ترجمة الثورة...
نجحت الثورة المصرية الشعبية السلمية التي أطلق شرارتها شباب مصر من ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير، فسرى لهبها بين جموع الشعب الذي طالما عانى من الظلم والقمع، وخرجت جموع المصريين معلنة ثورتها بعد صبر استمر لعقود طويلة كانت تعزيتهم الوحيدة خلالها أنه ربما يحمل الغد خيراً، وظل أملهم يتضافر مع صبرهم وقناعتهم حتى بلغ فساد الحكم مبلغاً شعروا معه أن كل آمالهم وما دفعوه من حياتهم سيذهب سدى في ظل تجاهل الطغمة الحاكمة لحقوق هذا الشعب وطموحاته وآماله..
صبر المصريون عقوداً زاد من طولها وقسوة أيامها ما عانوه من تجاهل وجور واستخفاف بكرامتهم وتطلعاتهم بلغ إلى شعورهم بالمهانة وقلة الشأن بين أمم كانت لا تزال تحبوا على طريق التحضر والمدينة أيام كانت مصر هي منارة الحضارة... لذلك وحين بلغ الأمر حداً تخطى كل حدود الاحتمال والصبر الوفير الذي يمتاز به المصريون وحين وصل من أوكل لهم شعب مصر أمر الحكم إلى درجة من الاستهانة بكبرياء هذا الشعب الذي استطاع أن يجلي كل مستعمر أجنبي عن أرضه ليجد نفسه يرزح تحت وطئة استعمار كل الأمم ممثلة في وكلائهم حكام مصر.. كان لابد له أن يثور وأن يرفض أن يتعامل معه حكامه على أنه قطيع لا يملك إلا أن يحمد الله أن تفضل عليه هؤلاء الحكام بتركه يتنفس حتى وإن كان الهواء ملوثاً بمختلف أنواع السموم، وأن منحوهم جحوراً يسكنوا فيها حتى وإن تهاوت هذه الجحور تحت صخور المقطم، وأنهم منحوهم حاويات يتنقلون فيها بين ربوع مصر حتى وإن انتهى الأمر بحرقهم أحياء وتناثرت أشلاؤهم فوق قضبان السكك الحديدية ..
ولم يشفع للمصريين صبرهم ولا آمالهم البسيطة في غد أفضل عند هؤلاء القساة قلوبهم الذين استفحل شرهم وفسادهم فشكلوا فيما بينهم ثلة ضمت أصحاب المصالح الذين نهبوا خيرات مصر على مر سنين، فأبوا إلا أن يترجموا رؤيتهم لهذا الشعب وكأنه قطيع عديم الهمة وفارغ العقل، فأوعزوا إلى زبانيتهم وجلاديهم ليريقوا دماء شباب مصر وفتياتها على أرض مصر، ولا عجب فلطالما كان هذا هو دأبهم وكان من النادر أن تجد بيتاً مصرياً لم يتعرض احد أفراده للتنكيل وإهدار الكرامة وسوء المعاملة والإجبار على دفع الرشوة.. لكن مصر بأبنائها وبناتها أبوا أن تتناثر دمائهم وتسفك كما سفكت كرامة آبائهم وأجدادهم طوال العقود السابقة، فكان أن جمعهم ميدان التحرير ليصبح هو المرجل الذي تجمعت فيه كل جراحاتهم ومعاناتهم وحلقت فوق ساحته آمالهم وتطلعاتهم، فتعالت هتافاتهم معبرة عن مكنونات صدورهم وجاءت صرخاتهم هادرة "الشعب يريد إسقاط النظام" ذلك النظام الذي كان مجرد تنظيم محكم لنهب خيرات هذا البلد الآمن واستيقافه في آخر صف الأمم، ومع هتافات أبناء وبنات مصر التي دوت منادية بالحرية سالت دماء المصريين ليس على أرض ميدان التحرير فقط وإنما في ميادين مصر في شمالها وجنوبها وشرقها وغربها... فكانت كل قطرة دم ارتوت بها أرض مصر بمثابة معول يهدم كل جدران الصمت والركون والخوف ويقود الجموع نحو طريق تضيئه شمس الحرية بعد أن اختفت لسنين خلف ستائر الظلم والجور والاستعباد.
لقد ترجم المصريون كل الأفكار التي طالما اختبأت في صدورهم إلى ثورة ناطقة ملهمة، وكانت الصياغات صادقة معبرة، فوصلت الرسالة واضحة كاملة، ومفادها أن هذا الشعب ما عاد ليقبل بالرضوخ ولن يظل غارقاً في آمال يسعى حاكموه إلى وأدها كلما أزهرت، وجاء معناها لا يحمل أي غموض أو لبس وهو أن هذا الشعب قرر أن تكون مصر له وأنه ما عاد يقبل أن يظل عبداً في ضيعة اسمها مصر يمتلكها أزلام نظام أهلك الحرث والنسل وسعى في الأرض فساداً..
