ما بعد الاعتراف المتأخر / محمد المهدي السقال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المهدي السقال
    مستشار أدبي
    • 07-03-2008
    • 340

    ما بعد الاعتراف المتأخر / محمد المهدي السقال

    قصة قصيرة
    ما بعد الاعتراف المتأخر

    محمد المهدي السقال


    قالت: حرُمتَ عليّ شرعاً، فكيف تتمسح لاختراق المسافة بيننا خلسة عن وجهك في المرآة ؟
    ثم أطفأت المصباح وعيناي ما تزالان تتابعان مشيتها متمايلة الردفين ، وددت لولا خجلي من أرق كبريائي ، أن أغازلها بما يوسوس لي جسد يغلي كالمرجل في بركة جمر خامد .
    أسندت وجهها للباب المغلق ، بعدما غرزت في العمق سهماً أحدّ من زمن مقيت ينخر صدري ، لعلها اطمأنت على لدغ كلماتها منتهى ذكورتي . لا أنكر أني سبحت منشغلا بها في دوامة الظلمة ، متمنيا لو أن الأرض تنشق لابتلاع سخافتي ، جمدت كل النوازع فجأة ، واستبد بي تضخم الصمت في متاهة البحث عن معنى أداري به ضعفي ، سبق لها أن سخرت مما اعتبرته تناقضا صارخا وظلتُ أعتبره مفارقة غريبة ، كنا ضفتين لفراغ عمودي تمدد بيننا جثة هامدة ، أخذتها سنة حسبتها خلالها نائمة ، وأخذتني غيبوبة التفكير في جواب بين رغبة الإصرار ورهبة الاعتذار.
    عدت إلى البيت يؤويني سقف لم تشدني إليه حاجة الاحتماء به مما يغويني ، بعدما تركته وفي النفس هواجس صارت في حديث الأهل عنوانا على جنوني ، اتجهت صوب نفس شجرة التوت نهاية الطريق ، لمحت ظلها الدائري منعكسا بين رفرفة وريقات تعاند السقوط ، وجدتني أستحث الخطى للركون إلى جذعها ، كعادتي حين تسود الدنيا في عيني ، فأتسمع نفس الصوت الجارح صاعدا من قرار الإشفاق :
    أنت فقط تتناسى دون أن تفلح في النسيان ، وجنونك لعبة صارت مكشوفة للعيان .
    يظل يطاردني عتابها ملازما لكل صحو أعاند فيه اغترابي ، و أظل بنفس الشوق متطلعا لخلاصي :
    متى تفهمين ما بي سيدتي وأم عيالي ؟
    على أغصان الشجرة ، كنت أعلق تمائم يلفها كتان أبيض ، لم أكتب دعاء صديق قديم باسم شيطان الحب ، اكتفيت بجملة وحيدة ، متى تأتين بعد طول انتظار ؟
    ليتها أدركتْ ما بي من حرقة السؤال ،
    أهاتف جنيتي الغجرية في ثوبها الأحمر ، تطلع صورتها باسمة فلا يجلو غير وجهها حيثما أولي وجهي :
    تأخرتَ ، هنا كان موعدنا من زمان ، ومرّرتْ أناملها على خدّي تتحسّس كعادتها وجودي الهارب إليها من سرابات الفراغ ، كلما عادني الحنين إلى أنثى تحت الرماد في الذاكرة ، قلت : وحدكِ دون ملامح النساء بين أمسي وغدي تلوحين لناظريّ حلما معلقا في الغياب .
