
خُصُوبَةَ الضوءِ الأرْجُوانِيِّ المَسفوحِ
أبْحثُ عن (كِيُوبيدَ) مِن زَمَنِ الشيحِ والحَرمَلِ
يَقرأُ فوق صحراءِ التشوُّفِ في روحي
تعاويذَ الفرحِ المذبوحِ
3
لا شيءَ يَكتُبُني إلا لُغَةُ الترابِ المبحُوحِ
ما زلتُ أخَزِّنُ في جِرابِ النوايَا
بعضَ رُفاتٍ مِن أحلامِ اليَمامِ
وبَعضَ فُتاتٍ مِن نَهَمِ العُقابِ
ما زلتُ أتلَفَّتُ
لاوِيًا عُنُقَ الزئبَقِ المَسكوبِ في مِحْرار الزمنِ
ما زلتُ ألَوِّحُ للقمَرِ المتمَدِّدِ فوقَ أرجوحتِهِ الزرقاءِ
لا شيءَ يَصعدُ بي إليهِ
إلا لغةٌ مِن حَريرِ الوَهَجِ
تكتُبني
وتسْكُبُني
كرَحيقِ الحُلمِ في فِنجانِ الحقيقةِ
4
أنا، - يا أنا- مَنْ أنا؟
أَشِهابٌ مَبتورٌ مِن جِذعِ النارِ
أم خاطرٌ مَخبوءٌ في ضَميرِ الجليدِ المسْجُورِ؟
يَجِلِدُني السؤالِ بسِياطِ الصمتِ
يُجَندِلُنِي
يُمَرِّغ ظلي في سرابِ الحَيرةِ
لا ريبَ أنيِّ خَبرٌ
مَسطورٌ في كِتابِ النهرِ
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يقر...أنِي....؟
_ - _ - _ - _ - _ - _
كل ما يمر بنا من أحداث وصور وأشياء لا بد أن يصنع لنفسه بصمة تمثل هوية تعريف له في نفوسنا تترسخ وتتأصل
بعد تكرار المرور في حياتنا , وكثيرا ما يتخذ لنفسه نقاطا محددة تأخذ طابعا قياسيا زمنيا ومكانيا بحيث يشكل مروره في حياتنا المعتادة نوعا من الرتابة التي لا تخرج عن إيقاع روتيني يتضح مع كل ظهور متكرر جديد له ..
وفي الواقع أن المجتمعات كثيرا ما تضع الخطط وتعتمد البرامج
من أجل الوصول إلى تنظيم حياة الفرد بمنظومة اعتيادية تشكل له استقرارا نسبيا يسعى إليه ليكون عضوا فعالا ومنتجا في المجتمع .... وهذا وفق الرابطة النفعية التي تؤسَّس عليها المجتمعات في عقدها الاجتماعي بين الفرد والمجتمع ..
وهنا تنشأ إشكاليات كثيرة عامة وخاصة .. اجتماعية واقتصادية وسياسية .. وثقافية .. ولن نخوض فيها الآن ولكن لابد أن نلقي ضوءا بسيطا على مفارقة مهمة في هذا الموضوع
تتعلق بالإنتاج المادي والإنتاج الفكري والأدبي للإنسان ولا بد من الوقوف على إشكالية نظرية هامة مازالت قائمة حول اعتبار الإنسان مجرد قوة عمل تساهم في خلق حياة اجتماعية اقتصادية مجتمعية نافعة وبين اعتبار الإنسان كل إنسان كيانا فرديا لا يتكرر يحمل بصمته الإبداعية الخلاقة الخاصة به في مختلف تفاصيل حياته وفي جميع مفاصل المجتمع ..
من هنا سنبدأ الرحلة مع عبد اللطيف غسري في بحثه الحثيث
عن الإنسان , ليتوصل لما يمكن أن يمثل بالنسبة إليه إجابة شخصية وفردية ولو مؤقتة وغير كافية حول النشوء والتكوين عبر
بصمات للأشياء والصور والأحداث الحياتية وتعارضها وتناقضها .. وقد اختار أن يقدم كل هذا التنوع في مجموعات حدثية متميزة
بخصوصية جذرية وصورية سنتابعها معه في هذا النص ..
