جبل المحبّة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • غاندي يوسف سعد
    أديب وكاتب
    • 15-12-2011
    • 464

    جبل المحبّة

    جبل المحبة
    *************
    منذ طفولتي وأنا أسمع عن الجبل الكبير ذلك الجبل الذي يتهيّب صعوده الكبير والصغير
    وبما أنني لاأسمع عن أي لغزفي هذا العالم إلا وأحب أن أكتشف ألغازه وأسراره بمفردي ,
    قررتُ أن أصعد إلى ذلك الجبل .
    نقلت قراري بخوض هذه المغامرة إلى أهلي ومعارفي وأصدقائي ,
    جميعهم نصحوني بالابتعاد عن ذلك الجبل مؤكدين أنّ كل من صعد إليه لم يعُد
    إلى الأرض ثانية .
    لكّن كلامهم هذا جعلني أكثر تصميما وإصرارا على الصعود.
    وعندما لم تنفع نصائحهم وقررت البدء برحلتي ذهبوا لوداعي بالقرب من ذلك الجبل
    ودّعتهم جميعا وسرت بطيئا في البداية ... نظرت إلى الوراء فوجدتهم مازالوا واقفين
    ثم تابعت سيري مسرعا ...ولاأخفي أنه سقطت من عينيّ دمعتان...
    فمهما كان الإنسان قويا هو أمام ذكرياته وماضيه ضعيف
    وهو أمام محبّة أهله وانتمائه أيضا ضعيف
    وصلتُ بداية الارتقاء وبدأت الصعود بهمّة ونشاط
    فكلما كان الأمل رفيقا كان النشاط كبيرا .
    وقفت قليلا نظرت إلى الأدنى بدا لي الناس صغارا ولم أستطع التمييز بين بستاننا
    وبساتين جيراننا وظهرت سنابل القمح على البيادر وكأنها على بيدر واحد .
    تابعت الصعود وأنا في طريقي كنت أرى الجماجم وبقايا مَن قضوا على هذا الجبل .
    كدت أعود أدراجي لولا صوت في داخلي نادى قائلا تابع إلى الأمام لأنّ كل من قرر
    الصعود وبدأ به فلن يستطيع العودة إلى الوراء.
    وهاهي القمّة تقترب منّي أكثر فأكثر بينما أصبحت دقّات قلبي كقرع الطبول لكنها في
    الوقت نفسه كانت كرنين الأجراس وحفيف الأشجار إنّه خليط ومزيج بين الرغبة
    والخوف بين التقهقر والاصرار والعزيمة.
    وأنا في هذه الحال سمعت صوتا من الأفق ينادي قائلا:
    توقفْ يامسكين قطعتَ كل تلك المسافة وشاهدت َكل تلك البقايا من الجثث والجماجم
    ولم يُخفْك شيءمسكين أنصحك بالعودة إلى حيث أتيت قبل أن تتحول إلى أشلاء
    على هذا الجبل ، فالدخول إلى تلك القمّة سيكلفك كثيرا.
    قلت له: مهما كلّفني سأدخلها فالعصفور الذي رأيته يدخل القمّة ليس أشجع منّي
    وأصحاب تلك الجثث التي شاهدتُها في طريقي هم بشرٌ مثلي , وليكن بعلمك
    أنني أفضّل الموت على هذا الجبل وتأكل جسدي الغربان والوحوش من أن
    أُدفن في الأرض ويدفن معي سر اكتشاف هذا الجبل .
    قال لي: عندما لاتجد النصيحة طريقها إلى الإنسان ربّما أصبحت نقمة ,
    افعل ماتشاء ومايحلو لك.
    نظرت باتجاه الصوت لم أر أحدا حدّقتُ مليّا لم أر سوى جمجمة من
    جماجم من قضوا نحبهم على هذا الجبل.
    تابعت وهاأنا أدخل قمّة الجبل , أوقفني أحدهم قائلا: نرحّب بك في جبل الخير والمحبّة
    والسلام ...هل جئتَ لتعيش معنا .
    قلت له: يشرّفني ذلك فنحن في القسم الأدنى من الأرض نتكلم ونعمل بهذه القيم .
    ضحك ثم قال: نعم إنّكم تعملون بها. وأردف قائلا: هنا يعيش الجميع على المحبّة
    والصدق والأمانة و... هذه حياتنا فإذا أردت العيش معنا عليك أن تعيش على هذه
