أرادت الدفء فأحرقها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فاطمة يوسف عبد الرحيم
    أديب وكاتب
    • 03-02-2011
    • 413

    أرادت الدفء فأحرقها

    رنت بنظرات قلقة إلى سماء داهمتها غيوم داجية، هبّت من مقعدها حين اقتحم جرس الرواح سمعها وانطلقت مسرعة لتجتاز طريقها بين جموع الطالبات المزدحم إلى البوابة الخارجية للمدرسة ولتسير دروبا عسرة الارتياد نائية باتجاه مهوى الوادي حيث بيتها البعيد، هذا الطريق الوعر ترتاده يوميا مسيرة ساعة لتصل إلي منزل ذويها ، ويتقوس ظهرها بحقيبة تزدحم بالكتب المدرسية، وخيالات مرعبة تغزو مخيلتها لغربة درب يلفه الخواء.
    اليوم السماء ملبدة بغيوم سوداء والهواء مثقل بالرطوبة وسياط البرد تلسعها وأخذ رذاذ المطر يغرز وجنتيها بشراسة، تمنت لو أنها كبقية الطالبات تشارك في الحافلة الذي تنقلهم إلى بيوتهم بأجر زهيد أو لديها معطفا يقيها البرد والمطر، وكأنّ يد الحرمان امتدت بقسوة إلى ذاك العمر البريء، طوت الأرض تحت قدميها الصغيرتين ،البيت بعيد جدا ،الريح تؤرجح قطرات المطر التي بلغت أوج التجلي في هطولها وكأن غضب الطبيعة انصب فوقها، والرداء المدرسي الأزرق الرقيق يرشح بالماء، البرد يدق العظام لقد كأنّ ساقيها تجرفانها إلى مغطس ثلجي ليتجلد جسدها الغض، التفتت حولها لا يوجد مكان تستظل به من هجمات المطر .
    أسرعت قليلا لتطل عليها عمارة قيد الإنشاء لعلها الهدف المنشود، سارت إليها بخطى متعثرة، رهبة تنبع من داخلها، وقفت تحت السقف الذي يتكئ على مجموعة من الأعمدة، ولاذت قرب أول عمود ريثما يخفّ تدافع المطر، رنت إلى ردائها المدرسي الذي أخذ يضيق عن فوران الصبا وتداعيات الزمن حيث انتشرت الثقوب الصغيرة في مساحاته الكالحة ،يكمن في دواخلها حلم لعام مقبل" سأرتدي الرداء الأخضر الجديد سأنتقل للصف السابع وستقدمه لي لجنة المعونة المدرسية، ليتهم يقدمون لي معطفا جلديا ليقيني لسع البرد وهطول المطر"ثمّ هاجمتها بعض الهواجس الغاضبة واكتسحت مخيلتها " ما أقسى معلمة النظام لِمَ رفضت رواحي مبكرا قبل الهطول قائلة بغلوّ حماقة: "لا.. النظام نظام" ستقلق أمي إذا تأخرت، ليت الهطول يخف قليلا والطريق يقصر .
    تقدمت حذرة بخطوة أخرى وإطلالة تفقدية للمكان واستدارت إلى يمينها حيث ينبعث صفير الريح ووشوشات خافتة للمطر،خفق قلبها بشدة وفرت من عينيها دمعتان ثقيلتان وهي تحدق في خواء المكان، صمت مريب أطبق على المكان لكنّ صوتا اخترقه من بين الأعمدة ليبدد وحشة المكان "مين اللي هناك" نظرت إليه بربكة طفولية "عمو أنا باستنى انقطاع المطر" إنّه حارس العمارة يبدو من لهجته أنه من العمالة الوافدة نظر إليها بجفوة ثمّ قال "تعالي، هون في نار وأنت بترجفي من البرد" " لا عمو " "لا تخافي،أنت متل بنتي" سارت خلفه بين الأعمدة وأجلسها على كرسي متهالك فجلست مرتجفة وأخرج الموقد من غرفته الذي تطقطق النار حطبه بأهزوجة شتاء حزين، وضعه أمامها، ترددت قليلا ،ولم تقترب من اللهب،أقلقها خواء المكان فأخذت تلتفت يمنة ويسرة علّها تجد أحدا غيره في المكان، أدرك مغزى النظرات فردّ مبررا" ما في عمال بسبب المطر" فكرت بترك المكان، لكن البرد القارص كاد يجمد الدم في العروق والمطر يغرق الطرقات ورغبة في الدفء طاغية ،جلس قبالتها "بدك تشربي شاي، الإبريق مليان" ترددت والرغبة في إطفاء العطش والجوع تكسو وجهها البريء "لا عمو، شكرا" والشفتان ترتجفان بزرقة البرد " بل رح أصبلك كاس شاي عشان يدفيك " داخلها قليل من الاطمئنان، لم تجب، وعيناه تغصّ بقطف نظرة بعد أخرى من ذاك الوجه الصبوح، ناولها بيد مرتجفة بالشهوة كوب الشاي الداكن المحلى بوفرة ذوبان السكر فيه، شعرت بمزيج من الرهبة حين أخذ يحدق إليها برعونة كهل، وانساب الدفء إلى الجسد الصغير وتألقت وردية الخدود وأحست بوهج الدم يسري في العروق الجامدة، والعرق ينزّ من جبينه كأنه في هاجرة صيف متقد ،قال بصوت مرتعش" ضفيرتك الشقراء بتنقط ميّ ،أنشف شعرك!!"