الباحث الحكيم
1
لا شَيءَ يَصعدُ بي إلى أرجُوحة القمرِ
إلا انْفتِاحُ خياشيمِ الليلِ على رماد الكلمة المُحترِقةِ
هأنذا أرَقِّعُ ثوبَ التوَقعِ المَصلوبِ في جَسدي
أنا خارطةٌ مِن وَجَعِ الكلماتِ
تُمَزقُها تفرُّعاتُ الرتابة المَشدودةِ
إلى أوتادِ العَتَمَةِ
أحاولُ أن أشْرُدَ في غُبارِ الحركَةِ
وسَديمِ السكون اللاهِثِ
خلفَ بَريقِ الوجودِ الهُلامِيِّ
في بداية صادمة نافية " لا شيء .." يقدم الحكيم الباحث تقييما لما لديه في رحلة بحثه الشخصية عن الحقيقة مع تقرير مسبق ببعد الهدف وبجماله الباهر " أرجوحة القمر " وهذا يؤكد أن المهمة شاقة وتكاد تكون مستحيلة ولكننا سنرى إصرار الحكيم الباحث في نفس الكاتب وهو يحرر ويحرك الأشياء ويعطيها روحا تمثل البعد الحيوي الرابع لها وفقا لتعريفاته هوالشخصية لها وسنرى هذا تباعا .. وبعد ذلك تبدأ رحلة البحث
1- باستعراض دقيق ومختصر لمسالك متاحة وعناوين فضفاضة " الليل .. الكلمة " وقد حدد لها بعدا حيويا رابعا وفقا لأساس منهجي اتبعه فيقول
" .. انفتاح خياشيم الليل * على رمادالكلمة المحترقة "
الليل يمثل صورةَ وكادرَ الحدث والكلمة جذره هذه متقابلة غير اعتيادية وغير مباشرة يطرحها الكاتب هنا فإذا كان الليل والنهار يمثل المتقابلة الاعتيادية للمترادفات التقابلية المتضادة ( مثل أبيض وأسود .. سماء وأرض .. خير وشر ..)وضعنا الكاتب هنا أمام متقابلة مختلفة قد لا تحمل معنى التضاد بقدر ما تحمل معنى التلازم العضوي تكوينيا فالليل - المتسعة خياشيمه لاستنشاق وابتلاع الكلمة المحترقة -
بفعل الزمن بما في عمرها من الانتظار والياس والأمل -
بات لا معنى ولا دور لهذا الليل بدون هذه الكلمة التي حلت محل النهار
في المتقابلة المادية المعتادة بين الليل والنهار فالكلمة هي النهار الذي يحترق ليبتلعه الليل .. مع ملاحظة أن الليل حمل الخصوصية الصورية الجامدة والثابتة والكلمة مثلت الخصوصية الجذرية الفاعلة والمتجددة ..
2- استعراض بعض الأدوات الثاقبة " التوقع .. خارطة "
يقول :
" أرَقِّعُ ثوبَ التوَقعِ المَصلوبِ في جَسدي
أنا خارطةٌ مِن وَجَعِ الكلماتِ "
لا يمكن للكلمة ( الفكر ) أن تتحرر من سطوة ضوابط الحدث ( الزمان والمكان والفعل ) إلا بأداة ( التوقع ) قد لا تكون بالقوة المطلقة المحققة النتائج دائما ولكنها فعالة بيد الباحث الحكيم وتتيح تباعا الوصول إلى معرفة موثوقة نسبيا انطلاقا من واقع معاش وهكذا رأينا الأداة تخفق وتصيب ويستحيل الجسد الحي خارطة لها وهنا نجد مرة أخرى متقابلة جديدة ( التوقع ) الذي هو فعل الخلق الفكري كأداة حية مقابل مجموع المعارف التي يحملها ويعيشها الجسد ( خارطة وجع الكلمات ) كما يشكله الفكر مع ملاحظة أن المقابلة هنا بين الجسد الجامد الخاضع ممثلا الخصوصية الصورية والفكر الخلاق والمتجدد ممثلا الخصوصية الجذرية في هذه المتقابلة الجديدة ..
3- ثم استعراض معيقات البحث " السكون .. الرتابة .. غبار الحركة "
يقول :
"وَجَعِ الكلماتِ
تُمَزقُها تفرُّعاتُ الرتابة المَشدودةِ
إلى أوتادِ العَتَمَةِ
أحاولُ أن أشْرُدَ في غُبارِ الحركَةِ
وسَديمِ السكون "
بعد كل ماسبق لابد أن يضعنا الكاتب أمام المعيقات التي يواجهها الباحث الحكيم وكانت أيضا بمنتهى الدقة تمثل بمجملها الحالة المادية التي تفرض نفسها في جميع
مراحل التفكير ( التوقع ) وبكثير من الأشكال لتعيق البحث
حول الحقيقة وتصعب الرصد والتحقق إما بالسكون الثابت
وإما بغبار الحركة والذي يمثل الظواهر الثانوية الخارجية المضللة التي تخفي هدف الحركة وحقيقتها .. ولا بد أن نلاحظ هنا متقابلة الحركة والسكون التي يطرحها الكاتب ذات العلاقة التنافسية في تشكيل الوجود ( ميدان البحث ) وفي بناء العامل المعيق المطروح هنا لتمثل هذه الثنائية التقابلية خصوصية جذرية متغيرة ومتجددة لخصوصية صورية هي : الوجود
4- وميدان البحث هو هذا الوجود اللغز ..!!
