من ذاكرة ربيع عقب الباب ( قرن غزال )

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    من ذاكرة ربيع عقب الباب ( قرن غزال )

    scan0005.jpg
    sigpic
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    الكتاب : قرن غزال
    الكاتب : ربيع عقب الباب
    الناشر : دار الإسلام للطباعة و التوزيع
    الطبعة : الأولى في يناير 2009
    لوحة الغلاف : لبيكاسو
    رقم الإيداع : 24031 / 2009
    الترقيم الدولي : 5 – 531 – 374 – 977 - 978




    إهداء
    إلى هذا الذى يشبهنى
    .........
    ...........
    هلا قبضت ملامح ما تفلت منك
    فى الضربة القادمة ؟
    لم يعد سوى أن تريد
    لا الطود .. و لا الوقت
    لاتجنيها .. لا بعد الطريق
    بصامد لروعك
    حين تشهق بها لمرة أخيرة :
    أنت لى .. و هذا دمى !!





    حتى الموت
    خطوات قليلة تفصل الميدان عن قسم الشرطة ،
    مكنت السيد ضابط المباحث من مراقبة مايتم،
    و هو على درج المبنى ، و بيده فنجان قهوته
    المسائية ، وبين أصابع اليدالأخرى سيجارته !
    كان فى قمة الرضي عن نفسه ، وهو يشهد
    الاثنين يتناحران ، وقد تحكم كل منهما فى
    سيف غليظ ، بينما صرخات النسوة تملأ أذنيه .
    لم يعكرمزاجه سوى أحد مخبريه : سيدي
    يجب أن نتدخل ، ونوقف هذا الموت ! ".
    قهقه بكياسة قاتل جسور :" لا .. لا يجب أن نتدخل ،
    و لن نسمح لأحد بالتدخل ، أريدهما صرعى الآن ..
    هيا .. راقب و أنت مستمتع .. لا تكن حمارا ".
    دهش المخبر الغشيم، وعاد يهتف :" سيدي ألا تر
    جميع من بالمقهى .. انظر سيدي .. كلهم يصور
    العراك ، و لابد أن موبايلاتهم سوف تجمع مشهد
    الميدان وقسم الشرطة و حضرتكم ".
    اهتزت رأسه ، نفضها ، كأنه بالفعل تلقى ضربة
    على صدغه ؛ فوقع فنجان القهوة . تحرك قائلا :"
    بسرعة كردون حول كل من بالميدان .. هيا ".
    قفز كلاعب متمكن ، فى الوقت الذي كانت رأسا المتعاركين ،
    يتحولان إلى قطع متناثرة ،ويختلطان تماما ، فلا تكاد تعرف لمن هذه ،القطعة ، ويرسمان على الوجوه لوحات حمراء لفنان بارع !




    سرو النهار
    من بعيد حك المسافر قضبانه ،
    فتآوهت شررا ، وخيوط نار..
    وصرخات وهج و انتشاء ..
    فذوبها الحنين ،
    وأسرع بمد الجسد بحرارة ..
    العناق النارى .
    وكان جوال يتدحرج على الجسر ،
    ما أن شم رائحة الأنفاس ، تهيج
    وانسعر بدنه ،
    فصرخ،
    و أمعن فى الفرار .. و لكن أين المفر ؟!

    صادف هذا عبور "زوبعة الليل "
    العائد من البوظة ،
    برأس يترنح ،
    فأستوقفه صراخ يأتي من الجسر،
    انشده أول الأمر ،
    وحط كقتيل ، ينصت لحديث المعدن ،
    فضحك و هلل ،
    ثم استسخف ما يفعل بين حد السكر وحد اليقظة !

    لكن الصرخات تعاود الظهور،
    توقف ،و نظر بعين شاردة ،
    سرعان ما أبصر الجوال ،
    فعرج إليه ، يتخبط بقدمين ثقيلتين .
    حط فوقه ،
    تحسسه ..
    كان يتلوى كحيات حبيسة ..
    ارتعب زوبعة ،وطار بعيدا ؛
    و حين أتاه صوت آدمي ،
    تقدمت يداه ،
    و فكتا عنق الجوال !

    بص شردة الآهات ،
    ثم زحف على كفيه كأفعى ،
    لم يتوقف ، وهو يلتفت يمنة و يسرة كنسناس ،
    وعند سور السكة استراح ،
    بكى بهستيرى !!

    حين أبصره زوبعة تجمد ،
    فقد السمع و النطق ، و الفهم أيضا ..
    كان مشدوها ، لا من سكر، و لكن ربما هو يدرى ؛
    حتى أنه لم يأخذ حذره من هذا المتشظى ،
    بوجده عنيف التواقيع ،
    الذى التهمه ،
    و عبر ناثرا زوبعة على امتداد السكة ..
    غبارا ودما و لحما ،
    اختلط بهذا الجسد المتكور ،
    المذعور لشردة الآهات !

    زلزله الرعب ، وفز واقفا ،
    وهو يلهث و يصرخ ،
    ثم حط ثانية ،
    بينما خيوط من نارتنهش حدقتيه ،
    و حينما عانق المسافر سكته ،
    وولج رحمها ،
    لم يعثر لشردة الآهات على أثر !!

    فى الليل ..
    كانت نقرات خفيفة ،
    على شيش شباك سروالنهار .
    انتبهت ،
    انتظرت سماع النقرات مرة أخرى :
    هى نفس نقراته ،
    حين يتخلف فى الخارج ،
    أو حين عودته من عمله الليلي !

    :
    غير معقول .. أيكون هو .. بعد هذا العمر .
    عشر سنين مرت .. و هى لا تدرى عنه شيئا .
    عشر سنين ذاقت فيها ويل الويل ،
    و هي تسمع كل يوم حكايات ..
    و ألغازا عنه .
    عشر سنين .. و كم كان الأولاد فى حاجة إليه !!
    أنكرت ما وصلها ،
    التفت بلحافها ،
    ودموع حارة تنحت قلبها !

    عادت النقرات بإلحاح ..
    ورجاء .
    فهتفت : إن كنت شيطانا فارحل بأمر الله ،
    و إن كنت آبقا فاستحِ من ربك ،
    وإن كنت هو فواصل الغناء ".

    وغنى !!

    سرو النهار لا تنحني لريح ..
    و هاهي تنحني ،
    وتلمه بين ضلوعها ،
    وتهلكه عشقا !
    لم ينطق سوى اسمها ،
    لم يقتل هذا الموت ..
    السابح في دمها ..
    منذ قالوا :" رأيناه فى بلد الرجوات ،
    ورأينا زوجه أميرة مسحورة " .
    كان يبكى .. و يغور فيها .
    و كانت تبكى ، تشحنه بها .
    فك صمته ، فتأتأ .. ما استقام عوج .
    جاءت صرخة من الخارج
    : أمي .. أخي زوبعة الليل .. لم يأت !
    لسعها ذعر : ليست عادته ،
    ربما طالته يد الشرطي .. يا ويل ويلي !
    حدق فى بكائها ،
    فبكى .
    قالت : لم أقدر عليهم .. صفاء العمر -
    بكريك - وجدناه قتيلا أمام الدار ،
    وزوبعة الصغير قتله طلب الثأر ،
    ومات حيا فى البوظ و الغرز !
    وهذه سوسنة الربيع أنهكها السفر ،
    وطول الرحيل ، وانتظار مالا يأتي !
    همهم ، تمتم .. ضج به الصمت .
    فناطح الجدران ،
    وصرخ





    دع البئر راكدة !
    لم تجرني صوب هذا الجرف .. ؟! لا .. لا أريد الخوض في محنة كهذه ، أما قلت لك سابقا ، ودائما .. مازلت تلح ، تتحرك ، و تكاد تقصم ظهري ، كلما شاهدت ما تشابه .. أرجوك ، دعنا بعيدا ؛ فالبئر ملأى بالكثير .. آه .. لا تريد التراجع ، لم صاحبي .. لم ؟!
    لا سيدي و صديقي ، ما كنت يوسف ، ما كنت ، كنت أحمل عمرا فوق عمر .. أما يوسف ( عليه السلام ) فكان صبيا حدثا ، لم يقدم إساءة أو مكرمة .. آه .. و قدمت أنا ، قدمت على قدر ما تعبث بي عاطفتي المجنحة .. غريب أمري .. نعم .. و لكن ليس ذنبي ، ليس أنا ، و ربما أنا بكل خلجاتي المتعسرة أو ...!
    نعم أتوا أباهم عشاء يبكون ، و لكن قبل .. قبل سيدي و صديقي ، فهاله أمرهم ، كانوا رجالا و نساء ، على نفس رجل واحد :" لا يا أبى .. سوف يستولى علينا ، لا توافق ".
    رفع شاله ، و مسح وجهه ، وهو في عجب من أمرهم ، خاض في بحره : هذا أخوكم ، كبيركم ، ما أباح من سيركم إلا خيرا ، و رفقا ، ومجابهة لي .. فكيف الآن تخشون شوكته ، هو الطيب ، لا يمتلك سوى راتبه . كبر أولاده ، و سعوا هنا وهناك ، لكن حظهم ما كان أفضل من حظه . لم تخشونه ، وأنتم عيناه .. لم ؟!
    يستدرك ، وهو يفتش دواخلهم : بل سولت لكم أنفسكم أمرا ؛ فصبر جميل ....!".
    فاضت عينه ، و تكتم شهقته ، ترك لهم المكان شاغرا دون رد ، كيف له صمود أمام فلذته ، أول من رأت العين ، و قبلت الشفاه ، وبه نودى وعرف بين الناس ، من شاركه مشوارا رهيبا ، وعافر معه موج فقره و بؤسه :" متى كان بخلي عليه ، بل كيف أمنع عنه ما هو بعض حق .. ؟!".
    هتف الكبير مناديا جدته الأثيرة :" أين أنت ، أنا في حاجتك ، دبرينى .. هل هؤلاء أولادي ، نبتوا من بذرتي ، و في طينتى شبوا.. ردى على ؟!".
    هرع صوب الزوج ، جذبها بقوة ، و هى تتهالك تحت وطأة المرض ، تكاد تسقط :" كيف دفعتهم إلى هذا .. قولي .. ما أمرهم اليوم ، لم يصرون على ذبح الولد ، من وسوس لهم بهذا .. من ؟!".
    تعثر لسان الزوج ، عام في وحل الأصوات :" هم على حق ؛ ليبتعد ، كلهم له الولد ، و ليس لأحد فضل على أخيه ، كلهم واحد .. واحد ".
    صرخ غيظا ، كاد يفتك بها :" إذن أنت من فعل .. أنت .. كيف أصدق ، أولادهم مازالوا صغارا .. صغارا ، و لا ندرى ما تأتى به الأيام !! ".
    عاد صوتها شبه باك :" ما قلت شيئا ، كانوا يجمعون أمرهم ، و كنت شاهدة فقط ".
    هتف بقسوة :" و لم سمحت لهم ..لم .. كان الأولى بسمعك ذهابا إلى غير رجعة ؟".
    برهبة و قلة حيلة :" هم أولادك ، و المال مالك ، و أنت حر .. أبعدني عن هذا ".
    ابتعدت زحفا ، و هو يتهالك جالسا ، لا سبيل له أمام ريحهم ، أحس بالعجز ، كانوا يلوحون بالغريب الذى سوف يكون ، أما ولده ، كبيرهم ، فربما أخل بما قاله ، أثقل عليه ، وبالتالي ضيق علي أبيه !
    التفوا حول القادم ، ومكنوه من البيت ، على عيني ، و أنا بأنبوبة الغاز أقف أعلى السلم ، و بالكف الأخرى شرارة نار ، و قد قررت ألا يدخله حتى الكبير لو أراد ، و ليس الغريب ، لكنني بمجرد رؤية ولدى الأكبر أمامي ، انهار تماسكي ، و ذهبت قوتي أدراج الريح !
    كان الغضب في عيني ولدى شلالا من نقمة حبيسة ، لن أسمح لها بالعبور ، سوف أدمر كل شيء ، لأجل ماذا .. لا لشيء ، لمكان قد أجده عند غريب أنا الآخر ، و لكن من أين ، و قوانين السادة زلزلت الدنيا تحت الأقدام ، ووجب أن يلم الولد ، يكون له البيت و الأسرة الخاصة ، و إلا أفلت زمامه ، و ضاع منى .
    جرعت بحر ماء ، لتثقل حركتي ، تهبط أوردتي من التخمة ، و أضيق شرايين الغضب ، و بالفعل كنت أفترش الأرض ، بينما الكبير يقبل ، يصعد بأنفاس واهنة ، ثم يهجم على ، و يلفني بذراعيه باكيا :" حقك عندي .. حقك عندي .. دعها تمر .. دعها ، وأعدك ببناء شقة له .. أعدك ".
    :" لو أملك ما مددت لك يدا .. أنت تعرف ، وهم يعرفون .. قل لى ، أنر طريقي ، الأولاد يضيعون منى ، من أولى بى .. تكلم يا أبى .. تكلم .. كنا معا لا نملك ثمنا لبلاطة أو قالب طوب ، و ما رأوا ، ما أحسوا بنا ، أتوا فى اليسر ، أتوا مرفهين ، لا يحسون بأحد ، ينتظرون إرثا وعفنا.. إرثا وعفنا ".
    ما تمالكت نفسي ، بكيت ، ليس على المكان ، ولكن على أخوة يوسف، إخوتي وجعي ، بنين و بنات ، افتئاتهم ، اجتماع كلمتهم .. أمامي أنا ،أنا ..يالضيعتى ، يالضعيتى ،لا أصدق ، هل أنا أنا فعلا أخو هؤلاء ؟!
    أرأيت إليما وصلنا صديقي و صاحبي ، أما قلت لك لا ، إلا هنا ، نعم جاءوا بوجوه صفراء يعتليها المكر ، وكل يزيح الأمر على الآخر ، كل يتهم الغائب ، دون محاسبة ، أو طلب تبرئة ، و أنا غير مصدق ، أحس أنى غير ، غريب ، كم كنت صديقا لهم ، أحبهم كما لم أحب نفسي وولدي ، أسبغ عليهم حبا و حنانا و سعة .. !
    كانت السبع العجاف ، و كنت هنا مازلت أمد يدا ، و نهرا للجميع ، و أقيم بعض ما انكسر منها ليسمن و يقوى !
    الكبير ينهار ، وأنا أرفعه ، أقبل يده ، بل قدمه :" لا أبى .. لا .. أرجوك ، أنت أعز و أكرم ".
    وظللت بعيدا ، غريبا ، تأكل حسرة ما جنبي ، تبلغ بي حدود أسئلة ، لا تجد منطقا ليجيب إلحاحها ، لكنني أغالبها دوما ، وألقى بها بئري ، الذي دائما أبدا ما أطهره ، لكنهم أبدا ، كانوا بعيدين ، و إن درت رحاهم ، و نمت على البكاء عليهم ولهم ، كان دمى يهرب منى ، و يخذلني لتمزق كنت أسمع له صوتا في شراييني !




    رخاء .. رخاء ..!
    دارت شائعات : " رخاء في بيادر الحكومة ".
    راحت كل حارة توقظ جارتها ، كل عطفة تومىء لصاحبتها ، كل حي يهز بدن الحي الراقد : الرخاء أتى ، هيا نأتي بنصيبنا منه ".
    تراكض الجميع زاحفين صوب المطحن الكبير ، أفواجا وأمما ، حتى ضاق بهم المبنى الضخم ، بل ضاقت بهم الشوارع القريبة منه !
    كل الحارات و العطف و الأحياء عادت فرحة ، تطير في بهجة ، ما تذوقت منذ عهد بعيد طعمة لها ، و لامست مذاقها !
    زاد الأمر إلى حد رفع تسعيرة جوال الدقيق ؛ للحد من تكاثر الأحياء وسعيها !
    الذي لم يبتلعه أي حي أو عطفة أو حارة ، أنه مع أول ظهور شرارة نار لفرن خبيز ، كانت الصرخات تتعالى ، تتجاوز كل الأحياء ، بل أنها امتدت فعمت المدينة كلها ، مما حدا بالشيخ عبودة مؤذن المسجد الكبير إلى عصيان غريب ، و راح يدور هنا وهناك ، متناسيا واجبه ، وهو يطوح رأسه ، بين رقص وإشارات فاحشة ، بينما عيناه تذرفان دموعا عجيبة :" حتى الحكومة مايلة .. حتى الحكومة مايلة .. واحنا جتتنا نايمة .. لأ و الدقيق بالقيمة .. عجنوه و ضحكوا علينا .. وادونا نخالة عايمة .. باين عليها صيني .. مش مكتوبة في القايمة !!".
    وظل لأيام يدور ، ثم تخلص من قفطانه ، واختفى ، و لا أحد يعرف سر اختفائه ، وإن قال أحدهم ، أنه شاهده على بحر الملاح ، يشكل من الطين أشياء عجيبة .بينما قال ثان : أنه أبصره في أضخم شوارع القاهرة ،و أكثرها ازدحاما ، و قد تعرى جسده تماما. بينما قالت " نجية " جارته ، أنها أبصرت سيارة تحمله ليلا و تختفي به .. فجأة ..مجموعات من الأطفال كانت تتشكل بين الحارات ، و تقلده في غنائه و حركاته الفاحشة ، بل و تقوم بلطم أبواب الدور بالحجارة !



    وضيع ابن خائن
    سوف أحكى لكم ، عنه سأحكى .. اسمه ؟! و هل يهم أن يكون له اسم من عدمه ؟!.. بسيطة .. اسمه على ما أتذكر ..علىما أتذكر ! يالي من مخرف ، وهل ينسى مثله ؟! لكنه اسم عجيب ، له وقع سيء ، على كل حال ، لا تبعدوا أي وازع ، أي ظن ، ينتابكم بخصوص ذكرى لاسمه .. هو وضيع ابن خائن ، وليس هذا من تأليفي ، بغرض الحط من شأنه ، بل هو واضعه ، على عينه كان ؛ لإعطاء صبغة مغايرة لذاته القرمزية ، فهو صاحب مواهب عديدة ، وهى في مجملها لا تعنيه ، إلا في حال قنصه لسوسنة .. أو فراشة هائمة ، لا يهم إن كان لها رفيق أم لا ، وهو من مرتادي مقهى الحول ، الذين يتسمون بطول النظر ، و التأمل الدقيق ؛ فهو يجيد الـتأمل بكافة أشكاله ، وفى وقت واحد ، يستطيع أن يبهرك بتأملاته الميتاحلزونية ، و السايكومسكوفية رهيبة الوقع ، وهو على ما أعرف صاحب نظرية عن النحلة والعسل ، و الفراشات و الضوء ، و الفأر وقطعة الجبن ، والحية وإبليس ، وإذا قدر لكم الإطلاع عليها سوف تحفظون لي هذه .. أي و الله !
    دعوني أحكى لكم ، كيف تم اللقاء بيننا ، و علام أسفر ، و لكن قبل كل شيء ، عليكم أن تعلموا عنى طيبة القلب ، و إن كنت هنا لست طيبا بالمرة ، وهذا ليس جديدا على كل حال ؛ وهكذا الكتاب أو المدعون من أمثالي !
    كان ذلك ، حين مررت على المقهى ، و زوجتي الصغيرة تتأبط ذراعي ، فإذا به يخرج عن تأمله و تحنطه ، و يقف مرتاعا ، بصدر يلهث ، كثور شم رائحة أنثاه ، ثم أطلق للهواء صرخة ، دوت في أنحاء الحي .. زوجتي الحسناء توقفت مندهشة ، هزها الموقف العجيب .. نسيت أن أقول لكم إنها تصغرني بعشرين أو ثلاثين سنة ، لا .. قولوا خمسين عقدا ، ربما أكثر، بل أنا أنا من يصغرها بهذه العقود ، وبرغم أن الأمر يبدو عجيبا ، إلا أن في بلد مثل بلدتنا لم يعد شيء عجيب بالمرة ؛ فعبده الزبال تزوج من عجوز أمريكية ، و محسن العجلاتى أتى من ايطاليا بزوجة كانت أستاذة في جامعة ، وعنتر الفلاتى خطفته صينية شابة ، وعم مسعد حارس المقابر تزوج من بكر بعد السبعين ، وأنجب قمرا ، و هناك الكثير من النماذج لو أردتم ، و لا أدرى سببا لهذا إلا أن مدينتي تنجب قلوبا قادرة على العطاء أينا كانت .. آه ، لا تتعجبوا أرجوكم ، و لا تسألوني كيف تم زواجي بها - أنا الغلبان - صاحب القلم الرزيل ، الذي يخوض في كل شيء ، حتى لو كان أنا ، لا تهمه مسألة الوجاهة و الأناقة ، بقدر ما تهمه التعرية ، وكشف حجم الزيف في حياتنا ، و لم أسلم أنا شخصيا من هذا القلم المتشرد !
    تمتم المدعو وضيع بن خائن ببضع كلمات ، ثم سكت تماما ، وظل واقفا يلهث ؛ فملصت زوجتي ذراعي ، تحركت مشدوهة ، و سعت تدنو منه . أوقفتها ، وقد أطبق أعلى جبهتي على أسفلها راسما غضبا جامحا :" مالنا به ؟! ".
    :" انتظر .. يبدو جميلا .. ألم تسمع ما قاله ؟!
    :" سيدتي .. سمعت ، و رأيت ريالته على وجه وسرواله .. هيا ".
    :" لا .. لا تظلمه .. هو .. انتظر .. ما يفعل هو ؟! ".
    كان يلف جسمه كأن مسا كهربيا أصابه ، ثم يحط على ركبتيه ، و يقهقه ، فجأة يبكى ، وصدره كبالون ضخم ، يرفعه عاليا ، و يعود يسلمه للأرض .. يا ربى .. دموعه لا لون لها ، وإذا بحر يحيط به تعوم فيه أسماك ملونة !
    و أنا أجذب سيدتي ، وهي مصرة متشبثة بالأرض ، بل وملاحقة حركاته وسكناته .. كان شيء ما يدفعها دفعا ، ربما استلطاف ، ربما تنطع أو فضول ، فها هي تبادله الحديث .
    :" لكنه زوجي !".
    :" هو حمار لا يعرف ، مدعِ ، و من لا يعرف أمور نفسه، لن يفهم أحدا ، فضك منه ، أنا هنا ياجميلة ، خير من يقدر و يثمن الجمال !!".
    ابتسمت زوجتي بخبث ، و تكتمت ضحكة ، ثم أسرعت بالابتعاد ، بلها جرتني ، و هي مفعمة ، أنا في حيرة ، نعم في حيرة . تصوروا ، أنا حمار ؟! و أكيد كانت تتفهم ما يدور داخلي ؛ فهي ذكية جدا .. أعلم هذا ، و إلا ما أحببتها ، مذ كانت طبيبتي المتابعة لي في القصر العيني ، الوحيدة التي استطاعت سيطرة على ، وأنا أرى العالم محض أصوات ، و أنياب ، و خنافس ، من صناعة أمريكية !
    حين وصلنا مسكننا أطلقت ضحكة ، ضحكة ملأى بسعادة ما تصورتها ، و أنا أتميز غيظا !!
    الشيء الذي أثار جنوني ، أنى بمحض الصدفة .أبصرته يقف أسفل بلكون مسكني ، وهو يئن بشكل مقزز ، يخمش في بلاط الأرض ، فوقر في صدري حزن عجيب ، نال منى ، وعلت توجسات رهيبة ، كان أهمها ، أنه آخر صيحة في جهاز السى - أي - إيه .. فحملت عصا ، كنت أحتفظ بها ، و أسرعت مستطيرا ، بينما زوجتي في حجرتها . كان غل يتحرك في أحشائي ، حتى وقفت أمامه .. حدق في وجهي ببلادة ، ثم وقف كلوح من ثلح ، و بإصبع طبشور ، و على الحائط ، كان يفكر : واحد زائد خمسة .. الله في كل وجود .. خربش القطة تعضك .. الكتكوت أم الدجاجة .. موسولينى أم ستالونى !!
    لا أخفيكم أمرا ، إذا قلت تبالهت أمامه ، لا بد أنه مفكر ، ومن طراز فريد . فجأة دندن بلسانه ، حزم وسطه ، رقص ، وتغنى بأغنية فاجرة ، كنت بمحض الصدفة سمعتها ، في فيلم ( بورنو ) أيام المعيلة ، علا صدره ، تمددت مؤخرته بشكل رهيب ، و التم الخلق من هنا وهناك ، نال تشجيعا لم يره عبد الحليم حافظ في حياته ، و لا فوزي الحاوي في مدينتي.أصابتني فجاجته ، فانصرفت عنه ، الغريب ، أنى اصطدمت بزوجتي على باب المسكن ، وهى تكاد تقضى ضحكا ، فحملتها ، وطرت عاليا داخل مسكني ، و تهت في حنانها !
    ما العمل ، وقد ضيق على ، و كاد يهاجمني ، وفى مسكني ، ما الذي يدور في رأسه ، و لم أنا ، لم أنا ؟ بالطبع ليس أنا ، إنما زوجتي . نسيت أن أقول أيضا أنها كانت رقيقة للغاية ، تكاد رقتها تسيل ، لكن الجانب الخفي ، أنا أدركه ، أعيه تماما ، و لا أقربه مخافة منها .. أي و الله ؛ فحين يظهر جليا ، أكاد أبصم أنا لن نستمر أبدا ، و أننا راحلون ، أنا إلى جهنم ، و هي إلى دنيا ربما تكون أكثر سعادة ، لكنها والحق لساني ، تحبني أكثر مما أحبها، و تحب هواجسي ؛ و لو تمكنت منى ، نعم تحبني ، أليس دليلا على حبها اختيارها لي ، نسيانها لعقدين أو مائة بيننا ، مجيئها إلى ، مخلِّفة أهلها ، هي الغالية ، وهى ربما تعلم أن المرض قد يعاودني ، في أى وقت شاء !
    كانت ليلة ليلاء ، ملونة بكل ألوان الفصول السبعة ، و ليس الأربعة ، وكانت ربتي في أوج متعتها ، حين علا صوته الذى لا أتوه عن نبراته ، كان ينادى ، يصرخ ، و يتغنى بنفس الأغنية ، فأفزع نومي الذى فر هاربا أمام جبروته . تربعت على السرير ، وهى تميل على قلبي . ما أطعم ثغرها ، و نعاسها ، ما أجملها !!
    :" مالك حبيبي .. هيا .. نم !".
    :" ألا تسمعي ؟ ".
    :" لا تشغل بالك .. دعه .. مالنا وهذا المخبول ".
    :" زاد عن حده ، ولا بد من ردعه ".
    أصررت على إزاحته ، مطاردته ، وكل ما فعلت ، تعمدت أن يعلو صوتي ، وهي بين ضلوعي ، حين مررنا به في نفس الموضع :" ما يريد الكلب منا،هل ممكن ،قولي لي ،هل ممكن ؟!".
    : " و الله و لا كل تعساء العالم .. أنسيت .. أنت أنا ! ".
    اختفى وضيع ، و لشهور لم أعد أراه ، لكن هاجسه ظل ملازمي ، بينما حلمنا الرائع يكبر بين أحشائها ، يتلاعب بسكون دواخلها ، و يدبدب ، و هى مفعمة ، تسوخ روحها ، فتزداد جمالا ، وتزداد رقة وحنانا ، بالروعتها ، وجمالها .. أين كنتَ ، لم لم نبدأ الطريق معا ..؟!!
    لم تأخرتُ عنك ، كان يجب أن ..... !
    : من قال أنى تأخرتُ ، أنت معي من ألف عام ، منذ النشأة الأولى ، حلمي و موطني ، دارى و غيطي ومحرابي !! ".
    و في غمرة هذه المشاعر نسيت أمر وضيع ، بل تناسيت العالم ، حتى عدنا ذات ليلة ، مررنا بذات المقهى ، يا ويلي منه هذا المقهى التعس ، سبب تعاستي و نقمتي ، جهنم التي أعيشها الآن ، ماتت كل النساء ، اختفين تماما ، وما كان في الكون سواها - حبيبتي - توقفت المقهى على قدم ، و بدل وضيع واحد أصبح ثلة كاملة ، كانت ليلة غير ممكنة، فقد بدأت شقاوتي ، و نقاري معها ، و هي في أشهر دقيقة ، لابد من راحة بال ، حتى لا يأتي مولودنا شائها ، أو مزاجي النزعة ، الحلم الذي نشتهى ، من سوف أذهب به معها إلى هناك ، إلى أهلها ؛ لتعود المياه لمجاريها بعد انقطاع .
    كانت بلكون مسكني شاهدا على مأساتي ، هذا وضيع يترأس لمة الهوس ، يالهوسى ، وجنوني يا محلة المصائب ، أصبحت حياتنا جحيما لا يطاق ، كلمات وضيع تطن ، وتعلو ، تصنع شقوقا ونتوءات ، حتى لم تعد ترى فيّ شيئا جميلا .ماذا أفعل بنفسي ، بيدي أفعل و بمساعدة أولاد الكلب ، أوهامي و هواجسي أسقطت مسمى النوم من قاموس ليلى ، أسقطت اللفظة تماما ، غدوت شبحا ، يتحرك في فضاء السديم ، و هي من مناهدة ، إلى بكاء .
    ساد صمت رهيب بيننا ، صمت مميت للغاية ، و في ذات مساء ، عدت من عملي ، لأجدها تصرخ ، وبشكل مرعب ، هزمني بكاؤها ، فأسرعت باستدعاء سيارة إسعاف ، نقلتها إلى المشفى ، و هناك ، أجهض الحلم الجميل ، طارت كل أبراج المنى ، انهار كل شيء . جن جنوني ، لم أعد أرى أمامي ، اندفعت إلى هناك ، مقهى الحول . كان هناك ، حوله شرذمة الوهم المميت ، هاجمته ، شتمته ، سببته . ما تحرك ؛ لكنه بعد وقت من اعتصاري ، كان يترقص ، يعيد رسم حساباته البلهاء على حائط ، بله سبني أيضا ، ببعض الإشارات الفاضحة ، التي لا يفهمها سوى رواد المقهى !
    حين كنت أعد نفسي ، لرحيلها عن المشفى ، أنهى حالة شتاتي ، و رأسي تدور في كيفية صياغة جديد ة لقصتنا ، لم أجدها ، لم أعثر لها على أثر . همت في كل طريق ، صرخت في الوجوه الرخامية ، في العيون التي لا ترى ، في تل الغوايات : أين أنت ، يا من كنت أنا .. أين ؟!
    مازلت إلى اليوم أبحث ، أغرقت كل مسافات المدينة دموعي ، طاردت هواجسي ، رجمتها بحجارة وجعي ، و أثلام شقوتي ، غاضبت العالم ، الدنيا ، و ظلت صورة وضيع قائمة ، بكل فسادها ، و بهلوانيتها ، الآن أفكر جادا في تصفيته .. نعم .. رصاصة تنهى الأمر ، ولكن ما بال كل الفريق ، و لم ؟!





