في مقهى الأدباء - نزار ب. الزين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نزار ب. الزين
    أديب وكاتب
    • 14-10-2007
    • 641

    في مقهى الأدباء - نزار ب. الزين

    حوار في مقهى الأدباء
    قصة قصيرة : نزار ب. الزين*
    * * * * *
    جلس عصام و جلال في مقهى الأدباء يتسامران ، فهما كاتبان مغموران ، لم يجاملهما الحظ بعد ، كما جامل نجيب محفوظ و يوسف السباعي و توفيق الحكيم و علي القاسمي و ممدوح عدوان و غيرهم من المشاهير ، و لكنهما يشعران بقرارة نفسيهما أنهما أديبان رغم معاكسة الظروف ، و قد دئبا على الاجتماع كل يوم خميس في ركن من مقهى الأدباء .
    بعد أن أخبر كل صديقه بما أنتج في الأسبوع المنصرم ، و ما تم نشره في الصحف المحلية و المواقع الألكترونية بادر عصام صديقه بالتساؤل التالي فقال :
    يقال يا أخي أن النساء إذا تبوأن مناصب رفيعة يصبحن متزمتات ، متمسكات بالنصوص و لا يعترفن بروح النصوص ، و يقرأن السطور إلا أنهن لا يأبهن لما بين السطور ، و يتعاملن بكل ما أوتين من شدة مع مرؤوسيهن تطبيقا للوائح بلا أدنى مرونة ، فما هو رأيك يا صاحبي بهذا الطرح ؟
    يصمت جلال مفكرا ، يهز رأسه يمنة و يسرة ، ثم يجيبه بتؤدة و ثقة عالية بالنفس :
    - أنت يا عصام ، تقحم نفسك فيما يسمى بخطأ التعميم ، فالتزمُّت الوظيفي يطال بعض النساء كما بعض الرجال ؛ فقد مرَّ في تاريخنا المعاصر نساء كثيرات تبوأن أرفع المناصب و لم يكنَّ متزمتات ؛ و إليك مثلا رئيسة وزراء حكمت إحدى الدول العظمى عشر سنين على الأقل ، و التي ....
    يقاطعه عصام قائلا :
    - عرفتها ، و لكنها كانت في غاية التزمت فأسموها المرأة الحديدية ، ففي زمانها أدارت مثلا حرب جزر الفوكلاند و رفضت أن تجري بشأنها أية مفاوضات إذ اعتبرتها مسألة كرامة وطنية ، كما كانت متشددة جدا في مؤازرة الدولة الصهيونية و عدائها للعرب ، لأن مشروع الدولة الصهيونية في الأصل مشروع بريطاني ، و غير مسموح لأي كان أن يعارض وعدا قطعته حكومة بريطانية ، حتى لو كان منذ مائة سنة !
    يجيبه جلال بشيء من الحدة :
    - مع ذلك لا يجب التعميم ، فقد كنت أعمل في إدارة حكومية رئيستها سيدة محترمة ، كانت تتعامل مع جميع موظفيها بكل تواضع و دماثة خلق و استطاعت بذلك تحويل الادارة إلى عائلة واحدة يعمل فيها كل في مجاله بمنتهى الجدية و برغبة منبعثة من صميم الذات . ثم ترقت المديرة إلى منصب وكيلة وزارة ، و حل مكانها إحدى رئيسات الأقسام ، و على عكس سابقتها ، كانت دائمة العبوس و الصرامة ، كثيرة الأوامر ، لا تقبل نقاشا أو اعتراضا ، فتحولت الادارة في زمانها إلى بؤرة توترات ...
    هز عصام برأسه موافقاً و هو يجيب صاحبه :
    - أنا معك ، لا يمكننا التعميم….. و لكن ؟!!
    يقاطعه جلال مبتسما :
    - منذ البداية ، أدركت أنك تنوي الحديث عن واقعة ما !
    يبتسم عصام ، ثم يجيب صاحبه قائلا :
    - لقد أجدت التخمين كعادتك ، فاستمع إلى قصتي مع صحافية تدير موقعا على الشبكة الألكترونية الدولية (الأنترنيت) ، أرادت به أن تفهرس لللمبدعين العرب في كل مجال أدبي كان أم فني أم علمي ، و لكن من خلال نقاشي معها ، أدركت أنها بلورت مواصفات للمبدع لا يجوز تجاوزها ، فالمبدع برأيها يجب أن يكون معروفا و مشهورا ، و لديه إصدارات أدبية مطبوعة ، و مشاركات في ندوات و محاضرات أدبية و ثقافية ، تؤهله لهذا اللقب !!! أما الأدباء المغمورين الذين لم تؤاتهم فرص البروز رغم روعة إنتاجاتهم الأدبية ، فإلى الجحيم !!! .
    أرسلت لها بداية – أي قبل أن أتعرف على طريقة تفكيرها - عملا من إنتاجي ، فردت بالحرف الواحد : " لقد بخلت علينا بسيرتك الذاتية مقترنة بصورتك الشخصية إن أمكن . "