، لم تجب، تناول منشفته وأخذ يجفف الضفيرة الشقراء بهدوء وانسابت يده نحو الجسد المرتعش ولمس صدرا قليل البروز، والرغبات الجارفة تثور داخله، ارتعد جسدها وتذبذب وكادت تهوي أرضا، المطر يشتد بغزارة والريح تزأر في الخارج، لهاث محموم عبر زمن بطيء الإيقاع يزفر من صدره، عيناه تبرق بهذا التوامض المراوغ لنظرات الذئب التي ستقتحم براءة حمل أقصاه المطر عن درب القطيع، ارتبكت، انتابها شعور عصيٌّ عن الإدراك وكبّلتها هواجس مريبة أثارت هدأةِ السّكينةِ في ربيع طفولتها فأقشعر بدنها رهبة, وأنصتت إلى دبيب روحها تسري راجفة في أوصالها واستجمعت ما بقي من شجاعتها وأرادت الفرار لعل قسوة البرد أرحم من شيء ما ينتظرها, فانقض بقسوة على الذراعين، ارتعش قلبها وخافت من شيء لا تدري كنهه، وقفت تريد الفرار، صرخت،تفحّم قلبه وسقط الوعي نازفا نبضات شهوة كامنة وليحتويها بين ذراعيه ويحملها عنوة إلى غرفته المصفوفة جدرانا واهية بقوالب الطوب والمسقوفة بالصفيح ويضيء عتمتها سراج نفطي، تثور بين يديه وتتقلب كقط شرس، رماها فوق حشية رقيقة في غرفة تسرب ضوء واهن إليها من دثار سميك يغطي الجدران ويبدو كأطياف متسربلة بغموض داكن يضفي على المكان وحشة قاتلة، وترك الباب مواربا واجترأ صراخها على خدش سكينة المكان، ولم يقاومه رداؤها المدرسي المتهرئ حين سلخه عنها مهددا بيده الغليظة الخشنة وشرر الغضب يلمع في عينيه الجاحظتين، لم يستمع إلى رجائها الآتي من عمق الطفولة لذات ذبيحة"لا يا عمو، لا ياعمو "حاولت لملمة شتات قوتها الهاربة في فضاء الغرفة وبدت وكأنها تلقت طعنة مباغتة والصمت يغلفه الرعب ولم يكتم حبل لهاثه ، وافترسها بشبق الذئاب، واغتال أحلامها بيده الغليظة التي حفرت أنفاقاً من العفن في روحه، صرخت بأقصى طاقات صوتها، قاومت، غمر صوتها شجن شجي وهي ترجوه"لا يا عمو" وقطع الأنفاس الغارقة في الزاوية المُعتمة ولم يستمع إلا لشهقاته الثائرة وصوت الريح آتِ من الخارج ليزمجر في أنفاق سريّة والمطر يروي شقوق الأرض العطشى والدماء البريئة تسيل بغزارة على الفخذين لتغرق المكان، تشهق وتنتحب في داخل صدرها ونور براءتها يلقي ظلالا وحشية على الجدران، صعقت الذبيحة تريد النهوض غشاها ثانية والصراخ يعلو، سملت عيناه عن رؤية آلامها ودمائها، ارتد إليه وعيه شبه الآدميّ ليطبق بيد شرسة على فمها وعلى رقبتها وفارقتها الروح وثالثة بعد الوفاة حين استكان جسدها وتلاشت أنّات الألم، لم يفكر لحظة ماذا جنت يداه،السكون يلف المكان، المطر عطل دبيب الحياة وأراق دماء طفلة تحلم برداء مدرسي أخضر ومعطف يقيها البرد والمطر من صندوق المعونة المدرسية ورحلت مع رياح حلم باهت.
    قام إلى أكياس الاسمنت الفارغة ولف ضحيته بازدراء وحملها حيث حفرة أساس السور الخارجي التي لم تمتلئ بالإسمنت ورماها داخل الحفرة وهو يدوس على وجودها الغض، وبرزت الجديلة الشقراء من الكيس الإسمنتيّ وانطفأ حلم الرداء المدرسي الأخضر ورمى فوقها الرمل والحجارة،وانحسر المطر وأطلت شمس مغلّفة بغيوم سوداء، ووقف عند مدخل العمارة المطل على الطريق العام، رأى امرأة هائمة على وجهها تبكي وتنوح"وينك يا رنا كلّ البنات روّحوا إلا أنت، مين شاف رنا بضفيرتها الشقراء" واعتلت ابتسامة مكر وجهه وارتد بصره نحو حفرة السور.
    أشرقت شمس اليوم التالي باستحياء من فظاعة بشريّة وعاد العمال إلى عملهم وارتفع السور وباءت جهود رجال البحث الجنائي بالفشل في العثور على طفلة غيّبها المطر في شقوق الأرض وأمّ ثكلى تنخر المنطقة شهورا نائحة بحثا عن طفلة بضفيرة شقراء وعندما يضنيها إعياء البحث ترتمي عند سور العمارة ليهدهدها طيف روح هائمة في المكان فتستكين لوعة قلبها.
    اكتمل البناء وحان موعد تسليم مبنى غير مطابق للمواصفات بسبب ميلان السور ولأنها عدالة السماء لا تميل عن الحق، فطلب هدمه وإعادة بنائه من الأساس المدميّ فأطلت الضفيرة الشقراء من الكيس الإسمنتي....

