الصور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الحميد الغرباوي
    عضو الملتقى
    • 09-10-2009
    • 24

    الصور

    سمع شخصا يأمره بصوت متشنج بأن يعتدل و يلتزم مكانه و لا يتحرك، و لا يفتح فمه، كي يأخذ له صورة ناصعة لا تشويش فيها...
    و لقوة خفية، امتثل للأمر و وقف وقفة عسكري منضبط أكثر من اللازم، لحظة مرور "كبير" كتفاه مثقلتان بالنياشين..
    هذا الذي بقي عالقا بذهنه...
    أما مكان و زمان حدوث ذلك، فلا يستطيع تحديدهما بدقة أو بتقريب حتى...
    غبش يضبب الرؤية...
    لم يتبين المكان
    و لا الشخص..
    و لا يده التي كانت تحمل الآلة،
    و لا الآلة،
    و لا الأصبع الذي ضغط على الزر...
    كل شيء حدث فجأة على حين غرة...
    "كليك"...
    وحده، صوت الضغطة، لا يزال يتردد صداه الرفيع في أذنه...
    بلى ليس وحده،..
    هناك صوت..
    أصوات أخرى..
    لا يزال يتردد صداها في أذنه..
    كهدير...
    و الباقي كما لو..
    أضغاث أحلام.. خيالات..
    كان كمن مورست عليه عملية تخدير متقنة و مدروسة بعناية..
    لكنْ، ما وقع، هل وقع داخل شقته أم خارجها؟...
    داخل شقته؟...
    كيف؟..
    و من ذا الذي يجرؤ على دخول شقة مواطن آمن مثله، مسالم، دون استئذان؟...
    و هل فعلا تم تخديره؟..
    أ بطلقة إبرة مخدر انطلقت من نافذة مقابلة لنافذة شقته أصابت وركه، كما يحدث لحيوانات الغاب؟...أم بمخدر سُرب له في الماء بتقنيات مدهشة...
    مثل هذا لا نشاهده إلا في الأفلام و خاصة أفلام الجاسوسية...
    خارج شقته؟
    أين؟...
    ***
    ليس يدري السبب...
    فالبارحة، و قبل أن يخلد للنوم، تابع ما بثته قنوات الأخبار،...
    الأرض تميد من تحت الأقدام...
    و في كل مشهد دم...
    قنابل فوسفورية..عنقودية..ذكية !.. بشرية...
    و اللافتات تُشهر...
    رصاص يخترق الصدور و الرؤوس..
    و الحناجر تهتف...
    قناصة يستهدفون العيون...
    و الأقدام تركض...
    الساحات منابر لحرب كلامية لا تهدأ...
    و سيارات إسعاف تنوح
    و الجنازات....
    لا شيء يبعث على الفرح...
    ثم بعد ذلك، انتقل إلى قناة خاصة بالأفلام..
    المخرجون أصبحوا يتفننون في اختيار أجمل الوجوه و أفتنَها للعب دور مصاصي دماء، و مجرمين عتاة، و عصابات بارعة في النهب..و ساسة يعرفون من أين تؤكل الكتف..و جيوشٍ لا تقهر..
    و يتذكر، و هو يطفئ الشاشة المعلقة على الحائط المقابل لسريره، مستعدا لإغماض العينين توسلا لنومة تعيد لنبض القلب اتزانه، أنه أحس بجسده تغطيه طبقة دم لزج، ليس يدري مصدره..
    أ ذاته؟..
    أم ذات شخص آخر؟..
    لكنه لا يتذكر ما رآه في الحلم..
    منذ مدة صار لا يتذكر ما يراه في المنام، لكنه حين يستيقظ، يحس بأطرافه ثقيلة و بإعياء شديد يسيطر عليه، و بضيق في التنفس...
    ***
    أ يمكن أن يحدث هذا؟..
    أن يعيش الجسد حالتين...أن يكون، مثلا، في الشقة و خارجها في ذات الوقت !
    هل صحيح، أن حياة الشخص تكون أيضا في مكان آخر؟...
    ***
    و ها هي ذي الصورة، و هو يقف جامدا، و الصوت الخشن يأمره ألا يتحرك، ألا يفتح فمه، تعود لتملأ شاشة الذاكرة طولا و عرضا..
    و تلك الأصواتُ،
    لا يزال يتردد صداها في أذنه كهدير...
    لا يمكن أن يكون حدث كل هذا داخل شقة صغيرة...
    و اللحظة،..
    أين يمكن أن يكون؟...
    هو الآن يسير..
    وحيداً؟
    بلى، وسط حشد من الناس...
    خلف دليل..
    أين يمضي؟..
    و من هنا و من هناك، و حوله و من خلفه، أصوات معروفة وأخرى مجهولة، تهتف و تنشد..
    و يسمع صوتا، من خارج الحشد، يصرخ:
    "عد، عد إلينا..."
    و مع ذلك، يظل مصرا على السير خلف الدليل، كما لو كان مغمض العينين...
    عندما كان صغيرا، كان يحلو له أن يسير إلى جانب أمه، تشد عليه من يده، مغمض العينين، كما لو أنه يسير على درب مظلم يشوبه ضوء خافت قادمٌ من زمن سحيق...
    و يسمع صوتا آخر يهتف:
    "دعوه... لن يكون أول و لا آخر النادمين!
    تلا ذلك قرع كقرع طبول ضخمة هز المكان و صم الآذان...
    ثم،
    بغتة،
    يسود صمت رهيب، يلتفت حوله، خلفه، ينثني إلى الدليل يبحث عنه فلا يجد أحداً سواه.‏