    زندت سيجارتي الأولى منذ خرجت متسللا باكرا من البيت، أسابق خطوي كاتما نفسي حذر لفت الانتباه لانسحابي ، بيد أمسكت كراسة كتاباتي التي لم تتحرر من عقال حروفها المخطوطة ، مازالت تحفظ مراياها صوراً شتى عن قوافل الغرب ليلة عيد الميلاد في اتجاه العاصمة ، كنت في دكان أخي حين سمعت المذياع يعلن عن قيام الجيش بثورة ، رنت في أذني بحجم بناءات الحلم في غفوات زمان ، وبأخرى حملت حقيبة من جلد اصطناعي ، تحوي بعض ملابسي الاعتيادية ، تاركاً خلفي صباحاً أيقنت أنه نهاية زمن وبداية آخر ، سابقتْ رجلي اليسرى يمناها تتنفس الهواء البارد يملأ صدري عن آخره .
    هل سمعت همسي في المنام بالرغبة في موتها قبلي فامتعضتْ أو دعتْ عليّ جهاراً بما ظلت تكتمه عنّي؟
    يعاندني الخطو كالغارق في وحل طيني كثيف ، فتمثل أمامي حبيبة عمري الضائع في انتظارها على بوابة المغارة تصعد دائما من رماد الذاكرة ، ابتسمت على مضض وقالت :
    افتقدتك ، اتسع الفراغ من حولي حتى ضاق بي ، أتساءل كثيرا كيف تسربت كل هذه السنون من عمري دونما وجودك بحياتي ، دون صدى ، كيف عشت كل الماضي دون أن تكون أنت زادي ؟
    بنظرة رجعية للخلف لم أجد تاريخي إلا معك، الماضي الجاف والمتيبس اخضرّ وأورد على يدك... كل ما فيني أينع بك و لك أنت ، جمالي ، مشاعري ، كوة الضوء التي أرى منها لم تتسع إلا لك وحدك ، و هذا المدى الشسع أراه ضيقا إلا منك ...أنت حاضري ولحظتي وحديثي يا تغريد الكلام في فمي .
    أستذكر كل الكلمات بأوصالي يغريني همسها باشتهاء الوصال، ثم أنظر حواليّ لعلها تتسمع الصدى من جراحات انتظاري،
    ثم جلست أهادي الريح على قارعة الموتى
    بيني و بين الماء ضفاف كليحة تغازلني حمراء ذابلة العينين...
    سألتني من تكون في كياني ، قلت :
    عاشق الجنية الغجرية ، وفرجت حاجبيها بنظرة ما خلتها إلا ستحضنني لانتشالي من زحمة البعاد ، وددت لو أقبل فيها زمني المتبقّي على حافة طول انتظاري ، هنا كنت تفترشين الحصى مثلي ساع الغروب ، ترقبين عود الزورق الورقي ،
    و هناك... خلف غـيوم عابرة مثلي مسافات الوهم بلا مجداف أنهـكه الرحيل،
    ظللت حين تهلين حبيبتي يحملك موج المساء ،
    أعانـق وهجك المملح بلون الخراب ،
    غضبى يغالبك الخوف من ذوبي قبل الأفول ،
    فيورق شوقي سنبلة .
    تخترق هبة ريح باردة ظل الشجرة ، يمتد صدى حفيف الأوراق بداخلي عازفا لحن الحلم باستعادة صورتها ، فلا تلوح طريق العودة إلا منفتحة على آخر النفق ،
    وحدها الامتداد حبيبتي حتى الجنون، فلا هي أتت ولا أنا مللت انتظاري،
    هل أنصتت لخفقي بين أضغاث أحلامي ؟ أم أنها كعادتها نامت وجهها للباب المغلق على السؤال .

