على ضفاف الذكريات وبرنامج مواجهات مع الاستاذ / نايف ذوابه في 10

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د.نجلاء نصير
    رئيس تحرير صحيفة مواجهات
    • 16-07-2010
    • 4931

    على ضفاف الذكريات وبرنامج مواجهات مع الاستاذ / نايف ذوابه في 10



    في العاشرة مساء بتوقيت القاهرة الثامنة بتوقيت جرينتش
    نلتقي على ضفاف الذكريات وبرنامج مواجهات مع الأستاذ / نايف ذوابه

    كونوا معنا
    sigpic
  • نايف ذوابه
    عضو الملتقى
    • 11-01-2012
    • 999

    #2
    ثرثرة على ضفاف الذاكرة .. على أديم الذكريات

    في قرية وادعة جميلة تنام هادئة في حِضن سفحي جبل أنيق، وتمتد سهلاً على الساحل الفلسطيني مدّ النظر تتعانق فيها أشجار الزيتون وبيّارات البرتقال، وتصحو على وقع أقدام الفلاحين مع تسابيح الفجر... وُلدت وترعرعت ودرجت ... في عنبتا، تلك القرية الجميلة الأخّاذة بكل ما فيها من سحر الجمال وأناقة المباني ونظافة الحارات والشوارع والساحات... جميلة بأهلها الفلاحين البسطاء وأبنائها المثقفين المتعلمين؛ فأبناء عنبتا ساهموا في تعليم القرى المحيطة والبعيدة في منطقة طولكرم ونابلس، والناس يعترفون بفضلهم ويذكرون ذلك لهم... وقد لمست ذلك كثيراً أثناء تطوافي و سياحتي في بلاد الاغتراب؛ فكلما التقيت بأخٍ من قرى هاتين المدينتين اللتين تربضان شمالي فلسطين ذكروا لي أسماء المعلمين المرموقين من أبناء عنبتا... الذين علموهم وعرفوا لهم أيادي بيضاء في قراهم.. ويشهدون لهم بكفاءتهم وإخلاصهم ...
    وإن أنس فلا أنسى أن عنبتا مسقط رأس الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود الذي استشهد في معركة الشجرة وهو صاحب الأبيات المشهورة:



    سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى
    فإما حياةٌ تسرُّ الصــديــــقَ وإما ممات يغيـــظ العــــدا
    وما العيشُ إنْ لــمْ أعشْ مهيبَ الجنابِ حرامَ الحمى
    ونفسُ الشريف لها غايتان ورودُ المنايا ونيلُ المنـــى
    لعمرك هذا مماتُ الرجـالِ فمنْ رام مـوتاً شريفاً فــذا

    في شهر نيسان ولدت، وما أدراك ما شهر نيسان في بلادي... شهر الربيع والجمال، حين يشيع الدفء وتبدأ الشمس تسطع بأشعتها الذهبية تعانق الحياة بحرارة الحبيب الذي طال به الغياب واستبد به الشوق، وتبدأ الحياة والنشاط يسريان في العروق ... وتكون الأرض خضرة فوّاحة بأريج أزهار الربيع.. والربيع الفتان يكسو الوهاد والسفوح والسهول الممتدة من بيارات بلادنا، فضلاً عن حدائق البيوت التي لا يخلو بيت منها من بضع شجرات من البرتقال والليمون واللوز والتين وكروم العنب ...

    لك الله يا عنبتا!! يا مهد الطفولة الشقيّة والصبا الفتّان...!! كم أحبك وكم أهيم في كل ساعة من ساعات الصبا فيك، ويا لأحلام الطفولة الوردية و وشوشات العصافير تحكي قصص الكفاح في صباحاتك الندية...





    لا أظن أن أمي قد خفي على قلبها أن ما يحتضنه رحمها كان طفلا ذكرًا؛ والنساء يعرفن ذلك من شغب ذلك الجنين وحركته غير العادية في الأحشاء؛ يبدو لي أنها كانت سعيدة بحملها على الرغم من ألم الوحام ومشاق الحمل في قرية صغيرة يعيش أهلها من كدّ أسرة كل من فيها يعمل، يسرح مع إشراقة كل شمس ويعود قبل الظهيرة والشمس ما زالت حانية رقيقة .. من المؤكد أنها كانت تنتظر وليدها بفارغ الصبر لتباهي به الجارات ولتزداد لدى رفيق دربها وعمرها مكانة وتمكّنًا .. كذا نحن في وطن يعتبر الأولاد عزوة وقوة في المجتمع ..
    لم تخبرني أمي كيف جاءها المخاض وأين، ولكن ما أنا متأكد منه أو أكاد أنها ولدتني كباقي الأمهات الفلاحات بعد أن جاءها المخاض إما وهي تحصد القمح و تجمعه، أو حين كانت تصعد شجرة من الأشجار تقطف ما عليها من ثمار .. هكذا كان يأتي أمهاتنا المخاض؛ فلا تعي إلا وطفلها يشق طريقه إلى الحياة يصرخ بملء الرغبة للخروج من ظلام الرحم إلى نور الدنيا .. فتتلقفه يداها وتزيل ما على وجهه من أغشية ليتنفس عبق الحرية وتطبع على جبينه قبلة السعادة والرضا والشكر لله وهي في غمرة الألم، وتقوم بيدها مستعينة بحجر صوان حاد بقطع الحبل السري الذي كان يربطها بوليدها وتتأكد من خروج ما يسمى "بالخلاصة" من رحمها..
    هكذا خرجت إلى الدنيا، وألقت عليّ والدتي بعبء هذا الاسم الذي أرادت أن تباهي به الجارات فكنت كما ستقرؤونني في ثنايا هذه المذكرات .. كانت محطات امتزجت فيها مواقف أملاها الإباء وحرية الإنسان وكرامة المسلم أن أكونها فخضبت حياتي بالألم ومستكن القهر من مجالدة الظلم والاستبداد في ديار غابت عنها شمس الحرية والكرامة ولما تعد ..

    لعل أقدم ما أذكر من ذكريات الطفولة الغضّة تلك الحادثة التي كان فيها الطفل الصغير يقف إلى جوار أمه بينما كانت تنتظر الحافلة لتذهب إلى مدينة طولكرم إلى الطبابة(المركز الصحي)... وكان الصغير ملازماً لأمه ملازمة الظل... لم تستطع الأم أن تنفك من صغيرها المتعلق بها إلاّ أن تدفعه بشق الأنفس على الرغم مما يكلفها ذلك، فإنها حين دفعته كأنما دفعت بقلبها أو فلذة من كبدها، ولكن للضرورة أحكام!! وبينما هي استقلت الباص وتركته على الرصيف على أمل أن يقتنع بالعودة راضياً إلى بيته القريب من الشارع، أو يصادفه أحد أقربائه من البيوت المجاورة القريبة من الشارع العام فيأخذه راغماً... إذا الصغير العنيد يصر على اللحاق بقلب أمه، وظل يعدو خلف الحافلة ويستمر بالعدو ظناً منه أنه سيدركها، ويصطحبها في رحلة العمر ويركب الحافلة...!! ويعدو الطفل الذي لم يكن ليظهر من على الأرض؛ فقد كان ضئيل الحجم خفيف الحركة، والغريب أنه لم يلفت نظر أحد من المارة وهو يعدو، حتى قطع مسافة طويلة لا تقل عن كيلو متر ونصف أو أكثر، فيصادفه شيخ مسن، ويصطحبه إلى حقله في المنطقة المعروفة بالمنطار بين عنبتا وقرية بلعا، وهي منطقة عالية مشرفة على الساحل الفلسطيني يكاد الواقف على قمته أن يرى منها الساحل ومدنه التي تبعد نحو ثلاثين كيلو متراً عن المكان، وكانت تقيم في المنطار حامية للجيش الأردني ليشرف منها على مواقع العدو قبل عام 1967 ... وقد مشى الطفل مسافة طويلة حتى أشفق الشيخ عليه من شدة الإعياء، ولكن لا حيلة، وقد انعدمت الوسيلة، وسار برفقة الشيخ ماشيين، ومكث معه حتى انتصف النهار في حقله...

