عجيبة بيت أبو بشارة
نبيل عودة
- عجيبة، يا أم بشارة .. استيقظي.. القديسة العذراءالممتلئة بالنعمة ... بارك الله اسمها... باركت بيتنا . استيقظي يا أم بشارة .. !!
انطلق صوت أبو بشارةمن المفاجأة غير المتوقعة، لم يصدق ما تراه عينيه، واخذ يردد مبتهلا:
- مريمالعذراء يا اُمي الحنونة ،كم من مرةٍ اخطأتُ وتُسامحيني
وكم من مرةٍ ابتعدتُعنكِ وعندما أعودُ بكُلِ شوقٍ تستقبليني.
لم يسمع قط ان احداًالتجأ إلى حمايتِك وطلب معونتكِ ورُدّ خائباً
.انطلق صوت أبو بشارة من المفاجأة غير المتوقعة،وهو ينظر متفاجئا الى تمثالالسيدة العذراء ، المثبت في زاوية احد عمدان البيت، غير قادر على تصديق ما تراهعينيه، من زيت زيتون فاخر، يرطب قاعدته ، في البداية لامس السائل بأصابعه، وطأطأرأسه ليتأكد بالشم أيضا أن الزيت الذي يرطب قاعدة تمثال السيدة العذراء التياختارها الله لتلد ابنه المخلص ، هو زيت الزيتون المقدس حقا، ويمتد من قاعدةالتمثال حتى نصف متر على الأقل تحت القاعدة ، حيث وضع تمثال السيدة العذراء داخلحفرة شقت خصيصا منذ أيام والده ليوضع فيها تمثال العذراء المكرمة.
كان الزيت يتزايد ببطء شديد.. تأكدهذا حين جفف قاعدة التمثال بفوطة خوفا من ان يكون ما يراه خدعة بصرية.
هو حقا زيت الزيتون المبارك كنسيا،تأكد له هذا الأمر باللمس والشم، بل وبتذوقه لأطراف أصابعه لمزيد من التأكد.
ارتعشت قسمات وجهه ، وبانت السعادة على محياه من هذه المفاجأة في هذاالصباح الربيعي المشرق. كان متأكدا أن دعواته وصلواته هو وأهل البيت ، وجدت آذانصاغية وها هي الإشارة تجيئ في هذا الفجر الزاهي، دليل ان الله يرعاه ورعى أهلبيته،لأن الله يعرف ما في القلوب والضمائر ولا تضلله المظاهر والخدع، وها هوالتأكيد يجيء من حيث لم يتوقع بابلغ شكل واقوى صورة، زيت الزيتون المقدس يطفطف منتحت تمثال السيدة العذراء ويرطب قاعدته وعمود البيت حيث حُفرت زاوية العامودالمقابل لمدخل البيت، ليتسع للسيدة أم المسيح ابن الله ليتبارك اسمها واسمه واسمالرب ، تماما في مواجهة كل من يدخل بيت أبو بشارة.
لا يعرف إذا كان قد كرر ندائه لأم بشارة أكثر من مرة، فقد أيقظ صوتهالمنفعل مما يرى، والمرتعش من المفاجأة أهل البيت، فتجمعوا في الديوان الرحب ،متثائبين من إيقاظهم ساعتان قبل الوقت، ومتوجسين من أمر غير مرغوب،لا يدرون كنههقد يكون ألم بأب البيت، فهم لم يستوعبوا من صوته المتهدج إلا أنه حدث ما يثيرالتوجس من مكروه، أو مفاجأة لا يعلمون وقعها،جعلت أب البيت الذي يستيقظ قبل الجميعبساعتين على الأقل يطلق صوته المنفعل في ساعات مبكرة من ذلك الفجر الزاهي.
لم تمض إلا ثوان قليلة، حتى أصابهم ما أصاب أب البيت وعمدته من المفاجأةالسارة لمرأى السيدة العذراء تبارك بيتهم بزيت الزيتون المقدس، وهي علامة لاستجابةالرب لأبنائه المخلصين، كما كان يقول بتهدج وتوتر من السعادة، عمدة العائلة أبوبشارة.
