الفعل هو ما تضمن حدثا مقترنا بزمن معين . فالأفعال تنقسم بانقسام الزمن، و لكل فعل حدٌّ زمني ثابت بحيث لا يتحدد الفعل إلا بتعيين زمن وقوعه.
ويعتبر الفعل الماضي لبنة أساسية من لبنات اللغة العربية عامة والقرآن خاصة ، والماضي كذلك هو الزمن الأصلي للفعل في اللغة العربية بينما الأزمنة الأخرى ، كالمضارع والمستقبل والأمر، متفرعة عنه.غير أن القرآن القرآن الكريم قد تعالى عن الإسناد الوضعي للأزمنة الفعلية كما نعرفها : فالفعل القرآني معجز، حيث يجمع بين مناسبته للسياق والمقام ، و بين أدائه للمعنى وتحقيقه لمقصد الخطاب القرآني .
وبتتبعنا للفعل الماضي في القرآن الكريم ، يتبين لنا أن الزمن ــ في الكثير من الأحيان ــ قد يكون مُلغىً تماما من الفعل الماضي ، إذ يصبح الماضي دالاًّ على الدوام و الأبدية .
و معنى هذا أن الفعل الذي يسميه النحاة ماضياً يخرج - في القرآن الكريم - عن دلالته الحرفية التي عُرِف بها إلى دلالة أكبر، وهي الإطلاق والأبدية حيث تنتفي فيه الزمنية ، ليصبح فعلا معجزا أبديا ومستقبليا دالا على الزمن المطلق .و لو حاولنا الاستدلال على ذلك لوجدنا الكثير من الآيات القرآنية التي تتجلى فيها هذه الظاهرة بوضوح ، و سنكتفي بالتمثيل لها ببعض الآيات :
* قال سبحانه : (خلق الإنســــــان علّمه البيــــــان ) الرحمن / 2 ــ 3 ، وقال عز و جل كذلك : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا ) الإسراء / 23 ، فمَنْ مِنّا حين يتلو هاتين الآيتين يفهم منهما غير الإطلاق و الأبدية ، فالله تبارك و تعالى خالق الإنسان و بارؤه منذ الأزل ، و هو أيضا الذي قضى و يقضي و سيقضي إلى الأبد بألا يُعبَد سواه و بأن يُحْسَن للوالدين .
* وقال جل جلاله : ( وكان الله عفوا غفورا ) النساء / 99 . إنَّ (كان) في هذه الآية فعل ماض من حيث الصيغة، ولكن دلالته على الزمان تفيد الأبدية ، ذلك أن الله سبحانه متعالٍ عن الزمان والمكان، وصفاته سبحانه كذلك غير محدودة في الزمان والمكان ، بل هي أزلية لا بداية لها و لا نهاية ، وهي ملازمة له جل و علا . و من هذه الصفات صفتا العفو والمغفرة المذكورتان في الآية الدالتان على كمال ألوهيته وعظمته .
* و يقول عز و جل : ( أخرج منها ماءها و مرعاها ) النازعات / 31 ، و يقول تعالى أيضا : (وسع كرسيه السماوات و الأرض ) البقرة / 255 ، ويقــول : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا ) الإنسان / 3 ، حيث نلاحظ أن الأفعال التي اشتملت عليها الآيات – إن صح أن نسميها أفعالاً و هي من الخالق تبارك و تعالى - وهي إخراج الماء والمرعى ، وسَعَة الكرسي ، وهداية البشر، كلها أفعال مطلقة. فهي منسوبة إلى الله جل جلاله المتعالي عن الزمن، فلا يمكن أن تدل على زمن معين وإن كانت في ظاهرها دالة على الماضي.
و بالإضافة إلى ما ذُكِر من أفعال صادرة عنه سبحانه هناك أفعال ماضية في القرآن الكريم خرجت كذلك عن معناها النحوي وألغيت فيها الظاهرة الزمنية ، دون أن تكون منسوبة إليه تبارك و تعالى :
* قال عز و جل : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) النساء / 102 ، فشعيرة الصلاة باعتبارها ركنا من أركان الإسلام وعمادَ الدين، كانت ولم تزل وستظل فريضة موقوتة، لا يمكن تعطيلها في المجتمع الإسلامي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
* وقال سبحانه : (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا و اعتصموا بالله و أخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين ) النساء / 145- 146 حيث وردت فيه أفعال تُشرَط على المنافقين في أي زمن كان ماضيا أوحاضرا أو مستقبلا ، ألا وهي التوبة والإصلاح والاعتصام بحبل الله لكي يُصنَّفوا ضمن المؤمنين .
*و قال جل و علا أيضا : ( قد أفلح المؤمنون ) المؤمنون / 1 . حيث نلاحظ أن فعل (أفلح) غير مقترن بزمن رغم إسناده للماضي لأن فلاح المؤمنين كان وسيكون دائما طالما تحقَّقَ فيهم شرط الإيمان وما يستتبعه من صفاتٍ وأعمالٍ مرتبطة به ، والتي عدَّدَتْها السورة القرآنية .
تعليق