الدلالة المُطلقة للفعل الماضي في القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أ.د/خديجة إيكر
    أستاذة جامعية
    • 24-01-2012
    • 275

    الدلالة المُطلقة للفعل الماضي في القرآن الكريم

    الفعل هو ما تضمن حدثا مقترنا بزمن معين . فالأفعال تنقسم بانقسام الزمن، و لكل فعل حدٌّ زمني ثابت بحيث لا يتحدد الفعل إلا بتعيين زمن وقوعه.
    ويعتبر الفعل الماضي لبنة أساسية من لبنات اللغة العربية عامة والقرآن خاصة ، والماضي كذلك هو الزمن الأصلي للفعل في اللغة العربية بينما الأزمنة الأخرى ، كالمضارع والمستقبل والأمر، متفرعة عنه.
    غير أن القرآن القرآن الكريم قد تعالى عن الإسناد الوضعي للأزمنة الفعلية كما نعرفها : فالفعل القرآني معجز، حيث يجمع بين مناسبته للسياق والمقام ، و بين أدائه للمعنى وتحقيقه لمقصد الخطاب القرآني .
    وبتتبعنا للفعل الماضي في القرآن الكريم ، يتبين لنا أن الزمن ــ في الكثير من الأحيان ــ قد يكون مُلغىً تماما من الفعل الماضي ، إذ يصبح الماضي دالاًّ على الدوام و الأبدية .
    و معنى هذا أن الفعل الذي يسميه النحاة ماضياً يخرج - في القرآن الكريم - عن دلالته الحرفية التي عُرِف بها إلى دلالة أكبر، وهي الإطلاق والأبدية حيث تنتفي فيه الزمنية ، ليصبح فعلا معجزا أبديا ومستقبليا دالا على الزمن المطلق .و لو حاولنا الاستدلال على ذلك لوجدنا الكثير من الآيات القرآنية التي تتجلى فيها هذه الظاهرة بوضوح ، و سنكتفي بالتمثيل لها ببعض الآيات :
    * قال سبحانه : (خلق الإنســــــان علّمه البيــــــان ) الرحمن / 2 ــ 3 ، وقال عز و جل كذلك : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا ) الإسراء / 23 ، فمَنْ مِنّا حين يتلو هاتين الآيتين يفهم منهما غير الإطلاق و الأبدية ، فالله تبارك و تعالى خالق الإنسان و بارؤه منذ الأزل ، و هو أيضا الذي قضى و يقضي و سيقضي إلى الأبد بألا يُعبَد سواه و بأن يُحْسَن للوالدين .
    * وقال جل جلاله : ( وكان الله عفوا غفورا ) النساء / 99 . إنَّ (كان) في هذه الآية فعل ماض من حيث الصيغة، ولكن دلالته على الزمان تفيد الأبدية ، ذلك أن الله سبحانه متعالٍ عن الزمان والمكان، وصفاته سبحانه كذلك غير محدودة في الزمان والمكان ، بل هي أزلية لا بداية لها و لا نهاية ، وهي ملازمة له جل و علا . و من هذه الصفات صفتا العفو والمغفرة المذكورتان في الآية الدالتان على كمال ألوهيته وعظمته .
    * و يقول عز و جل : ( أخرج منها ماءها و مرعاها ) النازعات / 31 ، و يقول تعالى أيضا : (وسع كرسيه السماوات و الأرض ) البقرة / 255 ، ويقــول : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا ) الإنسان / 3 ، حيث نلاحظ أن الأفعال التي اشتملت عليها الآيات – إن صح أن نسميها أفعالاً و هي من الخالق تبارك و تعالى - وهي إخراج الماء والمرعى ، وسَعَة الكرسي ، وهداية البشر، كلها أفعال مطلقة. فهي منسوبة إلى الله جل جلاله المتعالي عن الزمن، فلا يمكن أن تدل على زمن معين وإن كانت في ظاهرها دالة على الماضي.
    و بالإضافة إلى ما ذُكِر من أفعال صادرة عنه سبحانه هناك أفعال ماضية في القرآن الكريم خرجت كذلك عن معناها النحوي وألغيت فيها الظاهرة الزمنية ، دون أن تكون منسوبة إليه تبارك و تعالى :
    * قال عز و جل : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) النساء / 102 ، فشعيرة الصلاة باعتبارها ركنا من أركان الإسلام وعمادَ الدين، كانت ولم تزل وستظل فريضة موقوتة، لا يمكن تعطيلها في المجتمع الإسلامي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
    * وقال سبحانه : (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا و اعتصموا بالله و أخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين ) النساء / 145- 146 حيث وردت فيه أفعال تُشرَط على المنافقين في أي زمن كان ماضيا أوحاضرا أو مستقبلا ، ألا وهي التوبة والإصلاح والاعتصام بحبل الله لكي يُصنَّفوا ضمن المؤمنين .
    *و قال جل و علا أيضا : ( قد أفلح المؤمنون ) المؤمنون / 1 . حيث نلاحظ أن فعل (أفلح) غير مقترن بزمن رغم إسناده للماضي لأن فلاح المؤمنين كان وسيكون دائما طالما تحقَّقَ فيهم شرط الإيمان وما يستتبعه من صفاتٍ وأعمالٍ مرتبطة به ، والتي عدَّدَتْها السورة القرآنية .
  • د.نجلاء نصير
    رئيس تحرير صحيفة مواجهات
    • 16-07-2010
    • 4931