يقول :
" .. اللاهِثِ
خلفَ بَريقِ الوجودِ الهُلامِيِّ "
بقي هذا الوجود الذي يضمنا يخفي لغزه وحقيقته التي تتضمن حقيقتنا .. بقي يمثل ميدان البحث الهائل الذي جعله الكاتب يحمل خصوصية صورية مع متقابلة الحركة والسكون ليشكل متقابلة تعددية جديدة مدهشة ..!!
النشوء والتكوين
أبِحَثُ عن عِشْتارَ عَنكبوتِيَّةِ اللقاحِ
أخطبوطيَّةِ الانتشارِ
تَبِثُّ في تَجْويفاتِ ليلي
خُصُوبَةَ الضوءِ الأرْجُوانِيِّ المَسفوحِ
أبْحثُ عن (كِيُوبيدَ) مِن زَمَنِ الشيحِ والحَرمَلِ
يَقرأُ فوق صحراءِ التشوُّفِ في روحي
تعاويذَ الفرحِ المذبوحِ
في بداية جديدة يعلن طورا متقدما في عملية البحث أكثر خصوصية وأكثر عمقا في ذاتية الكاتب وكان شديد الاختصار والوضوح في تقديمه ( أبحث عن عشتار ) وبعيدا عن الدلالة الأسطورية لعشتار أو عشتاروت آلهة الحب والحرب الكلدانية
التي خلدت الأساطير حبها لتموز عشيقها وزوجها ..
الكاتب هنا يطرح المفهوم الأساس للتكوين البشري بثنائيته
آدم وحواء أو المرأة والرجل وهذا ما يبرر فضاء القداسة الذي
أحاط به هذا المفهوم من خلال طرحه نموذج الآلهة عشتاروت
كنصف أنثوي مباشر له هو ( الرجل ) ..
ونتأكد هنا من أن الكاتب يطرح هذه التقابلية ( المرأة والرجل ) باعتباراتها الفكرية ( وليس العاطفية ) ليحدد المفاهيم البنائية
متوقعة لديه عن أصل النشوء .. نتأكد من خلال ما جاء لاحقا
من مفردات ذات دلالات اصطلحية غير عاطفية أو شعورية
( مثل الخصوبة .. والانتشار ) وأخرى ذات دلالات احتمالية تشير للقوى الـ ماورائية والغيبية ( مثل كيوبيد .. والتعاويذ )
ولكن في مقابل الفكر المتحفز الباحث ظل هناك جسد يعيش حالة نقص وانقسام وتشتت ينتظر التحاما بجسد ( المرأة ) يعيش مظاهر التشتت ذاتها ( َعنكبوتِيَّةِ اللقاحِ .. أخطبوطيَّةِ الانتشارِ ) بما يوحي هذا التعبير عن حالة التكاثر التي أساسها ثنائية المرأة والرجل .. ولنلاحظ أن هذه المتقابلة الجديدة هنا
مع شدة خصوصيتها والتصاقها بالكاتب ( كرجل ) إلا أنه بقي يطرحها بصيغتها الفكرية المفاهيمية إذا صح التعبير متجردا
وملتصقا بكل مناسك الحكيم الباحث ( تَبِثُّ في تَجْويفاتِ ليلي
ثنائية الضوءِ الأرْجُوانِيِّ ) ( أبْحثُ عن كِيُوبيدَ) ( يَقرأُ فوق صحراءِ التشوُّفِ في روحي ) ..
ثم نلاحظ هنا تقابلية أخرى يطرحها ويئن بها الكاتب لو صح التعبير وهي تقابلية مضاعفة جديدة فمقابل التقابلية الأولى
( المرأة والرجل ) هناك القدر أو القوة الغيبية ( الخالق ) ليشكل هنا تقابلية مضاعفة مثلت ثنائية المرأة والرجل الخصوصية الصورية لها والقوة الماورائية ( الخالق ) الخصوصية الجذرية التي لا تؤثر فيها ( تعاويذَ الفرحِ المذبوحِ ) فإلى أين
يقوده هذا ..؟؟
السراب
3
لا شيءَ يَكتُبُني إلا لُغَةُ الترابِ المبحُوحِ
ما زلتُ أخَزِّنُ في جِرابِ النوايَا
بعضَ رُفاتٍ مِن أحلامِ اليَمامِ
وبَعضَ فُتاتٍ مِن نَهَمِ العُقابِ
ما زلتُ أتلَفَّتُ
لاوِيًا عُنُقَ الزئبَقِ المَسكوبِ في مِحْرار الزمنِ
ما زلتُ ألَوِّحُ للقمَرِ المتمَدِّدِ فوقَ أرجوحتِهِ الزرقاءِ
لا شيءَ يَصعدُ بي إليهِ
إلا لغةٌ مِن حَريرِ الوَهَجِ
تكتُبني
وتسْكُبُني
كرَحيقِ الحُلمِ في فِنجانِ الحقيقةِ
يأس المسافر وأمل الوصول هما ثنائية يصنعها السراب وهنا
ببداية صادمة جديدة وفي طور جديد من الرحلة يصفعنا الكاتب
" لا شيء " . . لا شيء تعني الخواء وها هو الباحث الحكيم
يعود للمربع الأول ولكن لنلاحظ شيئا مهما ..
