لأن الكاتب لا يكتب منعزلا عن بيئته فمن المفيد جدا قبل الخوض في غمار أي نص معرفة الخلفية الأدبية والثقافية والمعيشية للكاتب
من المعروف أن الأستاذة أميرة حاصلة على بكالوريوس لغة انجليزية، وهذا معناه أنها درست الأدب الغربي وقواعده وأصول نقده، ومن هنا كانت مبدعة في الرمزية والصور الشعرية المبتكرة، خاصة على الطريقة الإنجليزية
هذا بالنسبة للخلفية الثقافية، أما بالنسبة للخلفية الأدبية فهي مولعة بقراءة الأدب بكل أنواعه وصنوفه، وباعتبارها تملك ملكة أدبية اكتشفتها هي مبكرا، فقد بدأت- ككل مبتديء في الأدب- بكتابة الخواطر المزينة بكثير من الصور والرمزية والمعاني العميقة، النابعة أصلا من خلفيتها المعيشية، فهي فلسطينية مكافحة، عاشت وتعيش الاحتلال والظلم وترفضهما بكل أشكالهما، وتتأثر بكل ما يدور حولها من أحداث.
وكما نعلم جميعا دور المرأة الفلسطينية في النضال من أجل التحرر، فقد ناضلت كاتبتنا من أجل تعليم أبناء الوطن القيم العليا للتحرر والمواطنة.
ولملكتها في القراءة والاستنباط، بدأت بترجمة مشاعرها بالحروف، فكتبت الخاطرة والقصة بأنواعها وقصيدة النثر والشعر العمودي، فهي أديبة شاملة، دل على هذا غزارة نتاجها وتنوعه..
لنذهب إلى النص
نعلم أن العنوان في قصيدة النثر جزء مكمل لها وهو المدخل الأساس للنص، فهو البعد الأول الذي يضع القاريء في الجو
مواسم على كف غيمة
المواسم كثيرة مختلفة ولهذا جاء العنوان موحيا بأكثر من موسم.. وعندما تكون الكلمة غير معرفة فهي مفتوحة على التأويل.. والمواسم التي يعرفها الأديب قد تكون غير المواسم المتعارف عليها بين البشر
وكلمة موسم توحي بالخير والبركة فهي نهاية الحصاد وقطف الغلال، وتستعمل أيضا للشعائر والمناسبات الوطنية، فهي كلمة توحي بترقب السرور والخير
ولكن.. هل هذا ما تقصده الكاتبة!.. لنرى..
على كف غيمة
الغيمة دائما ما تكون منبع التفاؤل لما تحمله من ماء الحياة.. وعندما يكون الخير على كف مفتوحة فمعنى هذا أن هلموا لاقتناص فرصتكم..
نعلم أن الفكرة في قصيدة النثر مؤجلة، وتسبقها تداعيات ومؤشرات تجر القاريء حتى النهاية
كبرق نيسان
هذا البرق المتأخر عن فصل الشتاء، حيث أفرغت الغيوم حمولتها وعادت أدراجها لتأتي بغيرها.. وقد لا تعود لكن..
لن يجبر هذا البرق الغيم على إنزال حمولة أخرى! فهو كاذب
تحتله مساحات الوهم.. فلا يظنن أحد أن هناك مطر قادم، ونحن هنا أمام حكمة!
من البداية نرى تعاكس العنوان مع النص، لكن كما قلنا الفكرة مؤجلة
تحلق في فضاءاته أسراب الارتحال
الارتحال غير مرغوب ولا يحبذه أحد، فكيف لو كان الارتحال بأسراب؟
تحلق في فضاءاته
تحلق في فضاءات ماذا؟ ألبرق أم نيسان؟
كلاهما سيان فكلاهما يبدأ بكذبة..
لوطن ليسَ يسكنها ..
هناك أسراب ترتحل لوطن ليس يسكنها
البرق ونيسان والأسراب كاذبون.. كيف يعتبر الإنسان أرضا ما وطنا وهي لا تسكن فيه؟ إلا إن كان منافقا مرائيا مدعيا..
يريد الاستيلاء على وطن ليس له مدعيا أنه وطنه!
ولربما المقصود من يهاجر للبحث عن وطن بديل..