    القيم والأخلاقيات ,أمّا إذا قُمت بعمل ينافي أخلاقنا وتقاليدنا سيكون مصيرك كمصير
    مَن شاهدت بقايا جثثهم في طريقك .
    نظرتُ فشاهدت المناظر التي لم أرها يوما كان الذئب يلعب مع الخراف والأفعى
    إلى جانب الإنسان ورأيت الناس جميعهم وكأنهم واحد.
    فقلت في نفسي إنّه لأمر عجيب فعندما تسود المحبّة بين أبناء البشر يعمّ الحبّ
    والسلام في العالم أجمع.
    وأيقظني من هذه الدهشة كلام قاله من استقبلني : هكذا نعيش وهكذا ستعيش
    بيننا , وأعاد تذكيري بتحذيره لي من أن أي عمل مخالف سيكون مصيري الموت.
    قضيت أياما أتعرف عليهم وقد سُررت بمعرفتهم
    فكلُّ من يعيش في قمّة الجبل يشعرك بالحب والدفء والأمان .
    وفي يوم من الأيام بينما كنت وحيدا دخلتْ عليّ إحداهنّ وما إن نظرت إليها حتى
    شاهدت امرأة كحلاء العينين زجّاء الحاجبين لمياء الشفتين بلجاء الجبين
    شبناء الثغر محلولكة الشعر
    كدت ُ أقول لها: تعالي ياشطر روحي الآخر لكنني تذكرت التفاحة وقول صاحبي
    الذي استقبلني عند قمّة الجبل .
    وماإن خرجَتْ حتى دخل أحدهم وبيده صندوق وضعه على الأرض وجلس بجانبي
    يقصّ عليّ حنينه وشوقه إلى بيئته وأهله وأرضه وطلب منّي أن أرافقه ونعود سويّة
    فتح الصندوق وإذ به المجوهرات الباهظة والتي لايمتلكها أي ملك في هذه الدنيا,
    وقال لي: سنعود سويّة ونقتسمها ونعيش الحياة الكريمة والسعيدة,
    أغمضت عيني فرأيت قصورا وسيّارات ونساء جميلات وقوّة وجاها وسلطانا
    وكأنني في غيبوبة قلت: أنا موافق ومتى سنذهب ؟ قال: الآن
    وماإن مشينا قليلا حتى أمسك بيدي وقال لي: تعال إلى الحاكم .
    وياللويل إنّه كان مجرّبا جاء وامتحنني والآن لامجال أمامي سوى الموت .
    طلبت منه السماح ووعدته بأن لاأقوم يأي عمل ينافي الأخلاق والتقاليد
    لكنّه لم يستجب لي واقتادني باتجاه الحاكم .
    وأنا في طريقي علمتُ أن عمر الإنسان كحياة نملة على رصيف المشاة
    وأيقنت أنّ حياة الإنسان ثلاثة مراحل مجيء ... مشوار ... ذهاب
    وجميعها متساوية من حيث العذاب .
    هناك على صخرة كبيرة تطّل على ذلك الوادي السحيق أوقفوني وقالوا لي :
    ستأكل لحمك الغربان والوحوش .
    فرجوتُ كبيرهم قائلا: أيها الكبير اعف ُ عني ودعني أعود إلى أهلي وبيئتي
    واعتبر دمعاتي ودمعات أمي قربانا للتكفير عن هذه الخطيئة ,
    وأعدك أنني سأنسى هذا الجبل 0
    لكنه لم يستجب لي
    جاء أحدهم وألقى بي باتجاه ذلك الوادي السحيق .
    وأنا في الفضاء صرخت ُ صوتا قويّا
    ثمّ أغمضت عينيّ ... فتحت عينيّ ثانية
    فشاهدت وجه أمي ... ورأسي بين ذراعيها ... وهي تقول لي :
    استيقظ يابنيّ ...
    -----------------------------------------------------------------------------
    حروفُ النّوْرِ مِن صَبْرٍ...مَعانيها تواسينا
    شُعاعٌ يَملأ الدُّنيا......لِدربِ الحَقِّ يَهدينا
    وشَرُّ القَوْلِ مَعسولٌ...يدقُّ الحِقدَ إسْفينا
    وَخيْرُ الحَرْفِ مَنْ يَبني...سلاماً دائِماً فينا
  • إيمان الدرع
    نائب ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3576

