ببلومانيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مروه المأذون
    عضو الملتقى
    • 21-02-2012
    • 10

    ببلومانيا

    - سأحكى لكم حكايتى...أنا هنا وسط احبابى, يدى مرتعشه, و عيناى بالكاد أستطيع أن أفتحهما, أصبح جسمى هزيلاً, قل وزنى كثيراً, و لم يعد لدى مؤن من طعام أو شراب, نفذت منذ يومين..عليها اللعنه تلك الثلوج البيضاء البارده قطعت الطريق فلا أستطيع أن أذهب إلى المدينه و لا يستطيع أحد أن يأتى إليّ.
    أما عنى فتقول أمى بأنى حينما كنت طفلاً رضيعاً عندما كنت أبكى لم أكن أهدأ إلا عندما تأتينى بكتاب...أى كتاب أعبث به و لكن لا أمزقه أبداً, و عندما كبرت قليلاً أشتهرت بنظافة كتبى المدرسيه, فلم أخط فيها خطاً واحداً, وكنت أنزعج بشده إذا ما حدث أى شىء لواحد من كتبى, أما أبى فكان محباً للقراءه لذا كانت لدينا مكتبه هائله, قرأتها كلها و لم أكن قد أكملت بعد عامى الخامس عشر فأتسعت مداركى كثيراً بل كثيراً جداً, وأختلفت عن أقرانى , ولم يصادقنى أحد, أو بالأحرى أنا لم أجد أحداً تعجبنى طريقة تفكيره فقد رأيتهم تافهين, أطفال, مع أنى كنت طفلاً أيضاً...وعندما كان يجن الليل وأذهب للنوم كنت أضع حولى فوق سريرى الكثير من الكتب, أعشق رائحتها لا أنام إلا و هى حولى, و إذا تضايقت أمى و أجبرتنى على النوم دونها, ينتابنى صداع مؤلم, من شدته أصدم رأسى بالحائط, عله ينتهى, ولا أنام طوال الليل, حتى تعودت أمى على هذه العاده, و تركتنى أمارسها.
    و فى المرحله الثانويه بالطبع حصلت على أعلى الدرجات و لكنى لم أدرس فى كليه علميه, بل فضلت الدراسه فى كليه ذات طابع أدبى.
    فى نظر الناس أنا وحيد ليس لى من أحد, لم يكن لى صديق, لم تكن لى حبيبه, ولا أتواصل مع أى كائن بأى حوار, كل نقودى كنت أشترى بها كتب, وما أن أسمع عن نزول كتاب جديد لأى كاتب حتى تصيبنى حساسيه شديده فى كل جسدى, ولا تهدأ إلا حينما أحصل على هذا الكتاب, وعندما لم يكن معى نقود لشرائه, كنت أسرق النقود من أبى, و مره بعد أخرى إكتشف أبى ذلك وعاتبى وعاقبنى, ولكنى لم أهتم ولم أتوقف, إلا عندما قرر عقابى بحرق كتبى, يومها كنت عائداً من الجامعه فوجدت أبى فى حديقة المنزل قد وضع كتبى فى إناء كبير, و بدأ يشعل عود ثقاب ليرميه على كتبى لتلتهما النيران, فصرخت و جريت ناحيته وألقيت بنفسى فوق أحبائى, كتبى لأنقذهم, وبعد وقت لا أدرى مدته إستيقظت فى المشفى و قد أصابتنى الحروق فى أماكن متفرقه من جسدى, ولم أكن أسأل إلا سؤالاً واحدً فقط "أين كتبى وماذا حدث لها؟".
    أما إخوتى فكانوا يعاتبوننى بإستمرار, فقد ولدت مختلفاً عنهم فى الشكل لإنى كنت أشبه جدى الذى يرجع نسبه إلى العثمانيين أى الأتراك فى أيامنا هذه, فكانت عيونى زرقاء اللون, وشعرى أشقر و لكنى لم أهتم بذلك يوماً, و لم أهتم حتى بهندامى, كان ومازال كل همى هو أحبائى, كتبى, فهم أهلى و خلانى وأصدقائى, وحينما وجدت بأنى غير مرغوب من أحد, ويدعونى الناس غريب الأطوار, رغم أننى أرى أننى لست كذلك بل أراهم هم هكذا, قررت أن أبتعد, أن أعيش فى بيت جدى البعيد عن الضجيج, فى هذه المنطقه النائيه, فقد وصمونى فى النهايه بأنى مريض, بل هم المرضى هؤلاء الجهلاء, يقولون مرضى يدعى (الببلومانيا) أى هوس الكتب, لا يهم فأنا الآن وسط أحبائى منذ أكثر من عامين, لا أظن أن أحداً إفتقدنى, فوالدى يرسل لىّ نقود عبر البريد, أكاد أتجمد من البرد, قررت أن أكتب قصتى فإذا ما حدث لى أى مكروه فليعلم من سيجدنى من أنا, و ماذا حدث لىّ.
    - إستفاق صاحبنا بعدها بعدة أيام فى مشفى المقاطعه, و قد فقد أطراف قدميه من شدة البرد, ولا يكرر سوى سؤال واحد:"أين كتبى؟".
    تمت بحمدالله.
يعمل...
X