    وأخذ القضاء مجراه
    من ملفات القضاء
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    ياااااه قصة تقشعر لها الأبدان...
    مسكينة رنا... والحمد لله المجرم الآثم نال عقابه.

    شكرا لك ستاذة فاطمة...

    تحيتي وتقديري.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    • آسيا رحاحليه
      أديب وكاتب
      • 08-09-2009
      • 7182

      #3
      أختي الكريمة فاطمة ...
      ذكّرتني هنا بنصيّ " اغتيال فراشة " ...
      نصك صوّر مأساة لاتزال تحدث للأسف .
      لي بعض الملاحظات هنا لو سمحت :
      تستظل به من هجمات المطر ./ أعتقد لو قلت : تتّقي به هجمات المطر لكان أفضل..
      ولاذت قرب أقرب عمود . / ربما الأصح ..لاذت إلى/ بأقرب عمود .
      لم يرق لي العنوان فعلا ثم ممكن أنّ ضمير الهاء في يحرقها يحيل القاريء إلى الدفء..
      سررت بالقراءة لك عزيزتي .
      إلى مزيد من الإبداع .
      يظن الناس بي خيرا و إنّي
      لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

      تعليق

      • فاطمة يوسف عبد الرحيم
        أديب وكاتب
        • 03-02-2011
        • 413

        #4
        العزيزة ريما
        أشكر حضورك المميز واهتمامك بالسردية والحقيقة عندما تكون القصة من الواقع تترك الأثر الكبير
        ودمت بخير

        تعليق

        • فاطمة يوسف عبد الرحيم
          أديب وكاتب
          • 03-02-2011
          • 413

          #5
          السيدة آسيا
          تحية وبعد
          لقد تشرفت بتوقيعك وسررت بملاحظاتك اللغوية أحيانا أتسرع في إرسال النص قبل التدقيق ، فشكرا لك أما عن قصتك سأقرأها لأني لم أطّلع عليها بعد ، والحادثة تتكرر باستمرار لكن تأثري بها لأنها وقعت لإحدى طالبات مدرستي وأنا أعرف أم الطالبة لذا تأثرت بها كثيرا ،والجاني قد نال جزاؤه .........
          ودمت عزيزتي

          تعليق

          • عبد الحميد عبد البصير أحمد
            أديب وكاتب
            • 09-04-2011
            • 768

            #6
            لأول مرة أرى نص متزن سميك يشد بعضه بعضا..أداء ألق،أسلوب أنيق في التناول
            ..ليس هناك فراغ بين الفقرات..القفز بين الفقرات كعادة الكتاب الذين يصيبهم الإرهاق والملل فيرأبون الصدع في نصوصهم بالفواصل المقدرة أو التكثيف الغير مبرر فيصيب القاريء التوهان المبكر فيأخذ انطباع حسي جبري مغاير لرؤية العمل وأعتقد أن هذه هي الآفة التي تعطب غالبية النصوص .في ظني أن الفارق هو اللياقة العقلية الفكرية...للأديب. النفس الطويل. قد لانحسن قراءة الظاهر ..لكننا نتمتع بمشاهدة العمق
            دام لنا قلمك السامق
            الحمد لله كما ينبغي