    الطفل الذي أجهده المشي أسلم عينيه للنوم تحت ظل شجرة، وظل ينتظر حتى انتهى الرجل من بعض شؤونه في العزق والنكش معتمداً على فأسه التي يحتفظ بها في كرمه.. ويعود الطفل بعيد الظهر بصحبة الشيخ، وكعادة الفلاحين لا يفتقدون أبناءهم إلا حين يحل موعد طعام أو يحل الظلام؛ لذلك لم يكن في الأمر مشكلة إلاّ حين عرف الأهل حقيقة ما حصل...!!
    هذه القصة تذكرتها وهي حية في ذاكرتي، ولعلها أقدم ما أتذكره من طفولتي اللافتة، وكان عمري نحو خمس سنوات أو أقل قليلاً، وما أن دخل الطفل المدرسة حتى كان لافتاً للأنظار أكثر؛ فقد كان تلميذاً نجيباً، وكان موضع افتخار والديه واعتزازهما، ولكن اعتزاز الوالدة بطفلها كان أكثر، أما الوالد فقد شغله السعي في طلب الرزق وتأمين لقمة العيش التي كانت عزيزة وصعبة في تلك الأيام شغله عن توفير الإرواء العاطفي والرعاية الوجدانية لصغيره... فمنحته الأم من حنانها و اهتمامها ما حقق الإشباع، ولم تكن -حفظها الله- تقبل أن تمضي مناسبة استلام شهادته دون أن تشتري الشوكلاته لتحلى المعلمين بمناسبة تفوّق صغيرها أملها وموضع افتخارها بين الجارات...!!



    أيام على البال وذكريات على بساطتها لكنها تحرك في النفس الأشجان وتقلّب عليها المواجع، وتهيج بعض الفرح والقلق على مستقبل أبنائنا الذين نخشى عليهم أن يخرجوا من البيت لقضاء حاجة من حوائجه فإذا تأخر أحدهم قليلاً حسبنا أن الدنيا قد قامت ولم تقعد بغيابهم لضعف إرادتهم وضعف خبرتهم في الحياة، و لافتقادهم حسن التصرف إذا ما ألم بهم شيء أو فاجأهم طارئ ...
    [glint]
    ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
    عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
    فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

    وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

    [/glint]

    تعليق

    • نايف ذوابه
      عضو الملتقى
      • 11-01-2012
      • 999

      #3
      وتمضي سنوات قليلة لأواجه بحادث أليم ذهب ضحيته ابن عم لي، وكلنا في هذه العائلة المهيبة على قلة عددها رؤوس كبيرة؛ وحاملو هم أكبر من أن يُحتمل، وكان الحدث الجلل سنة 1966 إثر مظاهرات صاخبة طافت مدينة طولكرم انطلاقاً من ثانوية الفاضلية ... إذ كان المد القومي الناصري في الشغب على الملك حسين قد بلغ أوجه، فقد كان يتهم الملك الراحل بالعمالة والتواطؤ مع حلف بغداد الذي رعته بريطانيا، وكان عبد الناصر قد أخذ على عاتقه هزيمة حلف بغداد والإطاحة به... وقد شهدت الحدود الفلسطينية الإسرائيلية في هذه الفترة حوادث إطلاق نار متبادل بين الجيش الإسرائيلي والجيش الأردني هيجت الشارع العام الذي كان متعاطفاً مع عبد الناصر، وإثر المظاهرة الآنفة الذكر سقط ابن عمي عبد الحليم ذوابه مضرجاً بدمائه شهيداً على أرض طولكرم بعد أن أطلق عليه جندي من جنود البادية النار من مكان بعيد، وقد كان محمولاً على أكتاف أصدقائه من الطلاب، وهو يهتف ضد العرش الهاشمي، ويندّد بتواطؤ الحكومة وعدم جديتها في مقاومة الاعتداء اليهودي على مدينة السموع الفلسطينية الحدودية...
      وانتقل خبر سقوطه من على الأكتاف وكان مشهداً رهيباً مروّعاً، وكان وقع الحادثة في نفوس الناس صاعقاً، وقد جرت له جنازة مهيبة أمّتها جموع غفيرة من نابلس وطولكرم وسائر قرى المنطقة .. كان ذلك حادثاً جللاً، وإني لأتذكر وقع الحادثة في نفسي حزناً وبكاء وألماً لم يكن ليخففه أو يهون عليّ فيه إلاّ ربت عمتي أم سمير على كتفي، ووضعي في حضنها الحنون، وقد كانت عمتي -رحمها الله- أما ثانية لي، وكان اعتزازها بي كبيراً وأثيراً نما في مقبل الأيام حين انتقلت للدراسة إلى الجامعة الأردنية... وهذه الحادثة تركت في نفسي حقداً على الظلم والطغيان، ولعلها كانت مدخلاً مبكراً في حياتي لدخول حياة النضال السياسي من أوسع الأبواب...
      وتمضي الأيام سريعة من نهاية 1966 ومنتصف عام 1967 في حزيران حين سقطت الضفة الغربية تحت أقدام الاحتلال اليهودي، وقد تحققت توقعات الأحزاب السياسية المعارضة، والتي كانت تتنبأ بسقوط الجزء الثاني من فلسطين بيد يهود سقوطاً مذلاً مريعاً، بل وكما ذكرت البيانات السياسية حينئذ كانت عملية تسليم واستلام... وسقطت قدس الأقداس، ولم يسقط على أسوارها سوى بضعة وعشرين شهيداً..!! وانسحب بقية الجيش راضياً من الغنيمة بالإياب بعد تلقيه تعليمات بالانسحاب المبكر وعدم المواجهة!!
      والحقيقة التي أود تسجيلها هنا أن الجيش الأردني ما كان ليستحق هذه الهزيمة وهو أشرف من أن يلصق به هذا العار، فهو -كما وصفه قائده البريطاني في الخمسينات- جيش من الرجال ولكنه بلا قيادة..!! وأعظم شهادة على إخلاص هذا الجيش وكفاءته معركة الكرامة التي قادها الجنرال مشهور حديثة الحجازي الصخري، وكانت معركة أبدى فيها سلاح المدفعية الأردني الذين لم يكن له غطاء جوي ضروباً فذة من الشجاعة ونال من الجيش الإسرائيلي المؤلل المدرع الذي كان يزحف آملاً أن يحتل مرتفعات السلط ليقضي على التواجد الفدائي الفلسطيني، ولم يكن يتوقع تدخل الجيش الأردني لكن الجنرال مشهور حديثة فاجأ القوات الإسرائيلية المتقدمة بالتدخل دون أن ينتظر موافقة أوامر القيادة العليا... وكانت معركة الكرامة أول معركة في تاريخ الجيش الإسرائيلي تطلب فيها الحكومة الإسرائيلية وقف إطلاق النار لما لاقاه جيشها من هزيمة مذلة في هذه معركة...
      وإثر هذه هزيمة حزيران المدوية التي أطلقوا عليها نكسة تخفيفاً لوقع الهزيمة المخزية نزحت العائلة إلى شرق الأردن... وبعد نزوح غير طويل إلى الضفة الشرقية من الأردن عدنا والأسرة متسللين تحت جنح الظلام من منطقة الأغوار إلى فلسطين... لقد أراد الوالد العودة بأي ثمن وتحت أي مخاطر بعد أن رأوا ما رأوا من ذل اللجوء وهوان اللاجئين حتى على بني جلدتهم.. ونجحت المحاولة دون أن تتنبه لنا الدوريات الإسرائيلية المتربصة بالحدود بعد أن اختفينا بين الحقول والمزارع في المنطقة مشياً على الأقدام من منطقة الكرامة على الحدود الأردنية بعد أن ألقت بنا حافلة يقودها تراكتور زراعي، ووصلنا إلى مدينة طوباس، وهناك اختفينا بين الأهالي، واستقللنا حافلة إلى عنبتا...
      ومما تطفح به الذاكرة من الذكريات النابضة بالحياة، وأنا في الصف السابع (الأول متوسط) أن البلدة شهدت مظاهرات في مناسبات كثيرة، وكنت أشارك أبناء مدرستي فيها، وكان طلاب المرحلة الثانوية يقودون المظاهرات، وكنا صغاراً حالمين نظن بجدوى المواجهة، والحماس كان يحملنا على مواجهة الدوريات الإسرائيلية والمواجهة المباشرة، ولم يكن الخوف يعرف إلى قلوبنا طريقاً، وكنا نبني السدود في مواجهة الدوريات الإسرائيلية لتقع في مواجهة مباشرة معنا حين تُفاجأ بالسد، وحين كانت تضيّق علينا الدوريات الخناق نصعد الجبال ونلتزمها ونستمر بقذف الحجارة، وفي إحدى المظاهرات التي قمنا بها على النحو المعتاد، ثم عدنا إلى المدرسة في اليوم التالي فإذا سلطات الاحتلال تقوم بوساطة الشرطة المحلية بإحضار مذكرة اعتقال لي وتسلمها للأسرة.. وفي اليوم التالي حضرت سيارة شرطة إسرائيلية إلى المدرسة، وقامت باعتقالي أنا وفتى آخر من صفي، وكنا نشترك معاً في النحافة وقصر القامة وضآلة الجسم، و ربما في المستوى الاقتصادي المتواضع للأسرتين، وحملتنا سيارة الشرطة وطوّفت بنا في البلدة، ومرت من أمام المقهى الذي عادة ما يجمع نخبة المثقفين في البلدة، والفتى الصغير وزميله لا يكادان يظهران لضآلة حجمهما وقصرهما، ولكن الناس ميزونا والتفتوا إلينا، وكانت العيون شاخصة نحونا ونحن في السيارة... نظرات ممزوجة بالإشفاق والإعجاب بهذين المناضلين الصغيرين...!!

