الأستاذ
*****
*****
كنت أراه ملء السمع والبصر، في حصة الدرس يوزع النظرات على الجلوس، ويتحدث بصوت جهور, ويدندن بأبيات الشعر فيبقى صداها في أذني حتى عودتي للمنزل.
عندما يدق جرس الفسحة يتقاطر عليه الطلاب من كل صوب وحدب، يتحدثون في نفس واحد بكلام مختلط، فأتعجب كيف يرد على الجميع فينهر الكسول ويمدح الجميل ويربت على الخائف كأنه ولده الكبير.
إذا رأيته في خلوة مع طالب موهوب لمحت بريق عينيه يتألق حين يهمس بكلمات التشجيع، ما أرقّ يديه تمتدان لتشاركا تلميذه النجيب شطائر الجبن والمربى, عذبة كلماته حين يتوجه لطالبه بالنصح.
تمنيت أن أصبح معلمًا مثله، فتحولت أمنيتي إلى هوس بالمطالعة، وأغرمت بقراءة الشعر وتصفح أمهات الكتب، وتطور الأمر إلى شغف بمتابعة البرامج الثقافية بالإذاعة.
فرح أستاذي باهتماماتي الجديدة، وشد على يدي، وأهداني أاول قلم حبر
-مازلت محتفظاً به- وضمني إلى مجموعة الشعر عندما جرؤت وعرضت عليه باكورة أعمالي.
حزنت لمّا سافر مغترباً، داومنا- نحن الطلاب - على مراسلته والسؤال عنه، وظل يسأل عنا كلما عاد، فنراه والدنا نتحلق حوله ونسمع نصحه ونعلق كلماته تمائم في أعناقنا.
كبر العود، واشتدت قبضتنا على أقلامنا، فشعرنا بدفء كلماته المشجعة تضيء أمامنا الدرب, أظنه دائماً بخير؛ لأن مثله لا يطاله الفناء، شامخ كمسلَّة، يعرف كيف ينقش بطبشوره على جدار الزمن حكماً خالدة للأجيال القادمة.
إذا رأيتم أستاذي واقفاً فقفوا له تبجيلاً، وقولوا له: صدق ما بشّرت، ونعمَّ ما ربَّيت.
------------
نهى رجب محمد
ريشة المطر
9-3-2011
ـــ--------------------------------
تعليق