            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              الاسم فعلا غير لائق
              و البنات في هذه السن لا يذهبن هكذا
              لا بد أن له دورا في جذبها إلي هناك
              و إغرائها بالدفء ، و إلا ما تخطت عتبة البيت أو فك البيت
              التصوير كان قويا و معبرا بشكل متواتر ينسجم مع الحالة
              و كان الحدث يسرقك كثيرا فأحسك تحركين القلم قوة عجيبة
              بل تسوقينه سوقا !

              القفلة لم تعجبني لأنها أعطت الفعل ثوب العادية
              المعروف أو المتفق عليه طالما كان الرصد على هذا النحو
              أن معرفة ما بالجريمة قد تمت
              و طالما تناولنا الحدث من تلك الزاوية لا يجب بأية حال أن ندفع بكل ما عندنا
              اكتمل البناء وحان موعد تسليم مبنى غير مطابق للمواصفات بسبب ميلان السور ولأنها عدالة السماء لا تميل عن الحق، فطلب هدمه وإعادة بنائه من الأساس المدميّ فأطلت الضفيرة الشقراء من الكيس الإسمنتي....

              وأخذ القضاء مجراه
              من ملفات القضاء
              هذه السطر زائدة و غير مقبولة ، و إن وجد فيها دعاة الاستسهال مبتغى و مطلب !!

              سلمت أناملك

              تحيتي و تقديري

              sigpic

              تعليق

              • فاطمة يوسف عبد الرحيم
                أديب وكاتب
                • 03-02-2011
                • 413

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة احمد فريد مشاهدة المشاركة
                لأول مرة أرى نص متزن سميك يشد بعضه بعضا..أداء ألق،أسلوب أنيق في التناول
                ..ليس هناك فراغ بين الفقرات..القفز بين الفقرات كعادة الكتاب الذين يصيبهم الإرهاق والملل فيرأبون الصدع في نصوصهم بالفواصل المقدرة أو التكثيف الغير مبرر فيصيب القاريء التوهان المبكر فيأخذ انطباع حسي جبري مغاير لرؤية العمل وأعتقد أن هذه هي الآفة التي تعطب غالبية النصوص .في ظني أن الفارق هو اللياقة العقلية الفكرية...للأديب. النفس الطويل. قد لانحسن قراءة الظاهر ..لكننا نتمتع بمشاهدة العمق
                دام لنا قلمك السامق
                الأستاذ أحمد فريد
                تعليقك اليوم أثلج صدري وصدقا أراحني كأنك تحكي بلساني وهذا رأيي ،أنا أعلم أن الأدب صورة عن رد فعل وتأثر الأديب بما حوله أو يدخلنا في متاهات اللغة ولا نرى ما يراه ،لكني أميل إلى الواقعية ولا بد أن نصل إلى عبرة من النص، ولا أحب اللف والدوران حول الفكرة، بعض الأفكار تصل أحيانا وأحايين لا نفهم ماذا يريد أن يقول والمشكلة أنه كلما التبس النص الكثير من الغموض كان في رأي البعض هو الإبداع بعينه، فالأدب هو الإنسانية وكل يعبر بطريقته ، لقد أثرت بتعليقك هذا السؤال الكبير هل هناك نصا مبدعا وآخر لاشيء؟ رأيي كل من حمل القلم وكتب فكرة هو مبدع
                تحياتي وتقديري العظيم لك

                تعليق

                • فاطمة يوسف عبد الرحيم
                  أديب وكاتب
                  • 03-02-2011
                  • 413

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                  الاسم فعلا غير لائق
                  و البنات في هذه السن لا يذهبن هكذا
                  لا بد أن له دورا في جذبها إلي هناك
                  و إغرائها بالدفء ، و إلا ما تخطت عتبة البيت أو فك البيت
                  التصوير كان قويا و معبرا بشكل متواتر ينسجم مع الحالة
                  و كان الحدث يسرقك كثيرا فأحسك تحركين القلم قوة عجيبة
                  بل تسوقينه سوقا !