      وفي المركز الأمني اليهودي في مدينة طولكرم عرضونا على محقق اسمه (يونا) ولكم كانت دهشة المحقق الممتلئ جثة والقصير قامة حين رآنا فتيين صغيرين لا يكادان يظهرن من على وجه الأرض...!! والمطلوب منه أن يحقق معنا، ويكتب محضر تحقيق فينا...!! فبادرني بالسؤال:
      هل قذفت الدوريات الإسرائيلية بالحجارة؟
      - لا ..
      - هل شاركت في بناء السدود في وجه الدوريات الإسرائيلية؟
      - لا..
      - وأخذ يصيح ويرغي ويزبد ويذكر فلاناً وعلاناً ممن اعتقلتهم الشرطة، واعترفوا علينا وأنا أنفي التهم بثبات.. وهنا صرخ في وجهي بكلمات نابية وقال: طولك طول (...) وتبني السدود في طريق الدوريات الإسرائيلية وتقذفها بالحجارة.. واستمر في وعيده وتهديده، ثم طلب مني أن أستدير إلى الحائط.. ومضت الجولة الأولى وقبيل العصر أعطاني مذكرة بمراجعة المركز لأحضر أنا ووالدي للتحقيق، ولم يحتجزوني لأنني دون السن القانونية...
      وعدت غير مرة والتحقيق نفس التحقيق، ولم أعترف وظللت صامداً.. طبعاً كان هناك تدريب وتأكيد من الوالد على الصمود وعدم الاعتراف.. وانتهت محاضر التحقيق... وفي يوم من الأيام لم أبلّغ فيه بالحضور إلى المحكمة، ولم أكن مستعداً للذهاب إلى المركز الأمني فإذا سيارة الشرطة تأتي إلى المدرسة، وطلبتني من مدير المدرسة، وأخبرني الشرطي بالصعود إلى السيارة؛ لأن اليوم هو موعد المثول أمام المحكمة العسكرية، وفعلاً ذهبت معهم، ولحقني أبي إلى المركز الأمني، ومثلت أنا وبقية زملائي أمام القاضي العسكري، ونادى اسمي فوقفت، وبدأ القاضي يسألني:
      هل أنت مذنب؟
      - لا..
      - وأعاد عليّ السؤال، وكان خلفي والدي ورجل أمن عربي يمثل السلطة الإسرائيلية، فقال رجل الأمن العربي: اعترفْ أنك مذنب بينما كان يردّ والدي بالنحنحة والإحم من خلفي(إحم إحم) يريد أن يقول لي: لا تسمع له .. ويتكرر السؤال من القاضي وعرض لائحة الاتهام والطلب مني بالاعتراف، و رجل الأمن خلفي يطلب مني الاعتراف، بينما كان والدي يردد(إحم إحم إحم) ...!!
      وانتهت المحكمة بإصراري على عدم الاعتراف بما في لائحة الاتهام وعدم الاعتراف بأني مذنب، وكانت النتيجة إعلان براءتي مما أُسند إليّ، ويخرج الفتى مبتهجاً بصموده، رافعاً رأسه بنتيجة هذه التجربة لطفل لمّا يتجاوز الثانية عشرة من عمره أمام محكمة عسكرية إسرائيلية...!!

      ويعود الفتى أدراجه إلى بيته وقلبه الجسور يتراقص من الفرح بالبراءة، وتكاد تُسمع دقات قلبه من الانفعال، وأول من لاقاني إثر نزولي من الحافلة كان عمي الحاج علي الذي أراد أن يفسد عليّ الفرحة حتى لا أتمادى وأعود ثانية إلى التظاهر والمشاركة في بناء السدود، ولكن كنت أعلم علم اليقين أنه كان سعيداً بجسارة ابن أخيه، وأن قلبه كان يتراقص من الفرح بهذا الفتى الجسور محط افتخاره، وقد كان فعلاً موضع احترامه وتقديره على الأيام ..
      [glint]
      ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
      عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
      فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

      وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

      [/glint]

      تعليق

      • نايف ذوابه
        عضو الملتقى
        • 11-01-2012
        • 999

        #4
        http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?93735-قال-الأحمر-عشّوه-وبعد-العشا-مشّوه..!!


        قصة قصيرة .. قال الأحمر: عشوه وبعد العشا مشوه..


        http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?93521-أربعة-وثمانون-قهرًا-..

        أربعة وثمانون قهرا


        من أدب السجون ...
        [glint]
        ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
        عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
        فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

        وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

        [/glint]

        تعليق

        • سليمى السرايري
          مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
          • 08-01-2010
          • 13572

          #5
          وجدت هنا حياة غنية متشبّعة بالجمال

          شكرا للاستاذ نايف ذوابه
          وشكرا لزميلتي نجلاء نصير
          لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

          تعليق

          • نايف ذوابه
            عضو الملتقى
            • 11-01-2012
            • 999

            #6
            شكرا يا أستاذة سليمى على التواجد..

            المزيد من سيرتي الذاتية في حلقات سبع بعنوان على أديم الذكريات ..

