أسِيرًا كُنْتُ مُذْ كُنْتَ الأسِيرا
سَجِينٌ حَلَّ فِي جَسَدَيْنِ زُورا
تَعَانَقَ جذْرُهُ فِي الأرْض حَتَّى
رَأيْنـَـــا فرْعَهُ فِي الأفْقِ نُورا
وَمَنْ كَانَتْ لَهُ دُنْيـَـــاهُ سِجْنًا
تَبَدَّلَ صَدْرُهُ قفَصــــــــًا كَبيرا
تَشُدُّ وَثَاقَهُ فِيهِ الْهُمـُـــــــومُ
فَمَا اسْطَاعَ الشَّهيقَ وَلا الزَّفِيرا
يُسَائِلُنِي صَغِيريَ يَا أبَانــَــا
هَل الأوْطانُ لا تَحْمِى الأجِيرا ؟
فَتَشْرَبُ مِنْ دِمَانـَـا كُـلَّ لَيْــلٍ
وَنُحْرَمُ مَاءَهَا قَسْــرًا بُكُـــورا !
أمَا إنِّي أنَاجِيـــــــكَ افْتِخَارًا
أنَاشِدُكَ الْحَقِيقــَـــةَ وَالضَّمِيرا
فَهَلْ نَاءَتْ بِنَا الأحْمَالُ يَوْمًا
جُنــُـــــودٌ نَحْنُ مُذْ كُنْتَ الأمِيرا
فَتَأمُرُ تَلْقَنَا رَهْنـــــــًا لأمْركْ
وَتَلْقَى اليُسْرَ لوْ تَخْشَى العَسِيرا
وَهَلْ كُنْتَ الأمَانَ لِمَا أهَبْنَا ؟
أيَا وَطَنِي وَهَلْ كُنْتَ الهَصُورا ؟
وَمَا لِيَ لا أرَاكَ اليَوْمَ حُرًّا ؟
وَعَيـْــنُ القَوْم تَعْتَقِلُ المَسِيرا
نَعِيشُ حَيَاتنا فِي الأسْر صَبْرًا
لِيُطلِقَ أسْرُنَا وَطنــــــــــًا كَبِيرا
وَنَرْقُبُ فِي سَوَادِ الليْل فَجْرًا
يُدَاعِـبُ فِي الرُّؤى قَمَرًا مُنِيرا
وَنَحْمِلُ فِي حَنَايَانَا الْعَطــَـاءَ
وَنَصْنَـعُ مِنْ جَمَاجِمِنَا الْجُسُورا
أقَطِّرُ مِنْ عُيُون المَاءِ قلْبِي
وَأحْمِلُهُ رضًا غَدَقــــــــًا نَمِيرا
سَأجْعَلُ رَاحَتِي طَحْنَ الرَّحَايَا
وَأمْزجُ حَبَّهَا مِسْكًا فَخــُــــورا
فَأنْتَ العِشْقُ يُمْرضُهُ الجَفَاءُ
وَمَصْلُ الوَصْلِ قدْ يُحْيى العَشِيرا
تُنَازعُنِي هَوَاكَ النَّفْسُ حَتَّى
تَقَاتَلْنــَـــــــا وَلَمْ نَلْقْ المُشِيرا
كَتَبْنَا الْحُبَّ فِيــــكَ مُجَلَّدَاتٍ
أتَأبَى أنْ تُسَطـِّـــرُنَا سُطُورا !
فَدَيْتُــــكَ يَا مِهَادِي كُلَّ غَالٍ
وَقُمْتُ اللَّيـْـلَ مُبْتَهِلًا صَبُورا
أنَخْتُ جَوَانِحِى ورأيْتُ نَفسِي
رِكَابــــًـا عِنْدَ عَتْبَتِكُمْ دُهُورا
وَقُدْتُ مُشَمـِّــــرًا قَلْبِي إلَيْكَ
لِنَمْضِى نَحْوَ غَايَتِنَا سُرُورا
فَمَنْ كَانَتْ لَهُ الأوْطَانُ مَهْدًا
تَطَاوَلَ فِي العُلا غَيْمًا مَطِيرا
وَأنْبَتَ مِنْ سَحَائِبِهِ الفيَافِي
فَأوْرَقَ غَرْسُـــهُ وَرْدًا نَضِيرا
تعليق