    #2
    خيال خصيب محلّق ..
    رحلة إلى المجهول
    صراع أزليّ بين الخير ، والشرّ
    وبين تحقيق الرغبات ، والقدرة على كبحها.
    وإصرار على المضيّ، والاستكشاف..
    وطموح لاينثني
    امتحان عسير...يجتازه العارف بنجاح
    والقفلة كانت رائعة ..
    أنهت رحلة صاغها فكر مجنّح.
    حيّااااااااكَ أستاذ غاندي.

    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

    تعليق

    • بيان محمد خير الدرع
      أديب وكاتب
      • 01-03-2010
      • 851

      #3
      الأستاذ الغالي غاندي يوسف
      قصة شيقة .. تتمتع بخيال ولا أجمل تشد القارئ فيلتهم سطورها تباعا ..
      ليت ذاك الجبل حقيقي لأنسف كل جسوري التي تربطني بهذه الأرض .. وهذا العالم المسعور .. و أرحل قاصدة ذاك الجبل دونما إلتفات .. و لكن للأسف هذا العالم الطوباوي موجود في الأحلام فقط !
      سلمت أخي غاندي .. وسلم إبداعك
      مودتي

      تعليق

      • عبير هلال
        أميرة الرومانسية
        • 23-06-2007
        • 6758

        #4
        قلم رائع وشفاف للغاية

        تخيلتني أيضاً أصعد ذلك الجبل

        ولكن صدقاً كنتُ سأبقى هناك

        فمن يجد المحبة الكاملة فلن يتركها

        ولن يسمح لأبليس أن يسيطر على أفكاره..

        كنتُ هنا مع قصة رائعة

        واسمح لي أن أرحب بك بيننا

        ولو أن ترحيبي بك جاء متأخراً

        لك مني أرق تحياتي
        sigpic

        تعليق

        • آسيا رحاحليه
          أديب وكاتب
          • 08-09-2009
          • 7182

          #5
          النص يحمل الكثير من الرؤى عن الوجود و الخير و الشر ..
          تذكّرت هنا المدينة الفاضلة ..
          أحتاج قراءة أخرى ..لأتشبّع بالفكرة ..
          أعجبني النص .
          تحية و تقدير.
          يظن الناس بي خيرا و إنّي
          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

          تعليق

          • غاندي يوسف سعد
            أديب وكاتب
            • 15-12-2011
            • 464

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
            خيال خصيب محلّق ..
            رحلة إلى المجهول
            صراع أزليّ بين الخير ، والشرّ
            وبين تحقيق الرغبات ، والقدرة على كبحها.
            وإصرار على المضيّ، والاستكشاف..
            وطموح لاينثني
            امتحان عسير...يجتازه العارف بنجاح
            والقفلة كانت رائعة ..
            أنهت رحلة صاغها فكر مجنّح.
            حيّااااااااكَ أستاذ غاندي.
            الأخت المبدعة إيمان
            كل الشكر والتقدير لكِ و لهذا الحضورالمُجنّح
            لاأخفي أنني قد كتبتها منذ زمن ولم أنشرها
            فهي ولدت قبل عصر( الديجيتال والنت )
            -- هل من حدود للمحبة والعطاء والوفاء الذي تعلّمناه.
            (نصحوني بالابتعاد عن ذلك الجبل)
            --روح المغامرة والاستكشاف.
            --الفروق الطبقية وكيف انتهت بوجود المحبة (بستاننا وبساتين جيراننا)و.
            --الخوف ظاهرة صحّية بينما الذعر ظاهرة مرضيّة .
            --منبع الذعر وصوته في داخلنا
            (حدّقت ملّيا لم أرى سوى جمجمة من جماجم مَن قضواعلى هذا الجبل)
            --الانسان هو المخلوق المكرّم في هذه الدنيا وسيد المخلوقات المرئية
            (عندما تسود المحبّة بين الناس يكون السلام والأمان لكافة المخلوقات)
            --في جبل المحبّة لافروق تُذكر بين الجميع.
            --كانت المرأة رمزا للشر هي وتفاحتها
            فأصبح المال هو هذا الرمز.
            --عندما نقترب من النهاية ربّما نعرف الحقيقة
            في طريقي عرفت أن الانسان صغيروعمره كحياة نملة على رصيف المشاة
            --حتى هذه اللحظات في عالم المحبة كانت في الأحلام فقط (استيقظ يابنيّ)
            الأخت المبدعة إيمان:
            كل الشكر والتقدير .. ودمت ِ بخير ٍ وسلام...
            ----------------------------------------------------
            حروفُ النّوْرِ مِن صَبْرٍ...مَعانيها تواسينا
            شُعاعٌ يَملأ الدُّنيا......لِدربِ الحَقِّ يَهدينا
            وشَرُّ القَوْلِ مَعسولٌ...يدقُّ الحِقدَ إسْفينا
            وَخيْرُ الحَرْفِ مَنْ يَبني...سلاماً دائِماً فينا