            وأيضا في زاوية الحياة إيقاع . .. توجد في منتديات أقلام ومنتديات واتا . ..

            أتمنى أن يكون فيها بعض ما يستحق العرض أمام أساتذة كبار وأستاذات كبريات ..

            في زاوية مواجهات مع الأستاذة الكريمة نجلاء نصير في العاشرة مساء بتوقيت القاهرة

            والثامنة بتوقيت غرينتش
            [glint]
            ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
            عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
            فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

            وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

            [/glint]

            تعليق

            • ريما ريماوي
              عضو الملتقى
              • 07-05-2011
              • 8501

              #7
              طفولة فيها ما فيها من عذاب واستعمار وقهر ...
              الأستاذ نايف المبدع والطفل النجيب.. أسعدني التعرف عليك أكثر.

              احترامي وتقديري.


              أنين ناي
              يبث الحنين لأصله
              غصن مورّق صغير.

              تعليق

              • نايف ذوابه
                عضو الملتقى
                • 11-01-2012
                • 999

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
                طفولة فيها ما فيها من عذاب واستعمار وقهر ...
                المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
                الأستاذ نايف المبدع والطفل النجيب.. أسعدني التعرف عليك أكثر.

                احترامي وتقديري



                الابنة النجيبة البارة ريما

                ما أجمل مرورك وتعقيبك

                شكرا لك .. مرورك أسعدني

                هذه الطفولة المعذبة هي التي قوت عارضة الكفاح فينا وهي التي جعلتنا نواجه الحياة بأعاصيرها وكأنها نزهة سهلة

                لكل شيء ثمنه ..

                ومن أجل مبادئنا وأوطاننا التي نعشقها كل شيء يهون

                ألف شكر

                [glint]
                ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
                عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
                فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

                وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

                [/glint]

                تعليق

                • فاكية صباحي
                  شاعرة وأديبة
                  • 21-11-2009
                  • 790

                  #9
                  السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

                  وتمضي السنوات تبعثر بين مساءاتها حبات الذكرى ..
                  كما يزرع الفلاح المناضل حبات القمح بجوف أرض أرهقتها
                  النائبات لتسقيها قطرات من عرق جبين ما انحنى ولن ينحني إلا لله تعالى ..
                  قد تورق حبات الذكرى قصصا وحكايا تعطر القلوب والأمكنة بحرارة صدقها
                  ونغماتها الحبلى بصدى الحياة كما تورق حبات القمح بجوف الأرض لتجود
                  بسنابل عصية على كل المناجل وإن غامت السماء

                  أستاذي الكريم ..وأخي الفاضل نايف ذوابة
                  ليس من السهل أن يورق الحرف بمثل هذا الجمال بين كل الأنامل
                  فوحده الصدق من يجعل الحروف بلون الضياء ،ويبعثرالذكريات بطعم
                  الملاحم التي وقعتها هام الرجال على جبين الدهر..
                  وبعثرتها خطى المدلجين -على كل تل ورابية- أوراقا تفوح بعبير الجهاد والنضال
                  ووحده القلب النابض بالإيمان والنقاء من يرسم مثل هذه اللوحات التي
                  ستخلد بقلب القارىء خلود قضايا أمتنا الغائرة بصدور كم أضناها الإنتظار
                  لفجر حر أبي يجمع شتاتنا من المحيط إلى الخليج..
                  ويوحد خطانا على كلمة واحدة لا تجزئها مُدية الخيانة ولا يحنيها سيف الطغاة

                  لا أحب أن أخدش الجمال إذا تماهى عبيرا على حد شقائق البوح ..
                  لكنني سأبيح لنفسي بأن أطل من هذه النافذة المورقة حنينا لرياحين
                  الماضي وعبق الطفولة الأولى وسنى خطواتها على مدارج الكفاح الذي
                  أورقت شتلاته بين رحم الأرض ورحم كل أم أخرجت جنينها حرا طليقا
                  لهذه الحياة ووهبته قربانا للوطن قبل أن يدرج
                  أستاذي الكريم ..أشكر لك كل حرف بعثرته نديا بطعم الزيتون ، ونبض
                  الحنين لشوارع عنبتا ..وحاراتها ،وأزقتها التي ضمت خطى أبناء ما
                  أنساهم طول الغياب ألق صباحاتها وعبق مساءاتها وهي تضمهم بليلها
                  الصاخب كما تضم الأم الرؤوم بنيها بليلة شتاء باردة

                  أدام الله عليك نعمة النضال ..ومسؤولية حرف نازف تنفثه حرا
                  أبيا ليسكن قلوبنا ،ويستقر بين النبضة والنبضة نبضة أخرى ستبقى
                  فانوسا لعبير الأوفياء، الأتقياء الذين أعطوا فأجزلوا العطاء وما ناء
                  كاهلهم بجودهم،وسخائهم

                  أنار الله دروبك ..وأبقاك هامة شماء بصحراء الكفاح التي
                  ما ألفت لهيبها سوى خطى الأوفياء للأرض والتراب

                  تقبل مني مفردات التقدير والاحترام

                  تعليق

                  • نايف ذوابه
                    عضو الملتقى
                    • 11-01-2012
                    • 999

                    #10
                    أهلا بالأخت الغالية الحنون.. أهلا بالأخت الوفية .. أهلا بالجرح النازف لظى على أمة اشتاقت لها عين الشمس

                    ماذا بوسعي أن أقول أمام كلماتك التي تلهب الوجدان وتستدني المروءة التي اغتالتها يد الهوان في شرقنا العظيم

                    ستشرق شمسُنا يا أخيّة وأسأل الله أن يمتّع عينيك وعيوننا بعزة الإسلام وظهوره وعلوّ شأنه وتمكينه في الأرض

                    حان زمن الاستخلاف والخلافة يا فاكية .. بإذن الله ستكونين كما تمنيْتُ لأختي الغالية

                    أعزك الله وحفظك لأمتك وأسرتك ولنا نحن إخوتك يا شقيقة الرجال
                    [glint]
                    ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
                    عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
                    فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

                    وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

                    [/glint]

                    تعليق

                    • نايف ذوابه
                      عضو الملتقى
                      • 11-01-2012
                      • 999

                      #11
                      موعدنا غدا مساء الساعة العاشرة بتوقيت القاهرة مع ضفاف الذكريات وبرنامج مواجهة مع الأستاذة الكريمة نجلاء نصير
                      [glint]
                      ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
                      عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
                      فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

                      وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

                      [/glint]

                      تعليق

                      • نايف ذوابه
                        عضو الملتقى
                        • 11-01-2012
                        • 999

                        #12
                        صباح الخير يا مصر ..