                  القفلة لم تعجبني لأنها أعطت الفعل ثوب العادية
                  المعروف أو المتفق عليه طالما كان الرصد على هذا النحو
                  أن معرفة ما بالجريمة قد تمت
                  و طالما تناولنا الحدث من تلك الزاوية لا يجب بأية حال أن ندفع بكل ما عندنا
                  اكتمل البناء وحان موعد تسليم مبنى غير مطابق للمواصفات بسبب ميلان السور ولأنها عدالة السماء لا تميل عن الحق، فطلب هدمه وإعادة بنائه من الأساس المدميّ فأطلت الضفيرة الشقراء من الكيس الإسمنتي....

                  وأخذ القضاء مجراه
                  من ملفات القضاء
                  هذه السطر زائدة و غير مقبولة ، و إن وجد فيها دعاة الاستسهال مبتغى و مطلب !!

                  سلمت أناملك

                  تحيتي و تقديري

                  الأستاذ ربيع
                  تحية وبعد
                  أما عن العنوان فهي قضية آراء وقناعات،لكن عذرا يبدو أنك قرأت النص على عجل ، فالفتاة طفلة في الصف السادس الابتدائي وهي في طريقها إلى البيت البعيد أمر عادي أن تغادر الطالبات المدرسة وتذهب إلى بيوتهن ، وكان الجو ماطرا ولجأت إلى الطرف الخارجي للعمارة لتستظل من المطر ،وهو الكهل الذي استدرجها بدعوى الأب الحنون الذي يشفق عليها وهي الطفلة تكاد تموت بردا .
                  أما عن القفلة قد تكون تقليدية ولكن هدفي مهما حاول المجرم إخفاء الجريمة فإنّ عدالة السماء ستظهر الحق ليكون رادعا خاصة "ميلان السور" لكل من يخفي جريمته يعني رأيك أن ألغي الفقرة الأخيرة ليكون النص أقوى!!!
                  لكن ما معنى هذه العبارة "فك البيت"؟
                  أشكر اهتمامك وتقديري لقلمك

                  تعليق

                  • ربيع عقب الباب
                    مستشار أدبي
                    طائر النورس
                    • 29-07-2008
                    • 25792

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة يوسف عبد الرحيم مشاهدة المشاركة
                    الأستاذ ربيع
                    تحية وبعد
                    أما عن العنوان فهي قضية آراء وقناعات،لكن عذرا يبدو أنك قرأت النص على عجل ، فالفتاة طفلة في الصف السادس الابتدائي وهي في طريقها إلى البيت البعيد أمر عادي أن تغادر الطالبات المدرسة وتذهب إلى بيوتهن ، وكان الجو ماطرا ولجأت إلى الطرف الخارجي للعمارة لتستظل من المطر ،وهو الكهل الذي استدرجها بدعوى الأب الحنون الذي يشفق عليها وهي الطفلة تكاد تموت بردا .
                    أما عن القفلة قد تكون تقليدية ولكن هدفي مهما حاول المجرم إخفاء الجريمة فإنّ عدالة السماء ستظهر الحق ليكون رادعا خاصة "ميلان السور" لكل من يخفي جريمته يعني رأيك أن ألغي الفقرة الأخيرة ليكون النص أقوى!!!
                    لكن ما معنى هذه العبارة "فك البيت"؟
                    أشكر اهتمامك وتقديري لقلمك
                    أهلا أستاذة فاطمة
                    لم أكن لأفرض عليك رأيا
                    بأن تهدمي العمل لتبنيه من جديد
                    بهذه الجملة :" عندما أصبح عليهم نقض الجدار ......................................... "
                    من هنا نستطيع أن نكشف كل شىء دون أن نذييل بأن هذه القصة من ملفات ..........
                    لا .. قرأت بامعان و توتر
                    و تجاوب مع الحدث لأنك كنت قوية ساحرة في التصوير
                    و هذه القطة المبللة و في مثل هذه السن ربما لن يقنعها أحد بالتوقف ، بل جريا سوف تكون منطلقة فارة هاربة
                    و ربما العكس ...................وهذه تكون حسب المنشأ و التربية

                    هو مجرد رأي لا أكثر ولك كل الحق فيما ترين
                    و إلا ما الفارق بين فاطمة و ايمان مثلا
                    ربيع و أحمد
                    شكرا لك
                    أما كلمة ( فك البيت ) فقد تذكرت بعد أن كتبت عتبة البيت أن البيت بلا بوابة أى فك مفغور الخطم
                    sigpic

                    تعليق

                    • بريق روح
                      عضو الملتقى
                      • 07-01-2012
                      • 13