نسوان الحارة هن اول من عرف بخبر العجيبة. والنساء لمن لا يعلم، أفضل جهازإعلامي عرفته البشرية. في ذلك الصباح أسرعت ام بشارة تدعوا جاراتها لتناول قهوةالصباح ورؤية عجيبة العذراء في بيتها. جئن بشيء من الإستهجان، فزمن العجائب قدولى. ولكن ما شاهدنه بالعين ملأهم برهبة الإيمان وخشوعه، فتمتمن بشكل جماعي"السلام عليك يا مريم"، وتباركن بقطع قطن مبللة بالزيت المريمي دليلقاطع لمكرمة العذراء لبيت ابو بشارة، وتيمنا وأملا ان قطعة القطن بما تحمله من زيتمريمي قداسته مؤكدة،هي أفضل مباركة للمنازل والأهل وكل من تطوله مسحة من زيتها.
كادت أم بشارة تفقد توازنها وهيتحدث نسوان الحارة عن العجيبة ومعناها والتي اختصهم بها الله. قالت كلاما عاقلاوكلام لا يدخل العقل ويصنف في ظروف أخرى "بكلام مجانين". ولكنها العجيبةالتي أغلقت كل مسارات التفكير العاقل.. من شدة مفاجأتها وإثباتها بالرؤية واللمس والتذوق لمن أرادمزيدا من الإثبات العملي.. وها هن نسوان الحارة تشل المفاجأة السنتهن ، فلم يتحدثنعن فلانة التي خطفت، وابنة فلان التي لم تبق شاب من شرها، وزوجة فلان"المشلطة" ، وابو جعفر، الله يستر، الذي يصرف ما يربح على بنات الشوارعفي المدينة المجاورة.. وقصص لا يعلم الا الله مصدرها وصحتها.
الزيت المقدس يتزداد ببطء شديد تحت قاعدة تمثال العذراء، وهو زيت فاخر مثلالزيت الذي يستعمل في الكنيسة في جميع المناسبات الدينية . زيت تثبت رائحته وطعمهانه من النوع الفاخر جدا مثل زيت كرمزيتونات أبو بشارة المعروف بجودة زيته. كل الدلائل العملية تبرهن إنها حقا عجيبة،وإشارة سماوية إلى رعاية العذراء لأهل بيته، اعترافا بإيمانهم الطاهر وطاعتهم لتعاليمالمسيح. وكان قد شفي ابنه من مرض خبيث يقال أن عدد من يشفيهم الطب من ذلك المرضالملعون، لا يتجاوزون ربع المرضى.وأن صلاتهم للعذراء والمسيح والإله في علاه قداستجيبت. وها هي الإشارة الحاسمة تجيء بدون توقع في فجر ذلك اليوم الربيعي.
نساء الحارة تباركن بقطع قطنرطبنها بالزيت الذي يرطب قاعدة التمثال ، وكان هذا برهانا لا يمكن نقضه ، ويعتمدعلية كمصدر إخباري موثوق لحقيقة العجيبة التي اختص الله بها جارتهم وحارتهم، وأضحىشعورا بالفخر لكل أهل الحارة، وبدأت عملية انتشار تفاصيل العجيبة ، بطريقة تعجزعنها حتى الدعاية الصهيونية والإمبريالية التي تسيطر على وسائل الإعلام العالمية،كما قال احد كفار البلد الذي يسكن لحظهمالسيئ في حارتهم، ويلقب ب "سمير الكافر" وهو يدعي في كل مناسبة انالصلاة هي مضيعة للوقت، ولا تخدم مطالبالسكان من السلطات المسؤولة، بل تخدعهم بأوهام ان الفرج سيأتي من السماء، والسماءكما يقول سمير الكافر ، هي خدعة بصرية تفوقت على المنطق مما يضر بالوعي الاجتماعي وتنميالخيالات والخرافات ، وكلمات من الصعب استيعابها قوت الشك باتزانه العقلي. ولكن منأين لكافر مثل سمير ان يغير حقائق الإيمان ورعاية الله لأبنائه المؤمنين؟ ولعلهالآن امام هذه العجيبة المؤكدة سيصمت للأبد!!