لا شيء يكتبني ..!!
إلا لغة التراب ..!!
بعض رفاة ..!!
أنه الآن يطرح متقابلة جديدة هي الحياة والموت وهذا مفهوم كبير جدا أعلى مما سبق طرحها من مفاهيم وربما حاول الكاتب أن يصل إلى هنا بكل دقة وتحديد وتركيز عال ليقف حائرا
( لاوِيًا عُنُقَ الزئبَقِ ) ويتراجع التحديد والدقة معبرا عن حالة من اليأس بطعم التمرد وبتعاقبية الأمل واليأس السرابية ..
ما زلتُ أخَزِّنُ .. أحلامِ اليَمامِ .. نَهَمِ العُقابِ
ما زلتُ أتلَفَّتُ لاوِيًا عُنُقَ الزئبَقِ
.. مِحْرار الزمنِ
ما زلتُ ألَوِّحُ للقمَرِ المتمَدِّدِ فوقَ أرجوحتِهِ الزرقاءِ
لا شيءَ يَصعدُ بي إليهِ
ولكن مع صعوبة واشتداد التقدم في رحلة البحث استعاد الفكر
زمام المبادرة وقدم لنا الكاتب تقابلية مضاعفة جديدة مدهشة
وذات طرح فكري عال تمثل جدلية الحياة البشرية برمتها ففي مقابل ثنائية الموت والحياة ( القدرية ) يطرح الكاتب وبقوة الخيار الإنساني العاقل ليشكل تقابلية مضاعفة جديدة تمثل ثنائية الموت والحياة خصوصيتها الصورية وتحيل للوهج الفكري الإنساني خصوصيتها الجذرية ..
( لغةٌ مِن حَريرِ الوَهَجِ تكتُبني )
ولابد أن تعاد الأمور بمسارها الحلزوني إلى طور أعلى في رحلة البحث عن الحقيقة المتوارية في هذا الوجود اللا محدود ..
( تسْكُبُني كرَحيقِ الحُلمِ في فِنجانِ الحقيقةِ )
الحيرة
4
أنا، - يا أنا- مَنْ أنا؟
أَشِهابٌ مَبتورٌ مِن جِذعِ النارِ
أم خاطرٌ مَخبوءٌ في ضَميرِ الجليدِ المسْجُورِ؟
يَجِلِدُني السؤالِ بسِياطِ الصمتِ
يُجَندِلُنِي
يُمَرِّغ ظلي في سرابِ الحَيرةِ
لا ريبَ أنيِّ خَبرٌ
مَسطورٌ في كِتابِ النهرِ
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يقر...أنِي....؟
هدف الرحلة يظهر سافرا صادما الآن .. ( أنا )
أنها الرحلة الفلسفية التي سجلها الفكر الإنساني منذ فجر الأنسانية يبدؤها الإنسان من نفسه وينطلق في بحثه محلقا في أرجاء الكون ليعود وينتهي ليجد نفسه أمام نفسه من حيث بدأ .. ( أنا - يا أنا - من أنا ) ..
يفسح الكاتب هنا المجال واسعا للتوقع ( الفكر) غير المؤسس على كل ما سبق وقدمه من مفاهيم في تعمد واضح للقفز إلى الأمام وخرق كل ما تم التوصل إليه من نتائج معرفية محكومة بمفاهيم وعلاقات .. إنها ( فوضى فكرية خلاقة )
يندفع بها الكاتب للتصدي لمعضلات ارتبطت بالحقيقة المنشودة التي وجد أنها ليست سوى حقيقة الإنسان الجذر الأساس والمبرر لِكُنْهِ الحقيقة ذاتها .. وتتوالى التساؤلات
مَنْ أنا؟
أَشِهابٌ مَبتورٌ ..؟؟
أم خاطرٌ مَخبوءٌ ؟
يَجِلِدُني السؤالِ بسِياطِ الصمتِ ..!!