    التعديل الأخير تم بواسطة محمد المهدي السقال; الساعة 19-04-2008, 08:22.

    " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "
  • ادريس سراج
    عضو الملتقى
    • 11-10-2007
    • 52

    #2
    [align=center]نص جميل وارف الصور و الأحاسيس

    متماسك يغري بالصمت و الرحيل

    دمت بود
    [/align]
    [URL=http://picsbuddy.us/show.php/30021_122.gif.html][IMG]http://picsbuddy.us/out.php/i30021_122.gif[/IMG][/URL]

    تعليق

    • محمد المهدي السقال
      مستشار أدبي
      • 07-03-2008
      • 340

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ادريس سراج مشاهدة المشاركة
      [align=center]نص جميل وارف الصور و الأحاسيس

      متماسك يغري بالصمت و الرحيل

      دمت بود
      [/align]

      أوجزت أخي إدريس سراج فـوفيت ، توقفت عند كل كلمة في تعليقك ، لا أخفيك أنني وجدتها متمثلة للرهان الذي استهدفته في النص من النص .
      تقديري
      محمد المهدي السقال

      " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "

      تعليق

      • جوتيار تمر
        شاعر وناقد
        • 24-06-2007
        • 1374

        #4
        الرائع السقال...

        حقيقة وجدت النص الان ، لااعلم لماذا عندما قرأته ، دب في نفسي هاجس غريب ، فانا في النصين الاخرين بحثت عن خيوط الثلاثية التي تربط الاشياء بذاتها اولا ، ومن ثم بواقعها ، حتى انتهيت الى قبل ، والان ، وبعد ، لكني هنا الامس نصا سرديا اخرا يوحي معينه ، وامتداده في ماهية الوجود (الزمكان ) بالانفصال ،حيث الذات هنا هنا في محنتها مع الزمن تعيش حركة يمكن ان اسميها دائرية ، ومعاناة الذات هي التي جعلتني احاول اعادة تركيب النص بثلاثيته ، حتى رأيت بأني انخرط تباعاً في الرؤية التي ترصدني من خلال رؤية الشارد ، وكأني من خلال تجربة السارد هنا اقتنع بالاطار والدائرة التي يمكن من خلالها احتواء الاجتماع كنموذج حي للتجارب، النص بدا لي يمزج منذ البدء مفاهيم عامة ، لها تأثيرها على المستوى الفردي والعام ، فمن خلال البنية العلاقاتية في البدء وجدت النص يدخلنا الى اتون نمطية العلاقة ،ومن ثم ما يثيره عدم الوصول الى ما يخدر النظرة وما يركنها ، ومن ثم وجدتني اعيش الحالة الهائجة السابقة مع السارد لاصل الى بيئة اخرى لاتساعد على اضافة الجديد الواقع ،بل بالعكس تجعل من النظرة تشتد ولها وهياجاناً، فيغرقنا السارد هنا في متاهات الخيال الخصب الباحث عن التخصيب ، وهذا ما يجعل رؤية الانسحاب من الفراش متاحة ، ولازمة في نفس الوقت ، لان الفراش هنا لايمثل حالة الخصب المراد الوصول اليها ، وفي خضم هذه الثورة الذاتية ، يعيش الواقع ثورة اخرى ، في تمويه الى التوافق الوجداني الذاتي مجريات الحدث الواقعي ،وكأن قيود الاجتماع تمثل هنا علامة فارقة في اثارة هذه الثورات ، ومن ثم التلازمية التي دائما ترافق الطرف المتمرد ، الثوري ، اللجوء الى الهرب كوسيلة لتلاشي الانصهار في بودتقة الواقع والاستسلام النهائي له، لكن هذا لايمنع ان يستعيد تاريخه الاخر ، تاريخه الذي يكافح من اجله ، فتتلاحق الصور الذهنية هنا ، لتشكل معالم رؤية واضحة ، لكنها تصطدم بالمسافات ، لتشكل في النهاية عقدة اخرى تضاف الى السابقات ، فيخلق الانتظار في النهاية هذيانا يرنو الى الاحلام ، ولعل نهاية المطافات في مثل هذه الحالات دائما تصل الى محطة الهذيان والحلم.

        عذرا لهذياني ايضا ، وتقبل مروري هذا
        محبتي
        جوتيار

        تعليق

        • محمد المهدي السقال
          مستشار أدبي
          • 07-03-2008
          • 340

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة جوتيار تمر مشاهدة المشاركة
          الرائع السقال...