                        ما يجري على الساحةالمصرية، تفخيح للوضع السياسي وإضعاف لمصر

                        الفوضى الخلاّقة والتدمير الخلاق يبدو أنهما يأخذان طريقهما إلى المجتمع المصري والساحة السياسية المصرية بتخطيط محكم من القوى العدوة للثورة وحلفائها .. في مصر، وقد يكون هناك قوى غير مصرية استخبارية عربية تعمل معها أيضا .. فالمنطقة أصبحت وحدة استخبارية تقودها إسرائيل أولا ومعها القوى الغربية وما يسمى بالقوى العربية المعتدلة التي تقوم بخدمة إسرائيل والغرب والتي ضلعت معها فيما سمي بالحرب على الإرهاب .. ومن السذاجة بمكان أن نتصور أن إسرائيل التي فقدت ذخرا استرتيجيا بسقوط مبارك أنها غير ضالعة بالأحداث على الساحة المصرية لتفخيخ المجتمع المصري وإشغال المصريين بأنفسهم في معركة يقصد بها إضعاف مصر وإرباك الإسلاميين خاصة؛ بصفتهم الذين وصلوا عن طريق صناديق الاقتراع ليكونوا في سدة الحكم والسلطة ..
                        إسرائيل وحلفاؤها في مصر وهم فلول النظام السابق من الحزب الوطني ثم جهاز مباحث الأمن الدولة فضلا عمن أسقطتهم أجهزة الموساد الإسرائيلي وتجندهم في معركتها لتحويل مصر إلى منطقة رخوة سهلة الاختراق حتى تصبح في حالة استسلام، تنتهي بالتوجيه بالريموت كونترول من بعد إيهان عزيمتها وإضعافها اقتصاديا بتدمير مقومات الاقتصاد المصري وإضعاف البورصة التي تنهار في مثل هكذا ظروف فضلا عن عدم تعاون دول الخليج العربي معها بشكل مشرف لمساعدتها والأخذ بيدها في مثل هذه الظروف الحالكة .. وكل ذلك بإيعاز من القوى الدولية التي تقف خلف دول الخليج وبالطبع أمريكا سيدتهم والآمر الناهي عليهم..
                        إسرائيل في قلب الحدث ومن الجهل والغفلة أن نشكك في ذلك؛ فالمعركة بين إسرائيل والمنطقة والقوى السياسية الناهضة في المنطقة هي معركة ناعمة أدواتها العمل الاستخباري وتجنيد أناس لإشاعة الفوضى في مصر، وقد يكون هؤلاء من المخلصين لكن الحماس غير المعقلن والواعي يقودهم لخدمة أهداف إسرائيل، وهذا واضح من خلال حالة الانفعال والهيجان العاطفي السياسي التي تجتاح الساحة السياسية المصرية ونجاح القوى الاستخبارية العدوة في دس إسفين عداوة بين الجيش وبين الشعب ثم بين القوى السياسية نفسها كما يحصل بين الإخوان وشباب الثورة في ميدان التحرير ..
                        إن ما جرى في بور سعيد يذكرنا بعبارة مبارك التي هدد بها المصريين قبل نحو عام في مطلع شباط من العام الماضي وهو قوله: إما أنا أو الفوضى والذي طرحه مبارك في مثل تلك الساعة، وفي مثل ذاك اليوم، قبل عامٍ (1 فبراير 2011) أمام الشعب المصري، حين قال متحدثًا عن الفوضى: "لا يعلم أحد مداها وتداعياتها على حاضر الوطن ومستقبله.. إن إسرائيل تقوم بإشاعة الفوضى تأكيدا على مقولة مبارك وهذا لا يعني أن مبارك قادم فهذا أبعد من الخيال ولكن زمانه قد يكون قادما من خلال حكم العسكر واستبدادهم بالسلطة .. متذرعين بالفوضى التي عمت الشارع المصري والتناحر بين القوى السياسية، وشهادة اللاعب المصري أبو تريكة تفضح دور الجيش في بور سعيد حيث ترك الناس يقتتلون ويموتون وهم يتفرجون عليهم كأن الأمر لا يعنيهم وكأن ما يحصل ليس بين أبناء شعبهم ..
                        قال أبو تريكة صارخًا: "قوات الأمن تركتنا، ولم تقم بحمايتنا. توفي أحد المشجعين أمامي الآن في حجرة الملابس..
                        إن تحليلي للأوضاع لا ينبغي أن يعفي القوى السياسية من تحمّل مسؤوليتها في هذا الظرف الدقيق من حياة مصر التي ألهمت بثورتها وقبلها تونس المنطقة وشعوبها وشجعتها على الثورة على أنظمتها المستبدة .. هذا الظرف الدقيق يضعهم على المحك ويضع قدراتهم السياسية في احتواء ما يجري أمام امتحان صعب ..
                        عليهم أن يبثوا الوعي في الشارع ويستمروا في قيادته وعليهم أن يتجنبوا المواجهة مع الثوار وأقصد بذلك التيار الإسلامي وفي مقدمته الإخوان المسلمون .. عليهم أن يكونوا بمستوى الأحداث وأن يضبطوا إيقاعها من خلال خلية أزمة يشكلونها من مختلف القوى السياسية لتجنيب مصر محنة السقوط فيما تريده إسرائيل حتى لا يحنّ الناس إلى زمن استبداد مبارك في هذه الأجواء الحالكة .. وحتى لا تتحول انتصاراتهم إلى ندم في وجدان الشعب المصري ..
                        دقت ساعة العمل والكل أمام امتحان كبير ..
                        صباح الخير يا مصر .. مصر أقوى من المحنة وأقوى مما يُحاك لها وقد أثبت المصريون في ثورتهم أنهم ما زالوا يتمتعون بحس القائد والآن عليهم أن يثبتوا أنهم يقظون وأن الأحداث لن تكون أقوى منهم وأن زمام المبادرة ما زال بأيديهم ..

                        نايف ذوابه/عمان
                        [glint]
                        ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
                        عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
                        فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

                        وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

                        [/glint]

                        تعليق

                        • نايف ذوابه
                          عضو الملتقى
                          • 11-01-2012
                          • 999

                          #13
                          في أحد أيام آذار الدافئة المشمسة عام 1981 كان للصدفة والصدفة وحدها موعد أخذني بتلابيب جسمي وألقى بي في مكتب الأستاذ المرحوم موسى شقبوعة مدير القسم الإعدادي في مدارس الكلية العلمية الإسلامية بعد أن أخبرني الأخ الأستاذ يوسف الشلبي المعلم في القسم الثانوي في الكلية بأن هناك شاغرا لمعلم لغة عربية تعاقد مع قطر فتعال وقابل فلربما تأخذ مكانه.

