رئيس
الجمهورية الفاضلة
الفيلسوف سقراط
عالم المثل
فخامة الرئيس الفاضل سقراط
أكتب إليك من موقعنا المثالي/الافتراضي (منتدى الأدباء والمبدعين العرب)، وهو موقع سيثير استغرابك وربما حنقك، ويديره نخبة من المثقفين والأدباء "العرب"، ويرأسه العميد.
لعلك تذكر حواراتك مع أديمانتس وغلاوكن، تلك التي دونها تلميذك النجيب أفلاطون وأصدرها في مجلد الجمهورية، ودارت حول نظام التعليم وتربية النشيء، حماة الجمهورية الفاضلة، ثم عرّجت على المحاكاة وتشويهها الحقائق خاصة حين تتجسد في أجلى صورها كأساس للشعر خاصة والأدب عامة. ولا شك أنك تذكر أيضا أنك في كتابك العاشر من مجلد الجمهورية اتخذت قرارك السياسي الحصيف بطرد الأدب والأدباء (خاصة هوميروس الذي أسميته رئيس قبيلة الأدباء وأمير الشعراء في كل الأزمان) من الجمهورية حتى تستقيم أمور البلاد والعباد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والدينية.
لا شك أن قرارك ذاك كان مدعاة الفخر لك ولأتباعك المثاليين، بل حتى تلميذ تلميذك أفلاطون (وأعني أرسطو) لم يستطع بنظريته الواقعية أن ينقض قرارك ذاك.
ومضى الزمان كعادته وقرارك محل اعتبار وتقدير لدرجة أنه في كل عصر كان يثير من الجدل ما يستحضر قرارك من عمقه التاريخي، مما يثير الشقاق. فمثلا في عصر النهضة نهض الشاب السير فيليب سيدني (رجل سياسة وشاعر من نبلاء بريطانيا) ليقول للذين يتبعون قرارك أنك لم تطرد الشعر والشعراء، بل طردت فقط الشعر السيئ والشعراء المسيئين لأسباب انتفت مع مجيء المسيحية. وكذلك نهض شيلي (الشاعر الرومانسي الشاب المعروف) في القرن الثامن عشر ليرد على رأي أتباعك كما بلور موقفهم المفكر توماس لوف بيكوك. وقد دافع شيلي دفاعا مستميتا عن الشعر والشعراء، لدرجة أنه وضعهم موضع بناة الحضارات والمشرعين للمجتمعات قوانينها. ولا زال الأمر بين مد وجزر.
أحببت فقط أن أضعك في بعض الصورة مما آل إليه قرارك بعد تجرعك السم حين أدانوك بما أسندوا إليك من تهم في المحاكمة (سيمبوزيم).
لكن الأمر الذي لن يخطر لك على بال ولا ولن يخطر على بال غيرك من مؤيدين أو معارضين أن الأمور انقلبت تماما اليوم. ففي جمهوريتنا الفاضلة العربية (وللعرب موهبة لا مثيل لها في اتخاذ قرارتهم) اتخذ العميد – أو هو في طريقه إلى اتخاذه— قرارا بطرد كل ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وما ليس أدب وشعر من الجمهورية الفاضلة، وهلل له وصفق الكثير (وقلة هم المعارضون) بأن مثل هذه الخطوة ستطهّر الأدب ومدينتنا الفاضلة من السياسة والاجتماع والاقتصاد والفكر والثقافة. هذا النفي التاريخي (وإن كان مقلوبا) يظل هو المحاولة نفسها لتطهير بل "تعقيم" الاجناس (الكتابية والبشرية) حتى لا تنجب. فالعميد "غُلب" مع كريون ومماحكاته (وانت تعلم أن كريون هو من كان وراء محاكمتك)، وتعب من المناكفات والشجار لدرجة أن بعض سكان الجمهورية من مثقفين ومفكرين فرضوا على أنفسهم وبإرادتهم اللجوء إلى المنفى واعتزال المجتمع والفكر والادب وكل شيء.
أخيرا انتقم الأدب والأدباء (ولا شك انه انتقام سياسي اجتماعي ثقافي فكري) من كل من حط من قيمتهم عبر التاريخ. وهذا يذكرني بمقولتك التي دونها تلميذك أفلاطون في كتاب القوانين حين قلت للشعراء:
((أنتم شعراء ونحن (الفلاسفة والساسة) شعراء. كلانا صنّاع مقطوعات شعرية (strains)، أعداء وخصوم في أنبل المسرحيات، تلك التي يستطيع وحده القانون الحقيقي أن يصل بها مرحلة الكمال، كما نأمل.))
اليوم أنت تخسر الرهان، وتخسره بالقانون الحقيقي. والخسارة على أية حال هي حال المأساة الأغريقية.