الحيرة تأخذ طابعا فاعلا هنا بعد طرح هذه الأسئلة التي تبدو
للوهلة الأولى شاذة وغير منطقية ولا تنتظم في نسق منسجم ولكن الحقيقة أنه قدم تقابليات جديدة مدهشة أقل مستوى من سابقاتها ولكنها أكثر ارتباطا بوجوده المادي ( النار والجليد ) كمظاهر لثنائية الموت والحياة ويلازمها تقابلية أخرى ( الشهاب والخاطر ) كمظاهر لثنائية الجسد والفكر ..
ثم لينتقل بنا إلى عمقه الوجداني ( القناعة أو العقيدة ) وهنا كان متسرعا برأيي وانقض على الحكيم الباحث ليقتل عمله وينهي مهمته بتأكيد ٍ( لاريب ) غير مبرر ( أبداعيا ) عن الحقيقة المنشودة
لا ريبَ أنيِّ خَبرٌ
مَسطورٌ في كِتابِ النهرِ
هذه نغمة قدرية ( تديّنية ) سمعناها كثيرا وآمنا بها وفي مقابلها يضع الكاتب نغمة أخرى مازالت تلح وتفرض نفسها
عليه ( حرية وخياريّة الإنسان ) في تقابلية معضلة أخيرة تضع
الأنسان مقابل القدر الذي يصنعه الخالق .. ( الإنسان والله )
الإيمان الأعمى و العقل الباحث المتشكك ..
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يقر...أنِي....؟
1
لا شَيءَ يَصعدُ بي إلى أرجُوحة القمرِ
إلا انْفتِاحُ خياشيمِ الليلِ على رماد الكلمة المُحترِقةِ
هأنذا أرَقِّعُ ثوبَ التوَقعِ المَصلوبِ في جَسدي
أنا خارطةٌ مِن وَجَعِ الكلماتِ
تُمَزقُها تفرُّعاتُ الرتابة المَشدودةِ
إلى أوتادِ العَتَمَةِ
أحاولُ أن أشْرُدَ في غُبارِ الحركَةِ
وسَديمِ السكون اللاهِثِ
خلفَ بَريقِ الوجودِ الهُلامِيِّ
في بداية صادمة نافية " لا شيء .." يقدم الحكيم الباحث تقييما لما لديه في رحلة بحثه الشخصية عن الحقيقة مع تقرير مسبق ببعد الهدف وبجماله الباهر " أرجوحة القمر " وهذا يؤكد أن المهمة شاقة وتكاد تكون مستحيلة ولكننا سنرى إصرار الحكيم الباحث في نفس الكاتب وهو يحرر ويحرك الأشياء ويعطيها روحا تمثل البعد الحيوي الرابع لها وفقا لتعريفاته هوالشخصية لها وسنرى هذا تباعا .. وبعد ذلك تبدأ رحلة البحث
1- باستعراض دقيق ومختصر لمسالك متاحة وعناوين فضفاضة " الليل .. الكلمة " وقد حدد لها بعدا حيويا رابعا وفقا لأساس منهجي اتبعه فيقول
" .. انفتاح خياشيم الليل * على رمادالكلمة المحترقة "
الليل يمثل صورةَ وكادرَ الحدث والكلمة جذره هذه متقابلة غير اعتيادية وغير مباشرة يطرحها الكاتب هنا فإذا كان الليل والنهار يمثل المتقابلة الاعتيادية للمترادفات التقابلية المتضادة ( مثل أبيض وأسود .. سماء وأرض .. خير وشر ..)وضعنا الكاتب هنا أمام متقابلة مختلفة قد لا تحمل معنى التضاد بقدر ما تحمل معنى التلازم العضوي تكوينيا فالليل - المتسعة خياشيمه لاستنشاق وابتلاع الكلمة المحترقة -
بفعل الزمن بما في عمرها من الانتظار والياس والأمل -
بات لا معنى ولا دور لهذا الليل بدون هذه الكلمة التي حلت محل النهار
في المتقابلة المادية المعتادة بين الليل والنهار فالكلمة هي النهار الذي يحترق ليبتلعه الليل .. مع ملاحظة أن الليل حمل الخصوصية الصورية الجامدة والثابتة والكلمة مثلت الخصوصية الجذرية الفاعلة والمتجددة ..
