جوديُّ الروح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نذير طيار
    أديب وكاتب
    • 30-06-2007
    • 713

    جوديُّ الروح

    جوديُّ الروح

    نذير طيار


    (1)
    ولَمَّا أويْْنا إلى وطن الظل،

    من لفحاتِ اللُّهاث وَرَا النسماتْ

    تندَّى على صمتنا بَوْحُ غُصْنٍ،

    يخيط شقوق الظما، بِعُرَى الكلماتْ

    « ألاَ أيُّها الراقدون بقبر التمنِّي،

    جميعُ المقاعد محجوزةٌ،

    لثواني العروج تُسِرُّ إلى حُلُم الفجْرِ:

    "قُمْ، سلسبيلُ التقلُّب فاتْ".

    وذاتُ اليمين، كذاتِ الشمال، ذَرُوها..

    ذَرُوا جُبَّكمْ،

    يوسفٌ...أنتمُ،

    والَّذين رمَوْهُ،

    والَّذين رَمَوْا دلوَهُمْ،

    والَّذين اشترَوْهُ ببخسٍ.

    ذَرُوا كهفَكُمْ،

    لَسْتمُ بالرقيمِ،

    وليستْ كهوف الكسالى من المعجزاتْ".

    (2)
    ولمَّا أوَيتُ إلى صدر أمِّي

    تفتَّح لي ألف بابٍ وباب بأمواجِ تيهي

    عضضْت على نفحات فصوص الوصايا

    ومنوالُ أمي نسيجٌ يناجي تفاصيلنا،

    مِنْ ختام التشظي إلى مُبتداهُ.

    أطَّلتْ من الشفتين جداريةٌ

    رصَّعتها زهور الكلامِ

    حكايا البداياتِ

    سحر الفراشاتِِ

    ورد البراءاتِِ

    يمسك طيف الأنا،

    إذْ يلاعب فجرَ الصبا معْ نداهُ.

    على متن عينيك أمِّي

    أعيد احتضان المسافة

    دفءَ المسافة بيني وبيني،

    ألَمْلِمُ تاريخ وجهي

    أرتِّب كنزا بروحي

    وأقفز جهرا على ما عداهُ.

    أنقِّب في بيت جدي

    عن الخلوات التي أدهشتني

    عن الممكن، المستحيل بعيني

    وعنيِّ أنا،

    قطر وردٍ تبعثرَ بين الفصول شذاهُ.

    على هُدْب أمِّي

    تأرجَحَ نبضي

    يراقص وهْج البراءة عمرا

    إلى أنْ

    تماهَى المدى في مداهُ.

    (3)

    ولما أويت مع النازحين إليهِ

    سلكتُ طريقي أنا..

    طريقي الذي كم تعثَّرت فيه قُبيل اعترافي بذاتي.

    تمدَّدْتُ روحا على صفحة الكون

    سافرت للانهايةِ

    حتى تدنَّيت مني.

    تذوَّقتُ حال الذي قصر النظرات عليْهِِ.

    تذكَّرتُ وقت انشراح المرايا بوجهي

    وبسمة جسمي لنكتة ظلي

    «تنحى قليلا، فكم تحجب الشمس عني،

    هو النور يشوي تسكُّع صورة نسخكَ،

    فافسحْ له في الطريق،

    وحاذرْ سقوطَكَ بين يديْهِ.»

    (4)

    تسابيح روحي

    تطارِد طيف الترانيم في العالَمينَ

    تشدُّ الرِّحال اشتياقا إلى جزر الاختلافِ

    تفتِّش عن نفسها، في زوايا ذواتٍ وعتْ ضدَّها.

    هي لا تَدَّعي..أن حظر التجوُّل في دوحة الروح من حقِّها..

    لا..

    ولا تَدَّعي أن جنة عدنٍ أُعِدَّتْ..

    لِمن ذاقَ يوما لذيذ التجلِّي بها وحدَها.

    تنسجُ اللحن عذبَا..لإغراء من شَفَّ ليلا،

    فيهفو النسيم إلى ملتقاها..

    وتقفو الريَّاح مواعيدَها.

    كم تراود أفكارهُمْ عن حظوظ الهوى

    برحيق العقولِ

    يناجي فراشات أحلامهِِِمْ.

    ربما يبصرون فيوض السماء عليها

    ليتهمْ...يظفرون بقبسة نور كتلك التي أبرقت عندَها.

    (5)

    لأن الكمالات جوديُّها

    تركب الروح طوفانَ أسرارها

    يبحر الحب في الاختلاف الجميل،

    ويرسو على نقطة فوق حرف اللقاءِِ.

    كما الليل يفسح لليوم في الوقتِ

    عشقًا لهُ،

    أفسح في الفكر للآخرينَ

    أحبُّ الرحيل إليهم

    لعلِّي أجدِّد حبل ارتقائي.

    على ما تبقَّى من العبَق السوسنيِّ،

    ومن همسات الحقول إلى زفرات الصباحِ،

    أحلِّق نحو بلادٍ،

    بها عندليب الحكايا يطرِّز منحنيات الأغاني

    بخيط الحرير وسَمِّ البقاءِ.

    (6)

    أنا ما اتخذت نوايا الندى

    مخلبا لاقتلاع البنفسج والياسمينْ.

    أنا لن أقول حجزتُ الجنان لقلبي،

    وسَعَّرتُ نارَ جهنَّم للآخرينْ.