    امرأتان
    تنبش الأثر خلف قدميه ،
    تحوطه بكفها ، ثم تودعه صدرها ،
    بعد تمتمة ، وبعض هلوسة ندية .
    عيناها تبحران فى بسمة نحو القمر !!
    بينما كانت الأخرى ،
    تدهس الأثر ، ثم تلقطه بأنفة ،
    تمشط ما يحمل بإصبع ملون ،
    ثم تصرع ورقة بطاولة ،
    تنشط هواجسها ، فيتلاشى الأثر،
    على إثر حمى تفتك ببياض الورقة ، تدميها حرقا !
    حين يعود متآكلا بحنينه ،
    مفعما بلذة القرب بعد غياب ،
    يهرع صوب الطاولة ،
    يهز شوق ورقتها ،
    فتتهالك ، تطير صارخة ،
    بوجه كريه ؛
    فيحط باكيا .. باكيا منسحقا ؛ بينما كانت هناك ما تزال تحتضن صدرها على ما خلف ،وعيناها تبسمان للقمر، ترجوه وصالا بالغائب الشريد !



    اعتذار
    لم يكن استبدادا منى ،حين قلت لها
    :" لن تذهبي إلى عملك اليوم ".
    فقد أدهشني أنها غدت أكثر ارتباطا بعملها هذه الأيام ،
    و بشكل لم يسبق له مثيل ،
    حتى و أنا طريح الفراش ، رهين المرض !
    ربما حامت برأسي هواجس و شكوك ما .
    اتهمت نفسي بالغفلة ،
    البعد عن أرضى وموطني ،
    لكنني حين أومأت برأسها موافقة ،
    و هى تردد بفرح عجيب ،
    وتدخل في لحمى
    :" لن أذهب اليوم .. و لا غدا .. و لا بعد غد .. أنت عندي أهم من العالم ".
    تأكدت أنى غاليت ،
    و على أن أقدم لها اعتذارا يليق بها !!



    عبقرية

    حين كشف الستار عن عمله العبقري ،
    هللت الجموع المتراصة للحظة ،
    ثم انهالت عليه بحبات الطماطم الفاسدة .. و البيض ..والحجارة ،
    تصاحبها صرخات همجية ،
    ونداءات موت !!
    فما كان منه ، ألا أن راح بفأسه يحطمه ،
    وعيناه تنزفان ..
    ثم ينسحب - فى كبرياء - صوب البحر !!




    امرأة مجنونة
    حين كنا نتخذ طريقنا صوب المزارع ، علا صوت صراخ لامرأة فوق رؤوسنا ، فتمهلنا قليلا ، و توجهت أنظارنا تلقائيا ، صوب مصدر الصوت ، فإذا بشيء طائر يحلق من الشباك ، و بنفس التلقائية ، كانت راحتا سعيد تستقبله .
    كان طفلا في لفافة ، علا بكاؤه ، فاندفع سعيد به ، مقتحما البيت ، و الغل يملأ صدره ، و نحن مشدوهون ، بعد قليل كان صوت ضربات ، و صراخ امرأة مرة أخرى : دا جوزي يا خويا .. جوزي وربى .. أبوه .. اوعى تقرب منه ".
    لم ننتظر كثيرا ، أطل سعيد من باب البيت ، لاعنا ، باصقا !!
    حين عدنا من تريضنا لذات البقعة ، فوجئنا بلمة ، و صراخ متواصل، و حديث طويل ، عن امرأة مجنونة ، ذبحت رجلها ..!!






    اغتيال
    دقت الساعة السادسة ؛
    فأظلم المكان و الزمان ،
    في قلبه المحطوم !
    بيديها و عشيقها ..
    ترطب الحبل حول عنقه ..
    ببسمة وغنجة فحت :
    لم تشعلني بما يكفى لأكون لك دهرا !
    بينما بقدمه يطيح بالكرسي :
    عشت قذرا برومانسيتي ، وضللني عطرك !!
    يرفرف جناحاه قليلا ،
    تتصلب أصابعه بالشهادة ،
    يتمدد طويلا ؛ لأول مرة في عمره المأفون !
    يرفع عنها إزارها ، ترفع عنه سرواله ،
    في ضحكة وبحة مخملية يتشابكان ..
    جسدان يغطيهما "سيرماسيتى " وردى الرائحة ،
    بينما دمعتان مشنوقتان كبلورتين تضيئان ..
    عتمة المشهد !!



    ( سيرماسيتى : زيت الحيتان الضخمة يستخرج من رؤوسها )




    آخر بابات ابن دانيال

    كان يمزق فلذاته ، بعنف يجهز عليها ، المطواة تتسلل ،تطعنه هو ، اختلط ريشها ، قطنها ، حشوها بدمه ، دموعه لا تتوقف ، بينما صوته يعلو وينكسر :" لا .. لا أريدك .. لا أريدك .. اذهبى أيتها الدمى الملعونة .. يا من صورتلي الأشياء كقوس قزح .. علمتني أسماءها .. من أول الأبجدية حتى حروف السحاب .. كنتالطفل و كنت الآية السرمدية .. صفحة بيضاء تلونت بأصابعك ، فكانت قمرا و شمسا ، وليال لا يفتنها ظلام ..لا .. لا .. موتى ".
    المطواة تنحرف ، تجرح ذراعه . لايتوقف ، كان مبدعا ، وحيد عصره في تحريك ، و إدارة عرائس الماريونيت ، خلف هذهالحجرة كان ظهره ينقصم انحناء ، لهتافات و تصافير الجماهير ، للكبار لعب ، للصغارتغنى ، للمدينة قدم لها عمره !
    أنفاس تتردد ، تتحشرج باختناق ، دموعه تتهاطل ،أخيرا تهالك ، فى فراغ الحجرة ، يتأمل عمرا ، حوله لنتف و قصاصات. ترنح ، فقدالسيطرة على توازنه ، انهار على الأرض .. الدماء تنزف ، الدموع تجرى ، الأرض تدور ،الرؤية تبهت .. تبهت ، أغمى عليه .. ليس غير أنفاس تتردد بقسوة ، وصدر مجهد ، وكوابيس تفزع ، وتسرق منه صرخة أو بعض أنين ، يتكور كجنين .. بهياج يقاتل : نعم أنت .. ألم تزرعى وهمك ياسمينا وجوريا و حنطة ، بينما أنا لا شيء عندك .. محض رقم .. محض رقم ".
    عاد المكان لصمته ، إلا من أنفاس واهنة . خبط على الباب :" معلم .. معلم .. إن كنت بالداخل رد على .. أستاذ ".
    فزع قاعدا ، تجلطت الدماء ، بعد أننقشت ملابسه :" لا .. لا .. أنت من فعل .. حتى لو كنت بريئة ، لست بريئة ، أنت منأطلق جرذان الوهم ، و سمنتها .. نعم .. أنت .. أنت ".
    عاد الخبط و الطرق ثانية :" يا أستاذ .. يا أستاذ .. هل أنت هنا ؟!".
    قرر أن تكون بابته الأخيرة ، انتفضواقفا ، تحرك مترنحا كقتيل ، جذب الباب المغلق ، خطا كسكير آبق ، على خشبة المسرحكان يجهز دميته ، بسرعة يشكل من نفسه عروسة ماريونيت ، يضع الخيوط بترتيبها الذىتعوده ، يصله هرج و مرج الصالة ، كانت عيناه فقدتا القدرة ، على رؤية أي شيء ، إلاما يفعل الآن ، سوف يقدم لهم الليلة ، سندريللا كما أذاع ، ومن خلال رؤيته هو ، وبعروسة وحيدة ، عروسة لأمير مطعون ، خلفته لشكوكه تضنيه ، تقتله كل لحظة من لحظاتغيابها ، لم ترهق نفسها بدرئها ، بل أمعنت فى عنادها ، حتى أصابه الجنون ، و قتلهالحنين إليها ، فباغتها ذات ليلة كدمية ماريونيت ، غزا قلعتها ، تدحرج عبر دهاليز وسراديب ، أصبح أمامهما ، سندريللا و عفريت الشقوق !
    الآن تتحرك الدمية . تصفيقحاد يخرق أذنيه ، يفتته . يؤدى بعبقرية ، أتى على مشهد القتل ، يحتضن سندريللا ،يأخذها بين ذراعيه قتيلة ، يدفن وجهه فى صدرها ، يجهش ، يهتز ، يمزق خيوط اللعبة .. بينما كانت الأضواء تملأ الصالة و الخشبة ، و بسرعة يلتف حوله رجال البوليس شاهرينأسلحتهم !!




    مجنون

    كان مايزال يقرأ حين صرخ :" عينى .. إنى لا أرى شيئا ".
    ستون عاما وهو يقرأ ، لم يشبع بعد ، لم يكتف ، ماامتلأت كل خزائن روحه ، بها تطالبه بالمزيد و المزيد ، حاولوا أكثر من مرة حرق كتبه، ومنعه من هذا الجنون ، لكنه حطم كل متاريسهم ، كل موانعهم !!
    ضاع البصر ،وأصابه العمى ، و لأيام ظل يصرخ :" جائع .. ارحمونى
    .. جائع .. فلتجلبوا قارئا ".

    وأتوا بقارىء ، لكنه لم يسعفه ، بعد أيام فوجئوا به يطارده بعصاه ، و أتوابآخر ، وآخر ، و ما أفلح معه أحد !!
    فى رأسه الكثير الكثير من معارك ، وقصص لاأول لها و لا آخر ، ملوك يتطاحنون ، أقزام يعتلون الجبال ، أنهار تتكلم ، جبالتتحرك من أماكنها ، مطر يضحك ، شمس تمشط شعرها .. أشياء و أشياء ، وهو يصرخ .. ويصرخ دون توقف ، بينما كان رجال المشفى يلبسونه قميصا أبيض ، ويعبئونه في السيارة!
    حين طلب ورقة و قلما ، هلل المجانين ، ورقصوا حتى ترنحوا ، و حين بدأ يكتب كانبصره يعود إليه ، و سود الكثير الكثير من الأوراق ، وظل لأيام على هذه الحال ، مماأدى إلى إحداث هرج و قلق ، فما كان من الممرضين ، إلا مباغتته ليلا ، و فقء عينيه !!



    أحبك


    عرفته جريحا ، فأحبته كثيرا ،
    ضمدت جراحه حتى التأمت ،
    لكنها بين وقت وآخر تعود وتفتحها ،
    تتأملها وتبكى ..داخلها حرقة وغيرة ،
    لم تكن فى حسبانها أو خطرت بباله ..
    فى المرة الأخيرة حين فتحت بعض جراحه وضعت فيها وهى تحتضنها بعض الزرنيخ ، وهى تردد : أحبك .. أحبك !!
    sigpic

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      فردوس مفقود

      كان دائم الحديث عن الماضي ..
      عن بطولات .. أمجاد .. أسلاف ..
      تاريخ .. كل شىء فى الماضى كان شهيا
      وإلى أبعد حد .. حتى أحس بالملل !
      بنظرة متأنية ، اكتشف أنه لم يكن أبدا على وجه الأرض
      فردوس مفقود ، وأنه كان يستدعى ما فى طفولته من براءة و عدم معرفة بالعالم ،
      وفردوس آدم المفقود !!



      طفل
      المارد الذي احتل المدينة منذ أبريل الماضي ..
      لم يغادر بعد ،
      و لم يزل يقف على بواباتها ،
      ويلوح بقوة ساعده ،
      وهو يقهقه : ثلاث إجابات أريد ..
      من يستطع حل لغزها ، قهرني ، وحرر المدينة ".
      فوجىء اليوم بطفل يدنو منه ،
      وهو يتمتم :" أنا عندي حل لغزك ، فهل تضمن لي ،
      أن تكون صادقا ، و تبتعد عن هنا ؟!".
      ولم ينتظر إجابة المارد ، واقترب من كعبه ،
      فأبصر غطاء كأنه للعبة ،
      جذبه ، فانجذب .. وهنا أبصر كتلة من الأسلاك ..
      بنفس البراءة كان يجذبها ، و يبذل مجهودا فى سحبها بقوة ..
      وهنا أحدث تمزيقا لها ، فأصدرت فرقعة ،
      وخطوط ضوء وامضة ، وتناثرت كتل نار .. فهلل الطفل ،
      وابتعد مدبدبا؛ بينما كان المارد يتساقط ..
      رويدا .. رويدا !!



      ليلة عزاء العمدة
      بالفعل كانت ليلة رهيبة ، عاشتها قرية الناصر ، كنت تستطيع أن تسمع بوضوح ، ولو كنت هناك على مشارف حدودها ، أصوات الرجال ، وهى تصهل فى ليلها ، و كأنهم بين وهج نار ، بين أنياب وحوش ضارية ، الغوث يطلبون ، بينما بين الفينة و الأخرى تعلو أصوات ضربات ، و طرقات عصى ، تشج الحجر الصوان ، وربما صراخ نسوة ، وفى الخلاء ركضهن ، يبدو واضحا ، مسرعات طالبات النجدة !
      لن تنسى القرية ليلة بالتأكيد ، نكص رؤوسهم فيها الرجال ، و بشكل مفاجىء ، ومبكٍ لأبعد حد ، أمام نسائهن ؛ فقد كانت ليلة ، ودعوا فيها ابن العمدة الصغير ، و بكامل عددهم احتشدوا لعزاء كبيرهم ، و أحد منهم لم يتخلف ، مخافة ورهبة ، وربما إتباعا لحديث رسولنا الكريم !
      اندفع الرجال ، كل من طريق ، و كأنهم بالفعل يعرفون ما انتابهم ، كان ذلك قبيل أذان الفجر بساعتين على الأكثر ، كل وضع في عينيه صورة و قامة ، وكفا أطبقت على كفه ، كف كان لها قوة السحر ، و اتجاها يسير فيه ، و بأسرع ما يمكن ؛ لدرء خطر داهم ، بعد أن طاشت رجولتهم ، و هراء أمست ، و عجزا ناقعا ، ربما حمل واحد منهم شرشرة أو فأسا أو بلطة ؛ دفاعا كانت عن كينونتهم ووجودهم ، فلا يصح بأية حال ، ومهما كان ، أن يصبحوا أمام النساء بلا جدوى ، ليكون التخبط ، وقلة القيمة ، و البحث عن بدائل هم فى غنى عنها .. !!

      عطوان .. كانت البلطة معلقة في جيب سرواله ، و قد لف جلبابه حول وسطه ، و بين المزارع اتخذ طريقا ، و قطيع من كلاب يطارده ، فما كان منه سوى التقاط كمية هائلة من الطوب و الحصى ، و صكها في رؤوسها، أو كيفما اتفق ، حتى و صل بعد مكابدة إلى عزبة السبع ، التي ترقد فيها بغيته .
      بجانب مصرف كانت مشاية ، أى جسر لعبور، ونقيق يدوى ، ولا ينقطع صرير ، و عفاريت تترقص ، و ترمى بنفسها على تراب السكة ، تتراقص به ، وتنهكه ، هو لا يهدأ ، وإن نال منه الخوف ، إلا أنه مستمر ، و بالحصوات ، و بعض آيات قرآنية ، يطارد شياطين و عفاريت ، تراوغه وتكاد تبكيه ، حتى وصل أخيرا ، و قد طقطق شعر رأسه تماما !!

      طرق بابا مغلقا بالبلطة. أفزع من كان خلفه ، و لكن سرا في الأمر ، الباب فتح ، و قابله وجه الشيخ بركات ، عبوسا في أول الأمر ، وحين تأكدت حاجة القادم ، ابتسم وهو يتابع شيئا خلفه ، وأخيرا فتح له ؛ ليعبر إلى الداخل :" أنا مش جى أتضايف .. اخلص ".
      بافتعال تصنع الغضب :" قال يا قاعدين يكفيكم شر الجايين .. مالك ".
      و فجأة رفع البلطة :" قلت لك اخلص ، و بلاش لف و دوران .. يللا ، لأحش رقبتك !! ".
      هنا تراجع بركات قليلا ، و على دكة خلفه استرخى:" طيب ماشى .. أمرك .. بس أعرف ..مش نتفق الأول على الحلاوة ؟!".
      قليلا هدأ عطوان ، وعن غضبه لم يتنازل:" اللى تقول عليه يا كافر .. بس خلصني ".

      كانت لعبة ، لعبها عبد الجبار بمهارة ، بعد كساد الحال ، و عجزه تماما ، عن تدبير مال لازم لسفر ولده ، إلى دولة خليجية ، فراح يلف على كل معارفه ، من شيوخ المندل و الكوتشينة ، و الربط و الأعمال ، و غيرهم من الدجالين المهمين والمعروفين بسوء فعالهم ، ممن وضعهم الناس ، فى بؤرة أهل الإيذاء والسحر و تناسوهم حتى بالسلام .
      دبر معهم الأمر ، على أن ينال نسبة من حصاد عملهم ، ووافقوه تماما ، كانت مناسبة عزاء العمدة فى ولده كافية ، تماما كافية وعز الطلب ؛ لملء جيوبهم ، بل أكثر ، امتلاك مالم يستطيعوا خلال سنين من أغنام و ماعز !
      في طابور المعزين على منافذ المقابر اندسوا ، متباعدين وقفوا ، كل أهل القرية مروا عليهم ، رجالها و شبابها ، و برغم اكتراث الجميع ، و محاولة تجاهلهم ، إلا أنهم ، و بلا استثناء وقعوا في الشرك ، و سلموا عليهم ، لتكون هواجس و قلق و استرابة ، تلازمهم بشكل بشع ، بل مرضى ، حتى فراشهم ، و لم يستطع سوى قلة التغلب على هذه الحالة ، لأن رؤوسهم كانت قادرة ، على الفتك بأي هاجس قد يحاول النيل منها ، وهؤلاء يطلق عليهم الدجالون :" دمهم زفر كالشياطين !!".

      طائرا عاد عطوان ، يركل الأرض ، و الشياطين يضاحك ، وعفاريت المصرف ، بل و يكاد ينازلهم ، و من بعيد تنتظر أوبته الكلاب ، مر من بينها ، و بكل بساطة ، و حين ابتعد قليلا ، كانت تركض خلفه ، وهو يطير مفعما ، يلوح بالبلطة ، كان يلمح على مدد الرؤية الكثير من الهياكل ، تسعى فى ظلام البلدة ، بين مغادر و عائد ، حتى وصل داره ، فرمى بالبلطة جانبا ، وفى لمح البصر تخلص من جلبابه ، و كافة ثيابه ، وطار ، وحط في أحضان زوجته ، أكثر فحولة وبأسا !
      :" أنت واد غلبان .. كفاية عليك ورقة بخمسة .. قلت إيه ؟!!".
      :" يعنى جيت فى جمل .. يللا بس أنت .. الله لا يسيئك ".
      قدم له الورقة ، وهو يتأمل فيها عرقه ، و بيد مترددة ، فلقفها منه بركات ، وفورا وضعها في جيبه ، و أمسك به ، وعزم عليه ، ببعض كلمات يتمتم، وسهم الله كأنه حط بقلب عطوان ، لا ينطق ، ولا يأتي ببنت شفة ، يفغر فاهه كأنه يعبئه بأشكال التمتمات ، و رائحتها ، أو هو يتذوقها .
      :" خلاص ياعم .. يللا .. بقيت صاغ سليم .. اتكل على الله ".
      :" جد .. أما لو بتضحك عليه ؛ و الله لأجيب خبرك ، أفلقك اتنين ".
      :" يللا يارجل ، بلاش جعجعة زى عدمها .. لا .. تعالى من هنا ، ما يصحش حد يشوفك ياوله .. يللا ، الباب التانى وراك أهووه ".
      عاد الهدوء للقرية مع حلول الفجر، حين خمدت أوتار النشوة ، و نامت رؤوس النار ؛ بينما كانت دار عبد الجبار تلفها ألسنة دخان معبأ بالكيف ، و ضحكات ساخرة تعلو فيها ، و ربما مساومة أحد الرجال على حصة أكبر ، و لكنه بالتأكيد كان يفكر في حيلولة فعل ذلك مرة أخرى ، فى الوقت الحالي على الأقل ؛ حتى ينسى أهل القرية والعزب المجاورة ، ليلة عزاء العمدة في ولده الأصغر !!



      طائر مغرد
      مهداة للمبدع السوري : أكرم حسن

      ينتظرهاكان ، في ذات البقعة ، على جمر أحر ، وحضورها يترقب ، بين وقت و آخر ، أوحشهاسمها ، حروفه الأحلى ، كنجم قطبي ، في الأفق يشدو ، فيختفي كل ما في المجرة .. كم يحبها ، لو أن الوقت ينسلخ ، لو يستطيع ، لسلخ كل عمره ، كثوب خرق تخلصمنه ، و أبقى على أجمل ما فيه هي ! بدموع حنين تتندى عيناه ، و الساعات تولى،وهو على حاله ، يترقب وصول خرافته ، وحلمه المستحيل ، كل شيء شائه أمام عينيه،لا معنى لشيء دونها ، غرس المنى يشتل ، في كل ساعاته ، ما عاد يهمه سواها ، كلما يعنيه أصبحت ، و ليذهب العالم إلى الجحيم ، كفاه ما ضاع ، و ما بقى إلا القليل ،و هي تستحق عمرا فوق عمر . يستحضر ملامحها ، كل ملامحها ، ريحها ، حديثها ،صوتها ، كل شيء فيها ، كم بها هو مجنون ، و ما قبلها عرف الجنون . يضحك وحيدا،ووحيدا يبكى ، وحين يغضب ، كعصف السماء يكون غضبه ، حتى زرعها حلما في كل شبر،في هذا البيت ، و في أفئدة من يرفضونها ! هو المغنى الذائع الصيت ، ينام و يصحومعانقا زجاج المدينة ، لا يريم ، و لا شيء مهما عظم يوقفه ، ولم تكن بأقل منهجنونا !
      عبر شاب مدينة الزجاج ، أتى يترنم ، أعطوه تصريحا واسما فنيا،وربابة وهوية ؛ فعلا صوته متناغما ، مما استرعى انتباهة المغنى الكبير،وهو بأحلى أغانيه يصدح ، تقف به قدماه ، على آثار انطبعت ،وتوهجت ، في ذاتالبقع المتشظية ، والكبير يكاد يقضى ، كلما توقف الشاب ، يعلو أنينه ، وبلا توقف تسيل دمعاته ، بينما تنهدات القادم تتلاحق ، و تترى اهتزازته ، و كأنهالطاووس تنتفش ، ثم يخطو لنقطة أخرى ، بكفيه يلم أثرا ، يفرشه على رقعة جسدهمنتشيا.إنها آثارها ، آثار معشوقته . عين الكبير تتابعه ، عبر زجاج أغبشتتكسر ، وروحه كعصفور حط قرب موقد ؛ فهلك زغبه ، وريش جناحيه .
      في موضع يتوارى ، يرى منه كل ما يتم ، وحين اكتفى الشاب ، جمارك المدينة لم يعبر ماضيا لحالسبيله ، بله انتظر .. انتظر كثيرا ، والكبير تتخلع أوردته ، و دمه أمامه ينسل ، بكل ما تحمل رأسه يفتك الحزن ، من نخاع ، و فتات لحم ودماء ، فتنقله الرأسالمقتول ، لنفس المشهد .. نعم ، سبق ورأى ، وعاش ، وتألم .رأى نفس المشهدالرهيب ، ذات مساء ليس ببعيد !!
      أيضا شاب كان ، يحتضن ربابته ، عبر مدينةتشبه تلك ، وغنى حتى رقصت نوافذ المدينة وأبوابها ، وعلى خطى حبيبته ، ارتمى، و بترابها عفر وجهه ، ثم موضع قدمها احتضن ، حتى أكلت الدهشة الكبير ، فدنامنه :" كنت رائعا .. رائعا ".
      انتشى الشاب ، وخطف كفى الرجل ، ودار به :" إننيفي انتظار ربتي . سيدي .. كم أحبها .. أحبها .. لا .. بل أعبدها ".
      رقص قلبالكبير ، وضمه بقوة ، و عيناه تذرفان :" يالك من محب جسور ".
      بربابته طارالشاب ، حلق عاليا ، بين نجوم السماء سكن ، تخاطفته هناك ملائكة للمحبين:" هيقادمة .. قادمة ".
      الكبير يتابع ، التوت رقبته ، انثنى جذعه ، اكتوى ، فانبطح أرضا :" من هي سيدي .. من ؟!!".
      كأنه بمعراج يقترب ، ثم قبل وصوله للأرضهوم :" يا ربى .. ألا تعرف ، ألا تحس ، كم ربة هنا في مدينتك ، هي واحدة ، وهىفي إجازة منذ .... ".
      فرش شك خيمته ، و نار تولدت ، لفت الخيمة ، أحرقتكل أوراق عمره ، فغنى موتا ، وركضا اختفى ؛ حفاظا على بعض كبرياء ، فتلقفتهالسقطات ، حتى أدمت جلده ، لكنه إلى سدرته وصل ، يأكله الحزن ، و يعضه الألم،كانت قد حاصرته ، و فى الإيقاع به تفننت ، وهو ضاحك يردد :" كبير أنا ، لي منالسنين ضعف عمرك ".
      تضحك مهللة :" ليس العمر بتعكز السنين ....... ".
      وكلما وجد طريقا للهرب تسلل ، لكنها كانت تدميه سخرية ، و غنى يومها كما لم يغنمن قبل !
      الآن حل الرحيل ، وإلى أبعد نقطة للحنين :" ألا تنتظرها ، كيف صدقت مخبولا ، أرعن هو بلا شك ؟!".
      إنه جارها ، لصق حارتها ، و فيمدينة من زجاج أنا عابر ، محض خيال ، بينما مجسد هو ، دم ولحم ، يطرق أبوابحارتها ، و بيتها ، ويشهد كل ما لا يراه هو ، أنفاسها يشم ، رائحة عرقها ، صوتهاكيف له تناغم وتغنج ، شفتيها .. بسمتها .. ضحكاتها .. حزنها .. حنينها ، التواءهاتحت وطأة الكلمات!!
      يا ويلك من مدن الزجاج ، وضراوة المحبين ، والتصاقالأعتاب ، وأنت هنا محض هواء .. هواء . ألا تنتظر حتى تأتى ..انتظر ، ولاتتعجل الأمور
      حين أتت في نفس توقيت ، أذاع سره الشاب ، وقفت أمامه ترقص :" أحببت ، قابلت حب عمري ، افرح لي ، كم أحبه ".
      وجه الكبير سلخته الكلمات ،أصبح وجها يشبه ضفدعة :"وما كنت أنا .. ما كنت ؟!".
      بأفاع أحسها ، تلتفحول عنقه ، تعتصره ، يختنق حد الموت ، يمزق قميصه تماما ، و يتراجع قليلا، تبيض الرؤية في عينيه :" لكن يمامتي لا .. لا .. ليست هي ".
      غامت الدنيا ، وحينكان الشاب يغادر مدينة الزجاج ، بعد أن شتل في كل أثر من آثار حبيبته وردة ، كان هو الكبير يتمالك نفسه ، وعرق غزير يبلله ، يسرع صوب جمرك المدينة ، ومنموظف هناك ، عرف أن الشاب ، يسكن نفس مدينة تسكنها خرافته ، فتجمد تماما !!
      كانألم ينتقل بسرعة على جانبي رأسه :" إلا جوهرتي .. لا .. بيننا ما يجعل الأمرمستحيلا ، نعم .. نعم ". هز جسده ، دفعه للتحرك ، ما ترك موضعه ، كتمثال منتصب ،كعجز نخلة خاوية ، وعلى جانبي شفتيه ظهرت بعض رغاو ، وتهالك أخيرا ، سقطأرضا بلا حراك :" لا أصدق .. لا أصدق .. لا أصـ..... ".بينما أضواء مدينة الزجاج ، تبهت ، وتبدو كأن سخط السماء ، حل بها فجأة ؛ فأصبحت مدينة موتى ، لا أثرفيها ، ليس إلا أصوات غربان ، وحدآت تحوم ، وجثث متناثرة تتخاطفها نسور جائعة !!