    #2
    بارك الله فيك أستاذتي القديرة
    وزادك علما ورفع قدرك
    sigpic

    تعليق

    • محمد أبو الفتوح غنيم
      مُثقَلٌ بِالهَمِّ
      • 01-04-2012
      • 35

      #3
      كلام قيم جدا...

      ولعلي أضيف أن استخدام الفعل الماضي في القرآن جاء -والله أعلم- لبيان أن كل أمر من توبة ومغفرة وثواب وعقاب ونعيم وعذاب وقضاء وقدر.. هو في مما مضى علم الله به لأن علمه أزلي ولأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، فما من شيء إلا وقد سبق في علم الله إذ هو مقدره.. فكان الأنسب استخدام الفعل الماضي للدلالة..
      ما أصبت في حياتي = غير ما لا أشتهي

      تعليق

      • mmogy
        كاتب
        • 16-05-2007
        • 11282

        #4
        سؤالي لأستاذتنا الدكتورة خديجة أيكر .. هل يجوز للشعراء والأدباء استخدام الفعل الماضي لنفس تلك الأغراض التي استخدمها القرآن الكريم ؟ أم أن ذلك يعتبر أمرا معيبا في النص الأدبي بخلاف كتاب الله ؟
        شكرا لك أستاذتنا على هذه الإضاءات اللغوية والبلاغية
        إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ، فـَأقـْرَبُ الشيءِ مِنـَّا غـَارَةُ اللهِ
        يا غـَارَةَ اللهِ جـِدّي السـَّيـْرَ مُسْرِعَة في حَلِّ عُـقـْدَتـِنـَا يَا غـَارَةَ اللهِ
        عَدَتِ العَادونَ وَجَارُوا، وَرَجَوْنـَا اللهَ مُجـيراً
        وَكـَفـَى باللهِ وَلـِيـَّا، وَكـَفـَى باللهِ نـَصِيراً.
        وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيلُ, وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

        تعليق

        • أ.د/خديجة إيكر
          أستاذة جامعية
          • 24-01-2012
          • 275

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة نجلاء نصير مشاهدة المشاركة
          بارك الله فيك أستاذتي القديرة
          وزادك علما ورفع قدرك
          بوركت أيتها الكريمة نجلاء نصير

          شكرا جزيلا لك على الاطلاع

          تعليق

          • أ.د/خديجة إيكر
            أستاذة جامعية
            • 24-01-2012
            • 275

            #6
            أستاذ محمد أبو الفتوح لك مني أرق تحية

            الشكر موصول لك على إضافاتك الطيبة

            تعليق

            • أ.د/خديجة إيكر
              أستاذة جامعية
              • 24-01-2012
              • 275

              #7
              الأستاذ محمد شعبان الموجي

              شكرا لك على مرورك البهي ،

              و رداً على ما أثرته من نقاش أقول :
              إن الزمن في عرف الكاتب زمن نسبي نسبيةَ هذا الكاتب الذي هو إنسان . لذلك فهوكبشر يستعمل زمن الأفعال استعمالا حرفيا ، فإما أن يكتب بصيغة الماضي عن ماضٍ مرّو انتهى قبل حدث الكتابة ، و إما أن يكتب بصيغة المضارع عن حاضر واقعٍ الآن ، وإما أن يكتب عن مستقبل . و إلا فلا عبرة بتقسيم النحاة و الصرفيين للزمن الفعلي إلى ماضٍ و مضارع و أمر .
              أما الفعل فأبديٌ إذا أُسند إلى الله عز و جل ـــــ و إن كانت صيغتُه ماضيةً ــــ حيث يصبح متّصِفا بصفته و هي الإطلاق , فالأفعال ـــ إنْ صحّ أن نسميها كذلك ــــ في حكم الله تعالى أبدية دالة على جميع الأزمنة في آن واحد ، لأنها أفعال الله جل و علا الذي ليست له و لا لأفعاله بداية و لا نهاية . ويُستثنى من ذلك الجانب القصصي من القرآن فهو يحكي عن أمم وُجدت في حقبة معينة ،لذلك فالأفعال في القصص القرآني استعملتْ بدلالتها الحقيقية العادية .
              أما ما عداذلك فالفعل في القرآن يدل على الإطلاق و الاستمرارية ما استمرتْ قراءتنا له ، فأوامرُه متجددة مع الأجيال ودالّة على الأزمنة الثلاث و هذا ما يُثبتُ صلاحيته لكل زمان و مكان .

              تعليق

              يعمل...
              X