وجاء نجاح ثورة مصر ليكون ترجمة لإصرار هذا الشعب، وليكون دليلاً على أن مصر لشعبها وليست إقطاعية يتوارثها آل مبارك وزباينتهم.... حتى النجاح ذاته ترجمه المصريون إلى خطوات ملموسة نحو تأسيس دولتهم الجديدة القائمة على حق هذا الشعب في أن ينعم بحريته على أرضه وأن يتمتع بخيرات هذه الأرض التي ضحى بدمه من أجلها... لقد ترجم المصريون كثيراً من المعاني والقيم التي طالما سمعوا عنها لكنهم لم يعايشوها واستطاعوا أن يضعوا في قاموس الإنسانية مفردات جديدة ومعان ذات دلالات خاصة حملت جذورها اسم الثورة المصرية... تلك الثورة البيضاء التي أزاحت واحداً من أقدم النظم الديكتاتورية في العالم دون أن تقع في هوة الاقتتال أو التناحر بين بني الوطن الواحد، ولم يطيحوا برؤوس من ساموا هذا الشعب صنوف الضيم والهوان بل أوكلوهم إلى عدل القانون وعدالة السماء...
نعم كانت الثورة ترجمة للكثير والكثير من الأفكار والمشاعر والآمال والويلات كلها انطلقت في منظومة تعبيرية لغوية وفعلية وتمت صياغة جملها في ميادين مصر لتنطلق الصرخة واضحة فصيحة... وكان شعب مصر هو المترجم الذي أحيا ألفاظاً كادت أن تندثر وتختفي من محتوى اللغة الشعورية المصرية.... لكن هذا الشعب الذي نجح في ترجمة الصفحات الأولى لسجل عزته وفخاره لا تزال أمامه صفحات أخرى عليه أن يحل طلاسمها، ويتعمق في مضمونها، وينصهر مع معانيها... لا تزال أمام شعبنا مهمة شاقة صعبة، فبالرغم من اجتيازه المدخل الأصلي للحرية وهذا أصعب المراجل إلا أن الاستمرار على نفس المستوى والنسق الذي أبدعه الشعب المصري في ترجمة آلامه وآماله هو التحدي الحقيقي. إن هذا الشعب الذي تخطى كل صعوبات المرحلة السابقة وتحدياتها عليه أن يستمر على ذات الوتيرة المنجزة السلمية وأن يجدد في أساليب ثوراته وترجمتها إلى واقع ملموس، عليه أن يتجه إلى ثورة العلم والإنتاج ليترجمها إلى سلام ورخاء يجددا الدماء في شرايين مصر التي استمر نزفها الخفي لعقود طويلة....
نجحت الثورة المصرية الشعبية السلمية التي أطلق شرارتها شباب مصر من ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير، فسرى لهبها بين جموع الشعب الذي طالما عانى من الظلم والقمع، وخرجت جموع المصريين معلنة ثورتها بعد صبر استمر لعقود طويلة كانت تعزيتهم الوحيدة خلالها أنه ربما يحمل الغد خيراً، وظل أملهم يتضافر مع صبرهم وقناعتهم حتى بلغ فساد الحكم مبلغاً شعروا معه أن كل آمالهم وما دفعوه من حياتهم سيذهب سدى في ظل تجاهل الطغمة الحاكمة لحقوق هذا الشعب وطموحاته وآماله..
صبر المصريون عقوداً زاد من طولها وقسوة أيامها ما عانوه من تجاهل وجور واستخفاف بكرامتهم وتطلعاتهم بلغ إلى شعورهم بالمهانة وقلة الشأن بين أمم كانت لا تزال تحبوا على طريق التحضر والمدينة أيام كانت مصر هي منارة الحضارة... لذلك وحين بلغ الأمر حداً تخطى كل حدود الاحتمال والصبر الوفير الذي يمتاز به المصريون وحين وصل من أوكل لهم شعب مصر أمر الحكم إلى درجة من الاستهانة بكبرياء هذا الشعب الذي استطاع أن يجلي كل مستعمر أجنبي عن أرضه ليجد نفسه يرزح تحت وطئة استعمار كل الأمم ممثلة في وكلائهم حكام مصر.. كان لابد له أن يثور وأن يرفض أن يتعامل معه حكامه على أنه قطيع لا يملك إلا أن يحمد الله أن تفضل عليه هؤلاء الحكام بتركه يتنفس حتى وإن كان الهواء ملوثاً بمختلف أنواع السموم، وأن منحوهم جحوراً يسكنوا فيها حتى وإن تهاوت هذه الجحور تحت صخور المقطم، وأنهم منحوهم حاويات يتنقلون فيها بين ربوع مصر حتى وإن انتهى الأمر بحرقهم أحياء وتناثرت أشلاؤهم فوق قضبان السكك الحديدية ..