2- استعراض بعض الأدوات الثاقبة " التوقع .. خارطة "
يقول :
" أرَقِّعُ ثوبَ التوَقعِ المَصلوبِ في جَسدي
أنا خارطةٌ مِن وَجَعِ الكلماتِ "
لا يمكن للكلمة ( الفكر ) أن تتحرر من سطوة ضوابط الحدث ( الزمان والمكان والفعل ) إلا بأداة ( التوقع ) قد لا تكون بالقوة المطلقة المحققة النتائج دائما ولكنها فعالة بيد الباحث الحكيم وتتيح تباعا الوصول إلى معرفة موثوقة نسبيا انطلاقا من واقع معاش وهكذا رأينا الأداة تخفق وتصيب ويستحيل الجسد الحي خارطة لها وهنا نجد مرة أخرى متقابلة جديدة ( التوقع ) الذي هو فعل الخلق الفكري كأداة حية مقابل مجموع المعارف التي يحملها ويعيشها الجسد ( خارطة وجع الكلمات ) كما يشكله الفكر مع ملاحظة أن المقابلة هنا بين الجسد الجامد الخاضع ممثلا الخصوصية الصورية والفكر الخلاق والمتجدد ممثلا الخصوصية الجذرية في هذه المتقابلة الجديدة ..
3- ثم استعراض معيقات البحث " السكون .. الرتابة .. غبار الحركة "
يقول :
"وَجَعِ الكلماتِ
تُمَزقُها تفرُّعاتُ الرتابة المَشدودةِ
إلى أوتادِ العَتَمَةِ
أحاولُ أن أشْرُدَ في غُبارِ الحركَةِ
وسَديمِ السكون "
بعد كل ماسبق لابد أن يضعنا الكاتب أمام المعيقات التي يواجهها الباحث الحكيم وكانت أيضا بمنتهى الدقة تمثل بمجملها الحالة المادية التي تفرض نفسها في جميع
مراحل التفكير ( التوقع ) وبكثير من الأشكال لتعيق البحث
حول الحقيقة وتصعب الرصد والتحقق إما بالسكون الثابت
وإما بغبار الحركة والذي يمثل الظواهر الثانوية الخارجية المضللة التي تخفي هدف الحركة وحقيقتها .. ولا بد أن نلاحظ هنا متقابلة الحركة والسكون التي يطرحها الكاتب ذات العلاقة التنافسية في تشكيل الوجود ( ميدان البحث ) وفي بناء العامل المعيق المطروح هنا لتمثل هذه الثنائية التقابلية خصوصية جذرية متغيرة ومتجددة لخصوصية صورية هي : الوجود
4- وميدان البحث هو هذا الوجود اللغز ..!!
يقول :
" .. اللاهِثِ
خلفَ بَريقِ الوجودِ الهُلامِيِّ "
بقي هذا الوجود الذي يضمنا يخفي لغزه وحقيقته التي تتضمن حقيقتنا .. بقي يمثل ميدان البحث الهائل الذي جعله الكاتب يحمل خصوصية صورية مع متقابلة الحركة والسكون ليشكل متقابلة تعددية جديدة مدهشة ..!!
النشوء والتكوين
أبِحَثُ عن عِشْتارَ عَنكبوتِيَّةِ اللقاحِ
أخطبوطيَّةِ الانتشارِ
تَبِثُّ في تَجْويفاتِ ليلي
خُصُوبَةَ الضوءِ الأرْجُوانِيِّ المَسفوحِ
أبْحثُ عن (كِيُوبيدَ) مِن زَمَنِ الشيحِ والحَرمَلِ
يَقرأُ فوق صحراءِ التشوُّفِ في روحي
تعاويذَ الفرحِ المذبوحِ
في بداية جديدة يعلن طورا متقدما في عملية البحث أكثر خصوصية وأكثر عمقا في ذاتية الكاتب وكان شديد الاختصار والوضوح في تقديمه ( أبحث عن عشتار ) وبعيدا عن الدلالة الأسطورية لعشتار أو عشتاروت آلهة الحب والحرب الكلدانية
التي خلدت الأساطير حبها لتموز عشيقها وزوجها ..
الكاتب هنا يطرح المفهوم الأساس للتكوين البشري بثنائيته
آدم وحواء أو المرأة والرجل وهذا ما يبرر فضاء القداسة الذي
أحاط به هذا المفهوم من خلال طرحه نموذج الآلهة عشتاروت
كنصف أنثوي مباشر له هو ( الرجل ) ..
ونتأكد هنا من أن الكاتب يطرح هذه التقابلية ( المرأة والرجل ) باعتباراتها الفكرية ( وليس العاطفية ) ليحدد المفاهيم البنائية
متوقعة لديه عن أصل النشوء .. نتأكد من خلال ما جاء لاحقا
من مفردات ذات دلالات اصطلحية غير عاطفية أو شعورية
( مثل الخصوبة .. والانتشار ) وأخرى ذات دلالات احتمالية تشير للقوى الـ ماورائية والغيبية ( مثل كيوبيد .. والتعاويذ )
ولكن في مقابل الفكر المتحفز الباحث ظل هناك جسد يعيش حالة نقص وانقسام وتشتت ينتظر التحاما بجسد ( المرأة ) يعيش مظاهر التشتت ذاتها ( َعنكبوتِيَّةِ اللقاحِ .. أخطبوطيَّةِ الانتشارِ ) بما يوحي هذا التعبير عن حالة التكاثر التي أساسها ثنائية المرأة والرجل .. ولنلاحظ أن هذه المتقابلة الجديدة هنا
مع شدة خصوصيتها والتصاقها بالكاتب ( كرجل ) إلا أنه بقي يطرحها بصيغتها الفكرية المفاهيمية إذا صح التعبير متجردا
وملتصقا بكل مناسك الحكيم الباحث ( تَبِثُّ في تَجْويفاتِ ليلي
ثنائية الضوءِ الأرْجُوانِيِّ ) ( أبْحثُ عن كِيُوبيدَ) ( يَقرأُ فوق صحراءِ التشوُّفِ في روحي ) ..