                          ولأني لم أكن قد هيأت نفسي لمثل هذه الوظيفة ولا حتى الاستقرار في الأردن فإن الخبر قد جعلني قلقا ومترددا: هل أسافر إلى عنبتا حيث ينتظرني الأهل بعد أن انقطعت عنهم أربع سنين متواليات بسبب ظروف قاهرة أم أغتنم الفرصة التي لاحت لي ولا سيما في الكلية العلمية الإسلامية ..
                          استقبلني المرحوم الأستاذ موسى شقبوعة بهدوئه وشيء من المرارة التي تسكن نفسه تلك التي لا يستشعرها إلا القريبون منه العارفون بسرائر دخيلته .. وأحالني إلى المرحوم الأستاذ المدير الإداري زهير كحالة رحمه الله..... الذي لم أمكث عنده طويلا حتى حولني إلى المدير الفني مدير الإدارة المدرسية في مدراس الكلية العلمية الإسلامية الأستاذ أنور الحناوي(رحمه الله) .. والحقيقة أن الكلية هي جمعية ثقافة إسلامية يشرف عليها مجلس الجمعية وهم من أعيان الأردن ووجهاؤه وخاصة من الشوام القدماء في الأردن ويرأس الجمعية المهندس عبد الغني أبو قورة، والكلية كما قال لي الأستاذ فهمي ربيحات المدير الإدراي في مدارس العروبة والذي عملت معه هناك: لو لم يكن للكلية الإسلامية فضيلة إلا الوقوف في وجه المد التبشيري للمدارس النصرانية كدي لا سال والفرير والأرثوذكسية لكفاها .. فالكلية كانت تنافس هذه المدارس في استقطاب أبناء العائلات العريقة الذين يستلمون المناصب الرفيعة في البلد والرتب الكبيرة في الجيش والأجهزة الأمنية، والمدارس المسيحية كانت مدارس مختلطة وتقوم بعلمنة التعليم وتعميم النزعة الغربية فيه، وتؤدي مهام مشبوهة بدعم من السفارات الغربية
                          دخلت غرفة الأستاذ أنور الحناوي الذي كان يبدو سبعينيا؛ والجدير بالذكر أن الأستاذ أنور قد منح الكلية حياته ولم يتزوج إلا بعد أن دخل الستين في منتصفها أو على أطرافها؛فإن الكلية كانت حياته ومستقبله إلى درجة أنه كان يسكن فيها، ولذا لم أستغرب أن جنازته قد حملها المريدون والأوفياء من مبنى الأولية المختلطة وداروا بها حول مدارس الكلية في جبل عمان بناء على وصيته، ومن عمل مع أنور رحمه الله يعرف أي شغف كان يحمل الرجل وأي إخلاص للكلية التي شهد ميلادها وقام على رعايتها طفلا وليداً إلى أن أصبحت صرحا شامخا من صروح التربية في الأردن ووجها ثقافيا حضاريا لا ينكره خبير ولا تخطئه عين مبصرة ..
                          كان أنور يقتعد كرسيا عاديا قوائمه من حديد وتتناثر في الغرفة التي لا تتجاوز مساحتها التسعة أو العشرة أمتار بضعة كراسي من نفس النوع.. دخلت الغرفة وسلمت وصافحت وقلما قام أنور لأحد حد علمي .. فهو شخصية مهيبة وتحترم نفسها وتثق باسمها الذي ارتبط بهذه المؤسسة العملاقة وهو يقودها شهادة منصف محب بكفاءة واقتدار وكان يحيط نفسه بمجموعة من الإداريين المخلصين الأكفاء الذي يثق بهم ويمنحهم صلاحيات يقودون بها أقسامهم ولا يحيلون إليه إلا المشاكل العويصة التي تتعلق غالبا بمشاكل أبناء الذوات الذين يتجاوزون حدودهم فكان أنور يستدعيهم ويستدعي أولياء أمورهم مهما كان آباؤهم نافذين في البلد حتى إنه استدعى مرة الباشا حابس المجالي بخصوص مشكلة من مشاكل أبنائه وجاء حابس بنفسه وشحمه ولحمه إلى الأستاذ أنور بناء على استدعاء شخصي لولي أمر طالب وكان حينئذ رئيسا لأركان الجيش الأردني أو في رتبة عسكرية رفيعة.. وقد أصبح فيما بعد قائدا للجيش.
                          جلست على الكرسي والأستاذ أنور ينظر في وجهي ويتفرس في ملامحي!! يا أستاذ حابب تشتغل في الكلية معنا..؟! عن طريق مين جيت .. مين قالك إن هناك فرصة في المدرسة؟ وطبعا أجبت والجدير بالذكر أنه كانت هناك خصومة بين الأستاذ أنور والأستاذ يوسف الشلبي الذي جئت عن طريقه وبمعرفته .. لكن أنور والحق يقال كان يحرص على مصلحة الكلية ولو كان يراعي هواه لردني وقال: ما في فرصة في المدرسة .. اللي قالك غلطان..!! كما يحصل في كثير من الدوائر حين تأتي الفرصة عن طريق شخص لا يحبه المدير ..
                          وقدمت للأستاذ أنور بعضا من كتاباتي التي نشرتها الصحف وخاصة ذلك المقال بعنوان: محاولات لتبرئة المتهم طه حسين الذي كتبته تعقيبا على الندوة التي جرت على مدرج سمير الرفاعي بين الدكتور نصرت عبد الرحمن والدكتور عبد المجيد المحتسب وحين قرأه أستاذي الدكتور نصرت عبد الرحمن في الصحيفة والمقال فيه تعنيف له وتهجم عليه لأنه دافع عن طه حسين لكنه قابلني في مبنى قسم اللغة العربية بابتسامة عريضة وشكرني وشجعني ..
                          وقرأ أنور المقال وابتسم وأدرك أنه أمام خريج ليس كأي خريج .. فاستدركت عليه وقلت له: لكن يا أستاذ أنا الآن لا أملك أوراقا ثبوتية وشهاداتي الرسمية لما تخرج إلى النور .. فقال: مش مهم لما تجهز بتحضرها ..!! مستعد تداوم يا أستاذ وتباشر عملك؟ فقلت له مستعد.. وكان ما كان وأصبحت معلما من معلمي الكلية العلمية الإسلامية.

                          في الكلية العلمية تتقدم بكفاءتك وإخلاصك؛ فالعمل فيها مؤسسي والصلاحيات لا تتداخل بين المدراء والمسؤولين.. والجدير بالذكر أن الكلية العلمية الإسلامية كان يرأسها معالي الأستاذ بشير الصباغ الذين كان يوما وزيرا للتربية ووزيرا للأوقاف.. وهو شخصية تربوية قديرة كان مسماه الوظيفي الرئيس ..!! وقد التقيته مرة واحدة لقاء مباشرا ودافئا حين أحالني الأستاذ أنور الحناوي إليه حين كلفت بتدريس الثالث الثانوي مادة اللغة العربية وكان لقاء دافئا سلسا لا كلفة فيه..
                          [glint]
                          ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
                          عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
                          فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

                          وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

                          [/glint]

                          تعليق

                          • نايف ذوابه
                            عضو الملتقى
                            • 11-01-2012
                            • 999

                            #14
                            العمل في الكلية العلمية الإسلامية محطة هامة في سجل حياتي تمنيت لو عدت إليها مرة ثالثة لكن يبدو أن هناك من كان لي بالمرصاد وحال دون عودتي إلى أعز مكان أمضيت فيه أجمل سني عمري وأبلغها .
                            كان لي أخ صديق متعثر في الحياة رحمه الله رحمة واسعة هو الأستاذ عادل الشروف .. وقد تزوج امرأة صالحة وداعية هي السيدة نجاح السباتين ولها كتابات على الشبكة وقد عوضه الله بها خيرا .. كان عتبه على الأيام كبيرا .. فكان يقول: حظي في كل شي أسود إلا في البطيخ أبيض..!!

                            أنور الحناوي رجل التربية والإداري الأشهر من نار على علم
                            على الرغم من جديته وما يبدو عليه من جهامة لكنها جهامة يتخللها دفء وحنو وثقة وخاصة مع من يثق بهم وبكفاءتهم وإخلاصهم ..
                            إن القيادي العظيم هو من يشعر كل من حوله بأنهم عظماء .. وهكذا كان أنور الحناوي.
                            أنا المعلم الوحيد الذي عاد إلى مدارس الكلية بعد أن استقال من تلقاء نفسه.. وقد عدت بطلب مباشر من إدارتها وهذه حالة فريدة في تاريخ الكلية..جعلت معلمي ومعلمات الكلية يفغرون أفواههم من الدهشة غير مصدقين، حينما رأوني في الكلية بعد غياب ثلاث سنوات عملت فيها في مدارس العروبة.