    فأرسلت لها السيرة و الصورة ، و لكنها لم تنشر العمل و لم تذكر شيئا عن السيرة أو الصورة ، و ظل فهرسها الأدبي خاليا من إسمي ، قلت لعلها نسيت ، فأرسلتُ لها أستفسرها ؟! فكانت إجابتها في غاية الغرابة :
    " سلامي
    يا أبتي (ربما قالتها تتهكماً) ، نعم وصل كل ما أرسلته ، و لكن حيائي هو ما جعلني لا أرد على طلبك ( ؟؟!!)
    أستاذي و معلمي ،للتتميز و الابداع تفاعله مع المجال نفسه. لا يمكن اعتبار النصوص فقط هي المقياس للابداع ، طالما أنك غُيبت عن الوسط الأدبي ، و بقي كل ما كتبته مجرد مخطوطات ( ؟؟!!)
    اعذرني لردي و لم أشأ أن أقسوَ عليك يوما ، أحببت طموحك و اعجبت بكل ما كتبت ، لكن هل ممكن أن يكون مثلا علي القاسمي أو ممدوح عدوان ، على سبيل المثال لا الحصر ، و غيرهما تواصلا مع أدبياتهما و استمرا بالبحث و الدراسة و التعمق و النشر و العمل في مجالات ثقافية . اعذرني لألف مرة ، و كل يوم أتعلم منك المزيد مما تنشره ، فرغم أني صحافية على الشبكة المعلوماتية منذ 5 سنوات متواصلة ليل نهار ، و رغم أني أصمم و أحرر و أضيف من و إلى الشبكة ، و أراسل الجميع ، و أفتح قنوات بمفردي و بمجهود شخصي، إلا أني سيدي لا أعتبر نفسي مبدعة أو مميزة ؛ لك مني كل الاحترام و التقدير "
    يجيبه جلال :
    - أكاد لا أصدق ما سمعت ، فبينما نرى أديبة عربية مصرية معروفة بابداعاتها و بغزارة إنتاجها و تكريسها حياتها للأدب و الأدباء ، فأنشأت من مالها الخاص مسابقة للقصة ، تشجيعا منها للكتاب المغمورين ؛ نرى السيدة التي ذكرت ؛ تقع في أسر المواصفات و القواعد ، هذا و الله أعجب ما سمعت !
    يقاطعه عصام قائلا :
    - ليس هذا فحسب ، يا أخي ، فقد أرسلت لها عدة صفحات من تعليقات الأدباء و القراء حول أعمالي و ما كتب حولها تعريفا و تقريظا و ما أعتبره أوسمة منحني إياها كبار الكتاب ، أوسمة تزين أعمالي بكل فخر و اعتزاز ، و كلها إشادة و اعتراف بابداعي و مكانتي الأدبية ، فأجابتني بالرسالة التالية :
    " أستاذي الفاضل
    لم أقل أنك لست أديبا و كل التعليقات على قصصك قَصَّرت بحقكك ؛ يا سيدي ، ألم أقل اني أتعلم منك ؟ ألم أذكر أنك عملت بصمت ؟ وعلى ما اعتقد ما ذكرته سابقا كان كافيا ، أنك لم تشغل مناصب أو اصدارات، بمعنى أنك لم تتفاعل بالسابق بمجالك الأدبي !و أرجو أن تعذرني ألف مرة ، و شكرا "
    صمت جلال طويلا ثم قال :
    - ألم تخبرها أنك كنت تكتب في الصحف منذ أكثر من نصف قرن ؟ و أن قصتين من قصصك على الأقل أصبحتا ضمن المناهج الأدبية المقررة للمرحلة الثانوية في بلدين عربيين ؟
    يجيبه عصام :
    - أمام إجاباتها المتصلبة ، و حتميتها المطلقة ، و تشبثها برأيها ، آثرتُ أن أتوقف !
    ----------------------------
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    الموقع : www.FreeArabi.com
    -------------------
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    #2
    استوقفتني هذه العبارة من تلك الصحفية الغبية ...
    " لا يمكن اعتبار النصوص فقط هي المقياس للابداع ،"
    يا الهي و ما هي المقاييس الأخرى إذا ؟
    المكانة الإجتماعية ؟ السن ؟ التوجه الديني أو السياسي ؟ الشهادات الجامعية ؟ طول القامة ؟ لون العينين ؟
    و هذا المبدع الكبيييير المشهور الذي له إصدارات ألم يبدا صغيرا أم انه ولد ليجد نفسه في قائمة فهرس المبدعين ؟
    قصة تصوّر مأساة الأديب مع أشباه المثقفين القائمين على أمور الادب و الإبداع .
    سررت بالقراءة لك استاذ نزار.
    تحية و تقدير.