ثم نلاحظ هنا تقابلية أخرى يطرحها ويئن بها الكاتب لو صح التعبير وهي تقابلية مضاعفة جديدة فمقابل التقابلية الأولى
( المرأة والرجل ) هناك القدر أو القوة الغيبية ( الخالق ) ليشكل هنا تقابلية مضاعفة مثلت ثنائية المرأة والرجل الخصوصية الصورية لها والقوة الماورائية ( الخالق ) الخصوصية الجذرية التي لا تؤثر فيها ( تعاويذَ الفرحِ المذبوحِ ) فإلى أين
يقوده هذا ..؟؟
السراب
3
لا شيءَ يَكتُبُني إلا لُغَةُ الترابِ المبحُوحِ
ما زلتُ أخَزِّنُ في جِرابِ النوايَا
بعضَ رُفاتٍ مِن أحلامِ اليَمامِ
وبَعضَ فُتاتٍ مِن نَهَمِ العُقابِ
ما زلتُ أتلَفَّتُ
لاوِيًا عُنُقَ الزئبَقِ المَسكوبِ في مِحْرار الزمنِ
ما زلتُ ألَوِّحُ للقمَرِ المتمَدِّدِ فوقَ أرجوحتِهِ الزرقاءِ
لا شيءَ يَصعدُ بي إليهِ
إلا لغةٌ مِن حَريرِ الوَهَجِ
تكتُبني
وتسْكُبُني
كرَحيقِ الحُلمِ في فِنجانِ الحقيقةِ
يأس المسافر وأمل الوصول هما ثنائية يصنعها السراب وهنا
ببداية صادمة جديدة وفي طور جديد من الرحلة يصفعنا الكاتب
" لا شيء " . . لا شيء تعني الخواء وها هو الباحث الحكيم
يعود للمربع الأول ولكن لنلاحظ شيئا مهما ..
لا شيء يكتبني ..!!
إلا لغة التراب ..!!
بعض رفاة ..!!
أنه الآن يطرح متقابلة جديدة هي الحياة والموت وهذا مفهوم كبير جدا أعلى مما سبق طرحها من مفاهيم وربما حاول الكاتب أن يصل إلى هنا بكل دقة وتحديد وتركيز عال ليقف حائرا
( لاوِيًا عُنُقَ الزئبَقِ ) ويتراجع التحديد والدقة معبرا عن حالة من اليأس بطعم التمرد وبتعاقبية الأمل واليأس السرابية ..
ما زلتُ أخَزِّنُ .. أحلامِ اليَمامِ .. نَهَمِ العُقابِ
ما زلتُ أتلَفَّتُ لاوِيًا عُنُقَ الزئبَقِ
.. مِحْرار الزمنِ
ما زلتُ ألَوِّحُ للقمَرِ المتمَدِّدِ فوقَ أرجوحتِهِ الزرقاءِ
لا شيءَ يَصعدُ بي إليهِ
ولكن مع صعوبة واشتداد التقدم في رحلة البحث استعاد الفكر
زمام المبادرة وقدم لنا الكاتب تقابلية مضاعفة جديدة مدهشة
وذات طرح فكري عال تمثل جدلية الحياة البشرية برمتها ففي مقابل ثنائية الموت والحياة ( القدرية ) يطرح الكاتب وبقوة الخيار الإنساني العاقل ليشكل تقابلية مضاعفة جديدة تمثل ثنائية الموت والحياة خصوصيتها الصورية وتحيل للوهج الفكري الإنساني خصوصيتها الجذرية ..
( لغةٌ مِن حَريرِ الوَهَجِ تكتُبني )
ولابد أن تعاد الأمور بمسارها الحلزوني إلى طور أعلى في رحلة البحث عن الحقيقة المتوارية في هذا الوجود اللا محدود ..
