عصافير الدوري
منذ بضعة أيام ,,,وعلى الرغم من نسمات كانون شديدة البرودة ,حيث مرورها يسيل الأنوف ويسلب خيوط الروح ,,,أخذ يشعر ببراعم غابة الصفصاف تزداد انتفاخا وخضرة, وهي تتدلى بأغصانها على صفحة دجله, وكأنها عذارى تغترف الماء,,, وعلى الرغم من وحشة الأعشاش المتناثرة هنا وهناك بين الأغصان, وبقايا النباتات المتسلقة منذ الصيف المنصرم كخيوط عنكبوت,, ,, كان يسمع أصواتا خجلة لعصافير الدوري الصغيرة وقد ارهقها البرد تعود من جديد, وتناغي بعضها بعضا عبر النهر ,,,حتى بدت له غابة الصفصاف كمدينته المهجّرة وقد بدأ الجيران بالعودة شيئا فشيئا حيث دبِّ بعض الامان وروائح صيف في الافق.
في كل ليلة كعادته كان يمر في تلك الطرق النيسميه بين بستانه و بستان جاره الذي هجّرته الطائفية المقيته,, وهو يشعل بطاريته اليدوية حيث تشابكت اغصان الأشجار في الأعلى ,من الجانبين لتمنع الرؤيا , وهو يلف بندقيته كطفل صغير خوف الندى ,,, وقد بدا بستان جاره كغابة مجنونه .. فلم يسمح لاحد من الأقتراب من البيت أو البستان منذ عامين,,, وقد ظنّ الكثيرون أنه يريده لنفسه, لكنه لم يحاول حتى دخوله , وبقي المحصول ملقى على الأرض ألى أن أصابه التلف.
من مضيفه المتواضع الذي اصطبغ سقفه بدخان لزج من الموقد المحفور في الارض ,, كان يسمع هدير الآليات الثقيلة وهي تنسحب صوب الجنوب , وعشرات من المروحيات المنخفضة وهي تكاد تلامس سعف النخيل ,وهو يردد :- بلا رجعه,, بلا رجعه اللهم اهلكهم بجبروتك .
لم يكن حديث ضيوفه من الجيران وهم يحركون ملاعق الشاي وتلك الجلبة التي طالما كرهها ,, لم يكن الحديث سوى عن الشارع العام وقد اكتظ بمئآت الآليات الثقيلة وألوانها القاتمة حتى أصبح من الصعوبة بمكان صعود الأسفلت وهم يقودون مركباتهم بتلك الطريقة الرعناء... أما هو فلم
يكن يصغي إلا ألى صوت البراعم وهي تحاول التخلص من أقبية الشتاء التي تحيطها,,,,
في الصباح كان يجلس كعادته يتكئ على السياج الطيني يتمتع بأشعة الشمس وهي تتسرب في أوصاله كتيار كهربائي ,,, وموّال قديم بين شفتيه يردده وكأنه قادم من باطن الشتاء الأخير ,,, ويحاول بيده الثقيلة طرد نحلة أصّرت على الوقوف على وجهه وكأنها تبلغه بنهاية موسم السبات ,,, وأن شجرة الخوخ لن تحتمل الإنتظار فأخرجت بعض أزهارها كسرية استطلاع .
فجأة ,, تباطأ الموال بين شفتيه كجهاز تسجيل قديم ,,وفرك عينيه اكثر من مرة وكأنه في حلم ,,, وقد خيل اإليه أنه رأى ابن جاره الصغير يركض مع الأطفال وقد استقبلوه على رأس الطريق ,,, إرتفعت ضجة الأطفال ومنبه سيارة يطرق أذنيه ,,, لا ليس حلماً إنه هو فهذه الشاحنة الصغيرة البيك أب المحملة بغير ترتيب ببعض أغراض البيوت,, نعم يعرفها إنها سيارة جاره,, فقد ذهب ذات يوم مع جاره العزيز إلى بغداد لشرائها .