أصبح حديث العجيبة ،حديث البلد الوحيد، وبدأت تفاصيل العجيبة المثيرة تصلللبلدات المجاورة، بل ويشاع أنه تتوارد اتصالات تلفونية من خارج البلاد علىالأقارب في البلد تستفسر حقيقة الخبر، وترجو تزويدها بالمعلومات الصحيحة، وانه إذاثبت خبر العجيبة سيأخذون أول طائرة متاحة للوصول إلى البلاد وزيارة بيت أبو بشارةوالتبارك بزيت العذراء المقدس. وان مصدر معلوماتهم يعتمد على ما بثته رويترز والبي بي سي وتلفزيون الجزيرة ووكالةالأنباء الفرنسية وغيرها من وسائل الإعلام الكبيرة، وان بعض وكالات الأنباء وشبكاتالتلفزيون، أرسلت طواقم من المراسلين والمصورين لتسجيل عجيبة العذراء في بيت أبوبشارة المبارك من السماء.
اثار نشر وسائل الإعلام لخبر أولي عن عجيبة العذراء في بيت أبو بشارة،اعتمادا علي مصادر موثوقة ، تستند بالتأكيد على روايات نساء الحارة الحاصلات علىقطع قطن رطبت بزيت العذراء المبارك، هيصةكبيرة قلبت كل الحياة الرتيبة في البلد والبلدات المجاورة.
كثرة الاتصالات التلفونية ذلك الصباح سببت ضغطا على شركات التلفونات، ونشأ خوف حقيقي من انهيار شبكة الاتصالاتالتلفونية. وغرق البريد الالكتروني لوسائل الإعلام بكم هائل من الاتصالات والمراسلات تستفسر عنحقيقة الحدث ، فنشروا إعلانات ترجو من المتصلين بالتريث ومتابعة الأخبار علىشبكاتهم التلفزيونية او مواقعهم على الشبكة العنكبوتية وأن طواقمهم تعمل جاهدة للوصول إلى مكان الحدث لتغطيته ونقل التفاصيل الكاملةللمشاهدين.
الازدحام في شارع الحارة حيث منزلأبو بشارة فاق التصور ، وانتشر الازدحام في الشوارع المحاذية، بل والبعيدة، بلشوارع البلد كلها ازدحمت وأصيبت حركة السير بانسداد في الشرايين. البعض بقول انهسمع في نشرة أخبار الساعة الثامنة أن الشرطة توجهت للمواطنين ان لا يدخلوا البلدةبسياراتهم، وانها اتفقت مع شركات الباصات على زيادة عدد الباصات لنقلهم الى داخلالبلد، وانه لا يمكن إيجاد مكان حتى لربط حمار في هذا الازدحام غير المتوقع الشديدوالمجنون.
في تمام الساعة السادسة صباحا أُبلغ خوري الطائفة على وجه السرعة عنالعجيبة في بيت أبو بشارة، فلم يكترث للأمر في البداية. ولكن الشماس أبلغه أنالمسالة حركت البلد كلها والمئات من كل الطوائف يتدفقون على الحارة، وبعض رجالالطائفة المحترمين تحققوا من الموضوع وأبلغوه انه على الخوري زيارة بيت أبو بشارةليتأكد بحكمته ان الموضوع رباني حقا. صحيح ان النساء لسن مصدرا موثوقا للمعلومات،ولكن رجال الحارة أيضا يؤكدون صحة أخبار نساءهم. لأول مرة يتفق الجانبان بدون نقرونقير على رواية واحدة. بل وتحول الحدث إلى خبر دولي تتناقله وسائل الإعلام العربيةوالأجنبية، وانه ليس دعاية صهيونية إمبريالية معادية للعرب ، أو خبر انتصار وهميلنظام عربي على العدوان الصهيوني. حتى راديو إسرائيل أذاع الخبر بدون إضافة أوتزوير أو تدخل مقص الرقيب، او اضافة تجعلالعجيبة انجازا للديمقراطية الإسرائيلية وتنفيذا لوعود الحكومة في المساواة بينالمواطنين العرب واليهود .!!
سارع الخوري، امام هذه الحقائق الدامغة، وبعد ان أيقن من صحة ما نقله إليهالشماس، إلى ارتداء ملابسه الكهنوتية، والتوجه لبيت أبو بشارة، وهاله وهو فيالطريق هذا العدد الهائل من التجمعات أمام البيت وعلى مدخل الحارة وشلل حركة السيربالسيارات التي أغلقت الشوارع بالوقوف العشوائي، والكل يتحدث عن العجيبة.