الجمهورية الفاضلة
الفيلسوف سقراط
عالم المثل
فخامة الرئيس الفاضل سقراط
أكتب إليك من موقعنا المثالي/الافتراضي (منتدى الأدباء والمبدعين العرب)، وهو موقع سيثير استغرابك وربما حنقك، ويديره نخبة من المثقفين والأدباء "العرب"، ويرأسه العميد.
لعلك تذكر حواراتك مع أديمانتس وغلاوكن، تلك التي دونها تلميذك النجيب أفلاطون وأصدرها في مجلد الجمهورية، ودارت حول نظام التعليم وتربية النشيء، حماة الجمهورية الفاضلة، ثم عرّجت على المحاكاة وتشويهها الحقائق خاصة حين تتجسد في أجلى صورها كأساس للشعر خاصة والأدب عامة. ولا شك أنك تذكر أيضا أنك في كتابك العاشر من مجلد الجمهورية اتخذت قرارك السياسي الحصيف بطرد الأدب والأدباء (خاصة هوميروس الذي أسميته رئيس قبيلة الأدباء وأمير الشعراء في كل الأزمان) من الجمهورية حتى تستقيم أمور البلاد والعباد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والدينية.
لا شك أن قرارك ذاك كان مدعاة الفخر لك ولأتباعك المثاليين، بل حتى تلميذ تلميذك أفلاطون (وأعني أرسطو) لم يستطع بنظريته الواقعية أن ينقض قرارك ذاك.
ومضى الزمان كعادته وقرارك محل اعتبار وتقدير لدرجة أنه في كل عصر كان يثير من الجدل ما يستحضر قرارك من عمقه التاريخي، مما يثير الشقاق. فمثلا في عصر النهضة نهض الشاب السير فيليب سيدني (رجل سياسة وشاعر من نبلاء بريطانيا) ليقول للذين يتبعون قرارك أنك لم تطرد الشعر والشعراء، بل طردت فقط الشعر السيئ والشعراء المسيئين لأسباب انتفت مع مجيء المسيحية. وكذلك نهض شيلي (الشاعر الرومانسي الشاب المعروف) في القرن الثامن عشر ليرد على رأي أتباعك كما بلور موقفهم المفكر توماس لوف بيكوك. وقد دافع شيلي دفاعا مستميتا عن الشعر والشعراء، لدرجة أنه وضعهم موضع بناة الحضارات والمشرعين للمجتمعات قوانينها. ولا زال الأمر بين مد وجزر.
أحببت فقط أن أضعك في بعض الصورة مما آل إليه قرارك بعد تجرعك السم حين أدانوك بما أسندوا إليك من تهم في المحاكمة (سيمبوزيم).
لكن الأمر الذي لن يخطر لك على بال ولا ولن يخطر على بال غيرك من مؤيدين أو معارضين أن الأمور انقلبت تماما اليوم. ففي جمهوريتنا الفاضلة العربية (وللعرب موهبة لا مثيل لها في اتخاذ قرارتهم) اتخذ العميد – أو هو في طريقه إلى اتخاذه— قرارا بطرد كل ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وما ليس أدب وشعر من الجمهورية الفاضلة، وهلل له وصفق الكثير (وقلة هم المعارضون) بأن مثل هذه الخطوة ستطهّر الأدب ومدينتنا الفاضلة من السياسة والاجتماع والاقتصاد والفكر والثقافة. هذا النفي التاريخي (وإن كان مقلوبا) يظل هو المحاولة نفسها لتطهير بل "تعقيم" الاجناس (الكتابية والبشرية) حتى لا تنجب. فالعميد "غُلب" مع كريون ومماحكاته (وانت تعلم أن كريون هو من كان وراء محاكمتك)، وتعب من المناكفات والشجار لدرجة أن بعض سكان الجمهورية من مثقفين ومفكرين فرضوا على أنفسهم وبإرادتهم اللجوء إلى المنفى واعتزال المجتمع والفكر والادب وكل شيء.
أخيرا انتقم الأدب والأدباء (ولا شك انه انتقام سياسي اجتماعي ثقافي فكري) من كل من حط من قيمتهم عبر التاريخ. وهذا يذكرني بمقولتك التي دونها تلميذك أفلاطون في كتاب القوانين حين قلت للشعراء:
((أنتم شعراء ونحن (الفلاسفة والساسة) شعراء. كلانا صنّاع مقطوعات شعرية (strains)، أعداء وخصوم في أنبل المسرحيات، تلك التي يستطيع وحده القانون الحقيقي أن يصل بها مرحلة الكمال، كما نأمل.))
اليوم أنت تخسر الرهان، وتخسره بالقانون الحقيقي. والخسارة على أية حال هي حال المأساة الأغريقية.
تعليق