      عرق دساس
      تعاودني تلك الليلة .. الآن ؛
      حين جرني شيطاني ،
      وصاغنى حلما متمردا ..
      لا يأبه بقهر الرجال ..
      وأفانين الغواة !!
      سالت بعض خيوط .. لها رائحة دمى :
      هنا بالأنف ، و الفم ،
      ومن جلد المؤخرة ،
      ولونت أحلامي ؛
      جبينا يتعشق الحزن !!
      فرأيته دركيا ..
      يفتتل شاربه ..
      و بهراوة يفتت ،
      رؤوس طيوره - دون تفرقة -
      فهممت صارخا ،
      و تفلت منه ، وتركته يسلخ عمره ؛ لإعادة ترميم طيوره !!
      و أنا أنبش رقعة للحنين ، و أحيلها وشما .. في زرقة أوردتي :"
      أنا و مالي لأبى ، ولو كان دركيا .

      و استدرجنى ببسمة ، ونبضة عدل ،
      وبعض توت ، وسماحة مغناة !
      حتى تلاشيت فيه ،
      و تناسيت أمر طيوره -
      وإن رويتها روحا ، وحَبًّا،
      ولازمتها فيضا ، وشدوا لدمى –
      وهراوته تسيل ، زئبقا نورانيا ،
      يخزنها بين رئتيه .
      و لا أدرى .. هل كانت بعض دمه ..؟!
      اليوم خاتلنى ،
      روض شاربه ، و قص بضع سنين ،
      من شجرته العتيقة ،
      و التبس جلدا غير جلده ، واسما جديدا ،
      ودفق دمه في عروق طفلي ،
      و أعطاه تصريحا بذبحي ،
      و تفتيت رأسي ؛
      وبنفس هراوته .. يلاحقني !!
      فمن يرممني ،
      و يجتث غباء ، شكل طينتى ،
      ومنع عرقي الدسَّاس ،
      عن دور له ، وغرس خارطة لعالمي ،
      وحلمي ؟!



      نهاية خليفة
      كان ينازع أنفاسا أخيرة ، حزينا .. واهنا ، بين شهقة و زفرة ينادى وزيره:" يا فضل .. يا فضل ".
      ربما بمحض الصدفة ، وصل صوته إلى سمع الفضل ، على عجل أتى يسعى ، بوجه ذئب ، وخطى حية رقطاء :" مولا ى .. مولاي موسى ".
      ينشد اعتدالا برغمه - هو القوى - شديد البأس ، يفشل ، و ثانية يعاود ، فيقعى ، يلطم الوسادة بقبضة واهنة:" أين أمي ، أين الخيزران يا فضل ؟!".
      بعنف عجيب ، و بجلفة يجيبه ، ويلقى بحشا قيظه ، بآخر مااصطبرعليه حنق قديم :" مولاي ، لا بد أنها ، وصلها أمر مرضك ، نعم لا بد ، غاضبة منك ما تزال.. نعم ما تزال ".
      جاءه صوت موسى ضعيفا حزينا ، كأنه لميت :" أريدها ، هاتها يا فضل ، هاتها أكرمك الله ".
      قليلا ترقق الفضل ؛ فلم ينس بعد ، أنه أمام موسى الهادي ، ابن المهدي ، وشقيق الرشيد :" لكن لا ، يا ربى ، كيف نسيت ، أربع جوار حسان ، أرسلت إليك.. هدية ، هدية لك ".
      اهتز جسده ، و دموع محتبسة اندفعت ، تحت رأسه طوى ذراعه:" أريدها يا فضل ، أريدها حالا ".
      بنهاية أحس الفضل ، ما تصورها الآن ، كأنه طلب أخير ، فوقع في قلبه ، الأمر لم يعد يحتمل ، على نفسه أشفق ، ماذا لو سؤل ، عن هذه اللحظات ، ووقف أمام الخيزران أو الرشيد :" أمر مولاي ، سوف أرسل لمولاتى برغبتك في رؤيتها .. حالا ".
      تحشرج صوته كأنه الموت :" بسرعة يا فضل .. هيا ، و لا تغب عنى ".
      مرغما كان الفضل بن الربيع ، يقطع مسافة بين قصر سيده ، و قصر الخيزران أم أمير المؤمنين ، وهو واقع تحت تأثير ، ماذا لو مات ، الرشيد لا يحبه ، و الخيزران أيضا ، آن أن أظهر طاعة لهما ، ولاء ؛ فالملعون يحيى البرمكى لن يتركه على حاله ، لا هو و لا ولده جعفر ، ربيب الرشيد وأخوه ، كاد يتعثر ، يضل طريقا يعرفه ، بينما تحركت أفاعي أربع ، على أطرافهن زاحفات ، غزون عليه جناحه ، كان هناك ، معلقا بين الرشيد ، و بين أولاده ، وولده الأكبر جعفر - ابن السابعة - عيناه تذرفان دمعات غاليات ، بينما الجوارى يتسلقن فراشه ، و يدنين منه ، دون تردد ، و صوت الخيزران يرن في أعماقهن :" إياكن و الضعف ، لو فشلتن ، ليس عندي غير الموت ، أما نجاحكن ، ففيه تحرركن .. هيا ، لقد توحش ، توحش موسى ، اليوم يسمني ، وغدا يفتك بأخيه ".
      كانت ثنتان عند رأسه ، و ثنتان عند القدمين ، يداعبنه ، و يربتن على وجهه ، و كل أعضائه ، و هو متأفف كاره ، يصرخ ، و يتقلب ، ويهتف:" ابتعدن يا جواري الشؤم .. ابتعدن .. هيا ".
      وهن يقتربن أكثر ، فأكثر ، و في لمحة كانت الوسادة فوق وجهه ،وواحدة أعلاها ، بينما الأخريات يتشبثن به ، و هو يرتجف ، ويهتز بعنف عجيب ، وكأن تنينا يفترس ضحية ، يرتعد كل شيء في المكان ، يكاد ينهض ، يتملص منهن ، وفى وقت علا فيه صوت الخيزران :" ولدى .. موسى ". كانت أنفاسه تذهب ، ترتحل بعيدا ، و يخمد جسده تماما :" ابتعدن .. ابتعدن .. ولدى .. موسى ، قرة عيني ".. تنهار ، تبعدهن ، و باكية يرتخي جسدها ، ناشجة ، بينما صوت يعلو لبكاء طفل ولد توا ، يختلط بصوت يحي البرمكى الوزير الأكبر :" يموت خليفة ، و يولد خليفة ، و يتوج خليفة ".


      كيف هنَّا عليك ؟!
      ليلة فاصلة ، وشائكة المنافذ ، العطفمحض سراديب ، تنهشها خفافيش العتم ، و حقول شوك الحارات ، و أصوات كأنها تأتى منمتاهة ، لغط من حكايا ، وتباريح ، تركت علبها المتراصة ، على أرفف الحارة ، وغير عابئة زحفت كسحالي ، بأي شيء كان ، و ها أنت يا سيدي ، تتململ ، تنين سعاليفترسك ، و بعيدا عن درجات صلاحيتك يطيح بك ، فتصرخ ، وهو يطوق رقبتك ، و بقوتهالرهيبة يضغط ، يذيبك ، نخالة و بعض سائل تصبح ، فتخمد صرختك ، و تتلاشى .. تتلاشى ، تهوم فى فراغ ورقة ، و دون أسف ترحل ، فى لاجاذبية مشاعر ، رغم كتلمغناطيس مبهمة ، ومحاولاتها المستميتة ، لكنك تتنافر ، و بلا اكتراث تصعد ، إلىسدرة ابتنيتها ، بعينين دامعتين تلقى بعض فتات منك ، و في نهر تخوض ، كنت له- ذات حب - صديقا ، ورفيقا ، انبرى لك سلما من نور ، عمودا يتوهج ، فأصابتك جلالة،و خيوطه عانقتَ ، بينما خلفك نبرات سحر ، في جوفك تتردد :" تعال .. تعال ،أريدك ، أريدك ، انقذنى ".
      أسألك أيها العاري ، أمام الطوفان :" كيف هُنَّاعليك ؟! ".
      لم يعد كثير وقت ، لا بد أن تجيب ، لا بد نعم ؛ لأستريح ، وأفهم ،بعد كل هذا الوقت ، أسألك :" من ندى الصبح تشقق جلدك ، ومات قلبك من طول تربصالليل بك ، و من تحنطك تيبست عظامك ، عبر الوقت ، فلم فرطت ، في كل هذا ، لم ؟!".
      لا .. لا ، هل قادرا مازلت ، على رسم تكشيرتك السرمدية ، لتقيم بينناألف سماء و سماء ، و ألف سدرة و سدرة ، أن تجيب أتوسلك ، لم حرمتنا حنوك ، وأعطيته لغريب ، و أسكنته بيتا لنا ، لم ؟!".
      نفس الدور ها أنت تمارس ، تعطنيظهرك ، و تمضى ، انتظر ، أمامك حقول شوك ، انتظر ، ولا من هنا ؛ فالخفافيشعطشى لدمك ، انتظر ، سيدي ، إلى متى تغلق روحك ، أن تقتات بحبنا ، إلى متى ، أنا أدْرِى ، بل أدرَى انفعالاتك بك ، نعم ، بعض انفعالاتك أنا ، نطفتك أيهاالمتوحد ، بشكواه ، بألمه ، بفرحه الذي لا يأتي .. ماذا ؟!
      قلها يا سيدي،كقفاز الق بها ، ماذا يضيرك ؟!
      لا .. لا .. لا أريد رؤية ضعفك الآن ، ضعفكإلينا ، ما رأيته قط ، عبر السنين تلمسته ، تمنيت أراه ، مِتُ لأراه ، و مثل بصقةيأتيني الآن ، لطمة .. لا ..
      أيها القاتل المقتول ، كم رأسا هشمت بهراوتك ، بلقل لي كم رأسا قبلت ؟! ياللسخرية ، أبكى الآن ، غلظة أبكى وفهما خاطئا ، وعصفورا رقيقا يسكن صدرك ، كنت تذبحه ، كل صباح ، كل مساء ، كل الوقت ، وكنافي حاجة إليه ، يبلل حرقتنا ، يقينا الموت ، و ها أنت تضعينا ، تلقى بنا طعومالكلاب السكك ، ثم تتعالى ، تتعالى عنا وعنك ، لو أدرى ما الغباء ، ومتى يسكنالعقول ؟!
      مالك ، أعطيتني هبة ، لستٍ ، وعشتار ، لإيزيس ، للنيل ضحية،لوفاء من ، للموت قدمتني عن طيب خاطر، ولقعر بئر سحيقة ، بم تفكر ، أجبني؟!
      ما الذي تخفيه عنى ، انتظر ، الخفافيش ، حقول الشوك . أسألك :" كيف ياأ..... . كيف ؟!!!
      طاردته بسؤالي سنين عددا ، ما أجاب ، و لا حتى التفت لى ،أو أعارني أذنا، هاهو أمامي ، مثل طائر البطريق ، يزحف متهدل الجناح، يسعى زاحفا ،و لا أدرى ما يخبئه ، هناك شيء بين ثيابه ، إلى أين ، أنهكتني، انتظرني، لايتوقف ، يسمعني ، ولا يلتفت ، فقط يهش على أذنه ، كأني هومة ، هو سادر ، متماسك ، رغم تنين سعال ، يكاد يقصمه ، كأنه خارج من رماد ، هاهو يختفي منى ، يختفيعن عيني ، أين أنت ، ألاحقه ، لا أتوقف ، لا أجده ، كأن الأرض ابتلعته ، فجأةاهتزت الأرض ، و صعقني صوت دوى ، ماذا؟!! التم الخلق ، كل يتساءل ، أقف برغمى، أين أنت أيها الشيخ ، في أى طريق اختفيت ؟! أجرى ، أركض هنا وهناك ، أينأنت ، تأتى أصوات :" دمر البيت بكامله ".
      :"
      كان خطأه ، هو من جلب الغريب، وهو من قوض بناءه ".
      أركض ، لا أفهم ، أكاد أصرخ ، لم يجبني كعادته ، لمتستوقفه دموع لي ،
      أعرج صوب بيتنا القديم ، كانت لمة هائلة ، وسياراتإطفاء ، و شرطة ، و كان هو ، يقف كوحش ضار ، وقع في قبضة صياد ، كان مبتسما ، لم أره مبتسما مرة ، لم أره ، جميلا مثلما الآن ، وهالني مشهد البيت منهارا والأتربة تصاعد من جوفه ، تعمى وتقذى ، كميدان قتال ، و همسات تتردد :" شفت ماوجدت ..؟!".
      :"
      حشيش .. أمعقول ؟! ".
      علا صوت شرطي :" توقف .. أنت .. أسرعوا ، هاتوه بما يحمل من أسلحة .. هيا ".
      هال الجموع الغفيرة مشهد لرجال ونساء ، تقذف بهم أشلاء البيت ، كانوا شبه عراة ، يتساقطون مع كل خطوة ، يتنفسونبصعوبة ، يقيئون ، يا ربى ، يقيئون حيات و عقارب ، وبرص ، كأني أعيش كابوسا، كيف أصدق ؟! كيف لي أن أفهم ما يتم ؟!
      و حين وقفت في مواجهته ، أريد أفهم ، كنت مصعوقا ، وكانت عيناى مغرورقة بدموع :" لم فعلت ؟! ".
      :"
      وأنت ، لم تر ماوجدت بين الركام .. انظر ؟! ".
      :"
      يا ربى .. كوكاين ، القه ، و اهرب ، قبلأن تسحبك الشرطة ".
      زحف نحوى ، ربت على رأسي ، مسح عليها ، وقبل جبيني :" كانلابد ، أضعته ، و كان علىّ استعادته ، و هاهو لكم دون أغراب ".
      لم يكن الرجل، لا ، لم يكن ، كان خلقا جديدا ، مذهول أنا ، التصق به ؛ لأتأكد منه ، جيدا أتأكدمنه ومنى !
      طوابير من جرذان ، وزواحف ، وهوام هائلة العدد ، تخرج منبين الركام ، مسرعة مبتعدة ، و الخلق تطاردها ، بما ملكت أيمانهم ، وجثث تعافرأنفاسا أخيرة :" تريد أن تعرف لم ، كان دائما سؤالك ؟! ".
      حدقت في وجهه ، وأنا أتضاءل ، و بشكل غريب : " لا أريد ، عرفت ، عرفت ".
      جذبني ، يا ربى، في ضلعه كنت :" لا ما عرفت شيئا ، ما عرفت ".
      أجهشت ، تشممت رائحته لأول مرة :" بقطعة أفيون ، وزبدة من حديث ، أذهب عقلي ، و سرق البيت بأوراقه ، و ما يحمل ، آن لك أن ترتاح ، هيا ، هات إخوتك ، ونظفوه ، هو لكم ، هو لكم !".
      sigpic

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        مأمورية عاجلة
        كان اليوم السادس لبدء المعارك ..استدعيت لمكتب القيادة ، فى أمر عاجل ، لا يحتمل تأخير .. و كنت هناك .. أنتظر ما يلقى من أوامر :" سيارة أشارة تعطلت قرب المعبر .. عليك فورا بتوصيل قطع غيار و فني .. هناك سيارة في انتظارك بالحملة .. انصرف ".
        :" تمام يا فندم ".
        :" انتظر .. تذكر دائما .. العربة فى العراء .. بدون غطاء ".
        :" تمام يا فندم ".
        كان لليل الصحراء رائحة غريبة ، و طعمة ما أحسستها من قبل ، برغم كثرة مأمورياتي ، منذ و قبل بدء المعارك .. أصوات دوى .. هالات من غبار تملأ الطريق بين الأرض و السماء .
        صرخت فى السائق :" انته .. الوقت يمر .. مالك باردا ؟!".
        أجاب :" أبدا .. كنت أتسلم قطع الغيار المطلوبة .. هيا بنا ".
        على طريق القاهرة الإسماعيلية .. كانت السيارات تعبرنا كالريح العاصف .. و الظلام متكاثف بشكل غير معهود ، و أنا أنفث دخان سيجارتى ، و كلما أحسست بصمت السائق ، رحت أطعنه بكوعى .. وهو أكثر تركيز .. و ربما خوفا .. حتى أدركت أنه يدور فى حلقة مفرغة .. فداخلنى شعور ما بالتورط .. صرخت :" ما بك .. تكلم ".
        :" تاه منى المدق .. تاه ".
        كان الأفق القريب يتلألأ تحت دوى طلقات كاشفة ، تحيل المنطقة القريبة إلى نهار وامض ، و سرعان ما تتوالى زخات من طلقات .. و خيوط نارية تتصاعد .. وتهبط :" كيف .. من وقت أن عرفت أنك من سيلازمني .. و أنا أتوجس منك .. انزل .. انته ".
        كنت أريده أن يحدد المكان جيدا .. العربات تنهش وجوهنا .. فارس من يحاول اعتراض طريقها .. لا وقت .. كل إلى مداه يمضى .. و يجب أن نمضى .. وفورا .. سيارة الإشارة من المؤكد أنها ستدمر لو بقينا هنا .
        :" هيه .. ما وجدت ؟!".
        :" شلت رأسي .. ما عاد عندي تركيز .. ما عاد ".
        لا أدرى وقتها ما شعرت به ، سوى أنني وجدتني ، أطيح به ، و أنطحه بقسوة عجيبة ، و أمسك بتلابيبه : اركب .. اركب .. در بنا .. هيا ".
        لا بد أنني كنت في ذلك الوقت لا أطاق أبدا .. أنا أعرف نفسي .. بحجم كارثة كانت تعبيرات وجهي .. المهم .. دار .. و انطلق لمسافة قريبة .. وفجأة هتف :" أهه .. نعم هو .. هو ".
        و انعطف بنا فورا .. و هنا.. انفرجت أساريري .. و أحسست براحة ، فملت عليه ، و قبلته ،و أنا أتحسس جبهته ، التي تجلطت بها بعض قطرات دم ، وأخرجت منديلا .. و نظفتها .
        و بكل ما كنت أحمل من هم و ضياع ، مازحته ، و أطلقت بعض نكات لا لون لها ، ربما لقتل القلق الذي تولد ، وغنيت و أنا أشد على ساعده :" هيه .. لا نريد توهانا آخر .. هيه ".
        حين وصلنا .. كانت العربة فعلا في العراء .. و كان طاقمها حولها ، سرعان ، ما تقدمونا إلى قائد اللواء .. و هناك في ملجأ متسع .. كان وقار وسكون يسيطر على المكان .. أجواء رهيبة .. رحم لأبطال ..كل إلى جوار صاحبه .. لا فرق بين أحد و أحد.. لا رتب .. و لا نياشين .. و حين وقفت أمامه .. أحسست برجفة .. و شعور عارم بتقبيل كل من هنا .. كانت الأجساد كأنها كتل لحم بشرى .. بلا أنفاس .. كأنهم يعبئون أجسادهم لأيام مقبلة .. لن يجدوا فيها لحظة هدوء.. و حين أنهيت مأموريتي ، و برغم عدم تمسكي بالتقاليد العسكرية ، إلا أنني كنت أؤدي التحية العسكرية لكل من بالملجأ ، في اعتزاز و قوة ما عهدتها بنفسي ، و انصرفت و بى إحساس رهيب ، يكاد يعانق بي عنان السماء بالعزة و الكبرياء ، و عدت بعينين دامعتين ،و قلب طائر ، و لا أدرى حجم الحزن الذي كان يتولد داخلي ، و أنا لا أتصور هؤلاء الأبطال ، يذهبون ، و لا يعودون !!







        احتراق

        تشاغبه مدن بعيدة ، فيسرع صوب النهر ، يتجاذب و إياه حديثا طويلا ، وحين لا يجدمنه جوابا ، يخلع نفسه من ثيابه ، يخوض فى عالمه ، يبصر الشمس بين كفيه ، فيحتضنهاكعاشق ، و يتغنى ، وهى تضحك على كفيه ، فتكشف له مدنا جديدة للسحر ، يقرأ نارها،حبيبات روعتها تسيل ، خيطا خيطا تلفلف نفسها ، تدميه اندهاشا ، وهى تستحم معه ،وتنثنى بين ذراعيه ، فتأخذه رجفة ، ويبحر بها بعيدا ، صوب الأعماق.

        حين كشرالملك ، و أشتعل غضبه ، نهشت أظافره أكباد معارضيه .. و الذين فتكت بعقولهم آفةالحفر فى محاجر المجهول . كوت غلظته قلوبهم على ذويهم .. كان يختفي و ابنه في كهفسحيق ، اختبأ فيه طويلا ، تأتيه أخبار متفرقات ، عن غزوات الملك التي لا تنفض ، ولم تهدأ سورة غضبه إلى الآن ، بينما الولد يختنق ، يموت شغفا لمحبوبته ، فيخاتلأباه ، ويصعد خلسة ، ليكون معها ، يبثها لواعجه ، وشجونه ، فتكشف له جديدا ، وتعرىبقاع الأرض من حوله ، ثم يتسلل و الحمى تنهض فاتكة برأسه .
        لم يكن يقين يسكنه ،بنجاته وولده ، فكان يعد عدته ؛ ليعبر المفازة ، و يكون خارج دائرة الموت .. فكركثيرا .. فكر حتى ما عاد في رأسه شيء يصلح ، ليس إلا أزيز لدبابير ، تنهك تماسكه ،وتصليه حيرة و ارتباكا .
        جاءته حين كان يهدهد ولده ، و يزرع شتلات أمل في روحهالمحلقة ، في ارتحالها العميق ؛ حين دندن ، و النعاس يداعب أحلامه :" بي رغبةللتحليق .. للارتفاع إلى ما لا حدود يا ابتى ؛ لأصبح هناك فى سديم هذا الكون معالنجوم ، و لن أكتفي ، بل أكون أبعد و أبعد .. يجذبني غرام عجيب إلى كشف أسرار لاأعرفها .. أكاد ألمحها ، و لا أمسكها بيدي".. وأغلق دون انتظار لسماع رد والده ،هام في لجة غرامه !
        لم ينم الأب ؛ حيث أشرقت المعاني ، وتجلت الحاجة ، نور لميتوقعه ، ومن فوره كان خارج الكهف ، يلاحق رياش النسور ، و الجوارح ، و قفل عائدافى جبين الفجر ، يحمل فوق رأسه خمرا لليلته ، كان حملا ضخما من الريش ، ملأ صدرالكهف ، و غطى قامته !
        شيء محير ، فى الحبال يفكر ، و الحبال صعبة ، و ليستمجدية ، أيضا غير متوفرة ، جدائل شجر الصفصاف و السرو والليف ، سوف تحدث ثقلا ، والأمر لا يحتمل .. ما العمل إذا ؟!
        يكاد يخبط جمجمته فى نتوءات الحائط الصخري ،و أيضا أتت .. نعم أتت كوحى أوحى إليه ، رقص رقصا عجيبا ، وحده رقص بين كومة الريش، فحمل حربته ، و تسلل ثانية ، و عاد تسبقه آنات ولهاث عال ، و كان على رأس الكومةيحمل غزالا .. وشع العقل حد الجنون !
        أخيرا حلقا ، بعيدا كطائرين من عالم لا يمتلهذه البسيطة ، عبرا أراضٍ ، ومساكن ، وغابات ، وبحار ، حتى كانا بعيدين .. بعيدينعن قبضة الغضب ، فنادى ولده :"هيا نحتضن أرضنا الجديدة ".
        كانت مفاجأة ، لم تخطربباله ، وقت سمع رفضه ، و أطلق العنان لارتفاعه ، بينما الأب يصرخ فيه ، بله بكىاستعطافا ، عله يحن ، لكن الولد لم يسمع له ،و أشرق في صدره شيء خارق ، لم يدر كنهه، وظل يرتفع .. يرتفع ، غير مدرك ، أنه فى رحلة الصعود يلزمه الكثير ؛ يلزمه إلىجانب عشقها وعشقه لها!

        احتضنته الشمس ، و في حضنها السخن ، العنيف لهذا المعشوق، أطارت ريش الجناحين ، فهوى كأوراق خريفية ، بينا تتخلى عن عناقها ، تلتقط أنفاسهالمعاودة الالتصاق به ، إلا أن العاشق تفلت منها .. تهاوى ، وهو يفتح لها جناحيه ،ويصرخ فيها :" أين ما وعدت به .. خنت عهدا بيننا ؟! ".
        بكت الشمس ، دارت :" لمتكن على قدر جنوني ؛ فاذهب .. أشعلتني ؛و أنت أضعف من أن تتحمل احتراقي بك !! " .