            تعليق

            • غاندي يوسف سعد
              أديب وكاتب
              • 15-12-2011
              • 464

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة بيان محمد خير الدرع مشاهدة المشاركة
              الأستاذ الغالي غاندي يوسف
              قصة شيقة .. تتمتع بخيال ولا أجمل تشد القارئ فيلتهم سطورها تباعا ..
              ليت ذاك الجبل حقيقي لأنسف كل جسوري التي تربطني بهذه الأرض .. وهذا العالم المسعور .. و أرحل قاصدة ذاك الجبل دونما إلتفات .. و لكن للأسف هذا العالم الطوباوي موجود في الأحلام فقط !
              سلمت أخي غاندي .. وسلم إبداعك
              مودتي
              الأخت المبدعة الغالية بيان
              كم أسعدني مرورك وحضورك البهي الرائع وهذه الإضاءة الشمسية
              لو وجدت ِ ذلك الجبل فأرجو أن تُخبري كل إخوتك وأنا منهم .
              تحية لك أختي الرائعة ... وعلى المودّة نلتقي .
              --------------------------------------------
              حروفُ النّوْرِ مِن صَبْرٍ...مَعانيها تواسينا
              شُعاعٌ يَملأ الدُّنيا......لِدربِ الحَقِّ يَهدينا
              وشَرُّ القَوْلِ مَعسولٌ...يدقُّ الحِقدَ إسْفينا
              وَخيْرُ الحَرْفِ مَنْ يَبني...سلاماً دائِماً فينا

              تعليق

              • غاندي يوسف سعد
                أديب وكاتب
                • 15-12-2011
                • 464

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة أميرة عبد الله مشاهدة المشاركة
                قلم رائع وشفاف للغاية

                تخيلتني أيضاً أصعد ذلك الجبل

                ولكن صدقاً كنتُ سأبقى هناك

                فمن يجد المحبة الكاملة فلن يتركها

                ولن يسمح لأبليس أن يسيطر على أفكاره..

                كنتُ هنا مع قصة رائعة

                واسمح لي أن أرحب بك بيننا

                ولو أن ترحيبي بك جاء متأخراً

                لك مني أرق تحياتي
                الأخت المبدعة أميرة
                أشكرك كل الشكر والامتنان على ترحيبك بي .
                سيدتي الفاضلة(تخيلتني أيضاً أصعد ذلك الجبل)
                الخير والمحبّة موجودان في كل نفس بشريّة بالرغم من طغيان
                المادي والملموس على المحسوس .
                كما ذكرت ِ إبليس يدفعنا نحو الأدنى من الجبل .
                تحية لك أختي الكريمة ولحضورك الربيعي
                مع مودّتي وتقديري .
                ---------------------------------
                التعديل الأخير تم بواسطة غاندي يوسف سعد; الساعة 27-01-2012, 12:19.
                حروفُ النّوْرِ مِن صَبْرٍ...مَعانيها تواسينا
                شُعاعٌ يَملأ الدُّنيا......لِدربِ الحَقِّ يَهدينا
                وشَرُّ القَوْلِ مَعسولٌ...يدقُّ الحِقدَ إسْفينا
                وَخيْرُ الحَرْفِ مَنْ يَبني...سلاماً دائِماً فينا

                تعليق

                • غاندي يوسف سعد
                  أديب وكاتب
                  • 15-12-2011
                  • 464

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                  النص يحمل الكثير من الرؤى عن الوجود و الخير و الشر ..
                  تذكّرت هنا المدينة الفاضلة ..
                  أحتاج قراءة أخرى ..لأتشبّع بالفكرة ..
                  أعجبني النص .
                  تحية و تقدير.
                  الأخت المبدعة المتألقة آسيا
                  أهلا بك وأشكر مرورك وسرّني أن النص قد أعجبك
                  الوجود و الخير و الشر ..
                  أثافي ثلاث للنص.
                  تحيّة لك ِ
                  مع كامل التقدير والاحترام .
                  ----------------------------
                  حروفُ النّوْرِ مِن صَبْرٍ...مَعانيها تواسينا
                  شُعاعٌ يَملأ الدُّنيا......لِدربِ الحَقِّ يَهدينا
                  وشَرُّ القَوْلِ مَعسولٌ...يدقُّ الحِقدَ إسْفينا
                  وَخيْرُ الحَرْفِ مَنْ يَبني...سلاماً دائِماً فينا

                  تعليق

                  يعمل...
                  X