                            السنة الأخيرة التي عملت فيها في الكلية كان نصابي من الحصص في المرحلة الثانوية 28 حصة وهو أكبر نصاب لمعلم فيها وعلى الرغم من ذلك كنت سعيدا ومرتاحا لأن التقدير الذي كنت أتلقاه في الكلية كان يشعرني بأنني ركن من أركانها و ليس مجرد معلم عابر سبيل ..
                            في أحد الأيام دخلت الفنانة سلوى زوجة جميل العاص القسم الإعدادي لتسأل عن ابنها طارق، وهو أحد تلاميذي الذي علمتهم في المرحلة الثانوية، ولما رأت استقبال الأستاذ موسى شقبوعة الفاتر لها وهي الفنانة التي تلاقى بالحفاوة والتكريم في المكان الذي تدخله قالت للأستاذ موسى شقبوعة: كأنك لا تعرفني..؟! فقال لها أبو محمد رحمه الله: لا عارفك.. سلوى ما غيرها.. !! فبجمت وأدركت أنها في مكان جاد محترم لا يحتفي بالفن وإنما يهتم بصناعة القادة..!!
                            ألح عليّ مدرس التربية الموسيقية لماذا لم تزر الأستاذ أنور الحناوي في المستشفى وقد مكث مدة طويلة؟ (ويبدو أنهم استعرضوا معلمي وموظفي الكلية في جبل عمان وكلهم زار الأستاذ أنور إلا الأستاذ نايف ذوابه) .. فقلت له: إن أنور الحناوي لم يزرني حينما دخلت المستشفى قبل نحو عام ولم يتصل بي مهنئا بسلامتي .. فكيف أزوره ..؟! حتى لو كان مدير الأدارة المدرسية ... شو يعني ..لا لن أزوره ..!! وبعد خروجه من المستشفى وتماثله للشفاء ذهبت إلى مبنى الرئاسة للمراجعة بخصوص شأن من الشؤون المالية أو الإدارية، و حيث غرفة أنور في أحد زوايا الدور الأول من مبنى الرئاسة .. وكانت المفاجأة أن أنور كان أمام غرفته مع الأستاذة مريم العطار مديرة مدرسة البنات.. وكانت مواجهة مثيرة ساخنة.. سلمت وصافحت الأستاذ أنور مبتسما وهنأته بالسلامة، لكنه بادل ابتسامتي بابتسامة عريضة تحولت إلى ضحكة من أعماق قلبه ..وكان دافئا حانيا وأظن أنه أصبح بعدها أكثر دفئا واحتراما لي على الرغم من الفارق العمري بيني وبينه..!!
                            [glint]
                            ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
                            عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
                            فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

                            وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

                            [/glint]

                            تعليق

                            • نايف ذوابه
                              عضو الملتقى
                              • 11-01-2012
                              • 999

                              #15

                              على أديمك أيها البحر






                              الزمن الجميل ..





                              أيامي في الكلية العلمية الإسلامية





                              لا أعدو الحقيقة إذا وصفت أيامي في الكلية العلمية الإسلامية بأنها الزمن الجميل في حياتي بل الأجمل .. الكلية لا تقبل أي معلم عابر سبيل .. فكل معلم فيها مميز وعلى أهلية عالية ..



                              تلك الأيام التي امتزجت فيها القدرة بالرغبة والكفاءة، والرسالة كانت سياجا أمينا وعين الرقيب على الأداء.. كانت حاضرة في كل حصة وهكذا يكون المعلم قدوة بحق وحقيقة، ويكون للتعليم مذاق وطعم ونكهة، وهكذا يدرك الطلاب أنهم أمام معلم مميز لم تنفصل رسالته عن معرفته ولم يغب ضميره وهو يؤدي رسالته عن أهداف حصته.. فالتعليم حين تمتزج أهدافه المعرفية والتحصيلية بمختلف درجاتها وأنواعها بالضمير(مخافة الله وتقواه) يكون أداء المعلم لافتا ومدهشا .. والطلاب يدركون ذلك ويميزونه وخاصة الأذكياء منهم.. ولقد فاجأني يوما ما أحد طلابي النجباء وهو الطالب عصام عيتاني قائلا: أنت أستاذ مختلف .. أنت ناجح والأستاذ خميس عايش مدرس اللغة العربية في القسم الثانوي أيضا معلم ناجح ولكنني أشعر أنك مختلف عنه أيضا .. وطبعا أنا أعرف نفسي وأدرك مغزى كلام الطالب تمام الإدراك .. ففي الوقت الذي كان زميلي الأستاذ خميس عايش يضع صورة جلالة الملك و صورة ولي عهده تحت اللوح الزجاجي الذي يعتلي طاولته .. وكأنه يتوسل بصورتي الملك وولي عهده في سياسة الطلاب المتنفذين، أبناء علية القوم من ضباط المؤسسة الأمنية والوزراء ووكلاء الوزارات وكبار ضباط الجيش وكبار موظفي الدولة .. بمعنى أنه يريد أن يقول لهم: ما في حدا أحسن من حدا .. أنا ملكي أكثر منكم .. !! كان العبد الفقير معروفًا بجلده على مقاومة نفوذ هؤلاء الطلاب المتنفذين ومعاملتهم كباقي الطلاب دون تمييز، فضلا عن لهجته حين يتحدث في القضايا العامة أو عند ربط أهداف المنهج بمصادرالثقافة الإسلامية .. لذلك كانت علاقتي حادة مع هؤلاء الطلاب، وكان من هؤلاء أبناء مدراء مخابرات و موظفين كبار في الدولة وفي المؤسسة الأمنية ..



                              ولا أنسى تلك المشادة التي حصلت بيني وبين طالب كان أبوه على رأس المؤسسة الأمنية. الباشا ..وكان معروفا بقسوته، ثم أصبح مستشارًا أمنيًا لجلالة الملك .. كان سؤالًا في مادة النصوص الأدبية أو تاريخ الأدب والمطلوب استخراج الفكرة والوقوف على أسلوب الكاتب .. وقد قيمت إجابة الطالب بعلامتين ونصف من ثلاث علامات .. فجاء يراجعني بخصوص العلامة لماذا لم أضع له علامة كاملة..


                              وأخبرني بأنه أطلع أباه على الإجابة فقال له: إنه يستحق علامة كاملة .. فقلت له: هذا "رأي أبوك لكن رأيي أنك لا تستحق" .. وطبعا لم يعجبه ردّي .. ومن الذي يجرؤ في مدارس الكلية العلمية الإسلامية على معاملة ابن الباشا بهذه الحدية والصراحة؟





                              حملها في نفسه، وكان يحاول التشويش عليّ داخل غرفة الفصل مباشرة وأحيانا بصورة غير مباشرة .. فقد ضبطته مرة يسرق دفتر العلامات من على الطاولة .. كنتُ يقظًا وأتوقع منه مثل هذه الحركات .. وفي إحدى المرات وقد عمت القسم الثانوي في النصف الأخير من العام الدراسي بعض الفوضى نتيجة تغيير في إدارة القسم، صدر في الفصل صوت دويّ انفجار .. فتاش من فتاشات الألعاب النارية.. ولم أكن أتهاون في مسألة كهذه مع أن بعض المعلمين كانت تصدر الفتاشات من غرف صفهم، ويستهبلون على زملائهم وعلى الإدارة فيطل الواحد منهم من غرفة فصله ويسأل: وين هذا الانفجار..؟! مع أن الانفجار يكون في فصله ..!! وقد أصررت على التحقيق، ولم أسمح بمرور الحادثة دون معرفة الفاعل .. وتولت الإدارة التحقيق مع متابعة مني .. وكانت النتيجة أن الذي أشعل فتيل الانفجار كان ابن موظف بسيط في الشؤون الذاتية، وهو من أعقل الطلاب وآدبهم وأكثرهم ااجتهادا .. وكان الأمر فعلاً مريبًا ولا يتقبله عقل .. ولمّا جرى تحرٍّ وتحقيق مع الطالب تبين أن من دفعه إلى ذلك هو ابن الباشا.. وهنا توقف التحقيق..!!





                              يقولون: إن عنترة قد بنى مجده وفروسيته على جثث الضعفاء غير المنجبين في فروسيتهم .. فكان إذا بدأت المعركة مال إلى فارس من عوام الفرسان فضربه ضربة تفلق رأسه أو جسده فيدبّ الرعب في قلوب أشجع الفرسان .. لم تكن هذه الفلسفة تروقني ولم تكن مروءتي لتقبلها .. لذلك كثر اصطدامي مع أبناء الذوات ممثلي السلطة.. فطالت معاناتي معهم وحربي الضروس مع هذه الرؤوس ..!!