        انتهاك
        أطلقت ريحها فى شرق البلدة ،. حطت فى بيدر الغلال ، طيرت بقايا
        قشور خلفتها رياح الجنون ، ووضعت بيضتها ، و لم تنس ، رشق ضحكة عريضة كشهقة شبقة ، و انصرفت !
        داعبت بيضة صديقتها كمومس متهالكة ، فضت قشرتها ، تجمدت .
        كان بعينه الذئبة ، وبراءة كأنها لمسيح ، فعانقته دون إرادة ، وغارت فى لحمه ، كأنها تختبىء من فضيحة ، ثم مابين ساقيه سألت : من أنت ؟!
        بينما كان صوت بكاء يأتيها من روح الغيطان كلحظة شفقية ، ملت حضورها!




        امرأة متمردة
        لها مشاوير مجنحة ،
        هيلا تجيد حبك الملاءة السوداء ..
        حول خصرها ،
        يستعصى عليها ارتداء عباءةوقور !
        هي امرأة متمردة أبدا.
        تلقى روعتها في أحضان أيِّ عابرٍ ..
        دون خوف .. دون وجع .. دون دون ،
        وتنادم ليلها في فراش أنثى ،
        أو تتلاعببوقار رجال ..
        في حمية ثور جموح ،
        لا تمل .. و لا يمسها لغوب!!
        و عندمايضاجع قصرها صفحة السحاب،
        وردة حمراء ،
        تلوك أفواه مدينتي موتاها فى العشاء،
        و تضع الحوانيتُ متاريس لذر الغبار ..
        فى الدموع .. والدماء ،
        ويعلققصابوها كلاليبهم ؛
        لسلخ ما تبقى من وجوه للنهار !!




        عيد ميلاد حبيبة


        وسط فرحةالأهل ،
        أخرجت سلسلة وعدتها بها ،
        وألبستها إياها ..
        فما كان من ملك ، إلاأن ..
        تعلقت بها و قطعتها وهى تصرخ !
        ضحكت كثيرا ، وبكت حبيبة ،
        ولكن حينأخرجت الأخرى ، وطوقت بها رقبة ملك ،
        كانت حبيبة تثأر لنفسها ،
        و أنا أشجعهاعلى ذلك !!



        * حبيبة : أولى أحفادي ( 3 سنوات )
        * ملك : حفيدتي الأصغر








        الوحش
        حينما رزقبمولوده الأول ،
        فرشت السعادة رقعة وجهه ،
        وحين رآه ،
        حمله ،
        وقدمهللوحش ، وهو يبكى !
        وفى الثانية فعل نفس الشىء .
        و فى الثالثة ،
        حمله،
        فضحك و هلل ،
        و عمده بماء النهر ،
        ووشم شعار القبيلة على وجهه وصدره،
        ثم بنفس الفرح وضعه على ظهر الوحش ..
        الذى مد خطمه ، وبأنيابه مزقه .. وتركالطفل !!

        دبلة ذهبية

        رقصبوحشية على إيقاع همجى ،
        جذبها .. أثخنها حبّا .
        رقصت بوحشية ، توهجت .
        التحما !!
        حنت لهدوئه ، لم تجده ..
        انسحبت ، احتضنت ثلج قلب تلو آخر ..
        تاهت فيها ؛
        لكنها كانت تبكى بصخب
        وعلى نفس الإيقاع الهمجى - كل ليلة _
        و تشاغب الثلج أن يذوب ،
        على دفء دبلة ذهبية !!



        امتياز مع مرتبة الشرف

        كان سر أسرارها ، دنياها الخاصة منذ أيام خمس ، وقت خلفته ، والارتباك يسيطر علىمفاصلها ، عبرت بابه تترنح ، ساقاها يتلاطمان ، يلتفان بها، تتعثر ، لولا مقعد إلىالجنب ، لكانت على الأرض :" موعدنا .. أي الليالي أنسب لك ؟".
        كانت تدرى ، يهدفإلى خلوة ، ربما بريئة ، عيناه لا تريحاها . تلسعانها تدرك صعوبة الانفلات منه :" ليكن الثلاثاء .. هل يناسبك ؟!".
        يغتصب بسمة كريهة ، يزحف نحوها ، يلامس شعرهاالمسترسل :" ليكن .. لكن حذار .. أنا أحب الالتزام ".
        التقطت منه ورقة ، جسدهاينتفض بعنف ، كأنها عارية ، لا يسترها شيء ، تلتف حول نفسها ، تلم صدرها بينذراعيها ، تقيه العين الذئبة . تتحرك متصنعة بسمة ، تذوب من أمامه كهواء .
        عرقغزير كان يتفصد من كل جسدها ،أصوات كثيرة تمزق وجهها ، أصوات بكاء تترامى من أعلى، فى وجوه زميلاتها تحدق ، تساؤلات تضنيها .. هى تسمع .. ما جرؤت واحدة بحديث ، فقطنظرات ، لا أكثر من لي الشفاة.. لكن أحداثا تدور .. تعربد فى روحها كفئرانمذعورة!
        كان فريدا فى طبعه ، ليس ككل أساتذتها ، يؤلفون ، يلقون بحثالتهم وقمامتهم ، هن يدفعن ، و يدفعن ، لولا الأم ما ظلت هنا ، عملها الإضافي على ماكينةالخياطة ، أتاح لها الكثير ، عرضها أيضا للكثير ، من المآزق ، فكم تعرضت لانتهاكاتأولاد الزبائن ، لا تدرى الآن كيف كانت تخرج سليمة ، ما بال رفيقاتها ، نعم هناك منتركب سيارة أحدث موديل ، وهناك أيضا المعدمة .. !
        ها هو الثلاثاء ، أتى بليله، آن موعده ، ماذا لو لم تفي بوعدها .. لم تذهب .. لم تبرح البيت .. ؟! الرسوب فىمادته يكون نصيبها ، مثل الخاملات .. نعم .. أيعقل أن يكون الامتياز فى كل الموادهو تقديرها ، وهذه بلا تقدير .. رأت وجوما وحرقة ، صمتا ممرورا ، أسماء اختفت ، وأسماء تباعدت ، وأخرى انداحت صخبا وتغنجا .. لكنهن لا يتكلمن .. لا يبحن بما كان .. أتعنى دعوته شيئا فاضحا ؟!
        كثيرة هى الأسئلة ، لا إجابات تقنع ، كلها تهويمات ،محض تخمينات .. سألت عن كتبه أول العام .. قالوا : لا يكتب .. لا يؤلف .. له طرقهالخاصة .. هو لا يكلف .. إنه أفضل دكتور بالكلية ".
        هومت حولها شياطين الأرض ،غربان الحقول . نال منها الرعب ، تراه يدنو ، يلقى بأوراقها للريح ، يرفع عنهاثيابها .. تتراجع .. يهاجمها ، يقبض على رمان صدرها ، يهتكها..يمزق ثيابها ، يعريها، بأنفاسه النتنة يخنق صدرها .. تقاومه ، تدفعه بعيدا .. تفشل ، يبرك عليها كقدر ،تصرخ .. لا أحد يسمع .. تصرخ .. تعضه ، لا يتوقف .. يكاد يكسر حوضها ، يفتتها .. يفسح ما بين ساقيها .. تجن .. تغرز أصابعها فى عينيه .. ينهار أرضا .. تطوح برأسها : إذا لا ذهاب .. المادة رسوب .. لا يهم .. كيف لا يهم .. يهم نعم .. آن الخلاص منهذه الطاحونة .. نعم .. لا تراجع .. لن يستطيع أخذ شىء برغمى .. نعم .. لن .. ربمامحض أفكار .. تهيؤات لا أكثر .. و هسيس و أقوال طائرة تحلق فى سماء الكلية .. لا .. إني خائفة .. مرعوبة .. تماسكي .. تماسكي .. لا يجب أن تشعر بك أمك .. لو أحست بكربما ماتت كمدا ؛ إذ كيف تزورين رجلا في عرينه .. اهدئي أرجوك .. اهدئي فقد أزفالوقت !! ".
        في لحظة شهيدة كانت تتخذ قرارها ، بإصرار عجيب ، وتعد نفسهاللمقابلة الواعدة فإما امتياز مع مرتبة الشرف ، وإما سقوط ، عرجت صوب المطبخ ، غابتقليلا ، عادت تحمل حقيبتها ، وفى فمها ثمرة فراولة ناضجة ، عادت أدراجها صوب حجرتها، التقطت ( قطرا صلبا ) ، وضعته فى حقيبتها ، بعد اختبار جودته !
        فى الموعدتماما ، كانت أمامه ، ما تصورت اللقاء في مكان عام ، فقد حملت الورقة رقم البناء ،و الدور .. كانت شلل متناثرة من أدباء و فنانين .. صعد بها أحد موظفي الدار ،بعينين شرهتين كان فى استقبالها ، قاعة فسيحة ، بها متكئات .. مقاعد ، كنبة كبيرة .. بعض بورتريهات على الحائط .. بش لها .. قبضت أصابعه كفها كملقاط ، سحبها إلىالكنبة كذبيحة.. رطب المقابلة بضحكة ، اتجه صوب الباب ، أغلقه من الداخل . اهتزت ،تصلبت ضلوعها :" لا أريد أن يزعجنا أحد .. اقعدي ".
        كان العرق ينضح من جسدها ،يغسله . قهقهات تلطم وجهها ، صرخات طائرة كنعيق بوم .. زحرح جسده . دنا منها ..يدهتمسك بالأوراق .. دنا أكثر .. كانت تتداخل ، تتراجع إلى أقصى ركن الكنبة :" مالك .. أخائفة .. لا تخافي .. هكذا الأمر ".
        هتفت :" أي أمر " اعتدلت واقفة .
        ألقىبالأوراق جانبا ، تراخى على الكنبة :" أنت هنا لأني أريد ذلك .. و إلا ".
        كشرمفتعلا . حطت إلى جانبه :" و إلا ماذا ؟!".
        هجم دفعة واحدة ، تركها :" لن يكونإلا برضاك أنت .. لن يكون غصبا ".
        نال منها خوف .. ذعر :" ما الذي تريده .. أمجنون أنت ؟!".
        قهقه :" أعرف أنك عذراء .. ليكن من خلف ". صرخ فجأة بقسوة :" انتهى .. لا أريد وجع رأس ".
        بطريقة أستاذية ، كان يرحل بها ، فى عوالم منخيالات ، يبنى فى رأسها قواعد المس الجميل ، عن الجزر ، و النساء ، و بلاد الإغريق، وهيلين و باريس ، تماثيل ولوحات دافنشى .. و مايكل انجلو .. مايكل وليم ..مانو .. فيلا فى اختطاف.. وهو يشكل معالم الخديعة حتى ظن أنه أصبح الآن قريبا من نيل وطره ،فح ، تلوى تحت وهج شهوته ، حط فى صدرها . نفرت .. كشر أنيابه ، سحقها كدودة ،تداخلت كقوقعة ، تلملم أربابها ، تقيم وتد يقينها دقا ، من هذيان و هستيريا إلىنمرة جسور .هاجمها بقسوة ، ألقى بها على الكنبة ، يفك أزرار بنطاله .. تحسستحقيبتها :" هيا .. انتهى "
        يد فى الحقيبة ، ويد معه .. تلوت بطراوة منهكة :" طيب .. أغمض عينيك .. أرجوك أرجوك .. أنا .. أنا مكسوفة موووت ".
        دون تردد كان القطربيدها ، و عيناه مقفلة بأنين روحه .. بنفس السرعة ، كانت تمزق قلبه !!



        برخلة *
        قال برخلة :" انتظر هنا سيدي بالقرب ؛ لتسمع ما يدور ، و ياليته يتراجع! ".
        قال جعفر :" لو كتبت لي حياة ؛ يكون لك فضل لا ينقطع ".
        و خطا برخلة ، فأذن له الرشيد . انحنى برهبة و خوف ، بل ذعر تملكه و مهابة :" هل أنهيت مهمتك ؟!!".
        تلجلج ، و لسانه تعثر ، لكنه كان يردد :" أنهيتها بأمر الله ".
        ثائرا هب الرشيد :" فأين هو .. أم قلت لك ....... ".
        امتقع وجه برخلة ، بل كل ألوان الطيف تشكلت بوجهه :" مولاي .. مولاي ".
        تأمله الرشيد ، و حوله دار ، ثم ضلوع المكان اخترق صوته.. ضلعا ضلعا :" الآن .. إن لم تأتني برأسه الآن ، قبله قطعت رأسك .. هيا ".
        فر برخلة في لمحة .. في هبة هواء ، و هناك كان مع جعفر :" أسمعت سيدي .. أسمعت ؟! ".
        وجها تملؤه الدموع هز جعفر :" و يا ليتني ما سمعت .. هيا .. برخلة .. ما أمرت به أدِ.. لكن أرجوك .. على وجهي ضع وشاحا أو غطاء ؛ حتى لا تضعف .. برخلة ، لا تجعلني أتألم .. هيه ".
        باكيا حمل الرأس ، في صمت تنحدر دموعه ، و هو يتأمله .. كم أنت رقيق جعفر ، وزيري الأحب . لكن صوتا للرشيد يدوى في جوفه ، لآنية أسلم الرأس ، وعلى وتر مارش عسكري ، تقدم بها ، من الرشيد اقترب :" مولاي .. هذى رأس وزيرنا جعفر .. هاهي ".
        بقوة صرخ الرشيد ، منتفضا هائجا ينادى ، مسرورا يأمر ، سيافه و جلاده الأكبر ، كأن صوته زئير أسد جريح : أمر مولاي ".
        بصعوبة ابتلع ريقه :" هات رأس برخلة ؛ فأنا لا أطيق نظرا ، في وجه قاتل جعفر .. هيا ، خلصني منه !! ".
        قبل أن يمسه مسرور ، يركع برخلة ، وهو يرسل نظرات ما ، و ظل بسمة استخفاف يموت ، كأنه يرى خليفته لأول مرة ، و أسلم نفسه لمسرور ، الذي دفعه إلى ذبح لم ينج منه !!




        * برخلة : الثابت فى بعض التواريخ أنه هو السياف الذى كلفه الرشيد بالمهمة


        انتحار غير معلن عنه !!
        أخيرا اتخذ قرارا نهائيا ؛
        وعليه الآن إعداد كمية سيانيد ،
        قدرها .. وحسب معدل ،
        يعرفه تماما ،
        وينهى فى لحظات مواتية ،
        كل أثقاله ، و يتلاشى كأنه ،
        لم يكن .. و ليس ذلك فحسب ،
        ربما أنهك ملائكة في البحث عنه ، وترميم عظامه ،
        يوم النشور ، و لو قدر له ،
        رؤية شخوص هذه الوكالة وهم يبكون ،
        ويندبون حظا عاثرا بعد اختفائه ،
        وتدمير كل ما أسسوا من تدابير ؛
        لضمه لحافظة العلماء ،
        أو الإجهاز عليه في حال فشلهم ذلك ؛
        لضحك حد الموت !!
        ضغط محرك جرامفون على موسيقى حالمة ،
        و أطفأ كل الأنوار ، ولم ينس لمس زر ضوء أحمر ،
        ورش قنينة عطر يحبها !
        تهادى وهو يتراقص صوب الحمام . البانيو ممتلىء ،
        تخلص من الروب بتراخ ونشوة ما،
        وهو يرفع رجليه عابرا إلى تابوته ،
        تذكر ملاكه المعد لرحلته المصيرية ،
        تأفف ، وهو يتراجع خارجا .. فجأة علا رأسه جناحا حمامة،
        ورف قليلا ، ثم لطمه بقوة ، و صفق جناحاه ..
        ارتعد .. لفته قشعريرة ثم أتاه صوت :"جبان .. جبان .. و أنت تعرف إلى أي حد أريدك ..
        لا تقتلني مرتين .. لا .. تقتلني .. وبلدا تريدك ".
        تراخم الصوت ، علا ، زلزله ، وحرك كوامنه ،
        ثم اختفى ، كما تلاشى جناحا الطائر ،
        بانهياره وبكائه الشاهق !
        هتف بعد إغفائه:" يا ربى ..أي شيطان يسيطر على ..أي شيطان ..؟! ".
        وأسرع صوب الحمام ، وعبر جدار البانيو ،
        ليتطهر من هواجسه .. و شيطانه ..استرخى ..
        نام بهدوء ، و دموع جافة تعلق بجفنيه ، بينما بسمة حلوة ترتسم معالمها بين شفتيه !
        بعد قليل كان قد اختفى تماما..
        وما تزال قارورة يسكن بها ملاكه في موضعها بخزانته الآمنة !!
        بينما كان فأر يهرول ، ويعبر باب شقته ،
        ويختفي في أول كومة قش صادفته !!


        دوائر تتسع
        دائرة اتسعت ، امتلأت .. فاضت ؛ فأغرقتني حد الموت . أتلاشى في محتبسها . طراوة عجيبة ، لها ملمس القطيفة ، تشبه إغماءة نزف حفظت أعراضها .. تماما حفظتها . فهل فعلا ..؟!
        ليتها .. لتنقذ روحي من جحيم يأكل قلبي ، بلا رحمة ينهشه . أغيب . بداخلي صراخ حاد . أحس بتمزق شراييني .لا .. لا ..لا . هرع كل من بالمسكن . بي أحاطوا . مذهول أنا على وشك الرواح ، لا أدرى ما بي .. لا .. لا . بذراعين ضعيفتين ألوح . الدنيا هنا ، تمسك بي . ببكاء مرير تخمد أنفاسي . حتى الرضع علا صراخهم . تساؤلات ، دهشة تأكل ملامحهم جميعا . سقطت أخيرا ، غبت رخيا .. رخيا !
        : " المجلة لم تصل صديقي ؟!".
        :" لم تصل كيف.. أقول لك شيئا ، لا تشغل رأسك .. كلهن كاذبات ! ".
        :" كيف كاذبات صديقي .. لم تسمعني هذا ؟!!".
        : " أقول لك .. دعك منها .. منهن ، إن كيدهن أقوى من حرصنا !!".
        رأسي ارتعشت ، أزت ، حلقت في عتمة اللحظة ، كلما لامست ما يناسبها تجاذبته ، أطبقت عليه أنيابها ، ما يلائم حزنها التحمت به : نفورها منى ، سخريتها من حديثي ، انصرافها المباغت دون كلمة وداع أو إلى لقاء ، أو باى ربيع .. يا ربى . هل هذا معقول ..هل ؟!!
        لا .. لا .. إلا هي .. إلا هي !!
        :" كلهن كاذبات .. كاذبات . أنت صديقي ، ولك على حق النصيحة ..".
        ساخت روحي ، بي المكان دار. الغرفة تمايلت . أصبحت داخل الجهاز أمامي .أتت كلماتها .
        :" هل أعجبتك القصة ؟!".
        : " جميلة .. حزنت لنهايتها ".
        : " لم حبيبي ؟! ".
        :" أحسست قهرا يشقني ، بل يرديني ".
        : " لا .. لا حبيبي . ليس أنت . هل أنت ..... ليس أنت ".
        في ترنيمة عتاب شجية ، كانت تطرق الأوتار بقسوة ، كأنها تنحتها :" أنسيت أنى لا أكتب إلا رسائل و عتابات إليك ، لا أستطيع اللف سوى في مداراتك ، أنت من أعرف ، من أهوى ، من أدور ساقيته ، أنت من أفهم ، أو أحاول ، ومن اتجه بكلى ..!! ".
        كيف يا ربى ، لست أنا . ليس أنت .. ليس أنت ؟!
        الكلمة الأولى في قصتها ، كانت نفس الكلمة الأولى في موضوع نشره أحد زملائها ، كيف اتفق هذا ؟! أنها تقول ، شيخ مهيب بلحية . وهو محض موظف صغير ، حدث . لا .. لا .. ليس هو . موضوعه لا يقول أن وراءه لحية كهذه .. نعم .. نعم .. ليس هو !!!
        : " كدت أنتحر من جراء خياناتهن .. صدقني !!".
        : " اهدأ صديقي ..اهدأ . لهذا الحد أنت ناقم عليهن ، فهل قرأت رسالتها إليك ..أجبني .؟!!".
        : " نعم قرأتها .. لا . هي مؤدبة و مهذبة .. و لكن ...........".
        تركته ، دون إرادة تركته ، لم تعد لي رغبة في رؤيته ، كرهته . لم أعتد منه ما صرخ به . حين كاشفته بحبي لها ، كان يناطحني ، يبعدني عنها .. و لأجلى سوف ينشر لها ، يضمها لطاقم تحرير مطبوعه الخاص ، بل يطبع أعمالها في كتاب . الآن . ماذا . ما الأمر ؟! آآآآآآه .
        كانت حرائق تمتد ألسنتها في كل جسدي . فتحت (مسنجر) لعينا ، ذاك المجرم الذي قتلني . كان يعطيني جهات الاتصال الخاصة بها اثنتين منذ أيام ، البارحة فقط ، ووقت ابتعدت عنى ، وغابت في ردها على ، أصبحت جهات الاتصال واحدة مفردة . تغابيت ، بلعت غصتي ، قلت ممغوصا أتلوى :" ربما إحدى زميلاتها ، أو أحد زملائها في العمل ".
        لم أقتنع ، أبدا ما هدأت . و ليست هي في حاجة لتبرير ، و لا في موقف دفاع عن سلوكياتها . اعتدادها بنفسها يقتلني و يبهجني . إنها في كل الأوقات ليست مطالبة بالدفاع عن أي تصرف لها . أنا أحترم قناعاتها ، و صلابتها . لكن يقيني يرديني ، يفتتني ، يعس بين خرائب روحي ، وطينتى ، يصيبني بالبله !
        رفرف جناحاى . أحسست بثقل النار . بوجه غاضب كريه حومت . أعصابي تهتز ، وتتهالك . أحط ثانية بحقد عجيب لا مثيل له ، أعمل بحثا عن بعض الأسماء ، عن ذوى اللحى أبحث ، أسماء بعينها ، أحس بملمس السجادة لسعة نار في أصابعي . يا ربى ، الرحمة .. الرحمة . أنكرت ما رأيت . لا .. لا . اصطخب هياجي ؛ فانفلت الكرسي . ارتطمت بالأرض ، وكأني بالفعل فقدت إحساسي بنفسي تماما .
        : " ..... و بالصدفة عرفت أنك كنت تحادث ........ ".
        أعود واقفا ، أغير كلمة البحث بهذه ، بالفعل أجدها .. أجدها . يالك من مسنجر مجرم .. مجرم و خطير !!
        صعقت تماما ، طوحت بالجهاز ، أحدثت صخبا وجنونا ، تقاذفت مقتنيات الغرفة هائجا .. شرسا . غابة من أعشاب سامة تفتك بي ، تعتصرني حد الاختناق ، أحتاج نفثة هواء .. هواء . التقطت هاتفي ، بيد مرتعشة كتبت :" منذ أيام كان المسنجر اللعين يعطيني ................أيكون الثاني هو بطل قصتك الجديدة ؟!".
        لم يطل انتظاري . جاءني حاسما ردها ، بله قاصما :" كان لازم تروح لكتابة القصص البوليسية .. لحد هنا وبس .. ودااااااااع !!".
        آه . ثور هائج . وداااااع . تكشفت الحقيقة ، نعم هي الحقيقة ، شمسا أصبحت خيوطها ثقيلة ، مدمرة :" ..... يا خسارة !!".
        : " ههه يا خسارة ؟!! .. فعلا يا خسارة الذوق يا رجل ، يا من تفهم بالأصول . يا عيب .. يا عيب الشوم ".
        ترنحت رأسي من قسوة ردودها ، وسخريتها و مرارتها ، تجرعت مرارة مقيئة . تناميل في المنطقة الخلفية للرأس . بهتت الرؤية أمام عيني :" وهنت عليك يا ..... أنا أموت .. أموت ".
        عند منتصف الليل أفقت . أين أنا ؟ محاط أنا ، منتهك بعيون كثيرة ، وجوه تراقب . وخزات تمتد في ذراعي . هياكل حديدية كأفاع ، تطلق أنيابها في لحمى . هنا لمرة ثانية و ثالثة و رابعة . الأسرة بيضاء ملوثة بدم . لم اندهش . كنت أرى نفسي ، كنت أنتظر ، فهل تكون نهايتي ؟! ليتها تكون . أتذكر كل الأحداث ، ضعيفا متهافتا ، كأني مازلت واقعا تحت تأثير غيبوبة . برغمى يشكو لساني ظمأ . تمتد أياد بأكياس مشروب . أباعد بيني و بينها ، أدير وجهي . لا أريد .. لا أريد ، أريد الموت ، الآن ، أريده فورا .و هي .. هي .. كيف أتركها .. كيف .. كيف ؟!! أجهشت . أنسيت ما تفعل بك ، أنسيت آخر حديث لها ، أنسيت ما أعطاك البحث ؟!
        كله كذب ، عمى ، محض تهيؤات . نعم .. لا صحة لشيء ، تخمينات قذرة ، كلها بهتان . هو أطلق الأفاعي ، هو هذا اللئيم .. لكن . لم تكن الأمور معتدلة .. مستقيمة . هو . لم تكن القصة ، ما كانت أول لفظة سبب سريان السم ، لم يكن موضوعها .. آه .. رأسي .. رأسي .
        غبت ثانية . صرخات مكتومة تتردد حولي . أحد الأولاد يهرع ، يستدعى طبيبا . مازلت أرى . في غيبوبة الوهم ، والحقيقة الكاذبة . أنت لا ترى سوى جانب واحد . أكيد هي تعرف بأمر هذا المسنجر ، أليس غيره بأكثر سرية و تلاعبا ؟!! إنك تتصور ، وحدك تفهم ، وحدك تلاحظ ، وحدك تفكر . يالخيبتى ، وجنوني . لوحت تجاه امرأة ولدى ، اقتربي . دنت . همست :" صباحا .. ارسلى لها رسالة ، طمئنيها على .. هيه .. أرجوك ".
        sigpic

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          انسحاب
          مسح المكان بعين دامعة ، ورفيف يلامس أذنيه : لا .. لا .. انتظر .
          أزال ما ندى وجهه ، و استدار متحركا ، بخطى ثابتة ، هزه الصوت ثانية :" كنت قابضا كالموت ؛ كنت .. لكن لا يهم ، سأحاول أن أرى ما كان نقيا ".
          لا يتوقف ، رغم نداءات تلاحقه ، تكاد تشل حركته ، هاجمه نعيق بوم ، وغربان ، تتخطف ملامحه ، وتنهش رأسه ، أحس برائحة دمه ،برأسه تتفتت . يمسد شعره ووجهه ، امتلأت كفه بدم طازج ، و بنفس الخطى ، كان خارج البلدة ، عبر جسرا ممتدا ، حدقه قليلا ، وعبث بجيبه ، كانت قنبلة بكفه ، ألقى بها ناسفا الجسر ، و خطا على آثار أفيال مرت من هنا ، قادته إلى تبة ترابية ، حط عليها ، وبأظافره كان يحفر .. يحفر .. يحفر ، بينما الأصوات تتداخل ، و بقوة ، تصرخ ، و هو لا يتوقف ، حتى أفلح في حفر بئر في ارتفاع قامته ، وتسع عوده النحيل واقفا !!



