زوجتي .. طفلي .. و الغولة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فؤاد محمود
    أديب وكاتب
    • 10-12-2011
    • 517

    زوجتي .. طفلي .. و الغولة

    أوى طفلي الصغير الى فراشه و شرعت على العادة أقص عليه حكاية من الحكايات التي أعرف. قلت " كان يا ما كان في قديم الزمان في سالف العصر و الأوان . في بلاد "واق الواق " غولة ..-
    فقاطعني طفلي قائلا :
    - يا أبي أريد أن أنام لا رغبة لي في سماع الحكاية .
    فأذعنت لرغبته و قبلته من جبينه ثم غادرت غرفته لا ألوي على شيء.
    ولما كنت أمام الباب سمعته يقول لأمه :
    - ألا يعرف أبي من الحكايات غير حكايا الغولة ؟
    و لعلني سمعت أنفاس الحيرة و العجب تتجاوب في نفسي زوجتي . ولكنها لم تحر جوابا فقال لها الصبي :
    - قص علي أنت حكاية يا أمي .
    تلعثمت و بدت عليها الحيرة و لكنها قالت :
    - سأقص عليك حكاية و هي الوحيدة التي أعرف . قصها علي أبوك .
    و لكنها عن الغولة أيضا .
    فقبل مرغما . فحدثت زوجتي قالت

    " كان يا ما كان في قديم الزمان في سالف العصر و الأوان و في بلاد "واق الواق" غولة لم يعرف الناس أكثر شرا منها
    كانت تتصيد الاطفال الصغار فتخظفهم من أهلهم و تأكلهم ثم تلقي بعضامهم .
    و كان هناك امرأة لم ترزق من الدنيا سوى بصبي . ملأ عليها حياتها و أنساها فقد زوجها . فأحبته حبا يقارب الجنون و رعته كما لم ترع أم وليدها . و خافت من الغولة فاحاطته برعاية و عناية لم يعرف مثلهما . و لكن المسكينة لم تكن لتعاجل القدر. فذات يوم مل الطفل الصغير البيت و تاقت نفسه للعب و الرفقة.
    فتحين من أمه فرصة و انسل الى الشارع . و ظل يمشي الى أن تاه عن طريق البيت . فوقف تحت الحائط يبكي و يرتعد من الخوف . وبصرت به امرأة عجوز شمطاء . تقدمت منه و سألته عن سبب بكائه و سر وجوده في هذا المكان المنقطع عن الناس . ولما علمت أنه تائه أخذت تتقرب اليه و أعطتته من الحلوى و الفاكهة و" الشوكولاطة " مابه رضي و هدأ روعه. ثم أخذته معها واعدة اياه بأن تحمله الى أمه. و سار معها المسكين و لا يدري انه يسير الى حتفه لا محالة. حتى ادركت به مكانا في قمة جبل . أدخلته كهفا مظلما موحشا وأسرت له أنهما سيرتاحان فيه قليلا على أن يواصلا سيرهما الى بيته بعد ذلك و لكن الطفل لم يرتح لوعد الغولة . بل ظن أنها تضمر له شرا . و ما حيلته أمام قوتها و جبروتها و مكرها . سكتت الغولة ساعة ثم قالت للطفل "تعال انظر من هذه الكوة . هل ترى ذلك الباشق المنتصب كالجبل . الجالس على تلك الربوة يمد جناحيه فيسد بهما مهب الريح من كل جانب . انه هناك يمنع عني الشمس التي بدون ضيائها لا أمل لي أن أعيش طويلا . لقد صارت أيامي معدودة . و لاسبيل لنجاتي الا بزحزحته عن مكانه ذاك . و لقد وجدت أنك الطفل الذي يمكن الاستعانة به. سأعطيك هذا الخنجر المسموم لتذهب فتغرسه في جنبه الأيسر و تصيب منه مقتلا . اذاك أكافئك بهذه الياقوتة التي لا تقدر بثمن و أعيدك لأمك كي تقر بك عينها . و ان رفضت ما آمرك به فستكون الليلة وجبتي المفضلة "
    أُسقط في يد الطفل و عرف أنه لا محالة هالك . و ليس له من خيار سوى تلبية ما تطلب منه هذه الغولة اللعينة . ثم انه فكر. فلعل الخروج من هذا الكهف يهديه سبل الفرار و النجاة . فأعرب للغولة عن قبوله تنفيذ ما تطلب منه.و لكنها ليست من الغباء بحيث تتركه يخرج من الكهف دون ضامن أنه سيؤدي المهمة و يعود. لذلك وضعت في وسطه حبلا متينا و ربطت عليه بمائة عقدة وعقدة . و أدارت طرفه الآخر حول خصرها و دفعت للصبي بالخنجر المسموم و قالت " هيا ايها البطل . اقتل الباشق ولك علي ان أعيدك الى أمك معززا مكرما و معك الياقوتة السحرية . "
    خرج الطفل من عند الغولة يكاد يقتله اليأس قبل ان يقتل الباشق . و في ذهنه تتزاحم هواجس و مخاوف لا قبل لعقله الصغير بها . و ظل يصعد الى حيث الباشق تكاد رجلاه لا تقدران علىحمله . حتى وصل الى حيث هو . وحين اقترب منه ظل مشدوها لعظمة هذا الكائن الخرافي . فلم تر عيناه مثل هذا الطائر أبدا. وقف و قد تجمد الدم في عروقه و عقد الخوف لسانه و لم يدر ما يفعل . و كأن بالباشق قد أحس بوجوده . فالتفت اليه و قال " ماذا تصنع أيها الصغير ما الذي أتى بك " رد الطفل و هو يرتعد " أنا هنا لأقتلك بهذا الخنجر المسموم " اهتز الباشق و ضحك حتى بانت نواجذه .ثم قال للطفل مازحا "أتقدر- أيها الغر-على قتلي " فرد " ليس برغبتي انما هي الغولة اللعينة ثم اني أريد ان أعود الى أمي التي تنتظرني " حينذاك أدرك الباشق أن الغولة لازالت تحاول أن تقتله لتنعم بدفء الشمس و لتعيش . و أنها وجدت في الطفل المسكين من يمكن الاستعانة به على ذلك . فأخذه في كفه . فلم ير الطفل
    عملاقا بمثل حجمه وخاف . فهدأ الباشق من روعه و قال له " أدركت النجاة لن تصل الغولة اليك سأحملك الى أمك " فتساءل الطفل بأسى "كيف ذلك ايها الباشق و الغولة توثق حولي حبلها و قد عقدته بمائة عقدة و عقدة " و حين رأى الباشق الحبل المتدلي و أدرك أن طرفه الآخر أدير حول خصر الغولة طلب من الطفل أن يتمسك به جيدا و رفرف بجناحيه الكبيرين و طار في الفضاءو قد سحب في الأسفل الغولة من حبل يشدها شدا . و ظل يطير الى أن وقف على فوهة بركان في قمة جبل عظيم ينفث ناره الى الأعلى فأحرق الحبل الذي منه تتدلى الغولة .فهوت في البركان و احترقت و ماتت من غير رجعة . فأخذ الباشق الطفل الى أمه لكي تقر به عينها ."
    و سكتت زوجتي عن الكلام المباح و قد أخذ النوم طريقه الى جفوني طفلي تكاد تلمح على شفتيه ابتسامة الرضى . و لكن ما أثار عجبي و عجبي أنه لم أذكر أنني حدثت زوجتي بهذه القصة عن الغولة فأنا لا أعرف الحكاية على ما أعرف من حكايا الغول و الغولة .
    و من الغد صباحا ذهبت لأوقض طفلي كي يذهب الى روضته . فافاق غير مرتعد على غير العادة ابتسم لي و قال " صباح الخير يا أبي . لقد ماتت الغولة.. لقد ماتت الغولة " حينذاك ذكرت زوجتي و قلت في نفسي " فعلا ان في قلوب النساء من الحكمة ما لا تنطوي عليه قلوب أحكم الرجال ."
  • مباركة بشير أحمد
    أديبة وكاتبة
    • 17-03-2011
    • 2034