    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

    تعليق

    • مباركة بشير أحمد
      أديبة وكاتبة
      • 17-03-2011
      • 2034

      #3
      قصة جميلة تحمل بين سطورها ما يستدعي التأمل على طاولة الحوار.
      هل كل النساء عندما يعتلين مناصب ،يتلفعن برداء التزمت ؟
      هل وجب أن يكون الأديب مشهورا حتى نفسح له المجال واسعا ،ليتربع على عرش الرفعة ويشار إليه بالبنان ؟
      وماذا سيفعل الأديب الناشئ إذا رفضت أعماله ؟
      .........
      أما عن الأدب والشهرة ،فهذه مشكلة تحل عندما تشحن أدمغتنا بالوعي، وتتشبع الأفكار بما هو غائب عنها من ثقافة فكرية ونفسية .
      لكن ما يخص النساء ووصفهن بالتزمت حيال تمكنهن من مناصب عالية ،فهذا حكم مترهل وليس له فسحة في أرض الواقع .
      لأن القلوب التي تتسرب منها المشاعر ،وبالتالي تؤثر على سلوكات الأفراد ،لاتتشابه إيقاعات النبض فيها .فهناك المرأة الرومانسية بطبعها والتي تلقت ثقافة أسرية رفيعة ،لا أعتقد أن المناصب ستغيير شيئا في نظرتها إلى الأشخاص ،فبالعكس ...فالفائدة منها ستكون معممة .
      أما قاسية الطباع حتى مع ذويها ،فلا ينتظر منها إلا الغلظة والقسوة المبالغ فيها .وفي الغالب ،المريضات نفسيا ،هن من تظهر عليهن هذه العلامات التي تمييزهن عن غيرهن من النساء السليمات .
      وتبقى هذه مجرد وجهة نظر ،كاتبنا القدير "نزار الزين".
      أسمى تحياتي والتقدير.