                      #11
                      كنت أظن أن كلمة ( عمو ) كافية أن تبعث في دواخلنا الإطمئنان
                      أيقنت الآن أن بعض الظن يحث على الهلاك .. !
                      فاطمة ..
                      سلم الفكر والقلم
                      طبتِ

                      تعليق

                      • وسام دبليز
                        همس الياسمين
                        • 03-07-2010
                        • 687

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة يوسف عبد الرحيم مشاهدة المشاركة
                        رنت بنظرات قلقة إلى سماء داهمتها غيوم داجية، هبّت من مقعدها حين اقتحم جرس الرواح سمعها وانطلقت مسرعة لتجتاز طريقها بين جموع الطالبات المزدحم إلى البوابة الخارجية للمدرسة ولتسير دروبا عسرة الارتياد نائية باتجاه مهوى الوادي حيث بيتها البعيد، هذا الطريق الوعر ترتاده يوميا مسيرة ساعة لتصل إلي منزل ذويها ، ويتقوس ظهرها بحقيبة تزدحم بالكتب المدرسية، وخيالات مرعبة تغزو مخيلتها لغربة درب يلفه الخواء.
                        اليوم السماء ملبدة بغيوم سوداء والهواء مثقل بالرطوبة وسياط البرد تلسعها وأخذ رذاذ المطر يغرز وجنتيها بشراسة، تمنت لو أنها كبقية الطالبات تشارك في الحافلة الذي تنقلهم إلى بيوتهم بأجر زهيد أو لديها معطفا يقيها البرد والمطر، وكأنّ يد الحرمان امتدت بقسوة إلى ذاك العمر البريء، طوت الأرض تحت قدميها الصغيرتين ،البيت بعيد جدا ،الريح تؤرجح قطرات المطر التي بلغت أوج التجلي في هطولها وكأن غضب الطبيعة انصب فوقها، والرداء المدرسي الأزرق الرقيق يرشح بالماء، البرد يدق العظام لقد كأنّ ساقيها تجرفانها إلى مغطس ثلجي ليتجلد جسدها الغض، التفتت حولها لا يوجد مكان تستظل به من هجمات المطر .
                        أسرعت قليلا لتطل عليها عمارة قيد الإنشاء لعلها الهدف المنشود، سارت إليها بخطى متعثرة، رهبة تنبع من داخلها، وقفت تحت السقف الذي يتكئ على مجموعة من الأعمدة، ولاذت قرب أول عمود ريثما يخفّ تدافع المطر، رنت إلى ردائها المدرسي الذي أخذ يضيق عن فوران الصبا وتداعيات الزمن حيث انتشرت الثقوب الصغيرة في مساحاته الكالحة ،يكمن في دواخلها حلم لعام مقبل" سأرتدي الرداء الأخضر الجديد سأنتقل للصف السابع وستقدمه لي لجنة المعونة المدرسية، ليتهم يقدمون لي معطفا جلديا ليقيني لسع البرد وهطول المطر"ثمّ هاجمتها بعض الهواجس الغاضبة واكتسحت مخيلتها " ما أقسى معلمة النظام لِمَ رفضت رواحي مبكرا قبل الهطول قائلة بغلوّ حماقة: "لا.. النظام نظام" ستقلق أمي إذا تأخرت، ليت الهطول يخف قليلا والطريق يقصر .
                        تقدمت حذرة بخطوة أخرى وإطلالة تفقدية للمكان واستدارت إلى يمينها حيث ينبعث صفير الريح ووشوشات خافتة للمطر،خفق قلبها بشدة وفرت من عينيها دمعتان ثقيلتان وهي تحدق في خواء المكان، صمت مريب أطبق على المكان لكنّ صوتا اخترقه من بين الأعمدة ليبدد وحشة المكان "مين اللي هناك" نظرت إليه بربكة طفولية "عمو أنا باستنى انقطاع المطر" إنّه حارس العمارة يبدو من لهجته أنه من العمالة الوافدة نظر إليها بجفوة ثمّ قال "تعالي، هون في نار وأنت بترجفي من البرد" " لا عمو " "لا تخافي،أنت متل بنتي" سارت خلفه بين الأعمدة وأجلسها على كرسي متهالك فجلست مرتجفة وأخرج الموقد من غرفته الذي تطقطق النار حطبه بأهزوجة شتاء حزين، وضعه أمامها، ترددت قليلا ،ولم تقترب من اللهب،أقلقها خواء المكان فأخذت تلتفت يمنة ويسرة علّها تجد أحدا غيره في المكان، أدرك مغزى النظرات فردّ مبررا" ما في عمال بسبب المطر" فكرت بترك المكان، لكن البرد القارص كاد يجمد الدم في العروق والمطر يغرق الطرقات ورغبة في الدفء طاغية ،جلس قبالتها "بدك تشربي شاي، الإبريق مليان" ترددت والرغبة في إطفاء العطش والجوع تكسو وجهها البريء "لا عمو، شكرا" والشفتان ترتجفان بزرقة البرد " بل رح أصبلك كاس شاي عشان يدفيك " داخلها قليل من الاطمئنان، لم تجب، وعيناه تغصّ بقطف نظرة بعد أخرى من ذاك الوجه الصبوح، ناولها بيد مرتجفة بالشهوة كوب الشاي الداكن المحلى بوفرة ذوبان السكر فيه، شعرت بمزيج من الرهبة حين أخذ يحدق إليها برعونة كهل، وانساب الدفء إلى الجسد الصغير وتألقت وردية الخدود وأحست بوهج الدم يسري في العروق الجامدة، والعرق ينزّ من جبينه كأنه في هاجرة صيف متقد ،قال بصوت مرتعش" ضفيرتك الشقراء بتنقط ميّ ،أنشف شعرك!!"