          حقيقة وجدت النص الان ، لااعلم لماذا عندما قرأته ، دب في نفسي هاجس غريب ، فانا في النصين الاخرين بحثت عن خيوط الثلاثية التي تربط الاشياء بذاتها اولا ، ومن ثم بواقعها ، حتى انتهيت الى قبل ، والان ، وبعد ، لكني هنا الامس نصا سرديا اخرا يوحي معينه ، وامتداده في ماهية الوجود (الزمكان ) بالانفصال ،حيث الذات هنا هنا في محنتها مع الزمن تعيش حركة يمكن ان اسميها دائرية ، ومعاناة الذات هي التي جعلتني احاول اعادة تركيب النص بثلاثيته ، حتى رأيت بأني انخرط تباعاً في الرؤية التي ترصدني من خلال رؤية الشارد ، وكأني من خلال تجربة السارد هنا اقتنع بالاطار والدائرة التي يمكن من خلالها احتواء الاجتماع كنموذج حي للتجارب، النص بدا لي يمزج منذ البدء مفاهيم عامة ، لها تأثيرها على المستوى الفردي والعام ، فمن خلال البنية العلاقاتية في البدء وجدت النص يدخلنا الى اتون نمطية العلاقة ،ومن ثم ما يثيره عدم الوصول الى ما يخدر النظرة وما يركنها ، ومن ثم وجدتني اعيش الحالة الهائجة السابقة مع السارد لاصل الى بيئة اخرى لاتساعد على اضافة الجديد الواقع ،بل بالعكس تجعل من النظرة تشتد ولها وهياجاناً، فيغرقنا السارد هنا في متاهات الخيال الخصب الباحث عن التخصيب ، وهذا ما يجعل رؤية الانسحاب من الفراش متاحة ، ولازمة في نفس الوقت ، لان الفراش هنا لايمثل حالة الخصب المراد الوصول اليها ، وفي خضم هذه الثورة الذاتية ، يعيش الواقع ثورة اخرى ، في تمويه الى التوافق الوجداني الذاتي مجريات الحدث الواقعي ،وكأن قيود الاجتماع تمثل هنا علامة فارقة في اثارة هذه الثورات ، ومن ثم التلازمية التي دائما ترافق الطرف المتمرد ، الثوري ، اللجوء الى الهرب كوسيلة لتلاشي الانصهار في بودتقة الواقع والاستسلام النهائي له، لكن هذا لايمنع ان يستعيد تاريخه الاخر ، تاريخه الذي يكافح من اجله ، فتتلاحق الصور الذهنية هنا ، لتشكل معالم رؤية واضحة ، لكنها تصطدم بالمسافات ، لتشكل في النهاية عقدة اخرى تضاف الى السابقات ، فيخلق الانتظار في النهاية هذيانا يرنو الى الاحلام ، ولعل نهاية المطافات في مثل هذه الحالات دائما تصل الى محطة الهذيان والحلم.

          عذرا لهذياني ايضا ، وتقبل مروري هذا
          محبتي
          جوتيار

          العزيز جوتيار تمر

          جميل أن نتواصل حول الهم الوجودي ،
          من خلال تلاقينا حول الدلالة العامة للنص السردي ،
          لقد جسدت قراءتك البعيدة الغور أخي جوتيار تمر ،
          انشغالا واعيا بمعاناة التمزق المفضي إلى حالة الهذيان ،
          وهي بالمناسبة ، ليست مرتبطة بانتماء ثقافي أو إيديولوجي ،
          ما دامت تراهن على كسر الصمت في اتجاه البوح بحمولة الصراع الإنساني ،
          بحثا عن توافق مفقود تحاصره إكراهات تكون أكثر حدة ،
          حين تندرج ضمن القبول المسبق بلعبة الكينونة ،
          الصديق جوتيار تمر،
          حدث لي مع ثلاثية الاعتراف ما حدث لي مع ثلاثية الانعكاس ،
          فقد كانت البداية لحظة مواجهة مع الذات ،
          لممارسة ما يمكن اعتباره محاسبة ومراجعة ونقدا ذاتيا بلغة زمان ،
          وحين انتهيت من تمثل الحالة ذهنيا و وجدانيا ، لقيت نفسي اسأل عما قبل وما بعد ، فتشكلت بذلك الثلاثية في النصين : الانعاس و اعتراف متأخر.
          وقد كدت أن أجزم بأن النصوص تمثل في هذيانها نوعا من التماهي مع الذات ، قريبا من التطهير ببعده الأرسطي ،
          أسعد بقراءة تحليلك ، لما يطبعه من جدية ذهنية و وجدانية .
          محمد المهدي السقال



          " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "

          تعليق

          يعمل...
          X