ولم يشفع للمصريين صبرهم ولا آمالهم البسيطة في غد أفضل عند هؤلاء القساة قلوبهم الذين استفحل شرهم وفسادهم فشكلوا فيما بينهم ثلة ضمت أصحاب المصالح الذين نهبوا خيرات مصر على مر سنين، فأبوا إلا أن يترجموا رؤيتهم لهذا الشعب وكأنه قطيع عديم الهمة وفارغ العقل، فأوعزوا إلى زبانيتهم وجلاديهم ليريقوا دماء شباب مصر وفتياتها على أرض مصر، ولا عجب فلطالما كان هذا هو دأبهم وكان من النادر أن تجد بيتاً مصرياً لم يتعرض احد أفراده للتنكيل وإهدار الكرامة وسوء المعاملة والإجبار على دفع الرشوة.. لكن مصر بأبنائها وبناتها أبوا أن تتناثر دمائهم وتسفك كما سفكت كرامة آبائهم وأجدادهم طوال العقود السابقة، فكان أن جمعهم ميدان التحرير ليصبح هو المرجل الذي تجمعت فيه كل جراحاتهم ومعاناتهم وحلقت فوق ساحته آمالهم وتطلعاتهم، فتعالت هتافاتهم معبرة عن مكنونات صدورهم وجاءت صرخاتهم هادرة "الشعب يريد إسقاط النظام" ذلك النظام الذي كان مجرد تنظيم محكم لنهب خيرات هذا البلد الآمن واستيقافه في آخر صف الأمم، ومع هتافات أبناء وبنات مصر التي دوت منادية بالحرية سالت دماء المصريين ليس على أرض ميدان التحرير فقط وإنما في ميادين مصر في شمالها وجنوبها وشرقها وغربها... فكانت كل قطرة دم ارتوت بها أرض مصر بمثابة معول يهدم كل جدران الصمت والركون والخوف ويقود الجموع نحو طريق تضيئه شمس الحرية بعد أن اختفت لسنين خلف ستائر الظلم والجور والاستعباد.
لقد ترجم المصريون كل الأفكار التي طالما اختبأت في صدورهم إلى ثورة ناطقة ملهمة، وكانت الصياغات صادقة معبرة، فوصلت الرسالة واضحة كاملة، ومفادها أن هذا الشعب ما عاد ليقبل بالرضوخ ولن يظل غارقاً في آمال يسعى حاكموه إلى وأدها كلما أزهرت، وجاء معناها لا يحمل أي غموض أو لبس وهو أن هذا الشعب قرر أن تكون مصر له وأنه ما عاد يقبل أن يظل عبداً في ضيعة اسمها مصر يمتلكها أزلام نظام أهلك الحرث والنسل وسعى في الأرض فساداً..
وجاء نجاح ثورة مصر ليكون ترجمة لإصرار هذا الشعب، وليكون دليلاً على أن مصر لشعبها وليست إقطاعية يتوارثها آل مبارك وزباينتهم.... حتى النجاح ذاته ترجمه المصريون إلى خطوات ملموسة نحو تأسيس دولتهم الجديدة القائمة على حق هذا الشعب في أن ينعم بحريته على أرضه وأن يتمتع بخيرات هذه الأرض التي ضحى بدمه من أجلها... لقد ترجم المصريون كثيراً من المعاني والقيم التي طالما سمعوا عنها لكنهم لم يعايشوها واستطاعوا أن يضعوا في قاموس الإنسانية مفردات جديدة ومعان ذات دلالات خاصة حملت جذورها اسم الثورة المصرية... تلك الثورة البيضاء التي أزاحت واحداً من أقدم النظم الديكتاتورية في العالم دون أن تقع في هوة الاقتتال أو التناحر بين بني الوطن الواحد، ولم يطيحوا برؤوس من ساموا هذا الشعب صنوف الضيم والهوان بل أوكلوهم إلى عدل القانون وعدالة السماء...
نعم كانت الثورة ترجمة للكثير والكثير من الأفكار والمشاعر والآمال والويلات كلها انطلقت في منظومة تعبيرية لغوية وفعلية وتمت صياغة جملها في ميادين مصر لتنطلق الصرخة واضحة فصيحة... وكان شعب مصر هو المترجم الذي أحيا ألفاظاً كادت أن تندثر وتختفي من محتوى اللغة الشعورية المصرية.... لكن هذا الشعب الذي نجح في ترجمة الصفحات الأولى لسجل عزته وفخاره لا تزال أمامه صفحات أخرى عليه أن يحل طلاسمها، ويتعمق في مضمونها، وينصهر مع معانيها... لا تزال أمام شعبنا مهمة شاقة صعبة، فبالرغم من اجتيازه المدخل الأصلي للحرية وهذا أصعب المراجل إلا أن الاستمرار على نفس المستوى والنسق الذي أبدعه الشعب المصري في ترجمة آلامه وآماله هو التحدي الحقيقي. إن هذا الشعب الذي تخطى كل صعوبات المرحلة السابقة وتحدياتها عليه أن يستمر على ذات الوتيرة المنجزة السلمية وأن يجدد في أساليب ثوراته وترجمتها إلى واقع ملموس، عليه أن يتجه إلى ثورة العلم والإنتاج ليترجمها إلى سلام ورخاء يجددا الدماء في شرايين مصر التي استمر نزفها الخفي لعقود طويلة....
تعليق