          امرأة تبدع نفسها
          مفتونة هي . تضنيها حدقات التشهي ، تسلكها انتشاء ورحيقا . يفيض شلالا ، يقتلع أعشابا جهنمية ، أثقلت على مدى الوقت روحها .. أرضا خصبها جنونا قهر ماحق ، أنجب مواليد شائهة ، أثخنها جوع أبيد ، لمعانقة صهيل أوردة ، تأبى الامتلاء . ظمأ على ظمأ .. على ظمأ . والنهر ينازع روافده .هى تأبت عليه عوارفها ، نضاحة بحنين حد الشهقة . زهرتها انقباض صارخ ، أنفاسها وهج ، وريحها عات . تشقى روحها ، تجندلها ، وهى كعبد آبق ، تصعر زفراتها حد اللهاث !
          تشبثت بكامل مخالبها ، فى لحظة عبقرية تلاشت ، أطبقت جفونها على إلف ، قرت . تعبر يمامات بقرب عشها . تومىء ، ترمى حبات الغواية . يثور تنينها ، يرجفها . تطقطق نار وحشتها بألف حريق وحريق . تكاد تقضى . هو يجذبها حد التعشق ، فى صدره الحنون . ترتجف ، تحلق فى ارتعادة ؛
          تتهالك أنياب نينها ، يبتلع ناره ، يغفو لاهثا ، يذوب حنانا ودمعات نبيلة !!
          على غفلة .. وربما خلاصا أرادت ، سموا لروحها ، تقنفذت فى رحم عاطفة نبية ، كهرة أغفت . غفا تنينها ، انسحر !
          تبصقه ، تصليه دهسا بحذائها ؛ لتقبل وجهها خيوط صبح ، اشتاقت لطلعتها ، تذوب تحت قدميها حبات الحصى . يقهقه الإسلفت مفعما . تطل من بين السحب نجمة ، شبيهة بها ، كأنها هي .. هي . يرتعش وجهها سنا . تفرط ضفائر حنين حين تصهل خطى إلفها ، تمشط حزنها فرحة لا تغيب !!
          تموت شهيدة خلاصها . نعم .. هي تريد ، فتلوذ بإلفها .. حبها ، تكون بين ضلوعه ضلعا ..لا ينفصم ، تحطم به أنيابا ، تهتك حبالا تغل روحها ؛ تشرق شموس من وجهها . يطلع نهار من جبينها . تواكبها في عرس كامل الصخب والرحيق فراشات لها أنفاس براءة حيية ، وغناء كوكب درى


          انهيارات
          أخيرا ضجت جدران النادى ، بل وحديقته ، و حمام سباحته ، وقت ظهرت آثار دماء فى كل الأماكن ، كانت تأخذ أشكالا مختلفة ، مع كل دفق جديد ، و رائحة أنفاس مغايرة ، و كلما مر عابر وبذراعه زوجته ، أو رفيقته ، كانت تسمع أصوات تأوهات ممزقة ، كأن النادى تحول إلى مقبرة ، أو على وجه أصح ، ميدان قتال سرى ، حيث السطح هادىء تماما ، و إن كانت مسحة غموض تغلف السكون ، وربما تواطؤ ما !
          من فورها أعلنت إدارة النادي عن حفلة تنكرية للوصول إلى فهم أصح ، لما يدور بين ظهرانيهم ، متناسين تماما ، أن معظم أو كل الرواد يلبسون أقنعة ، ربما تتغير أشكالها ، ومادة صناعتها ، كل ليلة ، بل و حتى بصمات الأصابع ، للفرد الواحد تأخذ أشكالا جديدة ، كانت في بعضها أقرب للطيور الجارحة !
          وفى ليلة مشهودة كانت مفاجأة شلت الإدارة ، بل طوحت بكل أفكارهم الرومانسية ، و الطيبة ، و أفقدتهم القدرة في السيطرة على أعصابهم ، فنال منهم جميعا جنون ، كعدوى وبائية ، وأودعوا مشفى الخانكة بلا استثناء ، بعد السيطرة عليهم من قبل أجهزة الأمن !!
          استدعى ما حدث تدخل جهاز أمن الدولة ، وحين تحرك رجال الجهاز في أروقة النادى ، و راحوا يعسون كعهدهم ، لم يصلوا إلى قناعة ، ومعرفة أكيدة بما تم ووقع ، و لولا أهمية الأمر لانصرفوا فورا ، و اعتبروا الحالة استثناء ، لولا ظهور مصور الحفلة ، الذى كان يشبه مصوري القرون الوسطي ، في نحافته ، وحركاته الاكروباتية ، و طريقة حديثه ، التي عاجلتها لطمة من أحد الرجال ، و ركلة لسيدة من الجهاز نفسه ، فخر باكيا ، غامزا بعينيه ، و أعطاهم حقيبته ، فتناولتها كل الأيدي ، بمخالب حادة ، ومزقتها ؛ لتساقط مجموعة كبيرة من صور نادرة ، كلها كانت للحفل !
          شد انتباه الجميع كثرة الحاضرين ، وغلبة الكاركتر الهتلرى بينهم ، و أيضا كاركتر صبيان العوالم فى شارع محمد على في الخمسينات من القرن الماضي .. و لكن الأمر بدا طبيعيا تماما ، و ليس من جديد فيما تحمل الصور ، فجأة علت صيحة بينهم : انظروا ".
          التفوا حول صورة ، تعد من غرائب الطبيعة ، فقد أخذت بشكل يستدعى حرفية خطيرة ، لمشهد لن يتكرر ، وفى لحظة زمنية خاطفة ، حيث كانت كل شخصية تنقسم إلى شخصيتين متلاصقتين ، لرجل و أنثى ، و لرجل و رجل ، و يغلب على لباس الشخصية الوليدة ، رداء حاخامات الصهاينة ، أما النساء منهم ، فقد كان لهن أذناب أفاع ، و إن لم يكن واضحا فى الصورة ، على هذا الشكل ، و فسر من قبل الجهاز على أنه محض ظل لأعمدة الإنارة !!
          الذي أطار عقول الرجال بالفعل ، ودفعهم صوب حمام السباحة الممتلىء ، و إعلان حالة انتحار جماعية ، هو أن الوجوه كلها ، كانت تبدو زئبقية ، لا تكاد تمسك باليد ، كأنها مصنوعة من دخان ،أومن مادة قابلة للتلاشي ، فهاهي صورة أخيرة ، تسجل حالة انهيار ، و تفتت وجه من الوجوه تماما كما تنهار مؤسسة أو منزل مفخخ !!



          صعب عليك أوديسيوس
          مهداة للمبدع المغربى : دريسى مولاى عبد الرحمن
          :" ومالنا و هيلين ؟!!".
          :" مالنا .. غريب أمرك أوديسيوس ".
          :" وما وجه الغرابة سيدي ومليكى ؟!!".
          :" أقول أختطفها باريس ابن بريام ملك طروادة ".
          :" لكنى أعرف باريس ، إنه أجبن من أن يفعلها . هي ذهبت معه ".
          رداء بينلوبى سوف ألبس ، نعم ألبسه ، لم لا . كيف سمحت لك بالمغادرة ؟! كيف هنت عليك ، عن بيتنا ابتعدت . كل ركن فيه شاهد . كل لحظة فيه ، كل أثاثه ، صخبه و صمته ، شاهد على مولد عبقري ، فى ذات ليلة ، وقت تخلق القمر ، تخلقتُ من عدم .. نعم من عدم ؟!!.. كيف أصبر على فراق فرض على .. و عليك . أنا أوديسيوس ، هنا أنتظرك ، ثوبا أغزل بدلا عنك ، و نساء أطارد .. نعم ، لهن لن أسمح بشغل دقيقة ، هي لك ، بكل تأكيد لك ، حقك في ، حقك على ، لهن لن أسمح ، بمنعي من رحيل إليك ، حيث تكونين ؟!
          هل أزف الوقت .. بينلوب ، هل انتهت حرب مقدسة ، أعلنها الغبي أجاممنون ، انتصارا لرجولة له على ممالك ، و ملوك استجابوا لدعوته ، مثل خراف ملعونة ؟! يحشد عالما لأجل امرأة طائشة ، لنهم يسكن فاسده ، وعنترية ظامئة لدم بشرى ..نعم ، كان لا بد أرفض ، لست شاة ، عجلا أو بغلا يسحب ، ما كنت أدرى ، يدبر كارثة هو ، أجاممنون اللئيم ، يدعى أن آلهته أخبرته ، بضرورة رحيل بينلوبى ، مع حملته بديلة عن أوديسيوس.
          :" أنت تهذي أوديسيوس .. تهذي !!".
          :" أنا أهذى .. أستطيع محاربتهم بينلوب .. وحدي ".
          :" لا حبيبي .. بل نساير الأمر ، ونرضخ لحكم الآلهة ".
          :" أية آلهة ؟ هذا زعمهم .. أفيقي سيدتي ".
          :" وحق محبتي لك أعرف ، أفهم ، لكنى أخشى عليك .. أخشى !!".
          أخاف أنا ، أخاف نعم .. أمعقول ؟! أيدير رأسك أحدهم ؟! الرحلة طويلة ، و مهلك ذا السفر ، الأبطال يملأون الأسطول ، و أنا هنا قعيد .. قعيد .. كيف سمحت لك ، كيف ارتضيت ، أكون للغزل هنا ، أنسج الساعات و الأيام ، و أعود لنقضها ؛ ليبدأ نهار آخر ، وأحلام أخرى ؟! و أنت ، أنت بعيدة ، لا أدرى ، ربما أعرف كم تقتاتين حزنا ووجعا .. نعم ، لكن عواصف و أنواء ، قادرة على سلوى ، و نسيان أوديسيوس ، حبيب تعشقين !
          هاهو وجهك ، هاهي أنفاسك تهاجمني ، هاهي صورتك ، بينلوب ، أريدك ، أكاد أهلك حنينا و شوقا ..آآآآآآآآآآآآه . كيف أواجه نفسي ، كل يوم ، كل ساعة . تعبت كثيرا ، لابد أفعل شيئا ، عاجزا لن أظل ، مكبلا أعيش ، أموت كل ساعة ، كل لحظة .. لا .. لا . أجاممنون أيها الجبان ، مميتة رحلتك ، و غير مقدسة حربك ، غير شريفة ، و أنا ملوث هنا ، ملوث بالرفض ، لن أنتظر ، إنى قادم إليك . أنت تريد سلطانا ، لص حقير أنت ، إذ سمحت لنفسك ، خديعة طيبة وكورنثا وأسبرطة ، أوربا كلها ، تريد آسيا ، ذليلة تريدها ، تحت قدميك راضخة ، وهم ، شركاؤك ، هل تقاسمهم ؟! لن تقاسم أحدا. أنا أعرفك ، أنا رأيتك ، جيدا عرفتك ، لن أمارس دورا ليس لي ، و غزلا و نسجا أرتضى هاهنا ، حتى تعود بينلوبى ، نعم ..الآن أرحل ، لابد مدركها أنا ، و عودة بها تكون إلى هنا ، إلى بيتها .. لا تراجع ، بدونها حياة لي مستحيلة .
          أجاممنون ، إني قادم إليك .. قادم إليك ، لا بد من مواجهتك ، ومواجهة رجال حملتك ، وكشف مزاعم لك ساقطة ، كفاك تخريبا ، قتلا ، كفاك دماء ، آن أن تذهب ، ويذهب معك زوج مغدور ، إلى الجحيم .أنا أوديسيوس ، أقول لك ، لابد من رحيل ، عن هذه الحملة ، بل عن الدنيا كلها ، لن أزرع شتلات انتظاري ، كل صباح ، وكل مساء ، نعم ، بينلوبى .. بينلوبى ، إني قادم إليك .. قادم ، قبل أن يطلق ترهاته ، فى كل الدنيا ، سوف يشهر بي ، و ربما منع عنى الكلأ ، و الماء ، أخضع الجميع ، و أبعدهم عنى ، فلا بيع و لا شراء ، لا .. لن أنتظر ، ويل أوربا ، ويلها منتهافت ملوكها ، كذبهم ، عشقهم للدم ، السرقة ، السرقة والنهب .. بينلوبى .. بينلوبى !!
          هاهو طيفها يأتي من بعيد ، من هناك ، من قلب البحر:" أوديسيوس حبيبي ".
          ارتج جسمي ، ارتجف بقوة :" من .. أمعقول .. أنت .. أنت ؟!".
          تحلق في ضبابة كملاك هائم :" نعم .. أنا .. ألا تصدق ، روحي معلقة بروحك ، أوديسيوس العظيم ، ملئت بك حد الهلاك ".
          هنا . لم أستطع تماسكا ، طرت ، حلقت ، عانقت طيفها :" إني قادم .. قادم ".
          تهللت راقصة ، و هي تتراجع ، تختفي ، بينما أندفع ، ألقى بنفسي للبحر ، متناسيا أمر الرحلة ، عظم المسافة ، متناسيا أمر آريس ، و الإله زيوس ، كل الآلهة تناسيت ، ليس معي ، سوى صورة حبيبتي ، مجدافا ، و قاربا ، و طوق نجاة ، لرحلة صعبة ، قد أعود منها مهزوما .. على كل حال !!




          مطاردة
          مغرمة هى بهذه اللعبة ، ترتدي قبعة ، وبنطال جينز ، وحذاءً بمهماز .بركوب خيل تتباهى بين قرينات لها ، تركض فى ضبابة حلم .. لرعاة بقر ، مطاردة هنود حمر . تشتاق نهاية ما ، بأظافرها تنهش في رخام وقت .. أبيد هو . تصرخ فى بيداء ، تنقش اسمها على جذوع نخل و شجيرات ، لا يهم كانت توتا أو زنزلخت . طائرة محلقة تشدو . عيناها تعزقان دمعا ، ما طفر من جفن فى استدارة وجهها ، ما جاوز حدا من حزن وشجن . فى هباء تحلق ، تتعجل أزمنة قادمة بموت محقق ، معاندة أزمنة تأكلها عفونة مقابر ، ترمح تجاه ريح مواتية ، لا تمل من نخز بطن مهرها . يقفز طائرا ، بغية ملاحقة ثور شارد ، يحاورها بمزاج وتلذذ ، يقتلها شرودا . في قيظ كانت تطارده ، بمهارة ترمى حبلها ، مرة تلو الأخرى ، ما أدركها فتور أو ملل ، تعيد الكرة متلبدة بشعر طائرها ، تفلح أخيرا في قطع طريق له . محاصرا يخفف من ركضه ، يلهث محركا ذيله ، يتهادى برشاقة قط ، يلتقط أنفاسه ، يحدقها بنظرات ماكرة . تحوم كقدر نافذ ، بكبرياء تدنو ، تجذب حبلا يصلها بضحيتها . يتمايل قليلا ، بعينين غاضبتين يقابلها . تفزع متراجعة ، تتلوى على برذعة مهرها ، تبش فى وجهه . يهدأ ، يهز رأسه ، فجأة يتربع أرضا . تترجل متهللة ، تياهة بمقدرة تسكنها ، مبدية مهارة بحبلها . تخطو نحوه ، يحدقها بحنان عجيب . تضحك فجأة ، مقهقهة بافتعال واضح ، سادرة هى فى سعيها . يلاطمه ضحكها ، يحسه لطمات . ربما يتساءل : هل تسخر منى ؟!
          تعلم ، ما كانت قادرة ، لولا روح طيبة تسكنه ، تتمايل .. ياله من مشهد صاعق . تتغنج ، تصبح عند رأسه . شيطانية نظراتها . تبص فى عينيه ، تشهد صورتها . تبدّى قزما أمامها . تبتلع ريق متعة . ينهكها انتشاء فاضح . تحط قدما على رأسه : "كيف شردت عن سربي ، كلهم خضع لي .. كلهم كان طوع يميني . أما أنت ، أ تلتذ بشقائي ، بمطاردتي لك .. ؟!! الآن تعرف من أنا .. من أنا ".
          فجأة يفيق ، مباغتا كان هو ، يثور نافضا خطمه ، يوقعها أرضا ، يطوح رأسه بغضب ، وبكبرياء عجيب ينظر ، يستخف بها . فزعة متهالكة كانت . يخلفها ، يخطو مبتعدا . هي تصرخ . حبلها يجذبها إليه . لا يتوقف .. لا يلتفت لصرخات يعرفها ، بهدوء يبتعد . مجرورة هي ، بوحشية تنقض على الحبل ، تفك ارتباطها ، تفشل ، تصطدم بصخرة ، تتآوه . تتفجر دماء على جبهتها . غوثا ترجو .. لا مغيث . بأسنانها تحل أنشوطة حبل ، صاغته هي ، صنعته على عينها . في نفس الوقت يبعد بخطمه حبلها ، يتخلص منه ، يتلاشى الخطم ، كسحر كان أنفا أشم . تتنهد ، تمسح دماءها . يصبح نقطة ضئيلة . تهيج شجونها ، ترتعب . يغيب عن عينيها . يرتعد ألف نخاع . يبتلع صرختها رمل ومدى . تصرخ ، تئن متهالكة ، تهم راكضة ، تسقط أرضا ، تئن ، تصرخ ، تلهث متقدمة ، بصعوبة تنتقل ، تلاحقه باكية ، شاردة هي بين ثور تفلت من بين أصابعها ، و ثور يهجع في قفص يسكنها !


          سوف ترى بلا شك !!
          مهداة للحميم : رءوف سالم
          أخيرا أتى صديقي ، بصوت مألوف نادى . هرعت ملبيا كما هي عادتي دائما ، حاضرا معه أكون . تعانقنا . شددت على يده لنصعد . استوقفني ؛ تماما كألف لخطاط ماهر. عاودت جذبه . مثلي كان نحيفا ، ممشوقا كغواية ، بأبطال روايات رومانسية فاتنة يذكرني دائما :" ألن تصعد ؟!"
          التقط أنفاسه . علت بسمة حلوة وجهه :" لم يعد وقت .. أسرع بارتداء ملابسك ".
          يبدو أن أمرا ما يشغله ويقض هدوءه ، كل عضلات جسمه ناشطة.بالصعود ألححت عليه :" ألا نشرب الشاي أولا ؟! ".
          بشكل مثير كانت أعصابه متوترة . لم أطل ، صعدت أنا ، ارتديت ثيابي كيفما اتفق ، معه في الطريق خفيفا كنت ، ربما أعرف حدود اهتماماته ، قصة حب يعيش ، آخر قصة حب في عمره ، موله بفتاة بكر ، كانت في عمر ولده أو أقل قليلا مما أثار عجبنا ، دهشتنا وحسدنا نحن أصدقاؤه . كانت مجازفة ، نعم مجازفة ، لكنها تليق به ، لا تعقل أبدا ذي الوحشة التي تقاسمه ، في كل حالاته ، نهاراته و لياليه ، بالتأكيد هو ما فعل شيئا . أمام ورشة حدادة توقفنا ، أشار إلى مجموعة من حاويات قمامة صغيرة :" أنت . لن تتركني اليوم..ألست صديقي ؟!".
          تعجبت من قوله :" هل عندك شك .. أنا طوع أمرك ".
          أذكر يوم تعارفنا ، كان كجنرال عائد من آخر هزائمه ، مخلفا وراءه كل شيء ، حتى شهادته الجامعية ، متخليا عن أسمى أحلامه ، تلك التي كلفته عمره ،و أسرة صغيرة ، وامرأة تعشقه ، رافضا أي محاولة لنيل حصته من فقر وطن وانهياره ، تحت أي مسمى ، أي تبرير ، كما فعل الجميع ، قرر و بشكل عجيب ، أن يعيش يوما بيوم ، دون حتى الفتات !!
          حملنا بعض الحاويات ، قصدنا خطاطا . بضع كلمات خط عليها: وكالة آمون للإعلان .. مع تحيات مجلس المدينة .. ناجى فريد . لم يستغرق الأمر وقتا . عدنا نحملها . يسر إلى :" سوف نعلقها هناك عند مدخل المدينة .. أمام شركة تعمل بها .. هيه .. ما رأيك ؟!".
          كان يتكلم ، في وجهه دماء تتفجر ، كمراهق صغير . أعصابه في حالة توتر متزايد ، توتر واضح . يتعجلني ، بل يسوقني . أكاد أضحك ، بل أتفتت من الضحك ، مع ذلك أحسست بمتعة ما ، تستولي على ، تدفعني للعب دور معه . فجأة راحت زخات مطر تعلن عن يوم شتوي :" ناجى .. لم نعد صغارا " .
          ارتعاشة عجيبة علت وجهه . حدقت فيه ، كثيرا تعجبت ، لم يكن على مثل هذا القدر من الجمال .. يا ربى ، كان رائعا بشكل لم أتصوره ، مما دفعني للمواصلة . زخات المطر تتحول إلى سيل . أحسست بالبلل . برد منعش يغزوني . أخيرا دنونا ، أصبحنا أمام الشركة ، مع كل عمود إنارة كنا نترك حاوية ، حتى وزعناها . المطر يغسلنا ، يطفىء بريقا كان يتلألأ ، يضفى جمالا على صناديقه . عاودنا لتركيبها ، أسفل العواميد كنا ؛ بينما صوت صفير يتعالى إيذانا بخروج العمال و الموظفين .
          كنا فى حالة يرثى لها تماما . عن رونقه و بهائه كان وجهه يتخلى ؛ فلم يكن يتوقع أن تضيع محاولته هباء . انتحينا جانبا ،محاولين التماسك . برد كان ينتشر في جسدينا بسرعة :" قل لي .. هل سترى .. تقرأ ما تحمل الحاويات .. تكلم ..لا تتركني أهذى ؟!".
          ابتسمت رغما عنى :" ربما صديقي .. لكن لن يكون ذنبنا إن لم ترها ؛ المطر يفسد شتلاتك ".
          كان طوى ذراعيه على صدره ، في محاولته للاستدفاء . أتحرك ، أجذبه بشدة . يخطو غصبا :" هيا بنا .. سوف ترى بلا شك .. انظر .. أليست هي ؟! ".
          ركضت خيول قلبه ، بمجرد رؤيته لها . سمعت صهيلها ، رأيته يمتلىء بشحنة عفريتية ، يلتف حول نفسه ، يتحول إلى دوائر متداخلة ، تصاعد أمام عيني ، تبتعد .. تبتعد ، تصبح هناك في بطن السماء . دهشتي تحولني إلى مشهد هزلي ، حين أفقدتني اتزانا ، أوقعت بي أرضا ؛ مما استدعى ضحكا صاخبا ، نشط بين جموع العابرين !




          استدعاءات
          حول رقبته مفتاح وحيد يزن رطلا ،
          و خيطه يتثنى مارا بخرائط جرحه .
          و بين طرفة عين ، و دغدغة أذن .
          يطوى شباكه ، و يدنيها من فمه ،
          كتعويذة ،
          أو تميمة سليمانية هى ؛
          ثم يطرحها فى بحره ،
          ويمضى شاديا ..
          بينما عيناه تتابعان كفى رجلين متشابكين !

          دعته إلى عريشتها ..
          فطار فراشة تبغي انتحارا ،
          و قطف وردا .. وزهرا.. ونوارا ، ورش بهجته ،
          بقوس قزح .. حد الانتشاء !
          أمامها..جذب تميمته ..
          التصق بها قلبه .
          غنجت ، رشت زفرات شوق لمقدم بهي ماءَ وجهها .
          طاشت خطواتها ، و هي عائدة بفنجاني بن يرسمان حدائق بابلية ..
          كان يسكنه خيالا !
          انفصلت ذراعه تلمها ،
          وتقيل سحر خصرها .
          مفتاحه يهتز .. يطلق سراحه ،
          فيتلوى ، يلطم قلبه .. بطنه .. ويدمى سرته ؛
          فتخبو جذوة ، وينطفىء بصيص جريمة !
          :" كنت أتحين دعوتك !"
          :" أخيرا .. كنت قاسيا !".
          :" كان حائلا .. ما أفلحت في إسقاطه ".
          تهالكت ضحكا .. وغرورا : ظننتك أفلحت ؟!".
          رشقت التميمة بطنه .. توجع ..
          واسود وجهه .. تراجع : " هو يحبك حد الابتلاء !".
          هذه المرة قهقه كرسيها الدوار :" ولم أنت هنا .. يا أنت ؟!"
          أردفت :" ما بالكم أيها الـ ......... ؟!".
          تمزق عريا .. تمتم بكلمات اختزنها مفتاحه ..منقبضا تلعثم .
          لا يعرف كيف !!
          على غفلة منها .. تبخر .

          بمزاج تتذوق حدائق لذتها ..تشفط رشفة ..تتوهج جذوة .. يستباح ترابطها !
          حطت صورة الآخر .. تآوهت :" أنت .. و لا أحد سواك !! ".
          حلق أعلى رجفتها صوته :" لم تفعلين ؟!!".
          صرخت :" ذق بعض ما سقيتنى .. وتسقينى ليل نهار ! ".
          الليلة .. سبقه مفتاحه لعريشتها ، وجها تقصمه الظلمة ..
          فى الظل كان أسود حد القتامة
          :" ما كان يجب .. هو ... .. كيف سمحت ؟".
          قهقهت حتى تحللت أعضاؤها :" و أنا أحبه ".
          تباعد مفتاحه ، اختفى تماما . وكان هو :" ولم كانت كل هذه الاستدعاءات ؟".
          فرش الألم رقعة النهر ، وجف حد التهالك . ضحكاتها تسكر ليلا حط خيمة
          ملونة :" كم أعشق رؤية لهاثكم ، خياناتكم ، جيفة ضمائر تجيدون جليها وتبجيلا لها تفعلون ".
          تشظت عقدة مفتاحه ، تفحمت . حلق رائعه في فراغ ، ذاب . أقعى أرضا ، تمدد على قطيف إغماءة ،
          مات !