    #2
    حزنت حقا لموقف الطفل وهو في قبضة الغولة،وسعدت لموتها ونجاته ...وعودته إلى والدته سالما.
    ......
    حقا يا أستاذ محمود .فإن سلوكات الأطفال ،مبنية أساساتها على مانزرعه بداخل مخيَلاتهم من أفكار إيجابية أوسلبية .
    وعلى قدر تعقلنا ،ونظرتنا الامحدودة ،إلى الأمور كوالدين،سنستخلص شهد الفوائدوكثيرها .
    تقديري والتحية.

    تعليق

    • حنين حمودة
      أديب وكاتب
      • 06-06-2010
      • 402

      #3

      الأستاذفؤاد محمود،

      سلس قلمكوممتع.

      حكيم أنتفي قتل الغولة، وتخليص الصغير من قصصها..

      وتتجلىالحكمة حين تجعلها على لسان الأم.

      حين قرأت: ذهبت لأوقض
      عرفت أنك من المغرب العربي الكبير، فكثيرا ما تتداخل هناك الضاد بالظاء..
      نحن في المشرق "بلاد الشام" نجعل الضاد دالا مفخمة كما الصاد سينا مفخمة
      لا أعرف مدى صحة هذا في نطق هذا الحرف الصعب، لكنه يسلمنا من الخلط.
      الاستعانة بالقواميس أفضل حل على ما أرى


      شكرالجمال روحك

      تعليق

      يعمل...
      X