أفسحوا للخوري الطريق ، فسارعبخطواته شاعرا بأنه أمام حدث عظيم، وان الجميع ينتظرون تأكيد حدوث العجيبة من مصدرروحي موثوق ، وان الله خصه بدور بالغ الأهمية قد يساهم في ترقيته من خوري بلدةصغيرة إلى مطران كبير الأهمية في إحدى المدن الكبيرة.
كل ما استطاع الخوري ان يقوم بهأمام تمثال العذراء المبللة قاعدته وحتى نصف متر تحت القاعدة بالزيت المقدس ، انهالتقط قطعة قطن صغيرة رطبها بزيت العذراء،شمها مرتين أو أكثر، مسح بها كفة يده ،وشم كفة يده ، وأشرق وجهه بابتسامة كبيرة، صلب على وجهه ثلاثة مرات، وبدونمقدمات بدأ بصلاة قداس بارك فيها العذراء والسيد المسيح وأبيه الذي في السموات،وبيت أبو بشارة، الأمر الذي اعتبر بمثابة اقرار رسمي من الكنيسة لحقيقة العجيبةوأهميتها المقدسة.
نظم أبو بشارة وأولاده الدخول إلى البيت بنظام، للتبارك بزيت العذراء، ،فوفروا مئات قطع القطن الصغيرة ، وصندوقلوضع التبرعات كما أمر الخوري من أجل إقامة احتفال كبير يحضره سيادة البطريرك،وربما يتحمس الحبر الأعظم بابا الفاتيكان للحضور والوقوف على العجيبة بنفسه، وهدفالاحتفال كما شرح الخوري، تكريم السيدة العذراء على إشارتها الواضحة انها لا تهملالمؤمنين الذين ضحى ابنها بحياته من أجلهم، وإنها راعيتهم وشفيعتهم عند الله.
ما حدث وصفته بعض الصحف بأنه أشبه بهزة أرضية من العيار الثقيل، وانه لوعاد ريختر الى الحياة لأضاف الى سلمه خمسة درجات جديدة لتلائم الهزة الإنسانيةالهائلة التي سببتها عجيبة الزيت في بيت ابو بشارة.
امتلأت المتاجر بالزبائن الراغبينبشراء تماثيل للعذراء ، أو تماثيل للعذراء وابنها المخلص يسوع المسيح، أو صورامقدسة، لنصبها في بيوتهم تيمنا بما حدث في بيت أبو بشارة، بل والكثيرين توجهوا الىالكنيسة ليبارك الخوري ما اشتروه من تماثيل وصور، ضمانا للطهارة والقداسة. ويمكنالقول ان تماثيل العذراء أضحت أهم تجارة لمدة عدة أشهر، فاستوردت تماثيل العذراء من الصين الشيوعية البوذيةالكافرة بواسطة تجار يهود لأن سعر الصين ارخص اربعة مرات من التمايل المصنوعة فيايطاليا المسيحية، وملأوا بها السوق ولكن بأسعار تزيد عشرة أضعاف على الأقل عنتكلفة استيرادها وتوزيعها في المحلات. بعض الفنانين العرب واليهود استغلوا الموقف ورسموا العذراء وطبعوا رسوماتهم، وربحوا أضعافا مضاعفة عن أي لوحة فنية باعوها سابقا .
ابن أبو بشارة البكر جاءته فكرةعبقرية، منع المراسلين من التقاط الصور داخل البيت، وقام هو نفسه بالتقاط صورملونة للعذراء بالكاميرا البيتية ، والزيت واضح حول القاعدة وتحت القاعدة وهي أهموثيقة عن العجيبة ، وطبع منها آلاف النسخ بحجم كبير، وكرر الطباعة مرات كثيرة،وبرر ذلك بالحفاظ على كرامة العذراء من التصوير التجاري . وبيعت الصور بأثمان تكفلله ولكل أفراد العائلة جولة حول العالم في أفخر القوارب البحرية.. وهذا مكرمة منالسيدة العذراء بدون ادنى شك.
الآف دخلوا للتبارك والحصول على قطع قطن مبللة بزيت العذراء، وما بخلواعليها بشيء ، تبرعوا بالمال والذهب ، وانتشرت أخبار عن شفاء العديد من المرضى بعدمسح جبينهم بقطنة الزيت، مما شجع المترددين لزيارة التمثال والتبارك بزيته،والحصول على قطنة مبلولة بالزيت المقدسولسان حالهم يقول:"اذا لا تفيد لا تضر".