                              وقد استدعاني يومًا الأستاذ المرحوم أنور الحناوي مدير الإدارة المدرسية إلى مكتبه بوساطة مدير القسم الثانوي المباشر الأستاذ سمير الحلاق.. قال لي الأستاذ سمير الحلاق: أستاذ نايف، الأستاذ أنور عايزك ..!! عنده الباشا يريد أن يسألك عن ابنه..!! فقلت حسنًا.. حانت الفرصة .. الباشا موجود وأنا جاهز ..



                              ذهبت إلى مكتب الأستاذ أنور الحناوي في مبنى الرئاسة في مدارس الكلية العلمية الإسلامية في جبل عمان .. والجدير بالذكر أن مكتب الأستاذ أنور -رحمه الله- مكتب متواضع .. فهو يقع في ركن الطابق الأرضي السفلي حين تدخل المبنى في غرفة صغيرة، ليس فيها سوى طاولة وبضعة كراسٍ متواضعه جدا .. لا كنب و لا خزائن وبلا أثاث فخم.. كان أنور رحمه الله شخصية مهيبة، ولم يكن بحاجة إلى بهرج أو زخارف لتضفي على مكانته وشخصيته مهابة ..



                              دخلت الغرفة وسلمت.. فقال الأستاذ أنور رحمه الله: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. أهلا أستاذ نايف .. يا أستاذ، الباشا يريد أن يسألك عن ابنه.. كيف ابنه عندك؟ فقلت له: طالب ذكيّ ومميّز وهو فعلا كذلك .. ومستواه ممتاز .. لكن يا أستاذ أنور أريد أن أحدثك عن حادثة حصلت بيني وبينه أواخر العام الماضي .. فقال أنور رحمه الله: احكي احكي يا أستاذ .. وبدت عليه علامات الانفعال.. فقلت له: يا أستاذ الصحيح أنني أواخر العام الماضي بينما كنت أشرح في حصة تاريخ الأدب عن سقوط القدس واحتلالها من يهود .. وكنت أربط بين سقوط القدس وسقوط الأندلس .. وردّدت بيت أبي البقاء الرّندي:


                              لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إيمان وإسلام





                              فانبرى الطالب يقول: مخابرات مخابرات ..!! فاقتربت منه وقلت له: مالهاالمخابرات؟ فقال: لا ولا إشي ..!! واستمررت في حصتي ..





                              فقال الأستاذ أنور رحمه الله: يا أستاذ هو قال هيك ..!! يا أستاذ ليش ماخبّرتني..!! .. يا أستاذ إن كان فصلتو .. يا أستاذ إن كان نقلتو .. وكان أنور يتحدث بحرارة الرجال .. ولقد كانت ردة فعل الباشا غريبة وضعيفة، إلى درجة أنه أخذ يدافع عن ابنه: ابني لا علاقة له بالمخابرات .. ابني مش مخابرات ..!! في حالة من الانفعال والعصبية ..





                              هذا موقف لن أنساه لأنور الحناوي -رحمه الله- رحمة واسعة؛ فقد كان رجلا ملء السمع والبصر.. لقد شعرت أنه هو الباشا .. لقد كان رجلاً عظيمًا مهيبًا، وكنًا نشعر معه بنفس الشعور .. وهكذا الرجل العظيم يُشعِر كلَّ من حوله بأنهم عظام .. لذلك كنّا نشعر بأننا قادة حقيقيون في المجتمع التربوي والمجتمع بشكل عام، ولم يكن يستطيع أي رأس في البلد أن ينال من كرامتنا تحت قيادة أنور رحمه الله .. وإن أذكر فإنني أذكر أنني علّمت طالبًا من آل أبو قورة وهم أصحاب مدارس الكلية العلمية الإسلامية.. فهي جمعية ثقافة إسلامية تشرف على المدارس ويرأسها المهندس عبد الغني أبو قورة .. وقد جاء ولي أمر هذا الطالب وعنّفني ببعض كلمات؛ لأنني لامست بالعصا عضد يد ابنه مسًا رفيقًا .. وجاء مهدّدًا متوعدًا مدّعيًا أن في المكان شريانًا سبق أن انفجر أو انقطع .. وفعلا أنا لم أوذ الطالب ولم أضربه بل مرّرت العصا برفق على عضد يده... وقلت له: انصرف.. وكان ذلك في يوم مناوبتي الأسبوعية .. وقد أخبرت الأستاذ أنور رحمه الله بذلك .. فقال طيب يا أستاذ .. خلاص .. عُلم .. ولم يمض أسبوع على الحادثة حتى تمّ نقل الطالب من المدرسة كلها مع أنه من آل أبو قورة أصحاب المدارس ..!!





                              ظلت العلاقة مع الطالب ابن الباشا علاقة متوترة؛ ولقد كان يحرض الطلاب الضعفاء والمشاغبين على التشويش في الحصة، وكنت له بالمرصاد وفي كامل اليقظة، ولم أهادنه أو أتسامح معه، وكانت أيامًا صعبة وحالة طوارئ قصوى؛ لأنني أصبحت في حالة مواجهة معه، ويبدو أنه بصفته ابن مدير المؤسسة الأمنية(سابقًا) والمستشار الأمني لجلالة الملك.. كان هناك من يحرضه من الجهات الأمنية لتطفيشي من الكلية؛ لأنهم لايستطيعون أن يملوا على الكلية إنهاء عقدي وفصلي مباشرة، لذلك كان هذا هو الأسلوب .. ولما احتدمت المواجهة أصبحت أمام أحد ثلاثة خيارات: إما التسبب بإيذائه والنيل منه منالاً قد يكون خطيرًا، وتحمّل تبعات ذلك أمام المؤسسة الأمنية ونفوذ أبيه فيها، وإما القبول بالدنيّة واسترضائه وخطب ودّه، أو الرحيل والاستقالة .. وهكذا كان فاستقلت ..





                              وحاول معي أنور -رحمه الله- أن يثنيني عن الاستقالة، وعرض علي خيارات أخرى غير تعليم صفوف الثالث الثانوي التي فيها الطالب ابن الباشا .. لكني رفضت وأبيت .. وأمام إصراري قبل أنور -رحمه الله- استقالتي وكانت ذلك في 15/3/1989 ولم يتبق للعام الدراسي سوى شهرين، وكان حسب نظام الكلية أنه في نهاية السنة الثامنة يُضاف ضعفي التوفير إلى توفير المعلم .. فتنازلت عن كل ذلك ورحلت عن الكلية .. وقد قابلني أحد المعلمين في ساحة المدرسة، وقد تسرّب خبر استقالتي للمعلمين ..



                              فقال: يا أستاذ، صحيح استقلت .. ؟!



                              فقلت له: نعم، استقلت!!


                              فقال: يا أستاذ نايف، في حدا بيستقيل من الكلية..؟!


                              فقلت له: أنا ..!!


                              و قد زوى حاجبيه من الدهشة ..


                              </i>
                              [glint]
                              ما زلتُ أبحثُ في وجوه النّاس عن بعضِ الرّجالْ
                              عــن عصـبـةٍ يقـفـون في الأزَمَات كالشّــمِّ الجـبالْ
                              فــإذا تكلّـمتِ الشّــفـاهُ سـمـعْــتَ مــيـزانَ المـقــالْ

                              وإذا تـحركـتِ الـرّجـالُ رأيــتَ أفــعــــالَ الـرّجــالْ

                              [/glint]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X