          آخر شطحات المغنى العجوز
          كان المغنى العجوز يتحرك صامتا ، بإهمال يخطو ، و رأسه تتأرجح على كتفيه كقتيل ، و في حدقتيه بضع حبات تتلألأ ، لا يدرى في أي طريق يمضى ، في أي الحارات تضعه قدماه . في حساب عسير هو ، يضرم نارا ، يذكي لهيبها ، بالكثير الكثير ، مما كان يؤمن به ، بل و يندفع كثور إلى تحقيقه ، وإن استعصى عليه ، وعلى رفاقه من المهووسين ، بالفن ، والوطن ، والناس ، و الـ.....!!
          علا نشيجه ، ارتفع بعض الشيء ، طارده حد الاختناق كظمه ، حد التلاشي . أسئلة صعبة عن طبيعة هذه الرحلة التى يقطعها ، هنا فى دروب ما رآها من قبل ، و مثقال ذرة ما خطرت بباله ، و إن كانت ميسورة ، و ليست مستحيلة ، جريا خلف وهم .. وهم نعم ، ربما ظنه حقيقة ماثلة أمام عينيه ، و برغمه كان صوته فجأة يعلو :" نعم .. تستحق .. تستحق .. لكن !!".
          بكلمات تتقطر شجنا .. لم يستطع معها استمرارا فى الحركة ، حط على عتبة أحد البيوت المغلقة ، متناثرا دوى صوته ، ملقيا بنفسه لصمت مكان ، ابتهج له ، و به أنس ، ردد صداه في الحي كله ، بل دواخل البيوت عطر ، و ضمخ متسللا فى مغاليقها ، جذب النائمين ، فهاموا بأردية النوم .. عراة .. حفاة ، يتثاءبون ، و قد اتسعت أحداقهم . دون هسيس فتحت شبابيك . أقبلت أسراب من فراشات ، بألوان مفضضة تحلق ، على ضوء مصابيح الشارع ، الأكثر نورا!
          بأنفاس عذارى اختلجت شبابيك البيوت . وزوجات ،وأرامل ، و ابتسامات حلقت ، تنهدات ، و آهات ، بل و رقصات ناعمة ، طغت على أصوات أزواج ، ضربات ، و لطمات ، وشبابيك بين فتح وغلق . سادر هو ، لا يرى ، لم يعد يرى ، حتى ملائكة تقترب منه ، وأعلى رأسه تحلق ، و ترف بأجنحة ساحرة ، كألعاب كرتونية .. !
          عم الصمت المكان بمجرد أن فتح باب يقعد على عتبته ، بل و اختفى المغنى أيضا في لمح البصر ؛ ليخلف زفرات ، و انكسارات ، و دموعا كانت تتوارى خلف شبابيك رجعت إلى سابق عهدها !
          في نفس موعد علا فيه صوت المغنى الليلة الماضية ، كانت شبابيك ونوافذ تفتح ، وصبايا ، وأرامل ، وسيدات تتحلقنها ، بينما أزواج في حالة ضيق ، و تبرم ، وربما غضب ، بين وقت وآخر ترتفع حدته ، وتصل في بعض الأحيان إلى زجر و ضرب و سباب ، و شتائم لا أول لها و لا آخر . الأبناء من الشباب ، يترقبون ظهور هذا المجهول ، الذي أشاع الفوضى ، في ليلهم الطويل ، جاء كومضة اتسعت لها أحداق سكنها نوم قاهر ، وكثيرا استوطنها!
          بطيئا مر الوقت . القلق وتر ينهك الروح ، و انكسارا يدميها و حزنا ، إلى حد تسلق الشبابيك و صل بهم الحال ، و مط الرقاب ؛ مما أدى إلى تساقط البعض ، من أدوار عالية ، و إلى كثير من خرف دفعهم ، وفى نهاية الأمر كانوا ينسحبون و هم يتساءلون : هل بالفعل مر مغنى من هنا الليلة الماضية ، أم كان حلما يراودهم ؟!
          عصابة وضعتها هي ورفيقتاها على وجهه ، ساعة سحبنه من فوق العتبة . كانت في موضعها ما تزال حتى ما بعد الانتهاء ، من اغتصابه حد المرض ، و استلقائها منكهة ، منتشية ، تعالج دهشة عجيبة ، من حرارة مقاومته لها ، ولهن ، اجتازت حد الصراخ ، لولا يد لها تكتمت أنفاسه ، و أخرى تشده بعنف ؛ لدوت فضيحتها في أصقاع الفراغ ، و غزت بيوت الحارة ، بل عبر حارات قريبة تدحرجت . بعد ما انصرفت رفيقتاها ، و تركتاه لها ، فريسة سهلة ، بعد أن قدمتا وصية لها ، بضرورة إلقائه في أقرب حاوية للقمامة !
          متوجعا كان يبكى منهكا ، يكاد يلفظ أنفاسه . هذا أربكها، بل واعتصر روحها . ركضت صوب المطبخ ، عادت تحمل كوبا من كوكتيل ، مضافا إليه قرصا غاليا ، كثيرا ما قدمته لضحاياها ، حتى تصل متعتها لمراحل متقدمة فى الرجف و التشظى و الانتشاء الجحيمي . قربته من شفتيه ، تربت في حنان واشتهاء على شعره ووجهه المغطى بجورب :" لم أنت حزين ؟!".
          و هو يبتلع الشراب :" لم سيدتي .. لم ؟!!".
          دبدبت كفرس ، أطاحت بمقاعد ، و بعض زجاجات :" تسألني لم فعلت ، و كأنك لا تدرى ما فعلت بي ..لا تدرى ".
          همهم بانكسار :" نظرة واحدة لملامحي كانت كافية للتراجع .. نظرة واحدة ".
          ارتفعت ضحكاتها ، سكنت :" و ما تعنى ملامح .. هيه .. في عنفوان شيطان أنت .. شيطان . صوتك ترانيم ملاك ، و فياضة فحولتك ، دموعا لك أرى ، و ألما يبتليك ، لم تزل في زهوتك !".
          أومأت إليه بانتظارها . أعدت كثيرا من أطعمة ، ومنشطات . في حاجة إليه هي ، تحس وجعا لذيذا لا ينتهي :" سوف أفك قيدك ، أرفع جوربا يبعدك عنى ؛ لترى كم أشتهيك ، كم ممتعة وشهية أنا. لم نعد في حاجة إليه هذا الحاجز ".
          في الحارة تأكد الأهالي أن صوتا سمعوه منذ أيام ، لم يكن سوى ترانيم ملاك ضل طريقه نحو السماء ، و إلى سابق عهدهم ، عليهم أن يعودوا ، لديدان الحوائط وحشرات الفراش ، خمش رجال هزيلى الأبدان ، يضاجعون بكاءهم ، عجزهم اليومي ، بعد نهار منهك أمام ماكينات لا تكل و لا ترحم ، أو جريا فى الأسواق ، يتبعون المؤسرين ، قادمين وراحلين ، يحملون حقائبهم ، أو يحملون شاحنة ، أو يفرغون ما تحمل نظير قروش معدودة !
          بخيبة أمل يغلقن الشبابيك ، و الحزن يفتك بأي رغبة للانتظار ، و فجأة علا صوت ابن جارة لهن على استحياء ، سرعان ما دوى رخيا شجيا ، تراجعن فورا ، تعلقن بأماكنهن ؛ لتدب حياة في الحارة ، و تنسى مع مرور الوقت ذلك المغنى العجوز الذي مر من هنا ذات ليلة شجية ، و هتك أستار ليل مظلم !
          كانت تطلعه في حميمية على مقتنياتها ، و أسرار خاصة . وحدتها فى عالم غريب ، منذ حملوها كلعبة إلى هنا ، زوجة لرجل لا تعرفه ، لتكون له زوجا رابعة ، يأتيها وقت يقرر ، و يؤنسها لبضع ساعات ، لا تشبعها بأية حال ، ويرحل ، تاركها لوجع ووحدة واحتياج ؛ ليصبح الهاتف تسلية وحيدة ، آه و النت أيضا ، وعن طريقه الملعون ، عرفت كثيرين ، تعرفت على كثيرات ، رجالا و نساء ، نساء مثلها تماما ، فى أوجاعهن ، و جوعهن ، و فسادهن ، كم تعرت أمام شاشة ضالة ، وكم كان منهكا ولذيذا ، لكنها سأمت الأشباح ، نعم سأمتها : سنون طويلة مرت ، وأنا رهينة وحدتي ، وشباب يولى ، تذبل زهرتي يوما بعد آخر . كم كنت شقية ، سوف أريك فيلما رائعا ، و أنت تأكل .. ياسلام ، إنها متعة كاملة ، تملأ روحي وجسدي بأشياء ، لا نهاية لها .. سوف ترى ..!
          أسرعت بتشغيل جهاز فيديو . كان فيلما إباحيا ، و كانت تخلع عنها غلالتها ، تدنو منه خفيفة . لكنه و بمجرد رؤية لقطة منه ، هب واقفا ، أغلق الجهاز فورا :" لم سيدتي ؟!".
          همست :" أحبك .. ألا تحبني ، ألا تريدني ؟!".
          دمعت عيناه ، غاضبا دار في المكان :" آن أن أمضى ، لم يعد المكان يسعني وأنت ".
          أسرعت تحيطه بذراعيها:" لكنني أريدك ، ألا تحس بي . إلى هذا الحد تكرهني ؟!".
          استدار ، واجهها :" أنت جميلة .اهتمي بنقائك ، اطلبي طلاقا لابد منه ، ستجدين ألوفا من عرسان .. فتيان ، اهدئي سيدتي .. اهدئي ".
          صرخت :" لكنني أحببتك .. نعم أحببتك ، أحس بك ، أكاد أرى فيك ما حلمت به ، و أنا فتاة لم أزل ".
          قهقه ساخرا ، و كل جسده يرتعد :" و أنا سيدتي ، لا أصلح لأحد ، فارقت بيتي ، زوجتي و أولادي ، تركتهم .. لا ، ليس هذا كل شيء ، تركتهم لأني أحب امرأة ، أحبها سيدتي ، و أنا في طريقي إليها ".
          في تلك اللحظة اخترق صوت المغنى فتيا ستائر البيت ، دوى في جنبات أفئدته ، في أرجائها تناثر.. جميلة آسرة ، له نكهة ، رونق وبهاء . تمايلت له السيدة ، تغنجت ، و بشراهة عجيبة اتسعت عيناها ، وهى تزر عينيها ، تبسم ، ووجنتاها ترتعشان . أسرعت بالتقاط ثيابها. كانت تخفى لحمها بنشوة ، جلجلت فجأة ضحكاتها ، عالية صاخبة ، حامت حوله . هو في دهشة من أمرها ، حزينا باكيا :" أنت ، و أنت على شفا القبر يا رجل .. كيف ، انظر ..". أسرعت ، وعادت بمرآة :" انظر إلى وجهك ، ألا تر تجاعيدك ، و سنينك .. انظر ، أنت ميت .. ميت ". أنياب ضحكاتها تمزق لحمه ، تهرىء روحه . يهتز ، يهتز بقوة ، يرتجف . تتشنج مفاصله ، ملامحه تتناثر منه كذرات هواء ، كلها بلا إرادة . هوسها يمتد على سحيق أحشائه ، لهيب ضحكاتها له ألف لسان . لم تدرك أنه فارق الحياة إلا بعد أن اختفت أصوات في الخارج ، و ابتلعها الصمت !
          صحا أهالي الحي على صراخ امرأة ، و لمة كانت تكبر ، تتسع في منتصف الشارع ، فسارعوا مدركينها؛ لينظروا أي مصيبة حلت بحيهم ، في صباح بلا وجه و لا ملمح ، لا يبشر بأي خير :" هذا غريب عن الحي !!
          :" أي مصيبة حطت به في حينا ؟!!".
          :" يا ناس .. ربما كان عابر سبيل أتاه أجله فجأة ".
          :" انظروا .. هل هو قتيل .. أليست به أي إصابات ؟!".
          غطوه بورق جرائد قديمة جلبوها من محل بقالة ، انتظارا لسيارة البوليس التي سرعان ما تهل بناعورة مميزة ، كمصيبة مدوية . دون أن يعرفوا أنه نفس المغنى الذي كان عابرا منذ أسبوعين ، وغزا دورهم ؛ لكن ملائكة نالت منها الغيرة والحسد ، حملته في رحلة بلا عودة !




          امرأة
          "كان شاعر"
          غربل خواء العالمبحثا عنها .
          الربابة تنوح ، رخية ، شجية ..تلقى برسائلها الحارة .
          وصوته يدوى ، يتردد صداه ...هنا وهناك
          فى افتتان .
          كم حصدت من قلوبالعذارى ......والنساء !
          وما كان يهتم ....إلا بها ..به !
          وهناك على مشارفالمدينةقابله !

          كان هو الآخر .....لايهدأ
          يدور فى كل الأمكنة
          عنها كان ينادى... يناديها هى
          وبربابته أيضا يبعث برسائله !
          حين كان فىمواجهته ...اكتشف أنه كان طوال الوقت
          يبحث عنه هو ...
          و حين أخبره... أين هيمختفة ..
          دهش .........وانحدر شيء من أعلى إلى أسفل داخله !

          كانت هناكفي شرفة بيتها
          تطل عليهما
          وهى تكاد تتهالك من الضحك !
          وتدخل فى رقصة ... كأن رأسها لحية لها ألسنة كثيرة
          فجأة توقفت تتلوى ....كأنها تتمزق ،
          أرسلتأحد الألسنة ......جذبه إليها
          بينما كان الآخر يتوقف ......
          ويختبىء خلفجدار ،
          يبص عليهما بحذر شديد !

          حين أصبح أمامها..
          لم يصدقنفسه
          أخيرا..!!

          قالت :" أعرف أنك سوف تقدر.....!!".
          توجسخيفة .. همهم :" تكلمى ...كلماتك لا تنبي إلا...!!".
          بروح ساخرة تماوجتكلماتها :" عرفته ...وما استطعت مقاومته .....
          صرخ :" متى ؟ ".
          ترابطت ، ثمباعتدال طاول السحاب :" ................ليس مهما ...وعلى كل ..منذ أسبوع ".

          عمى كل شيء فيه .. العينان ..القلب ..الروح .
          خطا تائها ،
          اصطدم به ...وكان ما يزال يمسك بربابته ..التي اختفت خلفها حقيقته !
          مطت لسانها ...خلصتهمن الربابة ،
          حطمتها ...شدت عوده ،
          ألبسته جلد ثعبان !!

          استوقفهالثعبان .....!
          تمطى أمامه ..يستعطفه :" أحبها .. سيدي أنا في حاجة إليك.
          اهتز بقوة ....وعلى وجهه دهشة بحجم كوكب !
          فجأة .. كانت تلاحقه :" انتظر .. لا يمكن ... كنت أخرف ".
          الربابة مازالت تنزف...!
          وهى تصرخ ..تصرخ بهياج ليلة ماطرة... لسانها يطرقع فى الهواء

          تفصد عرق غزير ....
          تهالكت ربابته ..حطت على الأرض .
          دهستها بقدميها !
          الدوى يتعالى ...يزلزله
          ما عاد يسمع شيئا ....
          هتف رغما عنه :" لم ؟".
          تساقط رويدا ..رويدا
          بينما الآخر ...يتلوى ،
          يلتف حول جذعه ...يعتصره !
          وصوتها يتناغممعه ، وجذعها يتمايل بليونة .....استعدادا لرقصة جديدة .
          بينما كانت أنفاسه تخفت ..تخفت...تخفت ..ثم تتلاشى !!
          ثم قضم الثعبان رقبته ،
          فصل الرأس ، حملها وهويتهالك تزلفا ،
          ألقى بها تحت قدميها ...!!
          فى عينيها توهج وافتراس ،
          تلعقألسنتها ، وهناك على مدد الرؤية ،
          كان مغنى ، يدور بربابته ،
          يقف أمام كل دار، وصوته كأنه يأتى من هناك ،
          من بابل ،ملاك هبط توا ،
          له جمال ساحر .....سحرها
          فأطلقت لسانا يتعقبه ...
          ونفخت فى صدر ثعبانها بالرغبة ،
          فطرقع نفسه فى الهواء،
          ثم طار ؛
          ليدرك المغنى قبل أن تسرق ظله البيوت!




          البريء
          قيدوهبحبال من قنب ، اعتصروا جسدا ضامرا . دمعات تلتمع بعينيههائمة ، تحفر لها أخدودا . وجهه شارد تماما ، مرتحل فى رملة الصحراء .. هناك . وهم يتحركون ، لا يهدأ ون :" هيا .. انتهوا منه !!".
          :" سيدي .. إنه أعزل كما رأيت ؟!".
          :" سيدنا خالد قال .. لا أريد أسرى ، اقتلوهم عن آخرهم !".
          ينتبه قليلا ، بهلوسات يهذى ، يشد قيودا عصية . قلبه معلق هناك ، حيث تهزج أسفل الجبل نوق بهوادج .. هناك كان . هائمة روحه . يزوم غاضبا ، يئن مقهورا ، يبكى :" أي شيء ألم بك ؟!".
          :" ...........................!".
          :" ما بك يا فتى .. تكلم ؟!!".
          :" .. ما بال صاحبكم ، يسأل الفتى ، وهو مشدود انتظارا لجز رقبته كشاة ؟!".
          :" سيدي .. إن كنت و لابد قاتلي ، فأرجوك .. أرجوك سيدي !".
          :" علام ترجوني يا فتى ؟!".
          :" اتركني حتى أدرك ذي الهوادج .. هناك ، وحين أكون على مقربة منها ، أجهز على .. أرجوك ، حقق لي آخر ..... أرجوك ".
          :" ماذا ؟! ".
          :" أرجوك ، لا تسخر منى سيدي ، إني أتكلم جادا ، بحق لا إله إلا الله وافق .. وافق !".
          :" ههههههه .. ليكن .. أطلقوا سراحه ، وتعقبوه . سوف تكون مطاردة لذيذة ، ولها طعمة ؛حين تدرك أرنبا جبليا ..ههههههه !".
          فكوا قيده . أسرع دون حذر ، ركض فى الرمل ، أقعى أرضا ، لملم نفسه ، عاد يركض ، كبا ثانية ؛ ليعاود الجري ،غير عابىء بأي شيء ، غبار و رمال تغطى وجهه وثيابه . وهم فى إثره يجدون ، يركضون ، ويلاحقون عدوه . يتحرك على ركبتيه ، يزحف .. يزحف بأنفاس واهنة ، يدنو هو ، متألما يكبو ، يزحف على ركبتيه وكوعيه ، بأسنانه يعض في الرمل . هاهي هوادج القوم ، تتحرك كما هي ، لا تتوقف . يلوح بذراعيه كأنه يستوقفها ، يزحف بركبتيه ، لا يتوقف ، يصبح على مقربة ، على مرمى رؤية من بها .
          يأتيهم صوت قائدهم :" هيا .. أجهزوا عليه .. هيا ".
          أتته طعنة قوية ، تمزقت لها أحشاؤه . يتآوه ، يقعى أرضا . هنا تعانقه صرخة من أحد الهوادج ، يعقبه دبيب ارتطام . امرأة تلقى بنفسها ، من فوق هودجها تنسلخ ، تتحامل على نفسها ، تجثو على ركبتيها ، تخطو ، بسرعة تخطو ، تصبح قرب وجه الفتى .
          لمته في صدرها . اقتربت شفتاها من وجهه ، قبلته برضابها ودموعها :" حبيبي ، ونورعيني .. عبد الله .. عبد الله ، يا قرة عيني وروحي ".
          أضاء وجه عبد الله ، انفرجت شفتاه :" الآن .. لم أمت .. حبيشة هنا .. و أنا بين ذراعيها .. هنيئا لي ". مات فورا !
          نزعوا وجهه منها ، أبعدوه . اجتاحتها هستيريا ، طوحت برأسها كثيرا .. كثيرا . تاهت أنفاسها . عانقت ذرات الهواء . جحظت عيناها ، تسمرتا . ارتمت على جثته ، حلقت !!
          هتف جندي :" لا .. هذا كثير .. كثير ".
          بكى كثيرون ، كما بكى كل من سمع . كان السميدع ، وحده فر هاربا ، ناجيا من مذبحة غريبة .. غريبة لأبعد حد !!


          امرأة الحزن
          إنجاب الحزن تهوى ، ترضعه أيامها ، بأمعائها تلفه ، أينما حلت ، هو رفيقها وأداة قنصها ، توسده صدرها ، بزفرات قلبها تمشطه ، تقبله كلما مزقتها ريح الوقت ، تهدهده كثيرا ، وتغنى له كي لا يدركه النوم إلا بصيد جديد ؛ حتى استعصى على الفطام.. !
          اليوم هو فتى شهيد ، على صدرها يضطجع ، و فرحا ينتشي بمستعمرته ، مابين جذع وأطراف كانت ، و أحصنة رغبة جامحة يمتطى ، ولا يصيبه لغوب . قلاع التكسر ينحتها ، بمهارة يفتضها ، وجسارة لا تقبل شكا ، على أجنحة خزفية يشتل أعشاشه فخاخا لطيور صادحة ، أهلكها انكسار .. !!
          هي به ، وهو بها ، يؤزها مثل أيقونة مسمومة في صدر غانية ، بلمسة من عابر ، وبضع حديث حامض ، فى أمعائه تبحر ؛ فيصطلي على رجع التشهي نيزكا، ويقضى احتراقا !
          جوادها حزنها ، لافتراس مدائن الرحيق مهيأ ، لكن رعونة تعرى مزقه وهشاشته ، فتغادره الطيور ، قبل انصهارها ، وتقضى ربما ، لكن دون أن تسفح ماءها ..!
          لا يبقى لها سوى أقانيم ، في حصرها تفشل ذواكرها ، و هي معلقة بمشجب ، عبر فضاء التشظى ، لا جوادها يسعفها ، و لا ممالك زجاجها ؛ فلكل مبتدأ رقعة ، الوزن ينعدم أو يتبلد ، لتصبح محض أقنوم ، معلقا بمشجب ، على أطلال مدينة ، دهمها الحزن ونقمة الأرباب !!
          sigpic

          تعليق

          • ربيع عقب الباب
            مستشار أدبي
            طائر النورس
            • 29-07-2008
            • 25792

            #6
            تجلى الشيخ
            مهداة للكاتب الجزائري : خليف محفوظ
            حين برز من بين تخوم زجاجية ، مطلا بأنفاسه علىحارتنا ، تسابقه فراشات ، و نحلات تطن ، وتواكبه ، وربما تحجبه عن أعيننا لبعضالوقت ، نستشعر أنفاسه ، كما عهدناها ، فنتسارع إليه ، و نلتف على رحابة جناحيه ، فياضة الأنس ، و على قمة ما هنا ، نعد أكواب الشاي الأخضر ، فتهلكنا ابتسامته،و صوته يدغدغ أفئدتنا ؛ فهاهو يقص إحدى حكاياه ، عن سعد يحكى ، ونوارة .. والشيخ مسعود ، نكاد نتعلق برقبته ، وهو يدهلز سردايب ، يدخل بين أحراش الحروف،فنلتصق به أكثر ، حين خوضه فى وادى كأنه السحر ، وكأن كل عفاريت شهرزاد تحوطبنا ، تكاد تنزعنا ، وتطيرنا كهبة هواء .
            فجأة اختفى من بيننا .. صوته مازاليتردد .. يرن فى أدمغتنا .. وصحون أمعائنا ..يا ربى .. أين اختفى ؟!!.. ندوخ بحثاعنه .. أى جنية اصطفتك يا شيخ ؟!! نسرع عبر واديه .. فى مقبرة يرقد فيها مسعود .. فى دار رعاية .. يكمن بها سعد .. نسأل نوارة :" أين الشيخ .. دلينا على طريق .. نستحلفك بالله ".
            بعد وقت .. لقفت كتابا من فوق رف .. و فتحته أمام أعيننا .. وهى تبسم كنهار لله :" هاهو ..ألا ترونه ..مهما غاب .. عن هنا لا يغيب ".
            وعدنا أدراجنا .. إلى حارتنا .. ننتظر مثول الشيخ .. و تعبرنا مساءات .. ونهارات .. وأنفاسه تعبق المكان .. تضمخه .. وكأنه بيننا هنا .. لم يغادرنا .. وصوته يرن فى ردهات المكان .. و كلنا يقين .. أنه لابد قادم..فمازال بعض حلمبزمن جميل ..ينهكنا انتظارا..ولن نتخلى عنه !
            على نفس البساط .. و الرقعة .. التففنا .. أعددنا براد الشاي الأخضر
            ..وصببنا كؤوسنا..و كأس الشيخوصوتهما يزال يدوى .. و يسحرنا ..وإحساسنا بالغياب يتفاقم ..فجأة تحرك كأس الشيخ ..وسمعنا صوت جرعاته..فنال منا ذعر .. و في اللحظة التي أخذ البعض يتفلت مبتعدا .. كان صوته يقطع عليهم الطريق :" كيف تصورتم .. أنى مغادر هنا .. كانت قبضة بيدي منأثر الكرام .. نثرتها عليكم .. فسبحتم في بحار الكلمات .. وشبه لكم الأمر .. اجلسواحولي .. يرحمكم الله ".



            أنثاك أنا !!

            أحس بوهن شديد مفاجىء . قلبه مضطرب. طفا غثيان . شرد قليلا ، ما تعود أن يخلف مواعيده ، لم يضبط مرة يفعل هذا .. الآن ، بعد هذا العمر ، سوف يتهم بالتقصير و الإهمال : من فضلك .. عد بنا ثانية .. هذه المرة إلى المسكن ".
            حدقه السائق باسترابة ، شهد امتقاع وجهه ..كميت فى نزعه الأخير : أتحب لو مررنا على مشفى أو مستوصف ؟!".
            بدأ يسترد بعض قوته . تنتظم أنفاسه :" لا لا .. قليلا من الراحة تكفى ".
            الزحام كان مطبقا ، وهو يخترق جموعهم ، حلق بصعوبة من يفلت من مؤامرة ، ارتقى السلم إلى المنصة .. تحدث كثيرا ، نعم كان هادئا ، لكن أمرا مزقه ، و شرخ بصوته أجساما ضخمة ، أحاطت بالمنصة ، و كما كان يظنها ، كانت لرجال من الأمن .. !
            مازال جدوله ممتلىء .. عليه عبور كوبري قصر النيل ، ليكون هناك بين طلابه ، صحيح أن اليوم خال من المحاضرات ، لكنه ما تعود الابتعاد عن عمله .. ثم عليه بعد الانصراف ، زيارة أصدقائه بالعتبة ، و بعدها يكون فى منزله الكائن بألف مسكن !
            : " سوف تفرح هناء بعودتك كثيرا..نعم تتحمل غيابي على أعصابها ".
            كبر و ترهل جسده ، هو لا يعترف بالوقت ، لا يقيم وزنا له ، خاض فى السنين .. فى أيام الواحات .. أيام القلعة .. اندفعت سياط من كل جانب ..صرخات تملأ الهواء من حوله .. يهز رأسه يمنة و يسرة ، يهزها بشكل صاخب .. صوته يخترقه بألم كظيم ، يلاحقه صوت أنثى :" تعبت كثيرا حبيبي .. آن لك أن تستريح ".
            : " مم أستريح هناء ، هذا وجودي دورى .. البلد تعوم فى برك الفقر .. البلد يضيع بين أنياب الحكام و الصهاينة من جانب ؟!".
            توقفت السيارة ، انتظر السائق تحرك راكبه .. انتظر كثيرا :" سيدى .. وصلنا
            ليس من عادته ، رؤيته هكذا شاردا ، أنفاسه مجهدة : سيدى وصلنا ".
            لملم أشياءه ، بش فى وجه السائق ، بتثاقل غادر السيارة ، مد ذراعه بالأجرة ، استوى متقدما بخطى منتظمة ، تحرك كجنازة ، دنا من بوابة إحدى العمارات ، رد على تحية البواب الأسمر ، راح يخلع قدميه صاعدا ، حتى كان أمام الشقة ، كاد يضغط على زر الجرس ، تراجع فورا .. ربما كانت زوجه نائمة ، فتح الباب ، تقدم بخطى وئيدة .. قلبه كأنه يحلق ، يطير به عاليا ، إحساس بالراحة يحتويه .. توقف .. كانت تأوهات تتردد ، تتزايد بشكل صاعق ، أنفاس مختلطة ، و لهاث زاعق ، تحرك .. تجمد في مكانه !
            كانت نصف عارية ، تتمزق على ساقي أحد تلاميذه ، تتلوى بألم و حرقة ، تصرخ ، وهو يجذبها بقوة ، فى رعدة أخيرة ، يهتزان معا ، تصرخ بفرح .. يلهث كبغل مجهد .. تحرك لخطوتين :" برافو .. انتهى المشهد هيا .. هيا !!"
            انكفأت على وجهها ، فزعت راكضة ، توارت فى حجرتها : "و أنت .. انتهى .. إلى الحمام .. ألا تعرف الطريق إليه ؟!".
            خاض فى ملح ، و ارتوى ملحا ، عبر لزوجة الوحل ، مرارة الواحات .. و عرق السجناء .. ودماءهم ، ترسم أمام عينيه رائحة الموت .. غاص .. غرق في بئر مثلومة ، نتن لا ينفض .. طفرت دمعات ساخنة . عند عبوره من أمامه :" انس .. أنك كنت هنا .. أسمعت .. تفووووه .. ".
            حمل حقيبته مترنحا ، تهادى إلى خارج الشقة ، متجها إلى أسفل ، رأسه لا تتوقف ، تواريخ و معارك .. محاضرات .. ومؤتمرات .. وشابة تتعلق به .. و تجذبه ، تدخل فى لحمه : أريدك .. أنا أثناك .. أحبك .. أحبك .. ألا تفهم !! ".
            قهقه ، لمها بين ذراعيه :" لن تستطيعي معي صبرا .. لن تتحملي ".
            خالطت أنفاسه :" أنت واهم .. أريدك .. أنا نصفك .. أنا أنت ! ".
            ظل يتخبط برأس طائرة ، عقل مثقل بأصوات ، نداءات ، بكاء ، وجوه قبيحة .. حارات خائنة .. أصدقاء ملونين .. تلامذة نابهين .. فى خبثهم تنبت الخيانة . يسرقون كل شيء .. كل شيء .. العمر بكل ما يحمل .. الزوجة .. قهقه باكيا .