بدأت تتكشف أبعاد صورة وطنية
تنسل من بين أصابعه خلسة ,,,
أفواجهم تأكل الحدود
وأية حدود؟؟
نعود للوطن
حيث تنسل أي تخرج بهدوء دون ضجيج ودون أن يشعر بها وخلسة لتضفي صفة الغفلة على الوطن أو الاستغفال
كانت أسرابا والآن أفواج.. السرب للطير والفوج لمن يمشي على الأرض.. من البشر! يأكلون الحدود مهما تكن.. يسافرون إلى كل مكان
الأمطار تغسلهم ,, من ماذا؟ أمن الوطن الذي غادروه؟
تتربع في انحناءات رؤوسهم .. الأمطار؟
هوياتهم مقاصل يشنقون عليها.. هنا نعرف انهم مطلوبون لمن يملكون الجبروت، وبمجرد معرفة الشخص يتم جره وتعذيبه..
تتلبسهم أحجية عشتروت.. وما أدراك ما عشتروت!
هنا دخلنا في أسطورة مقسمة بين مختلف شعوب الأرض من الفينيقيين في لبنان إلى بابل إلى مصر إلى اليونان أم الأساطير إلى يومنا هذا
أما أحجية عشتروت فهي أحجية في هذا النص؛ هي إلهة الخصب لدي الفينيقيين والكنعانيين. وهي أصل عقيدة إيزيس لدى قدماء المصريين. ويطلق عليها البابليون أشتار، وتانيت لدي القرطاجيين وأفروديت وهيرا وسيبل لدي الإغريق.
ويعتقد أنه من عشتار آلهة الحب والحرب الأكادية، اشتقت عشتروت (عشتارة أو عشتاره) آلهة الحب والجمال، وعشيرة (أشيرا، أثيرة، إيلات) الإلهة الأم، سيدة الأموريين والكنعانيين، والتي منها اشتق عشتر أو عشتار إله الري، ومن عشتروت كذلك اشتق عتر إلهة الآراميين وزوجة حدد، التي اشتق منها عترجاتس (اترعتا)، الإلهة الأم السورية الكبرى التي وجد لها آثار في البتراء في الأردن.
فكأن الكاتبة تريدنا أن نبقى في جو ( الخصوبة والأمومة والمثابرة) المشتركات بين مختلف الشعوب العربية وربط الحاضر بالماضي لأن من ليس له تاريخ ليس له قدم على الأرض- خلافا لما نراه اليوم من دول أنشئت بلا تاريخ!
وسنابل حقولها.. تلك الحقول التي ذرعتها عشتروت للبحث عن حبيبها، فامتلأ جسدها بالشقوق.. لكنها رغم هذا
تستقرضهم من أيار يومين.. لأجلهم فهي أم الفداء..
لتغزلهم في بيادرها .. وتعيدهم من جديد إلى أصلهم
لكنهم رغم راحتهم وثرائهم في غربتهم التي تطحنهم دواليبها ويحاولون تناسيها ويعلقون غبار رحيلهم على المدى
لا تزال شموسهم تنفث دخان غربتهم وتخشى أنهم في قطار لن يعود.. ربما
ترسم مجددا أمواج بحورهم الهادرة
على محياها .. ذكرياتهم الجميلة
تودع بذورهم ..
تمسك بواقي خيوطها
تطبطب عليهم كأم رؤوف
تذرف قُبَلَ الحنين.. ولا تستطيع غير هذا كترياق على شظف فقدهم..
هي مواسمها المعدة لهم ..
يسرقون منها بضعَ أمنيات شفيفة.. يسرقون من مالهم المعد خصيصا لهم فهم مغفلون.. يستهلكون كل حظوظهم وهم
يتأملون صورهم المنبثقة من إطارات توحدهم بها
على غيث استدانته أمهم لهم من كف غيمة
هنا نرى عظم المأساة!
مشردون في أصقاع الأرض ووطنهم يلاحقهم محاولا الحفاظ عليهم بينما هم نهبوه وينظرون ببله إليه ربما أسفا وربما حزنا على ما فقدوه.. هم تناسوه وهو متلبسهم فلا فكاك منه
هو يهبهم الخير والنماء والحب ويحافظ عليهم.. وهم لا يفهمون


أرجو أن أكون قد وفقت



تحيتي