    ففي الحكمة المشتهاةِ ملاذ البصائر،

    في الليل متَّسَع للهواجسِ،

    في البحر منتجعٌ للخواطرِ،

    في الأفْق منتزَهٌ للجفونْ.

    أنا لا أخاف على وردتي

    مِنْ تعدُّد لون الفراشِ،

    ومِنْ قُزَحٍ يتقوَّسُ طيفًّا،

    ولا يستقيمُ،

    سجودًا لمن أبدعَ الخلقَ شتَّى وقالَ:

    «أنا ربُّكمْ» أحَدٌ «فاعبدونْ».
  • محمد سمير السحار
    شاعر
    • 16-05-2007
    • 1067

    #2
    [align=center]أخي الكريم الشاعر القدير نزير طيار
    كنتُ قد قرأتها سابقا وأعيد قراءتها من جديد
    قصيدة جميلة ومعاني رائعة
    لا فُض فوك
    خالص تقديري ومحبّتي
    أخوك
    محمد سمير السحار[/align]

    تعليق

    • نذير طيار
      أديب وكاتب
      • 30-06-2007
      • 713

      #3
      أخي الفاضل محمد سمير السحار:
      أسجل اعتزازي بمرورك الجميل على قصيدي.
      تحياتي القلبية

      تعليق

      • عبدالرحمن السليمان
        مستشار أدبي
        • 23-05-2007
        • 5434

        #4
        [align=justify]أخي الحبيب نذير،

        اطلعت لتوي على هذه القصيدة الرائعة.

        لا أفقه في النقد الأدبي حتى أساهم بما يعول عليه في التجارب الأدبية، ولكني أريد أن أشاركك ما أثاره نصك الرائع لدي من تأمل هذه الساعة ..

        حين يكون الوطنُ القلبَ، يتلاشى الفرق بين "الوطن الوطن"، و"الوطن الظل" إن جاز التعبير .. عندها لا تحتاج إلى الالتفات بقلبك إلى الوراء، فلا تلهث وراء النسمات لأن الإحساس يتعطل ــ وما أعظمها من نعمة! ــ ولا تحتاج إلى مقعد في قطار التمني، لأن صحب يوسف باتوا غير قادرين على التمييز بين القاتل والضحية، فقد كفت بصيرتهم منذ قرن. لقد أصبح رهط يوسف شيكا بلا رصيد، لا يصرف، والبحث عن رصيد ــ وإن شئت: "التحليق نحو بلاد العندليب" ــ خير من السفر في قطار الأماني .. وحدود بلاد العندليب: القلب ..

        أعجبني هذا المقطع كثيرا:
        [align=center]
        (5)

        لأن الكمالات جوديُّها

        تركب الروح طوفانَ أسرارها

        يبحر الحب في الاختلاف الجميل،

        ويرسو على نقطة فوق حرف اللقاءِِ.

        كما الليل يفسح لليوم في الوقتِ

        عشقًا لهُ،

        أفسح في الفكر للآخرينَ

        أحبُّ الرحيل إليهم

        لعلِّي أجدِّد حبل ارتقائي.

        على ما تبقَّى من العبَق السوسنيِّ،

        ومن همسات الحقول إلى زفرات الصباحِ،

        أحلِّق نحو بلادٍ،

        بها عندليب الحكايا يطرِّز منحنيات الأغاني

        بخيط الحرير وسَمِّ البقاءِ.[/align]


        دمت مبدعا أخي نذير.

        عبدالرحمن.[/align]
        عبدالرحمن السليمان
        الجمعية الدولية لمترجمي العربية
        www.atinternational.org

        تعليق

        • بنت الشهباء
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 6341

          #5
          لا أدري أيها الشاعر المتألق والمبدع
          أخي نذير طيار
          ما أصابني حينما تجولت بين رياض بهاء حرفك الذي من خلاله أحسست وكأنك تتكلم بلسان حالنا وأنت ترسم ببداعة حال النفس بفصولها المختلفة , وأجمل وأسمى ما فيها تلك الصورة التي نقلتنا بها عبر تسابيح الروح إلى حيث الطهر والنقاء وبراءة حينما نقف مع أنفسنا وقفة صدق ونعود بها إلى حيث الملاذ الوحيد الذي يعيد لنا لذة التقرب إلى الله حسبنا وكافينا ...
          وأتبعتها بصورة أجمل حينما تجولت مع أنسام الفجر العليل , وشدوت مع أنغام الطيور وأنت تأمل أن تجدد حبل وصالك مع العالم من حولك بفكر نقي لا يشوبه شائبة ..
          وكانت اللوحة السادسة غاية في الجمال والسمو والرقي حينما أعلنت أن الحكمة هي الغاية والهدف لأصحاب الفكر الناضج وذوي الألباب .

          أمينة أحمد خشفة

          تعليق

          • نذير طيار
            أديب وكاتب
            • 30-06-2007
            • 713

            #6
            أخي العزيز عبد الرحمن:
            أقف مشدوها أمام قراءتك المتوغلة في عمق النص، لكأني أمام كاتب حرفته النقد يجيد تفكيك الإنزياح ويحسن قراءة ما بين السطور.
            لا تحرمنا أبدا من قراءات جميلة كهذه.
            تحياتي القلبية

            تعليق

            • نذير طيار
              أديب وكاتب
              • 30-06-2007
              • 713

              #7
              الأخت الفاضلة بنت الشهباء:
              قراءة صوفية شفافة جميلة في النص، تحركت معه بفنية عالية ولغة راقية.
              دمت مبدعة متألقة.
              تحياتي القلبية

              تعليق

              يعمل...
              X