    ***
    .....و يفزع من نومه على دقات متتاليات و سريعات على باب شقته..
    يضيء المصباح بيد ترتجف..
    كان على وشك فتح الباب، حين أحجم مفضلا السؤال أولا:
    " من الطارق"..
    لم يأته جواب...
    أعاد السؤال:
    " من الطارق؟"...
    لا شيء غير الصمت،..
    ... و يعود إلى فراشه وخوف جارف يعصف به..
    ***
    غدا، عندما يستيقظ، بعد ليل سيطول حتى لكأنه أبدي، حتما، سيكتشف الصور التي مررتها يد مجهول من أسفل الباب..
    عبد الحميد الغرباوي
    16/01/2012
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الغرباوي; الساعة 17-01-2012, 10:19.
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    كل شىء تشابه
    كل شىء تداخل
    في الخارج
    و في الداخل
    و في الاحلام و الكوابيس
    اختلطت إلي حد بعيد
    فما عاد يفرق بين حدث و حدث
    بين عنف الشاشة و عنف الشارع
    و عنف الاحلام
    فأيها كان الحقيقة
    الدم حقيقة و ليس لونا أحمر سلطته الشاشة
    فما بال الأمر يزداد غموضا ؟
    حتى تفنن المخرجين اختلط بتفنن ما يحدث
    بل حبكة ما يحدث أقوي و أمتن
    و أصعب على المخرجين !!

    لي عودة إلي هنا !

    صباحك ليموني النكهة
    sigpic

    تعليق

    • عبد الحميد الغرباوي
      عضو الملتقى
      • 09-10-2009
      • 24

      #3
      [كل شىء تشابه، كل شىء تداخل، في الخارج و في الداخل و في الاحلام و الكوابيس.
      اختلطت إلى حد بعيد..
      فما عاد يفرق بين حدث و حدث، بين عنف الشاشة و عنف الشارع، و عنف الأحلام..
      فأيها كان الحقيقة؟..
      الدم حقيقة و ليس لونا أحمر سلطته الشاشة...فما بال الأمر يزداد غموضا ؟
      حتى تفنن المخرجين اختلط بتفنن ما يحدث...
      بل حبكة ما يحدث أقوى و أمتن و أصعب على المخرجين !!]
      ربيع عقب الباب
      ـــــــــ
      صدقت، أخي...
      التعليق/ التحية..كان وافيا، و معبرا...
      هذا النص جديد، لا يتجاوز عمره 48 ساعة...و آثرت أن يكون أول قرائه و منتقديه الملتقى...

      تعليق

      • ريما ريماوي
        عضو الملتقى
        • 07-05-2011
        • 8501

        #4
        وكليك الكاميرة أعادت إلى ذهنه صور
        مخبأة في ذاكرته وقت الحرب,
        أحلامه ذكريات, وذكرياته
        أحلام, والحرب الباردة
        النفسية والحقيقية..

        والحقيقة الباقية الآن
        الآن هي تلك الصور.

        هكذا فهمتها...

        شكرا لك,
        تحيتي وتقديري.


        أنين ناي
        يبث الحنين لأصله
        غصن مورّق صغير.

        تعليق

        • عبد الحميد الغرباوي
          عضو الملتقى
          • 09-10-2009
          • 24

          #5
          قبل سنتين كان لي شرف الجلوس إلى جانب قامة من قامات القصة العربية سعيد الكفراوي، و أين؟.. في مدينة مراكش، خلال إحدى الملتقيات القصصية، و كانت المشاركة الأولى لأديبنا الكبير تتمحور حول قصة ليوسف إدريس لعب فيها " خاتم" دورا جوهريا..
          قراءة سطحية للقصة، لن تعطيك سوى استنتاج واحد هو أن البطل (الأعمى) كان في غاية السعادة، و تتجلى في حيوية زوجته و تجددها في كل ليلة...و تنتهي القصة هكذا: "وبالصمت راح يؤكد لنفسه أن شريكته في الفراش على الدوام هي زوجته وحلاله وزلاله وحاملة خاتمه، تتصابى مرة أو تشيخ، تنعم أو تخشن، ترفع أو تسمن، هذا شأنها وحدها، بل هذا شأن المبصرين ومسئوليتهم وحدهم، هم الذين يملكون نعمة اليقين، إذ هم القادرون على التمييز، وأقصى ما يستطيعه هو أن يشك، شك لا يمكن أن يصبح يقينًا إلا بنعمة البصر، وما دام محرومًا منه فسيظل محرومًا من اليقين، إذ هو الأعمى، وليس على الأعمى حرج، أم على الأعمى حرج."...
          لعلكم عرفتم القصة؟..إنها " بيت من لحم"...
          لكن قراءة معمقة للنص، تذهب إلى أبعد من : أعمى و ثلاث نساء...تسمو عن السطح لتعانق قضية اسمها" الوطن"...
          هذا ما أطمح إليه في هذا النص، و لو أن شتان ما بين النصين من فارق....
          فهل وفقت في مسعاي؟
          محبتي
          التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الغرباوي; الساعة 17-01-2012, 10:31.

          تعليق

          يعمل...
          X