( تسْكُبُني كرَحيقِ الحُلمِ في فِنجانِ الحقيقةِ )
الحيرة
4
أنا، - يا أنا- مَنْ أنا؟
أَشِهابٌ مَبتورٌ مِن جِذعِ النارِ
أم خاطرٌ مَخبوءٌ في ضَميرِ الجليدِ المسْجُورِ؟
يَجِلِدُني السؤالِ بسِياطِ الصمتِ
يُجَندِلُنِي
يُمَرِّغ ظلي في سرابِ الحَيرةِ
لا ريبَ أنيِّ خَبرٌ
مَسطورٌ في كِتابِ النهرِ
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يقر...أنِي....؟
هدف الرحلة يظهر سافرا صادما الآن .. ( أنا )
أنها الرحلة الفلسفية التي سجلها الفكر الإنساني منذ فجر الأنسانية يبدؤها الإنسان من نفسه وينطلق في بحثه محلقا في أرجاء الكون ليعود وينتهي ليجد نفسه أمام نفسه من حيث بدأ .. ( أنا - يا أنا - من أنا ) ..
يفسح الكاتب هنا المجال واسعا للتوقع ( الفكر) غير المؤسس على كل ما سبق وقدمه من مفاهيم في تعمد واضح للقفز إلى الأمام وخرق كل ما تم التوصل إليه من نتائج معرفية محكومة بمفاهيم وعلاقات .. إنها ( فوضى فكرية خلاقة )
يندفع بها الكاتب للتصدي لمعضلات ارتبطت بالحقيقة المنشودة التي وجد أنها ليست سوى حقيقة الإنسان الجذر الأساس والمبرر لِكُنْهِ الحقيقة ذاتها .. وتتوالى التساؤلات
مَنْ أنا؟
أَشِهابٌ مَبتورٌ ..؟؟
أم خاطرٌ مَخبوءٌ ؟
يَجِلِدُني السؤالِ بسِياطِ الصمتِ ..!!
الحيرة تأخذ طابعا فاعلا هنا بعد طرح هذه الأسئلة التي تبدو
للوهلة الأولى شاذة وغير منطقية ولا تنتظم في نسق منسجم ولكن الحقيقة أنه قدم تقابليات جديدة مدهشة أقل مستوى من سابقاتها ولكنها أكثر ارتباطا بوجوده المادي ( النار والجليد ) كمظاهر لثنائية الموت والحياة ويلازمها تقابلية أخرى ( الشهاب والخاطر ) كمظاهر لثنائية الجسد والفكر ..
ثم لينتقل بنا إلى عمقه الوجداني ( القناعة أو العقيدة ) وهنا كان متسرعا برأيي وانقض على الحكيم الباحث ليقتل عمله وينهي مهمته بتأكيد ٍ( لاريب ) غير مبرر ( أبداعيا ) عن الحقيقة المنشودة
لا ريبَ أنيِّ خَبرٌ
مَسطورٌ في كِتابِ النهرِ
هذه نغمة قدرية ( تديّنية ) سمعناها كثيرا وآمنا بها وفي مقابلها يضع الكاتب نغمة أخرى مازالت تلح وتفرض نفسها
عليه ( حرية وخياريّة الإنسان ) في تقابلية معضلة أخيرة تضع
الأنسان مقابل القدر الذي يصنعه الخالق .. ( الإنسان والله )
الإيمان الأعمى و العقل الباحث المتشكك ..
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يَقرأنِي؟
مَنْ يقر...أنِي....؟
...........
كان النص جميلا وراقيا ويسوقنا بسلاسة بين بؤر الصراع الفكري العنيف المطروحة وكان العنوان " تنويعاتٌ على إيقاع الرتابة " واهيا جدا بحيث يمكن أن يخفي كل ملامح النص الضمنية ويعبر بشدة عن الحالة الشكلية في معالجة الموضوع .. ويشير إلى
الحالة الذاتية الإبداعية للكاتب في هذا النص ..
وإلى جانب الانزياحات والتكثيف واللغة الشعرية والشاعرية العالية والإيقاع الداخلي السلس والجميل .. حمل النص - وبتكثيف فكري عال - الكثير من القضايا والمفاهيم الكبيرة
وهنا أريد أن أشير إلى أن التكثيف لا يظهر في الجملة الشعرية الكلامية التعبيرية فقط بل في مستوى آخر أعلى هو التكثيف الفكري, وتكثيف الأفكار مع الحفاظ على وضوحها وبساطتها أمر في غاية الصعوبة والتعقيد اشتهر وتميز به الماغوط , وهنا لا بد أن أشيد بقدرات الكاتب الغسري
العالية في تقديم هذا النوع من التكثيف في نصه الجميل هذا
والذي يستحق بحد ذاته وساما على هذا التميز مع أني لم أقرأ باقي النصوص المشاركة في مسابقة قصيدة النثر ..
كل التحية والتقدير للشاعر المبدع عبد اللطيف غسري
مجلس النقد