اللاعودة ..
تتمركز في مخيلتي الآن فكرة اللاعودة .. و تطيح بي اشارات الماضي السحيق في غياهب اللامعقول .. حين يصبح كل شئ معقول .. يحين يستبد الطمع بأشداق ( الحواريون) بكسر الحاء .. حين يتذكر التاريخ وجه المدائن الغارقة في دماء محبيها .. حين تسقط جثث الرجال على مذبحة الحرية .. حين تدارييني عينى أمي عن رائحة البصاصين و أصحاب الطريقة المثلى أو الفضلى لا يهم .. المهم أن تعرف طريقك وحدك عبر كل الدروب المغلقة .. اما أن تكون مع أو لا تكون .. لا تكن واهما و أبشر بما يفعلون ..
تتشكل في ذاكرتي الآن فكرة اللاعودة .. و كأنني للوهلة الأولى استسلمت لمعطيات التشكيك المضللة ( بفتح اللام ) .. وهرعت لأمسك شمعة كانت ما تزال باقية .. و لأنني ما أعددت خطة وافية و لأن اللصوص قرروا سرقتها مع تأييد كل الصفوة البالغة .. تسمر (بسكون الميم ) وعيي دفعة واحدة .. وصرت أسمع ما يقولون و أخوض مع الذين يخوضون .. فالمسرح مفتوح لكل الممثلون .. لا تكن واهما و أبشر بما يفعلون ..
هي فكرة اللاعودة برأسي تتأرجح بين اليقين و الحنين .. معالم الطريق تتشكل من جديد .. بأدوات لا نعرف عنها الا القليل ومع هذا نقول لأنفسنا لقد أنجزنا شيئا كثير .. لقد أسقطنا فراعين هذا الزمان فماذا بعد ؟؟؟؟ ..
نقطة من أول السطر.. حدثني اذا عن بلاد يحكى أن بها سلطان .. أصبح بعد دهر من الزمان بلا عنوان .. يحكى أيضا أن الشعب هو الذي أطاح بالسلطان و كان ما كان .. أتريد أن تعرف البقية .. ما أذكره أن الشعب لا يريد سلطانا و لا يريد الأمن و الأمان و أنه يسعى لخراب الأوطان .. وأنه.. يكفينا من هذا الهراء و الامتهان .. كفانا قرعا على طبول معطوبة .. تدجيلا للدماء المسكوبة .. كفانا شتما لكل الرموز المطلوبة .. كفانا تجارة بأرواح الملايين في سوق النخاسة الموبوءة بأشرعة الشر القريبة المحبوكة .. ماذا بعد ؟؟؟ ..
تترسب الآن في شرايني فكرة اللاعودة .. و البدايات كلها مصلوبة .. مقطوعة عمدا و قصرا .. تتبرر الآن عندي كل الاحتمالات الهزيلة بأننا سنصبح في فم التمساح لقمة سائغة .. و أننا لن نقدر حتى على مقاومة المد القادم فنحن لا نملك سلاحا و لا مالا و حتى قدرات هجومية .. نحن نملك فقط خططا استراتيجية و مبادرات دبلوماسية .. نملك ايضا رصيدا جارفا و تاريخا عظيما و أصبحنا الآن نعيش في حرية .. نحن نملك سادتي ألوية سرية .. تردع العدوان بأيد خفية .. تفكروا يا سادتي تلك هي القضية .. و تلك هي الحقيقة المقضية .. ماذا بعد ؟؟؟..
تتحلل فكرة اللاعودة في خلاياي المزمنة و تتحكم بكل ملابسات المسألة .. و المسألة أن تذهب لبيتك باكرا في الأيام الاعتيادية أما الجمع فهي للمظاهرات العلنية و الاحتجاجات القوية و المطالب الشعبية .. المسألة أن تلعن القنوات الفضائية و تستغفر من تصريحات كل الأفواه الزكية و تضرب كف بكف على ما يحدث في أوطاننا البهية .. المسألة يا سادتي تعقدت حتى أضحت جراحة مستعصية ..
المسألة ما زالت تتخبط في تصفية حسابات شخصية و مصالح لا تنقضي بل تزيد بشراهة وحشية .. المسألة باتت أكبر من كل الكلمات فماذا تفعلون ؟ و الى أين تسيرون ؟ و هل هذا ما تبغون ؟؟
أجيبون .. ألا تسمعون أم أنتم كلكم تتكلمون ؟
يحكى أنه كان يسمع ما يقولون .. و يخوض مع الذين يخوضون .. و أنه لم يقتنع بما يفعلون .. لم يقتنع أبدا بما يفعلون .
تعليق