            قرن غزال
            أرغمه على ركوب السيارة بمطواة قرن غزال
            الفتى في حالة ذهول .. لا يدرى ما يراد به
            يكاد من هوس الرجل يصرخ مناديا أصدقاء الرحلة
            ولكن هيهات له يفعل ؛
            وهو قابض على إرادته ، بينما كان يأمر السائق بالتحرك فورا

            قاده إلى غرفة نومه .. حد المطواة يكاد يمزق جلده ،
            و على ما يبدو أنه اخترقه ؛ فقد ظهرت بقع دم على قميصه .
            قبل أن تبدو للفتى مراميه ، هدده بالموت ، ثم تعرى تماما !!
            خفق قلب الفتى .. واضطرب .. وفى لحظة .. بل فى خاطفة كالبرق
            كانت وجوه تصرخ .. وشيخ فوق منبر .. وآية تملأ رأسه
            وتزوم بعدا وقربا .. بينما الرجل مازال يستحثه .. بل و يرفع عنه
            ملابسه .. والمطواة مشهرة بالكف الأخرى..!!
            فجأة زال خوفه فورا .. وتلبسه نمرغاضب .. انقض على الرجل ..
            و خلص من قبضته المطواة .. وبنفس القوة كان يسدد له
            طعنات قوية ؛ وقد سيطرت عليه حالة من الهستيري !!!!

            كان يقبض على قضبان الاحتجاز الحديدية
            وجندى على يمينه و آخر عن يساره
            يثب على أطراف أصابع قدميه ناظرا تجاه أمه و أبيه
            وبسمة فضفاضة تتحلق وجهه كبدر السماء
            بينما زوجة القتيل تدلى بشهادتها
            وهى تصب على زوجها سيلا من البصقات
            و اللعنات الحانقة .وآخر الأمر تردد : الجنازة حارة و الميت كلب !!".

            حنين للفخاخ
            جدل الشقي على البساط أنشوطته ، و أهال عليها ترابا وطعما ، وكان يدرى أنك آتية لا ريب فى صلفك ، لعلة فيه ، وفيك ، أن صلفك موردك الهلاك ، أوالنهش ، أيهما ترغبين !!

            كان على حافة الجسر ، يتغنى بالقمر ونجمة الشمال ، ونايه يسرى ، يخطف الومضة من جذع الليل ، و من تحت الإبط ، و إلى حيث نصب الفخ .. كان متوردا باليقين ، أن نارا حق لها ، استواء بالنار ، وتلتحم في دورة ، و تتذبذبشهيقا وندى ورعدة موصولة ، ثم تخلل هواء ، وتصاعد عبر السحاب دوائر متعةكقوسقزح !!

            كان تخلع من ثيابه ، و أقعى مدرجا باللهاث ، يطارد الغزلان ، ويرتجل ثخين لعابه تشدقا تماما مثل ضبعمنهك ، ويتلولب فى غنج وتفاصح ، كمريض بالصرع ، وجئت كيقين تنزل ،فزاغت عصافير حقوله ، طربا تتدحرج ، و تطير ، و تسبح فى فلك لازودى ، أى هذاالثؤلول صار نديا ، وبهيا ، وحكيما لزمن رخي ..!!

            حاذرى نقمة الجلد ، فى لحظةالارتجاف ، يقول :" فقط احلمي به ، ذاك الورم ، فهو شذي ، ومفرط فى عبور القوارير .. والحقائب على اختلافها .. حتى في وجود آخر .. مالنا و الشقاوة و الحزن !! ".
            هاهو ومضة في ليلة عاصفة ، تأكل مسافات التوحش ، و تبرى الظلمة ، و هي منجذبةلساق الرغبة ، تلاحقه مرغمة بهاجس اللعبة ، وهى تدرى أنها الهباء !!
            و تدرىيقينا أين ظهر ، ومتى حط بالجلد ، و لكن لوعة القنص حرية بالمتعة !

            تناثر فيواحتها ، ألف شبيه ، و لفها تماما ، وحلق مغردا .. جفلت .. تملصت .. ضيق الخناق .. أعلنت رضوخا ، وتابعته صاغرة !


            زيارة غير رسمية

            فى الموعد نفسه ، كان يقف أمام فيلا ممترسة ، كقلعة حصينة . جنود متناثرون هنا وهناك . أوقفه أحدهم . قدم بطاقة هويته . أفسح له طريقا صوب باب فتح تلقائيا. انهار صمت المكان :" ادخل يا مجد .. تعال ".
            لم يبد عليه تخوف ، أو انبهار بما رأى وسمع . كان يدرى ، يعرف أين تقوده قدماه . لوح بحقيبة بيده . أتاه نفس الصوت :" المبلغ كله معك ؟! ".
            ابتلع ريقه ، هز الحقيبة في ثقة :" كله يا باشا ".
            جاءه الصوت :" طيب .. ضعها على الأريكة .. و اتفضل أنت !!".
            بعد شهرين من هذه الزيارة ، كان يتوسط قاعة المحكمة للمرة الأولى ، كأصغر قاض في محاكم قضاء البلاد !!


            حق
            تحدثتْ كثيرا عن نزار قبانى ، عن ولعها به ، ثم عرجت على هارون الرشيد ، عن غرامه الملتهب ، بالجواري و النساء .
            حين نال منى الغيظ قلت :" ودرويش ... ألا تحبينه ؟".
            صاحت :" ما أحببت أكثر من نزار ....وأنت ".
            كان الغيظ سيد الموقف :" تحبين نهوده ...وخصور نسائه ..والـ .......؟".
            صهلت ، حتى خرقت أذني :" شاعر فنان بحق ، وله الحق في زهور الحديقة كلها ".
            امتعضت حد التقيؤ ، أحسست بشيء يطرق رأسي ، وبنفسي أتأرجح ، ثم مسدت وجهي ولحيتي .......... ، واستدرت مبتعدا !




            هواجس
            كل ما أثقله وقت كان يقتلع ..
            البلكون الأنتيمونيوم -
            وأمام عيون النهار -
            ثم يحملها ، و يمضى ..
            هو خوفه المفزع - الذي لازمه -
            من أن تتحرك جرثومة الحمية في رأس أحدهم ؛
            ويطلق نصل مكاشفته ..
            أو يدوى فجأة جنون امرأة :" حرامي " .

            مغادرة

            حين نقلواإليه : زوج ابنك تحمل جنينا ".
            تسرب من أمامهم
            و اتخذ طريقه صوب أرضالبلد
            دنا من شجرة السرو العملاقة
            اجتز فرعا
            و أخرج ناب حية
            و علىالفرع رسم شجرة ظليلة ،
            أسفلها و أعلاها اسم الوليد
            ثم رشق الفرع فىكومة
            و نعس جاره
            حين افتقدوه ، بحثوا عنه
            فاكتشفوا موته على الكومة بناب الحية !



            عداء
            بالطبع لن تعرفني ،
            وآسفإذا قلت : وأنا غير مهيأ لابتسامتك ..
            فأنت سيدي – ذات خيانة
            حللت أرضا لمتكن لك !
            ربما ليس ذنبك ،
            لكنني لا أستطيع مصافحتك ؛
            وعبير كفها في يدك !
            مجنون



            طال لسانهأكثر مما يجب
            وآن أن تنهى هذه المهزلة
            رفعت سماعة التليفون :
            حبيبى .. ماعاد عندى قدرة .. تصرف ياسيادة الوزير ".
            بعد ساعتين كان نزيلا فى عنبر 37
            بمشفى المجانين !!


            نزف
            عندما التقطتها عيناى اليوم ، خفق قلبي بشدة ، ثم هدأ ، هدأ تماما.
            أوسعت خطواتي ، وبوجه تختلجه ابتسامة بحجمه ، توقفت أمامها ، وقبل أن أعطها يدي قلت :" أنت هي .. نعم ..أنت هي .. هي ".
            تراجعت ببراءتها ، ثم أقبلت ،لمت يدي الممدودة لم تزل ، أسكنتها كفها ، وابتسمت دون انزعاج .
            تساءلت بذات البسمة :" هي .. من هي ؟ ".
            حكيت لها .....
            بعد قليل حين نظرت إليها .. أبصرت نزف عينيها ... توقفتُ .
            قالت :" كل هذا الوجع ؟".
            عندها شعرت بشيء ساخن يتساقط من حدقتي !


            ساحر
            حين مر كعادته على بيتها ، كتب بضع كلمات ، وهلل ، ودبدب ، و نثر التراب ، وكبهلوان محترف أخرج منديلا طويلا ، ظننته بلا انتهاء ، ورسم به قلبين ، وطبعه على الجدار ، ثم ابتعد ملتاذا بالحائط الآخر ، واختبأ حتى فارقتْ البيت ، ثم عاد يرسم نجوما ، ولونها بلون ذهبى جميل ، وانصرف !
            كنت هناك عبر شباك بيتنا ، ألاعب قطتي ، وأنتظر مجيئها ؛ لأحظى منها ، ولو بنظرة من بعيد .. لكنني حين رأيته ...................يحمل نفس ملامح الرجل السابق ، الذي كتب أيضا ، ولأيام متتالية بضع كلمات ، وهلل ، ودبدب ، ونثر التراب ، ثم راح يرسم نجوما ذهبية ...أيقنت أنها لم تكن لي ، لكنني ظللت على عادتي ، الآعب قطتي ، و أنتظر مجيئها !




            لامبو .. وعريضته العبقرية !!
            لم يكن " لامبو " قد وصل إلى قرار، في أمر كتابة عريضته ،إلى السيد مدير مباحث أمن الدولة ، حين كان ما يزال يبحث ، عن طريقة مبتكرة ، لجعل الأمر يبدو وكأنه غير عادى ؛رغم عاديته ، فكلما لامس ورقة ، وقربها من أنفه الضخم ، أسقطها فورا ، وهو يتأفف ، ويسرع صوب الحمام ؛ حيث يظل لساعة أو ربما أكثر من ساعتين ، فقط ليخلص يديه مما علق بها ، من هذه الورقة التعسة ، ثم ينسحب ، وهو يفرك عينيه ؛ و قد نسى تماما ، لم ظل بالحمام كل هذا الوقت ؟!!
            ربما كان رأسه الأصلع يتفنن في صياغة ما ، تكون قادرة على جذب الانتباه ، وسرقة تعاطفهم معه ، ومع قضيته ، التي أصبحت ولله الحمد ، قضية ما يقرب من خمسين شخصا بل عائلة في مدينته الصغيرة . كلهم كان يود بالفعل ، لو تمكن من حل الأزمة ، خاصة بعد تفننه في تزكية وإرساء قواعد لها، حتى غدت قضية عامة ، وواجبة ، بل فرض واجب على كل مسلم و مسلمة ، و مسيحي ومسيحية ، شيوعي ، و شيعي ، درزي ، أو ناصري ، وعلى الجميع أن يسارعوا فورا ، ودون إبطاء ، في إثبات حسن نواياهم ، من عدمه ، و ابتكار الطريف من الخطط ، ليس هذا فقط ، بل التحرك الإيجابي لصالح هذا المستهدف من قبل قوى خارجية ؛ و إلا استهدفوا هم ، وكانوا عرضة لمداهماته التي تأتى مع مواعيد نومهم ، و ربما فجرا على أقل تقدير ، مما يضطرهم لإخلاء الحمامات ، فورا ، وعقب عبوره بالعناق مرة أو المصافحة مرات ، وإخلاء رؤوسهم من أي رغاء ، أو كلام فارغ يشغلونها به ؛ حتى لو كان التفكير في خبز الوجبة المقبلة !
            و أخيرا قر قراره ، بعد معاناة رهيبة ، على اقتناء ورقة بردى ، كلف أحد أصدقائه بشحنها من العاصمة ، بعد أن أكد عليه بعدم ملامستها ، بل إرغام البائع الموسكى طبعا - نسية إلى سوق الموسكى الشهير -على عدم الاقتراب منها ، مهما كان الأمر .
            تنهد أخيرا بارتياح ، وهو يفكر في المرحلة التالية ، و كأنه بالفعل كتب ما يطمح ، و ما عليه إلا حملها داخل قرطاس ، و اقتحام المبنى الشهير ، و عدم الاهتمام ، ولو بالنظر في وجوه من يعترضون طريقه ، حتى لو كان أعتي مباحثيه ، ليقف أخيرا بين يدي الرئيس ، الذى سوف يتخلى عن مقعده ، وربما عن وقاره ، حين يرى ورقة البردي بين يديه .
            وهنا سطت على عقله فكرة أكثر حساسية ، ألا وهى كيفية التخلص من صلعته التي على ما يبدو سوف تجرده من أي احترام ينشده أمام الرجل ، وعليه فورا الوصول إلى حيلة ما؛ لتناسب الموقف الجلل ، و يعتدل الكون أمام ناظريه ؛ فلا يصح أن يحمل ورقة البردي شخص أصلع ، وقد تناسى تماما كهنة آمون ، وكيف كانوا يحلقون رؤوسهم على الزيرو .
            بالفعل كان يخوض فى سيرة أجداده العظام ، وغير العظام ، و ما كانوا يثبتون على رؤوسهم ، من قلانيس ، أو أغطية مختلفة ، مرورا بمينا موحد القطرين ، و انتهاء بسادى مفرق القطرين . رأى صورا عجيبة و رهيبة في ذات الوقت ، بداية من تاج حتشبسوت ، و مرورا بالشال ، و العمامة ، و الكاب الميرى ، والخوذة البيزنطية ، و البورية ، و الغطاء النابليوني ، وبرنيطة تشرشل ، وحيزبون ايزنهاور ، و عفريتة روتشليد فى مؤتمر بال الشهير، وهدية هرقل لأمرؤ القيس ، و التي أودت بحياته عقب لبسها ، مع أنه لم يكن يشك الصلع ، حتى استقر على أن أنسب ما يلائم ورقة البردي تاج الملكة نفرتارى ، زوج أحمس وأخته ، الذي تطل الحية منه إلى جوار زهرة اللوتس التي تشبه قمع الجاز ؛ فربما كانت مادة تخويف ، ورهبة تنال من الرئيس .
            عند هذا الحد انتهى من حسم هذه النقطة ، فأسرع صوب حمام مسجد أبى القاسم الذي كان يختلج بالمصلين ، الذين لم يتركوه يهنأ بغسل يديه كما يجب ، وكأن يديه من كانتا في رحلة البحث عن قرار في الأمر . عليه بدا الانتظار صعبا ومرعبا ، فغادر المسجد على وجه الريح ، و اندفع بكل قوة صوب مسكنه المسكين ، و قد شمر بنطاله حتى الركبة ، فبدت رجلاه متنافرتين تماما ، و ظهر على الملأ السبب الرئيسي في عرجه الدائم ، والذي كان نتيجة إصابته بشلل أطفال ، أتى على واحدة دون أخرى ، و بسببه سب أمه مليون مرة ، حتى بعد رحيلها إلى العالم السفلى !!
            عبر باب الحمام مع آذان العشاء ، و لم يخرج منه إلا مع آذان الفجر ، وكل ما فعله ، و الله شهيد وكيل ، غسل يديه إلى الرسخين ، وربما طوح على وجهه كبشة ماء في آخر الأمر ، و كح كحة واحدة ، وضرط مرتين .. واستلقى على الأريكة منهارا ، وقد أصيب بالشلل التام .
            كانت لحظة وصول الورقة لحظة عبقرية ، يؤرخ لها ، فقامت الدنيا و لم تقعد ثانية ، حتى أنه اضطر إلى معاداة كل من سولت له نفسه الاقتراب من الورقة ، أو محاولة النظر إليها .
            التف حوله الكثير من الأقارب و الأصدقاء ؛ لمشاهدة هذا الحدث العبقري ، و الجميع يتكتم ضحكة أو صرخة ، أو بسمة استهزاء ، و كأنهم أمام ملك رهيب يخشى غضبه أو مجرد التلويح به ، هذا كله لم يمنع أحد المشاكسين من الضراط بلسانه و شفتيه ، وهو يسرع بشكل متعمد لإزالة أي سوء فهم :" لم تكتب شيئا إلى الآن .. نعم .. أنت لم تكتب شيئا ".
            تداخل فى بعضه ، وهو ينهره ، رافعا رجله المشلولة ، مع ذراعه ، و طرح رقبته للخلف :" يا أخي .. انتظر .. لم العجلة .. يييه ". وهو يجز على الحروف بشكل مؤلم ؛ فتوقف العالم تماما ، عن التنفس ، ربما مبالغة منهم ، وربما بالفعل عن خوف حقيقي من عصبيته ، و إشفاقا عليه .
            بعد كثير وقت اكتشف أمرا أعاقه ، أولا أنه اضطر لمصافحة كل هذا الجمع ، وهذا في حد ذاته يستلزم زيارة الحمام لبعض الوقت ، و الأمر الآخر ، بأي شيء يكتب ؟!
            القلم لن يصلح لورقة البردي الفرعونية ، و الريشة أيضا ، لن تصلح بأية حال ، و عليه أن يسرع بجلب بعض أوراق الحلفا المعترف بها ، لمثل هذا النوع من الشكاوى ؛ ليستقيم الأمر ، و تنتهي المسألة .
            حين كاشفهم بما يجرى في رأسه الأصلع ، كانوا ينهالون عليه ضربا ، بالأيدي والأرجل ، والنعال ، و الألسنة التي كانت تعزف لحنا ضراطيا غير مسبوق .
            انصرف الحشد ، بينما حط باكيا و بحرقة ، ليس من ألم الضرب أو السخرية التي نالت منه ، و لكن لأنهم لم يشهدوا بعد كيف يتحدث إلى رئيس مباحث أمن الدولة . جرت دموعه بحرا مملحا ، وحين كان يحاول مسح عينيه ، توقفت كفه ، بلها تجمدت ؛ فقد تذكر أن عليه عمل زيارة سريعة للحمام أولا ؛ حتى يمكن من إزالة ، ومحو دموعه التي بات يشك في تلوثها !
            sigpic

            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              هلوسة أخيرة
              معلق أنا على حائط ، و مشبوح إلى نزف لا يشبع ، ولا يملني !!
              وخطافي مزودبكلاليب ، تخترق لحمى و دمى ، بينما ألسنة تتدلى ، ووجوه تبصق اللعنات ، والبسمات الساخرة !
              ولد وقنينة ، ولعبة من أزل ، وكلمات تشتهى الكلمات .
              منكيف حالك ؟! حتى ارتجافة الشفاه ، و الغوص في الملل الشهي :"
              :
              " هل أنتَ علىعلاقة ؟!".
              :
              " مستحيلة أنت ، جنية من زمن السحر".
              تزلزلك النداءات الصارخة ،و تفتت الكلمات في شفتيك ؛ تدغدغها ؛ فيلتوى صدر ..يرف طائره ..شهيقا حارقا ، لايضل دورته .. حتى طلوع النهد ..وتفتق وردته ، و تعرى الفخذ .. وارتجافته ..دون قصد، و ربما زحفت الكلمات حيات ؛ فاتكة بالرواسخ والأوابد .. كل مباح .. بداية من الله .. و النبيين .. و تعريفة الضرائب .. و أذلاء الخبز .. والسيد الرئيس .. والسادةالوزراء ..واستثمار التراب و البشر و التراث .. والطريق معبد أمام جياد الحكايا .. لا سنافير أو إشارات تعوق .. و لا ثوار تفك روابط القاطرة .. حتى تكون فى جسد الجسد .. عارية حتى من ورقة توت !!
              نالت ما تشتهى القنينة ، وأورثت الفتى لهاثاوإصرارا !!
              رأيت أنا ..حين يتعرق الوقت دفئا ،تنتفخ وجعا هاته الحية الرقطاء .. تنتفخ انتشاء وشبقا !
              كنت أناصبني العداء ، وأفر هربا ؛ بينما الصياد لا يعرففرارا قبل قنص ..يلقى طعمه .. و يكمن بعض وقت ؛ حتى تروض فتاها.. وتمص غيرته ..كحبةتهتورة جهنمية .. تسكرها .. وتشظى كيانها .. كعاصرة قصب .. فيتقاطر العسل شهدا .. وبعض سم !
              :"
              هذا محض فتى ، يرجم الوقت ببعض اللعب ، و يرمى سلاما و بعض حباتحنطة زائغة ، وربما فاسدة لا تغنى و لا تسمن .. ويمضى .. مالك .. ألم تكن دعواك ..؟!! ".
              هكذا .. و عليك الغمامة تلقى .. لا عُقد بل اعتقاد .. فى أزمنة القبح ..تمضى .. تلتهمك صور الحديث في القاعات .. تذكر .. حين يصمت الصمت .. لا يبقى سوىالعضلات و الشعيرات ، والجلد ..و الصدر المصارع .. و الفحولة بالشبر .. والاحتمال .. كميدان مراهنة !!
              ولابد للوجد من حضور ، وللهمس من زلات و استباحات؛ مهمايصول حديث أو يخذل .. لابد من نقطة استرابة .. ونقطة ندى تنشر دودها في الجرار .. رغم نمو فطريات جلبت لغير أرضها ، و أهملت حينا .. لكنها تنمو إذا شئنا بحلوقنا دونأرواحنا.. نعم .. أنت رأيت .. مخدوعا كنت .. لألف زهرة و زهرة تنحني !!
              :"
              كمفتاة أطحت بها !!".
              :"
              كم فتى شبحت .. وكم بحرا صنعت لدموعهم !! ".
              :"
              هلتشاهد أفلاما من تلك التي ........".
              :"
              أظنك ترغبين في المشاهدة .. أليس كذلك؟!!؟.
              -
              أيها الثور الدائر ساقيتك .. لا تعط نفسك للهواجس .. للشرود .. للحزنمهما كانت نبالته ؛ فتقعي في بئرها و تخلف الميدان ؛غير مأسوف عليك .. !!
              -
              حديثك قطعني يا ذا النداء..وما أعاد سكينة وترابطا .. ربما تقصدت آخر ؟!
              عشتحملا .. أخشى الذؤبان وأمقتها .. ليس عن لين عظام .. لكن طيرا يسكن قفصي غريبالتكوين .. لا يحب سوى الزقزقة و الرفيف .. يسكن العش و لا ينام في العراء ".
              :"
              يالك من ماكر خطير .. في أي المواخير ولدت ؟!!".
              :"
              لا يغرنك صغر سني .. فالمتعةأنشدها مع أبردهن جسدا .. خذي هذه الحبة ؛ لترى العالم كقوس قزح ".
              -
              هنيئالصيادك الجسور .. عن جدارة استحقها.. تأكد أن ديدمونة الرائعة سوف تلقى حتفها بيدقنصتك ..!!
              لا .. لا .. لا تكمل الموت .. بريئة هي .. دعنى للطريق .. أولصانعي الأحذية و الحقائب .. لهم أرفق من رؤية تلك العينين .. وذي الروح .. بينأنياب ذئب مسترخية نشوى .. لا شكسبير .. كذبت الوساوس و الظنون .. كذب الوشى .. ألاسحقا لي .. و لك شكسبير!!!!
              -
              فكن مثله الصياد ، و بادر بقنصه هو ، قبل أنيسلخك .. و يلقى بجلدك لصانعي الأحذية و الحقائب .. أو لشبكات الانترنت التي كانتهي أصل العلة .. إن كنت تملك يقينا في براءتها !!



              الجوهرة
              كان معلقا بريح الحزن ، مبرقش الجبين ،
              مترعا بنزف الوقت ، حين حطت بوجد ضميره ،
              فاهتز ، ولمها بين أصابعه المرفرفة بالحنين !
              داعب تكورها ، أدناها من ثغره ،
              قبلها ؛ فاشتعلت فى راحتيه ، أنارت الحزن حد الدموع ؛
              لينسل مقهورا من فيضها !
              بأظافره و أسنانه ، وجبينه كان يجليها ، وبدأب عجيب ،
              ربما صدرت منها آهة ما ، كان يدرى أن قشرة عازلة ، تحجب
              نهرا من ألوان الطيف !
              طغى نور ، تمدد ، واتسعت رقعته ؛ حتى نفذ عبر مسام جلده ..
              تلبسه نورها ، كساه تماما !
              من خلالها كان يرى العالم كزيوس ،
              تماما كأنه هو .. عيناه التي ترى ، قلبه الخافق ،
              وروحه المحلقة ..وحين تخلد لنفسها يعمى الكون ، فيتخبط هو ،
              فى فحم الرماد .. خلقته نورا ، وخلقها نورا ،
              فتجسدت بيضة الوجود حكاية وقصة ، هى أو هو صانعها !
              فجأة هب مارد ، ألقى بإعصار موت ،
              كأنه أرادها ، حملها ، وطيرها في بحور العالم السبع ،
              و رمى غمامة على منافذ الوصول !
              أطلق هوجه للريح ، صارخا يناديها .
              تابعت تحليقه ذرات التسابيح ، بكته الأسماك فى البحار ،
              و الطيور على الشجر ،
              و الزواحف فى أوكارها .. كلها تناديها .. تبكيها ،
              فى مشهد يلين له قلب صوان الحجر ، وحبائل المقدور!
              تخلى عن جسده ، رماه ،
              هامت روحه ،
              وقشرت فستق الوحشة ، تصاعدت
              فأدركت بؤرة كسدرة ،
              هتفت :" أعد لى عينيي .. أعد لى ...........".
              نحته التسنى منها ،
              فهوم حنونا ، وربت عليها :" لم تكن عينيك ؛ خلقت لتنير الدنيا ، قفر العالم .. كنت قيدا .. نيرا قاسيا ؛ فدعيها تشع .. دعيها ؛ وإلا لن ترى سوى حجيمك أنتِ ".
              خلفها ، ومضى ..
              تصدعت ،
              ما استوعبت بعد ،
              انهارت ، خاتلتها الرياح ،
              سحبتها بعيدا ،
              ألقت بها عند مرابط جسدها ، فأبت الالتحام به .. تمنعت ،
              انتبذت لها مكانا قاصيا ،
              وكلما حن جسدها إليها ، غاضبته ، وأمعنت في
              البكاء والرحيل ، فأصابها العمى !!
              بعد وقت ونيف ، مرت قافلة بها ، كان غناء يعلو .. يعانق تخوم السماء ،
              كان جميلا كأنه لملائكة ، وريحه تداعب قطرات الندى على عينيها .. ففزعت
              من حزنها، ترقب ما استجد ،و تترنم برغمها ، فأشرق الوجه الذابل ، وتهلل ،
              شم رائحتها .. نفاذة حملتها ، فأدركت القافلة !!
              كانت فى ننى قلب الغناء ، فغزت رائحتها عينيها ، كرداء شفيف حط عليها ، بروحها هى ، تعود للعينين الحياة ، داعبتها ، فركت الغموض فى بؤبؤها ،
              فانبرى لها غيط ياسمين !
              طرق الرضى صدفتها ، قشرها ، حميما تسرب ، ملأها . انحدرت لؤلؤتان من عينيها ، تهدج الصدر قليلا ، تراخى . نعست بين عبق تحبه .
              دنا جسدها بحذر ، عانقها مرتبا ، أفاقت ، أطلت بسمتها ، وعانقته ، بثت فيه رضاها ، وهى تردد بقناعة غريبة :" لتكن جوهرتك دوما ، تنيرك ؛ تمتلكها حلما ، ولتكن هي حيث يشع نورها نهرا .. يضيء ألف ألف نجمة على الأرض ! ".
              وسافر فى سحرها بين بكاء وتنهيدة ذكرى ، بين رضى وشطط ، وحين كان يرى نورا يصدح ، أبصرها قريبة ، وهاجمته أنفاسها ، فتتهدج روحه ، وتحلق مفعمة بندى الحلم الأخضر !!