خانه لسانه,,وتوقف داخل حلقه الجاف كخشبة قديمة,, فلم يستطع الكلام,, لكن الدموع التي بللت لحيته البيضاء ,, كانت أفصح من كل كلمات الترحيب التي كان
ينوي إستقبال العائدين بها
منذ بضعة أيام ,,,وعلى الرغم من نسمات كانون شديدة البرودة ,حيث مرورها يسيل الأنوف ويسلب خيوط الروح ,,,أخذ يشعر ببراعم غابة الصفصاف تزداد انتفاخا وخضرة, وهي تتدلى بأغصانها على صفحة دجله, وكأنها عذارى تغترف الماء,,, وعلى الرغم من وحشة الأعشاش المتناثرة هنا وهناك بين الأغصان, وبقايا النباتات المتسلقة منذ الصيف المنصرم كخيوط عنكبوت,, ,, كان يسمع أصواتا خجلة لعصافير الدوري الصغيرة وقد ارهقها البرد تعود من جديد, وتناغي بعضها بعضا عبر النهر ,,,حتى بدت له غابة الصفصاف كمدينته المهجّرة وقد بدأ الجيران بالعودة شيئا فشيئا حيث دبِّ بعض الامان وروائح صيف في الافق.
في كل ليلة كعادته كان يمر في تلك الطرق النيسميه بين بستانه و بستان جاره الذي هجّرته الطائفية المقيته,, وهو يشعل بطاريته اليدوية حيث تشابكت اغصان الأشجار في الأعلى ,من الجانبين لتمنع الرؤيا , وهو يلف بندقيته كطفل صغير خوف الندى ,,, وقد بدا بستان جاره كغابة مجنونه .. فلم يسمح لاحد من الأقتراب من البيت أو البستان منذ عامين,,, وقد ظنّ الكثيرون أنه يريده لنفسه, لكنه لم يحاول حتى دخوله , وبقي المحصول ملقى على الأرض ألى أن أصابه التلف.
من مضيفه المتواضع الذي اصطبغ سقفه بدخان لزج من الموقد المحفور في الارض ,, كان يسمع هدير الآليات الثقيلة وهي تنسحب صوب الجنوب , وعشرات من المروحيات المنخفضة وهي تكاد تلامس سعف النخيل ,وهو يردد :- بلا رجعه,, بلا رجعه اللهم اهلكهم بجبروتك .
لم يكن حديث ضيوفه من الجيران وهم يحركون ملاعق الشاي وتلك الجلبة التي طالما كرهها ,, لم يكن الحديث سوى عن الشارع العام وقد اكتظ بمئآت الآليات الثقيلة وألوانها القاتمة حتى أصبح من الصعوبة بمكان صعود الأسفلت وهم يقودون مركباتهم بتلك الطريقة الرعناء... أما هو فلم
يكن يصغي إلا ألى صوت البراعم وهي تحاول التخلص من أقبية الشتاء التي تحيطها,,,,
في الصباح كان يجلس كعادته يتكئ على السياج الطيني يتمتع بأشعة الشمس وهي تتسرب في أوصاله كتيار كهربائي ,,, وموّال قديم بين شفتيه يردده وكأنه قادم من باطن الشتاء الأخير ,,, ويحاول بيده الثقيلة طرد نحلة أصّرت على الوقوف على وجهه وكأنها تبلغه بنهاية موسم السبات ,,, وأن شجرة الخوخ لن تحتمل الإنتظار فأخرجت بعض أزهارها كسرية استطلاع .
فجأة ,, تباطأ الموال بين شفتيه كجهاز تسجيل قديم ,,وفرك عينيه اكثر من مرة وكأنه في حلم ,,, وقد خيل اإليه أنه رأى ابن جاره الصغير يركض مع الأطفال وقد استقبلوه على رأس الطريق ,,, إرتفعت ضجة الأطفال ومنبه سيارة يطرق أذنيه ,,, لا ليس حلماً إنه هو فهذه الشاحنة الصغيرة البيك أب المحملة بغير ترتيب ببعض أغراض البيوت,, نعم يعرفها إنها سيارة جاره,, فقد ذهب ذات يوم مع جاره العزيز إلى بغداد لشرائها .
خانه لسانه,,وتوقف داخل حلقه الجاف كخشبة قديمة,, فلم يستطع الكلام,, لكن الدموع التي بللت لحيته البيضاء ,, كانت أفصح من كل كلمات الترحيب التي كان
ينوي إستقبال العائدين بها
تعليق