امتلأ الصندوق أمام العذراء بالأموال وحلي الذهب، وافرغ عدة مرات، وهمسبشارة الابن البكر لوالده انهم هم أولى من الخوري بما يتبرع به الناس، لأن العجيبةحصلت في بيتهم وليس في بيت الخوري أو لتماثيل العذراء في كنيسته. ولهذا شأن ربانينحن لا نعلمه، ان طرق الله غير معروفة لنا نحن البشر، ويجب عدم التفريط بما يصلللعذراء من تبرعات، وان الكنيسة ليست فقيرة ليزيدوها غناء على غناء. وان ما طلبهالخوري، رغم قداسته واحترامه، كان متسرعا بسبب المفاجأة ، وانهم هم أهل البيت الذيخصه الله بعجيبة العذراء، على استعداد لتبني الاحتفال ومصروفاته. كما كرمتهمالعذراء يكرمونها بأفضل قداس وأفضل احتفال.
أحد الأبناء يلح للحصول على مبلغ ليجدد سيارته. ولكن والده يشير عليهبالتمهل، إذا ليس من المناسب الآن والآلاف من عامة الناس ورجال الدين الأفاضليتدفقون على البيت ، والحكاية ما تزال في أوجها، ان يستعملوا التبرعات التي توهب للسيدة العذراء لأمورهمالشخصية، وأن الصبر مفيد في هذه الحالة.
الحكايات التيانتشرت بان قطعة القطن المبلولة بزيت العذراء المقدس حققت الشفاء لمرضى عجزالأطباء والمستشفيات من علاجهم ، وما قامتبه بعض الصحف والمواقع الالكترونية، بنشر صور عشرات الأشخاص الذين يؤكدون ان قطنة الزيت شفتهم منامراض صعبة ،بل وروى البعض حكاياتهم معإمراضهم العصية عن الشفاء،وكيف اختفى المرض بعد مسح جبينهم بالزيت المريمي المقدس،كل هذا أحدث تدفقا غير متوقع لزيارة بيت أبوبشارة وعذرائه التي لا يجف زيتها ، بل وفي بعض الأحاديث ان التبرع للعذراء واجب منأجل ضمان الشفاء، لأن من لم يتبرع لا يشفى مريضه.فتكررت زيارات الكثير من الزائرينالسابقين ليتبرعوا ويحصلوا على قطعة قطنتساعد في شفاء أعزائهم.
كان أبو بشارة كلليلة، بعد ان يستأذن العذراء ، يفرغ الصندوق من الأموال وقطع الذهب والفضة وغيرذلك من الأحجار الكريمة. وقد قر رأيه ان لا يسلم الخوري أي شيء. امتعض الخوري ،ولكنه لم يتفوه بأي كلمة . ويبدو، حسب معلومات غير مؤكدة، ان الخوري بدأ بحملةمضادة لإقناع الناس ان وراء حكاية العذراء والزيت سرا لم يكشف بغد. "تمهلواولا تصدقوا الشائعات عن الشفاء من الأمراض فلا شيء مثبت"، كما كان يهمسللمقربين له.
مضت أيام وخف القادمين للتبارك بزيت العذراء المقدس. وبدأت الحياة تعود الىرتابتها السابقة ، رغم ان الزيارات للعذراء لم تتوقف.
ولكن، المجد لله في علاه، الزيت لايتوقف ، بل انتشر حول قاعدة التمثال ومن جانبيه بشكل متزايد وامتد نحو الأرض ، وهوعمود لعقد قديم واسع مقسم إلى عدة غرف،والعمود نفسه مليء بالتراب الذي لا يرتوي بسهوله وضخم جدا ويكاد يكون متر ونصف المتر عمقه من كل جانب. والعقد لارتفاعهالكبير ، أقيمت فيه علية حيث تخزن مؤونة البيت، وفي وقتنا لم يعد استعمال للعليةلتخزين مؤونة البيت كما كان الحال ايام زمان، وأصبحت العلية مخزنا لكل ما لايستعمل يوميا. وهناك درج خشبي،بلصق حائط العقد يقود إلى العلية الواسعة ، التي لاينفك ابنهم الأصغر يطالبهم بتحويل قسم منها إلى غرفة نوم ، وفتح نافذة خاصةللغرفة، ولكن الحال لم تكن جيدة، لهذا المشروع، وها هو ابنهم يعود، بعد ان غيرتالعجيبة حالتهم المادية، ويصر أن يستقل بغرفة على قسم من علية العقد الواسعة.