      تعليق

      • نزار ب. الزين
        أديب وكاتب
        • 14-10-2007
        • 641

        #4
        في مقهى الأدباء

        المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
        استوقفتني هذه العبارة من تلك الصحفية الغبية ...
        " لا يمكن اعتبار النصوص فقط هي المقياس للابداع ،"
        يا الهي و ما هي المقاييس الأخرى إذا ؟
        المكانة الإجتماعية ؟ السن ؟ التوجه الديني أو السياسي ؟ الشهادات الجامعية ؟ طول القامة ؟ لون العينين ؟
        و هذا المبدع الكبيييير المشهور الذي له إصدارات ألم يبدا صغيرا أم انه ولد ليجد نفسه في قائمة فهرس المبدعين ؟
        قصة تصوّر مأساة الأديب مع أشباه المثقفين القائمين على أمور الادب و الإبداع .
        سررت بالقراءة لك استاذ نزار.
        تحية و تقدير.

        =========
        صدقت أختي الفاضلة آسيا
        إنهم أشباه المثقفين و دخلاء على الأدب و نقده
        ***
        أختي العزيزة
        ممتن لزيارتك و مشاركتك التفاعلية
        مع ود بلا حد
        نزار

        تعليق

        • نزار ب. الزين
          أديب وكاتب
          • 14-10-2007
          • 641

          #5
          في مقهى الأدباء

          المشاركة الأصلية بواسطة مباركة بشير أحمد مشاهدة المشاركة
          قصة جميلة تحمل بين سطورها ما يستدعي التأمل على طاولة الحوار.
          هل كل النساء عندما يعتلين مناصب ،يتلفعن برداء التزمت ؟
          هل وجب أن يكون الأديب مشهورا حتى نفسح له المجال واسعا ،ليتربع على عرش الرفعة ويشار إليه بالبنان ؟
          وماذا سيفعل الأديب الناشئ إذا رفضت أعماله ؟
          .........
          أما عن الأدب والشهرة ،فهذه مشكلة تحل عندما تشحن أدمغتنا بالوعي، وتتشبع الأفكار بما هو غائب عنها من ثقافة فكرية ونفسية .
          لكن ما يخص النساء ووصفهن بالتزمت حيال تمكنهن من مناصب عالية ،فهذا حكم مترهل وليس له فسحة في أرض الواقع .
          لأن القلوب التي تتسرب منها المشاعر ،وبالتالي تؤثر على سلوكات الأفراد ،لاتتشابه إيقاعات النبض فيها .فهناك المرأة الرومانسية بطبعها والتي تلقت ثقافة أسرية رفيعة ،لا أعتقد أن المناصب ستغيير شيئا في نظرتها إلى الأشخاص ،فبالعكس ...فالفائدة منها ستكون معممة .
          أما قاسية الطباع حتى مع ذويها ،فلا ينتظر منها إلا الغلظة والقسوة المبالغ فيها .وفي الغالب ،المريضات نفسيا ،هن من تظهر عليهن هذه العلامات التي تمييزهن عن غيرهن من النساء السليمات .
          وتبقى هذه مجرد وجهة نظر ،كاتبنا القدير "نزار الزين".
          أسمى تحياتي والتقدير.
          ============
          أختي الفاضلة مباركة
          أنا معك فيجب علينا ألا نقع في خطأ التعميم
          و أي سلوك للفرد سواء أنثى أم ذكر
          هو نتاج تنشئة سنين طويلة و عوامل ذاتية كثيرة
          أما بالنسبة لتقييم الأديب
          فليس كل من هب و دب
          يصلح للحكم على أعمال الأديب
          فالنقد دراسة و بحث و عدالة
          و الحديث يطول و لا مجال له في هذه العجالة
          ***
          أختي الكريمة
          ممتن لزيارتك و مشاركتك التفاعلية القيِّمة
          التي رفعت من قيمة النص و أثرته
          مع خالص المودة و التقدير
          نزار

          تعليق

          يعمل...
          X