، لم تجب، تناول منشفته وأخذ يجفف الضفيرة الشقراء بهدوء وانسابت يده نحو الجسد المرتعش ولمس صدرا قليل البروز، والرغبات الجارفة تثور داخله، ارتعد جسدها وتذبذب وكادت تهوي أرضا، المطر يشتد بغزارة والريح تزأر في الخارج، لهاث محموم عبر زمن بطيء الإيقاع يزفر من صدره، عيناه تبرق بهذا التوامض المراوغ لنظرات الذئب التي ستقتحم براءة حمل أقصاه المطر عن درب القطيع، ارتبكت، انتابها شعور عصيٌّ عن الإدراك وكبّلتها هواجس مريبة أثارت هدأةِ السّكينةِ في ربيع طفولتها فأقشعر بدنها رهبة, وأنصتت إلى دبيب روحها تسري راجفة في أوصالها واستجمعت ما بقي من شجاعتها وأرادت الفرار لعل قسوة البرد أرحم من شيء ما ينتظرها, فانقض بقسوة على الذراعين، ارتعش قلبها وخافت من شيء لا تدري كنهه، وقفت تريد الفرار، صرخت،تفحّم قلبه وسقط الوعي نازفا نبضات شهوة كامنة وليحتويها بين ذراعيه ويحملها عنوة إلى غرفته المصفوفة جدرانا واهية بقوالب الطوب والمسقوفة بالصفيح ويضيء عتمتها سراج نفطي، تثور بين يديه وتتقلب كقط شرس، رماها فوق حشية رقيقة في غرفة تسرب ضوء واهن إليها من دثار سميك يغطي الجدران ويبدو كأطياف متسربلة بغموض داكن يضفي على المكان وحشة قاتلة، وترك الباب مواربا واجترأ صراخها على خدش سكينة المكان، ولم يقاومه رداؤها المدرسي المتهرئ حين سلخه عنها مهددا بيده الغليظة الخشنة وشرر الغضب يلمع في عينيه الجاحظتين، لم يستمع إلى رجائها الآتي من عمق الطفولة لذات ذبيحة"لا يا عمو، لا ياعمو "حاولت لملمة شتات قوتها الهاربة في فضاء الغرفة وبدت وكأنها تلقت طعنة مباغتة والصمت يغلفه الرعب ولم يكتم حبل لهاثه ، وافترسها بشبق الذئاب، واغتال أحلامها بيده الغليظة التي حفرت أنفاقاً من العفن في روحه، صرخت بأقصى طاقات صوتها، قاومت، غمر صوتها شجن شجي وهي ترجوه"لا يا عمو" وقطع الأنفاس الغارقة في الزاوية المُعتمة ولم يستمع إلا لشهقاته الثائرة وصوت الريح آتِ من الخارج ليزمجر في أنفاق سريّة والمطر يروي شقوق الأرض العطشى والدماء البريئة تسيل بغزارة على الفخذين لتغرق المكان، تشهق وتنتحب في داخل صدرها ونور براءتها يلقي ظلالا وحشية على الجدران، صعقت الذبيحة تريد النهوض غشاها ثانية والصراخ يعلو، سملت عيناه عن رؤية آلامها ودمائها، ارتد إليه وعيه شبه الآدميّ ليطبق بيد شرسة على فمها وعلى رقبتها وفارقتها الروح وثالثة بعد الوفاة حين استكان جسدها وتلاشت أنّات الألم، لم يفكر لحظة ماذا جنت يداه،السكون يلف المكان، المطر عطل دبيب الحياة وأراق دماء طفلة تحلم برداء مدرسي أخضر ومعطف يقيها البرد والمطر من صندوق المعونة المدرسية ورحلت مع رياح حلم باهت.
                        قام إلى أكياس الاسمنت الفارغة ولف ضحيته بازدراء وحملها حيث حفرة أساس السور الخارجي التي لم تمتلئ بالإسمنت ورماها داخل الحفرة وهو يدوس على وجودها الغض، وبرزت الجديلة الشقراء من الكيس الإسمنتيّ وانطفأ حلم الرداء المدرسي الأخضر ورمى فوقها الرمل والحجارة،وانحسر المطر وأطلت شمس مغلّفة بغيوم سوداء، ووقف عند مدخل العمارة المطل على الطريق العام، رأى امرأة هائمة على وجهها تبكي وتنوح"وينك يا رنا كلّ البنات روّحوا إلا أنت، مين شاف رنا بضفيرتها الشقراء" واعتلت ابتسامة مكر وجهه وارتد بصره نحو حفرة السور.
                        أشرقت شمس اليوم التالي باستحياء من فظاعة بشريّة وعاد العمال إلى عملهم وارتفع السور وباءت جهود رجال البحث الجنائي بالفشل في العثور على طفلة غيّبها المطر في شقوق الأرض وأمّ ثكلى تنخر المنطقة شهورا نائحة بحثا عن طفلة بضفيرة شقراء وعندما يضنيها إعياء البحث ترتمي عند سور العمارة ليهدهدها طيف روح هائمة في المكان فتستكين لوعة قلبها.
                        اكتمل البناء وحان موعد تسليم مبنى غير مطابق للمواصفات بسبب ميلان السور ولأنها عدالة السماء لا تميل عن الحق، فطلب هدمه وإعادة بنائه من الأساس المدميّ فأطلت الضفيرة الشقراء من الكيس الإسمنتي....