انشغل أهل البيت كل في مشاريعه. والأب يحذرهم: "لا تنسوا السيدةالعذراء. هذا خيرها الذي نزل علينا".
حكاية العجيبة أضحت أمرا عاديا.وما عدا سمير الكافر لا يجرؤ أحد على التشكيك بحقيقتها.
كلما سؤل أبو بشارة في نادي المتقاعدين عن آخر أخبار العذراء والزيت يتحدثبفخر ان الزيت لا يتوقف بل يزداد تدفقا، وانه عندما جدد طرش البيت ، لم يطرشالعمود بل حافظ عليه كما هو، لأنها مشيئة العذراء كرم الله وجهها.وانه بلل الكثيرمن الفوط بالزيت الذي بدأ يسح على الأرض ايضا، ويحتفظ بالفوط بمكان نظيف لأنهامبللة بالزيت المقدس، وان البعض يأتي لشرائها، خاصة السواح الأجانب الذين سمعوا عنعجيبة عذراء بيته، ولكن السعر الذي يطلبه لا يشجع ابناء البلد على شراء تلك الفوط.وان السواح لا يجادلون حول السعر.وان سعر الفوطة مع الصورة الملونة للعذراء تكفيوجبة غذاء لأهل البيت في مطعم.
ولكن لم يعرف احد ان الوقت يخبئ لهم مفاجأة أغرب من الخيال.
أم بشارة صعدت للعلية لأخذ حاجتها من زيت الزيتون، من خابية (الخابية هيجرة كبيرة تتسع لأكثر من 50 - 80 لتر من الزيت كانت تستعمل في البيوت الفلسطينيةالقديمة لتحزين الزيت وما زالت بعض البيوت تستعملها).
تفاجأت ام بشارة ان الخابية فارغةحتى النصف:
- أبو بشارة.. الخابية تقريبا فارغة.
- يا امرأة انا ملأتها بأربعة "تنكات" حتى العنق.. لم نستعمل بعد الا نصف تنكة؟
- انها نصف فارغة .. أين ذهب الزيت؟
- الله يستر.. ربما لا ترين جيدا.. مدي يدك .
- إنا في كامل قواي العقلية، لا تجعلني مجنونة وعمياء. لا أرى زيتا إلا فيالقاع.
- هل سرق زيتنا؟ هل يجوز ان ما ظهر تحت تمثال العذراء هو زيتنا؟
تحسست أم بشارة الجرة فوجدت سطحا كبيرا في مكان منخفض رطبا بالزيت.وعلىأرضية العلية بقعة زيت كبيرة تماما فوق العمود الذي وضعت في داخل حفرة فيه تمثالالسيدة العذراء. احتارت هل تضحك أم تبكي على ضياع مخزون الزيت.
- كشفت سر زيت العذراء يا أبو بشارة.
- ماذا تخرفين يا امرأة؟
- الجرة "مسطوحة" والزيت يتسرب منها ببطء إلى عمود البيت ، والنقطةالتي حفرت للتمثال داخل العمود ، خرج منها الزيت.
- إذن زيت العذراء هو زيت خابيتنا؟
تجمع الأولاد على صوت والديهما يتداولان حول المصيبة. قال الابن البكرمبتسما:
- هذا الكلام ممنوع ان يصل للناس . فاهمين؟ سنتهم ان فعلتنا بزيت العذراءمقصودة.
بعد تفكير قصير أثنى أبو بشارة على كلام ابنه، وأضاف:
- لا تظنوا ان الجرة فرغت من الزيت بالصدفة، انها مشيئة الله ،هل تطنون انالله ينتج زيتا ليقدس المؤمنين به؟ هذا لا يغير شيئا من حقيقة العجيبة. لو شاءالله لفاضت الجرة وأغرقت ارض البيت.. ولكنحكمته أن يصل الزيت لتمثال العذراء. القصدالإلهي هنا واضح. انعم علينا بالعجيبة، وحسن أوضاعنا استجابة لصلواتنا ، فليكناسمه مباركا!!
nabiloudeh@hmail.com