                        وأخذ القضاء مجراه
                        من ملفات القضاء
                        أهذه قصة ؟؟أنها جريمة تقشعر لها الأبدان
                        قدرة عالية على التصوير ونقل الحدث كما لو أنه أمامنا ليأخذ من تواتر أنفاسنا
                        لم يكتف بالاعتداء بل أحالها إلى جسد بلا روح ورمى بها
                        بعض الناس تموت في دواخلهم الإنسانية فتتقمص البهيمية أرواحهم
                        سعدت بقراءة هذه القصة رغم غضبي لما حدث النهاية"الخاتمة" أحالة القصة إلى قضية في محكمة
                        دمتي بخير

                        تعليق

                        • فاطمة يوسف عبد الرحيم
                          أديب وكاتب
                          • 03-02-2011
                          • 413

                          #13
                          العزيزة وسام
                          تحية حب وتقدير
                          أشكر لك هذا التفاعل مع الأحداث الواقعية التي حدثت بكل تفاصيلها
                          ونتمنى أن يترك الناس جدولا للرحمة في قلوبهم
                          ودمت عزيزتي
                          التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة يوسف عبد الرحيم; الساعة 23-01-2012, 09:36.

                          تعليق

                          • إيمان الدرع
                            نائب ملتقى القصة
                            • 09-02-2010
                            • 3576

                            #14
                            الرائعة فاطمة عبد الرحيم:
                            نصّ قرأته وانا ألهث بين السطور
                            استطعت أن تنقلي الحدث، بمهارة قلم يستوعب ما يكتب..
                            فأعطى النصّ أكله ..
                            وما زاد في الألم
                            كون هذه القصة واقعية
                            ولطالبة من طالبات مدرستك
                            ولقد عذرتك بأنك كتبتها وأنت بمنهى التأثر، والتفطّر عليها
                            فوصلت بهذا الصدق ..
                            حيّااااااكِ زميلتي الغالية.

                            تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                            تعليق

                            • فاطمة يوسف عبد الرحيم
                              أديب وكاتب
                              • 03-02-2011
                              • 413

                              #15
                              الغالية إيمان
                              تحية وبعد
                              أشكر لك تفاعلك مع أحداث النص ،وكما قلت وصل الألم حد القهر النفسي على طفلة غريرة أرادت أن تستظل من المطر،
                              أما عن طالباتنا فهن كأبنائنا نتألم ونحزن لأجلهن ، لذا كتبت بصدق تجاه قضية نعاني منها في مجتمعنا
                              ودمت عزيزتي

                              تعليق

                              يعمل...
                              X