              نهاية تليق به !!
              جمع رجاله .. ذات غيظ .. إلى افتئات القوم ينصت.. حول مائدة .. على شرف عمه نصبت .. و لحمه كان لهم طعمة :" من يمكنني من الرجل ؟! ".
              و بكياسة وعجب .. كان والى البصرة .. سفيان بن معاوية .. يلوح له :" أنا .. أنا يا مولاي ".
              تعجب أبو جعفر ..وعلا صوته :" تستطيع ..تقول تستطيع .. فلم لم تفعل ؟!".
              ابتسم سفيان :" انتظارا لأوامر مولاي .. و ها قد أتت ".
              غيظ كان .. و كان أرق .. يكاد يفتك به حقده .. على عمه ناقم .. و على عبد الله .. ذاك رجل لئيم .. أوثقه كضحية .. بل في كلمات سجنه.. بيمينه خطها .. و جعلها مثياقا بينه .. وبين عمه .. عمه الآبق .. حين وقع في قبضته .. أوثقه ابن المقفع بتلك .. من قوته جرده .. وكأنه هو المدان ..وهو لا يأمن جانبه.. كيف عن له كتابة كل هذا.. وكيف سمح له.. كيف .. و هو لا يفهم أن حية ترقد .. قيامة تنتظر .. مهما عفونا .. ومهما طلب صفحا .. كامنة تظل .. حتى يصير دفء كامن في أوجه ؟!
              في رقبة أبى جعفر تحشرج غضب.. و تحرك بعصبية :" كتابا لئيما وضعه .. سخرية ووقاحة ..نسائي طوالق .. وبيعة الخلافة ساقطة .. و .... و ...... إذا أخللت بعهدي مع عبد الله .. يا ربى .. كيف وافقت عليه .. شلني .. هزمني شر هزيمة ابن اللئام ".
              خطا سفيان .. و لباس أبى جعفر مس وقبل .. و لم طرف ردائه :" و أنا رهن إشارتك .. رهن إشارتك ".
              و من فوره رحل.. وهناك في البصرة .. أتوا بابن المقفع ليلا .. مقيدا .. مسحوقا ..مسحولا :" ضعوه ..في دار ضيافتي ..هيا ..هيا خيبكم الله..و هذا اللئيم ".
              و هناك .. حد لامع كان معه.. وأمامه تنور تتوهج فيه نار.. و هو يجلس في أبهته و صولجانه .. و من جسد ابن المقفع بالحد يقطع.. و هو مشدود إلى صليبة..مكمم الفم :" نبدأ بهذه .. هذه طرية .. لتذكى النار.. ما رأيك .. ؟! ".
              قطع..وككلب تشمم ..وفي النار ألقاها:" إنها مُرة ..ونتنة ..فلنرى أخرى .. ".
              وهو يجرع كأسا بعد أخرى :" لنرى هذه..ألديك اعتراض..لا ..أنا أعرف! ".
              و يقطع شلوا .. أكبر كان .. يتشممها .. :" نتنة أيضا .. تكون نساؤه طوالق .. هيه ..!! ".
              و في النار يلقى بها.. و يجرع كأسا أخرى .. و هكذا .. بينما تجرى الدماء .. بحرا بين قدميه .. و ابن المقفع لم يعد فيه سوى عظم .. بفأس كسره سفيان .. و في التنور وضعه.. و من ثم .. غسل يديه بنفس القنينة .. وهو يتابع باشتهاء و نشوة عجيبة .. طقطقة النار .. واحمرارها بوهج العظم المحترق :" يضعون أنفسهم في مواقف .. ليسوا كفوا لها .. ماذا لو أنه كان بعيد النظر .. و في جانب خليفة المسلمين .. رأى الخير..ما كان هذا حاله ..و لا هذا حالنا معه .. ولكنها بالتأكيد نهاية تليق به ! ".



              أعد لى يدي !!
              كان دائب الحركة و الانفعال ، يروح و يجيء ، و دموع حارة تتهاطل على وجهه ، وعتامة تضيق أمامه مساحة الرؤية ، يبتعد ، يقترب من المسجى ، بين يدي أمه ، ثم بصرخة مكتومة :" لم فعلت .. لم .. ؟!".
              يطحن يديه فى حائط العنبر ، و بقسوة ، بينما جسده يهتز عنيفا !
              لوحت زوجه الطيبة ، بوجه ممتقع و هى مفعمة بالوجع ، ، و دموع لا تتوقف أبدا : " هس .. هس .. إنه يصحو ".
              دنا على رفيف روحه ، حلق حول الرأس الحبيب ، و رائحة المخدر تغزو أنفه ، يحط بوجهه على جبهة الغلام ، يقبله ، يحاذر من دموعه ، يبتعد قليلا بقلب يرتجف ويرفرف كأنه يغادره ، يتوه عقله فى تلك اللحظة العجيبة ، حين قرر تحت ضغط غيظه ، و بشكل لم يسبق له مثيل ، أن يقيد يديه عند الرسخين ، يقيدهما بشدة ، ثم يلقى به فى غرفة المخزن ، الملحقة بالمنزل ، وهو يصرخ ، و يترجاه ، و يعده ألا يفعل ما يكره ، لكنه صم أذنيه عن سماعه ، بل صم قلبه ، ثم علقه على الحائط ، على جذع خابور مدقوق ، و أغلق الغرفة ، و انصرف دون وخزة ضمير .. خار بجانب السرير ، أجهش ، تكتم صوته ، و المشهد يفترش المكان و الوقت :" لا بد من بتر اليدين ".
              كأنه طعنه بخنجر مسموم :" ما تقول يادكتور .. هل قلت شيئا ؟!".
              بحزن ، و هو يحدق فى اليدين بين أصابعه :" الرباط أخى كان صعبا ، أدى إلى حجز الدم ، و كانت غرغرينا .. قل لى من فعل هذا به .. هذه جريمة .. وواجبي إبلاغ السلطات ؟! ".
              حين أبصرته ينهار ، تدخلت الزوجة ، بينما يتهاوى على الأرض :" كان قد تخلف بالخارج سيدي ، و لا ندرى أين كان ، و حين أتى كان على هذه الشاكلة ".
              انسحق تماما ، نار تتمدد فى صدره و قلبه ، تتسرب إلى كامل جسده . جيوش من وهج وحريق ، تهيج واقفا ، المشهد يعاود الظهور ، حين عاد من عمله ، وأبصر ولده يرسم بنشوة ، على حوائط المنزل ، و يتفنن فى جرح ما تكلف الكثير من المال ، و سبق التنبيه عليه ، هاهو لا يرتدع ، و لا يخشى غضبه .. تناثرت ملامح المشهد ، تكسرت هنا و هناك .. فى طول الردهة ، و صوت يصرخ :" لم أبو محمد .. لم فعلت .. ما عهدتك قاس إلى حد تركه وحيدا فى غرفة المخزن ؟".
              حجظت عيناه :" لا بد من تأديبه .. لا بد .. لن يحترمنا فى كبره .. لا بد ".
              وشهد نفسه يسرع هناك ، يلتقط حبلا مجدولا ، و يرتد بسرعة ، و هو يقتل الهواء غضبا ، يقبض على رسخي الولد ، و يجدل الحبل حولهما ، وهو يجذب ، ويشتد .. يشتد .. الولد يبكى بقسوة ، يصرخ بيلطمه ، و يراقبه بنظرات خائفة فزعة ..
              حطت يد الطبيب على كتفه ، أخرجته من المشهد: " صحا ولدك .. كن حذر ا ".
              اندفع كريح عابرا إلى الداخل ، كان بالفعل بين يدي الأم ، و حين لقط خيال أبيه ، صرخ بفزع كظيم ، جحظت عيناه ، و دفن وجهه فى حجر أمه :" أين يدي يا أبى .. أين هي .. أعد لي يدي ". فتساقطت جدران الغرفة تحت وقع اللطمة !!



              البيت الكبير

              الصبي الذي رافقني حتى مشارف الطريق ، انفلتطائرا ، بعد أن لوح تجاهه ، مما ملأنى بالتردد ، وكأنى مقبلة على مغامرة غير محسوبة !
              كانت مشاعر شتى ، وصور عديدة من زمن بعيد ، مغلفة بروائح البرتقال واليوسفى ،تهف على ذاكرتي بقوة ، و تكاد تحجب الطريق عنى ، و أنا أتعثر فى نقر وحفر ما أحمل ،نبضات قلبى تتعالى بشكل غريب ، كأننى مسوقة لموعد غرامى لأول مرة ، وكلما تماسكت ،عادت أقوى ، و صوته يتردد :" أليس من أخبار عن البيت الكبير ؟".
              فلا يجد سوىكذبتى الدائمة :" بخير هو يا أبى .. و العائلة ترسل لك سلامها الحار .. استرح أنت ".
              أتحسس انفعالاتي ، و مطبات مشاعرى ، أتحرك كأني مشدودة رغما عنى ، مرة واحدةوجدتني غير قادرة على الاستمرار ، توقفت التقط جأشى ، لكن مفاجأة رؤيته شلتني تماما، ذهول ينحت ملامحي ، يأتي بنهر من دموع ، وتهتك دام يخذل جسدي : هل يكون هو بالفعل .. أليس من المحتمل أن الصبي ضللني؟
              أرض يباب ممتدة ، يخيم عليها موت قاهر ،وتحوم فوقها جوارح ، يتوسطها البناء الضخم ، مهلهل الثياب ، و الملامح ، محطمالأبواب و النوافذ ، كأنه آثار لسفينة ضخمة أكلتها مياه البحر !
              دفعت خطاى . كانحنين طاغ يستولى على ، و يدفعني إليه ، وشعور لا أدرى ربما غير مستوعب لهذاالانهيار القادم ، توتر يمزق أعصابي ..أصبحت أمامه أخيرا ، فلم أتمالك نفسي !
              كان الخراب عصيا على تقبله أو تصوره ، نعم ، كأني أعيش كابوسا مريعا ؛ فأهربلذاكرة بعيدة ، تأتى بصورها طازجة ، هناك ، حيث كنت ، هاهنا فى يسار المبنى ، وعلىيمينه ، وبين ردهاته ..كانت يد الفنان قد غرست الكثير من التحف و التماثيل ، التيمازالت محفورة على ملمس أصابعي ، وصدرى الصغير ..وأنا أعانقها ، و أقبلها بافتتنان، و أشجار الجوافة و البرتقال واليوسفى ، تطوقنا من كل جانب ، أينا ذهبنا ، فنختفىبين تلافيفها ، وربما نسينا أنفسنا بين أوراق الورد البلدى ، الذي يعشقه أبى ، بلتعشقه العائلة كلها !
              كانت غربة ما تزال تنحت ذاكرتي ، أي يد آثمة اجترأت علىاغتياله ، ومن في مكنته أن يفعل ، من يا أبى .. قل لى ؟ بل أقول لنفسي : بأي شيءأجيبه حين يطلق على سؤاله المعهود ،حين يسألنى عن البيت ؟!
              كم حكى لى حكاياه ،وقصصه الغريبة ، من هذا البيت .. وعنه ، كيف كان قلعة حين غزا البلدة غول الكوليرا، و كيف حفظ لأهل البلدة الحياة وقتها ، فما نال الوباء ما يشتهى ، إلا من تخلف عنالتحصن فيه !
              كيف كانت العائلة تلتم بين ثناياه ، و فى أحضانه ، فى المناسبات ،و الأعياد ، و الأيام المدلهمة ، وعندما تدعو الضرورة لذلك ، فيصطحبون أولادهم ، ويقضون وقتا استثنائيا ، لا يجدونه فى بيوتهم الخاصة !
              كان لا بد أن اقترب منهأكثر ، و كلما خطوت خطوة رجعتها ثانية ، كان فزع يأخذ بكل مكامني ، و ينتشر فيمفاصلي .
              :"
              من هذا البيت صغيرتي أقلعت صفوة المقاتلين ضد المحتل .. ومنه فرشالعدل عباءته على هذه البلدة ".
              كان قلعة بحق ، و كنت حينها صغيرة .. نعم .. كنتصغيرة ، كان الرجل منهم يجد فيه كل ما تطمح إليه نفسه ، من زاد ومال ، و عتاد .. كلشيء يا صغيرتي كان للجميع ، لم يكن لفرد دون آخر .. لم يكن .. كان حياة و مقبرة .. وتاريخا بينهما !!
              لم أقدر على الاقتراب أكثر ، انفلت منى عكاز تماسكي ، و أجهشتضيعتي ، و أنا أتخيل ما هو واقع أمامي ، مجرد كابوس لا أكثر . كيف أصدق مالا يصدق ،انهيار .. أن يكون هذا المهرجان مأوى للفئران و السحالى و الخفافيش ، وبيوتا للنملو الصراصير .. كيف .. أين عائلة كانت هنا .. أين ذهبت و ذهبوا .. وكيف سمحوا ، يصرخفي رفضي ، و تهتز ريح نقمتي ، حتى خفت أن تلاحقني البلدة ، و تجتمع على وجعي !
              فجأة اقشعر بدني ، حين حطت كف قوية على كتفي ، ارتجفت ، و فزع حزني :" لم أنتهنا إيزيس ؟!".
              تنهد ، سحب يده ، و بقلق غريب ، أمام ما رأى فى ملامحي :" تعالى .. هذا أمر فات عليه وقت طويل .. عمر .. هيا بنا ".
              لم يطاوعني موتى ، كأني أصبتبشلل ، أجهشت بلا سيطرة :" لا فائدة إيزيس .. ضاع كل شيء .. ضاع حين تقاطعت الأهداف، واعتلت النوايا ".
              أحس نارا تحرق عيني ،و تنهش كبدي ، فقد أبصرته يتراجع حينأطلقت أول رصاصاتي :" ألم تكن سيدي آخر من حمل أمانته .. ألم تكن ؟!".
              دار حوليبتوتر ، أدركت تماما حاجته لرصاصة أخرى ، يراوغني ، نعم هو متواطىء :" ثم من أعلمكأنني هنا ، كيف كنت هنا .. وهناك فى السوربون ؟".
              حاصرته ، دخلت فى ريحه :" أبىقال لي ، كان إجماعنا على تولى أمين أمر البيت الكبير ؛ فهو خريج السوربون ، ومعهالزمالة ".
              اغتصب بسمة لها رائحة يود البحر :" إيزيس .. ما ترين الآن تم منذأكثر من عشرين سنة .. ليس جديدا ".
              هاجت مشاعري :" وظللت كل هذا الوقت ، تضحكعلى أبى حين يسألك ما أخبار البيت .. وعلى أيضا ؟".
              دنا منى ، و مد ذراعيهليحيطني ، تراجعت نافرة :" وما تظنين أقول لرجل فقد الإحساس بالوقت نهائيا ، إنهيتحرك كحالم ، لا يدرى ما يتم و يتغير في العالم .. ثم ما يعنى بيت .. ما يعنى .. ؟!هذه المساحة الشاسعة ، لو بيعت الآن أدخلت الملايين ، و أسعدت كل العائلة ، بلالبلدة كلها ".
              لا أدرى ، كيف واتتنى الجرأة ، على البصق فى وجهه ، ثم اندفعتمبتعدة ، و أنا أحس بأصوات بوم تأتى من داخلى .. ومن حولى غربان تنقر رأسى ، كيف لىتصور حجم الخراب ، كذبا مورس علينا ، ثقة طالت زرعتها ، تذبل ، و تسفيها الرياح .
              معقول ما توصلت إليه الآن ، و أين ذهبت العائلة .. أين و فيهم .. العالم ، والمخترع .. و المعلم .. و العامل .. عقول و سواعد تستطيع نحت الموت ، ومنه تصنعالحياة ، بل عمل ماهو أروع .. كلهم ينتظر ، أصحيح هذا ؟ أكان الأمر محض واقع مفروض، سرعان ما انهار أمام بادرة سخيفة ، تخريب باسم مصلحة العائلة .. أية مصلحة تقصد.. أية مصلحة ؟!
              هذا تاريخ ممتد عبر السنين ، كيف ينهار هكذا .. كيف وهو أساس كيانأسرة عريضة، تمتد فى كل البلد ، هو البلد نفسها ، أنفاس الرجال تتردد من كل شرفاته،و أبوابه ، صور كثيرة تتوقف ، ولا تنفض و تبتعد ، فى كل محنة كان هو، فى الخاصوالعام .. و الآن ماذا ؟
              أصبح لا يعنى سوى بضع ملايين من جنيهات رخيصة .. بضعةأوراق .. يا ربى ، لا أتصور ، أتفتت ، شيء ما داخلي ينهزم ، قناعاتى تتضاءل ، تصبحتحت قدمي ، معقول .. ارتجفت بقوة .. بقوة ، نما شيء غريب على ، أفشل في تحديده ،هاهو يتحكم في ، يشدني شدا لعمل ما ، من المستحيل أن يمر هذا الأمر هكذا ، نعم ،صرخة تتسلل من بين شفتي ، و بي رغبة مدمرة للموت ، شر ما عهدته من قبل ، وهذاالسوربونى العجيب ، كيف تأتى له فعل هذا .. وهان عليهم .. كيف هان ؟ اللحظاتالحميمة .. و الأمسيات التى حملت صخب الجميع .. بين لهونا ، و قهقهاتهم .. بينشقاوتنا و خطبهم الرنانة .. كيف لم أدر بالأمر من قبل ؟ ، فهل كنت متواطئة معالجميع بالتغابى ؟!
              و ما كان باستطاعتى أنا ؟ كنت على حسب ماقال ، مازلت صغيرة ،و البعثة أخذت من عمري الكثير ، وأعود لأجد أبى مقعدا هنا ، لا يغادر بيته ، وبالكاد يتحرك ،يأكل و يشرب ، و يشحذ من يتسقط الأخبار ، و لكن أمينا كان هنا دائما .. نعم .. بينا يموت كل يوم حنينا للبيت :" كيف حال العيال بالله عليك إيزيس ،أصدقينى القول حبيبتى .. كيف حال العائلة .. ؟ أنا سئمت من ردود زوجك .
              كنت أحار، لا أجد إجابة ، أتململ فى حضرته ، و لا ينقذني سوى أمين ، على غفلة يأتي ، كأنهسمع سؤاله ، فيغرد في وجهه و بكل بساطة ، و ربما سخرية :" بخير .. بخير يا عمى ، والعائلة تبلغك التحية .. كلها و الله ".
              خدعت ، و خدعت أبى ، و شاركت أميناجريمته ، كان يدرى ثقل أبى ، حب الناس له ، و هنا يطغى سؤال عجيب ، ما أمر الناس فيالبلدة ، تجنبوا زيارته ، تخلوا عنه ، و ماعادت أموره تهمهم .. ؟! كان يرى تماما ،كما يعرف ما يريد ، أحاول كظم ألمى ، أواريه ، أدفنه ، و أبى يراقبنى دون كلمة ،وبين وقت وآخر يهز رأسه ، و أنا لغفلتى ، وجهلى .. نعم جهلى ، أستبعد انغماسه فيماأعانيه ، سؤال أبى حيرني ، وأبقى على خيوط العنكبوت كما هى ، ووقفت أمامه بلا حيلةكالعادة ، ما أجيبه ، و ماله غير مهتم مثل كل المرات ؟ و أيضا أتى أمين ، وكان ردهالمعتاد ، لكنني أبصرت شيئا غريبا في ملامح أبى ، شيئا لم أستطع تحديده ، ظننتهمجرد وهم ، والأمر لا يتعدى ما أصابني اليوم ، فجأة طلب أبى من أمين الانفراد به ،للحديث فى بعض الأمور الشخصية ، بينما أعد لهما فنجاني قهوة ، أحس بحزن المكان ، لاحزني ، بشيء غريب يحط هنا ، كأن شيئا غادرنى ، و لن يعود .. هل لاحظ أبى توتري ،حزني ، و اشتعال أعصابي ، أو لحظ نظرة الغضب التي سددتها لأمين ؟ لا أدرى .. كانتأصوات تأتى من حجرة أبى .. و حركة ربما تعودتها ، حين يكون قلقا ، فلم أهتم ، أكادأنكفىء على الموقد من التعب ، حملت فنجاني القهوة ، و أنا أترنح كذبيح ، طرقت الباب، ما رد أحد ، سكون عجيب يلف البيت .. طرقت مرة أخرى ،
              وحين لم أجد ردا ثانية ،فتحت الباب ، فتساقطت ، و تساقط المكان ، كان أبى على الكنبة بيده سكين ، وقد سددهاإلى قلبه ، بينا أمين يعوم فى بحر دمه !!


              العمرلحظة

              فى لحظة استثنائية قاتلة ، أتى بكل كتبه ، وهو لا يتوقف عن البكاء ، يلقىبها حتى أصبحت كومة ، يدور حول ألمه ، وعذابه ، وحرقته الفارهة :" كلها باطل .. باطل .. استجداء رخيص لا معنى له .. نعم أولادى .. عمرى .. حياتى .. لكن بما أفادواإلا مزيدا من الفقر و الفاقة .. كل كتاب فيها كان لهدف .. نفس الهدف الرخيص .. نفسالموت .. ولا جديد .. لا جديد .. فلتحرق .. تذهب إلى الجحيم .. لا قيمة لشىء .. أنابلا قيمة .. و لم أنا .. لم .. و الأنصاف يرتعون .. فى كل واد يهيمون .. يبرطعون .. لم ؟".
              انبرى يمزقها ، كأنه يقطع نياط روحه .. واحدة واحدة يمزقها .. لا يتوقف .. يتأمل فى بعضها .. يفر صفحاته .. يمزق .. و الدموع لا تنقطع .. لا تنقطع .. وهويرى جند المهلبى تطارده .. و تلهث خلفه .. و يشهد حقدهم عليه ، و كيف وشوا به ، واتهموه بالكفرو الإلحاد .. والزندقة .. فى كل واد يسعى إليه .. لا يتوقف .. دنا منالشمعة ، قرب ورقة منها .. توهجت .. عاد إلى الكومة .. إلى روحه .. وفلذاته .. ومنها كانت النار تتلمظ الوليمة :" تبا لى .. و الحظ و النصيب .. تبا لكل شىء .. للوزير .. و الأمير .. و العالم .. تبا للفلسفة .. و اللغة .. و التاريخ كله .. وهذا الوقت المريض ".
              كانت النار فى تهلل و فرح ، يحاصرها بنظراته الباكية ،الناقمة :" عيب فى أم فيهم .. أم الوقت .. قولوا لى .. ردوا على .. كل هذا العلمهراء .. لا شىء .. كل هذا العمر سدا .. لا أجد كسرة .. لا هدمة .. لا شىء سوىالضياع و الموت .. هيا اذهبى إلى الجحيم .. إلى الحجيم .. تملق .. كذب .. استجداءرخيص .. زيف و بهتان .. وتهرؤ .. تزلف ما أحسنته ، و إلى من .. إلى من يا إلهى .. إلى من ؟".
              اختنق .. اختنق تماما ، شهق بقسوة ، ألقى بنفسه على اللهب ، و هويصرخ لا .. لا .. لا .. ، وبكفيه يطفىء النار ، أتى بجوال ، طرحه عليها .. كأنه فىمعركة مصيرية .. تكاثف الدخان .. أعمى كل شيء فى المكان .. طرق على الباب .. يلتقطالأوراق ، يمسحها بجلبابه . الطرقات تتزايد :"افتح .. ياعلى افتح الباب".
              ومنفجوة خلفية كان يحمل جوالا ، و يتخذ طريقه إلى خارج المدينة ، بعين دامعة ، وجوعأبيد !!


              صاحب الجلالة الموت
              ألقتبالموبايل ، وآخر صرخاته : تضحين بى .. كيف هنت عليك .. كيف ؟".
              على امتدادذراعها ، وعلى صخب الموسيقى .. كانت تؤدى رقصة الموت ، فى حركات عشوائية قاتلة ، وتطوحات همجية ، تدبدب .. تتخلص من غطاء الرأس ، تشعث شعرها فيمتد حتى سمانةالفخذين، وهى تتطوح بلهاث و صرخات مميتة ، حتى فقدت اتزانها تماما :" لا .. تصرفي .. أنت ضعيفة .. ضعيفة ".
              غارت فى الرقصة أكثر ، كأنه صخب زار ، حاطتها الجوقةالسودانية ، علا صوت المنشد الأسمر ، ودب دفيف حد السحاب ، خرجت من بلوزتها ، تطوحت، تخلصت من حمالة الصدر .. تستشعر حمى وثنية .آهت بعنف و هستيرى :" سوف يقتلونك ،لو ظللت على هذا الضعف .. أولى بك الموت .. فى كل المرات كانوا هم من يخطط .. ومعهم أقدارك ".
              تأرجح نهداها بقسوة ، و هى تدبدب ، دموعها تنحدر فى خيوط متواصلة، جنية من غائر الأساطير ، وجن أحمر يراقصها بلا هوادة ، و بتفنن مرعب .. الجوقةتؤدى حد الانهيار ، تتخلص من كل هلاهيل تسكن روحها .. الموسيقى تصطخب :" ولدا أختكمن يرعاهما .. لا بد من الاقتران بأبيهما ".
              انهارت ، صرخت .. صرخت بقسوة حتىتقطعت حبال روحها ، تتدحرج فى صخب مميت .. على يديها و ركبتيها تزحف ، تتطوح :" أنتحياتي .. سوف أموت بعيدا عنك .. بعيدا عنك ".
              تسوخ روحها ، تكاد تذهب ، الموسيقىتصطخب ، تسطو على مدارج الصدر ، و الروح ، :" أريدك .. أنا طفلك .. أنت حبيبتي .. أنثاى أنت ".
              :"
              أنا أختك .. حقوق أولاد أختك ستضيع .. لو لم تكونى معهما .. فكرى .. فكرى بشكل طيب ؛ فأنا أعرفك كما أعرف نفسي .. لا تخضعي لغوايته .. لا ". لطمات قاسية من كل اتجاه ، لا تتوقف ، لا تخفت !
              ترنحت ، اتجهت صوب الكمودينو ،جذبت الدرج بشدة ، و هى تزاول الرقصة لم تزل ، خطفت أجندة ، عبثت فيها و هى تكادتمزقها ، التقطت صورته ، قبلتها ، وهى تهتز بعنف .. اصطخبت دموعها ، هاجت ، أغرقتها، احتضنت الصورة ، دفنتها فى صدرها ، فى نهديها العاريين : ماتت أختك راضية مطمئنةإلى وجودك مع ولديها ، لا تؤلميها ، لا تعذبيها ".
              العرق يغسل جسدها ، صرخت ،رأت نفسها فى المرآة ، رأت عريها ، بسرعة ابتعدت ، توارت خلف السرير ، حدقت فىالصورة ، تمعنت فيها ، بكت :" أرجوك .. لا تظلمني .. لا تظلمني ، أعرف كم سيكون وقعالأمر صعبا عليك .. لكنك كنت تعرف .. كنت تعرف " . صرخت بها ، ثم راقصت الصورة ،ضمتها لصدرها : " افهمني حبيبي .. افهمني .. أرجوك ".
              :"
              تبكى .. لا تبلك .. لاتبك .. ربما تبكى على أنا .. خرجت من بين أيديهم فى ارتباط فاشل ، لأعود لهم ثانية "... صرخت بآهة ممدودة على اتساع أفق الله :" حق الأولاد سيضيع لو تخليت عنهما .. دبرنى .. دبرنى .. أنا لا أتصور العيش بعيدا عنك بعد أن وجدتك .. صعب .. و ماذنبهما ؟! ".
              تحط على فخذيها ، تشهق ، تدبدب ، تدور الأرض السماء ، تتأرجح ،تترنح ، تغيب عن الوعى !
              يفلح الصغير فى فتح باب الغرفة ، يحس بفقدها ، يبحث ،وهو على وشك البكاء ، يدور حول السرير : ماما .. ماما "
              رأها فافتر ثغره ، وزالكربه ، ارتمى عليها ، ربت على جسدها و شعرها ، قبلها ، وارتمى بين نهديها:" ماما .. ماما ".
              تتحرك ، تفيق من إغماءتها ، ترفع رأسها .. تراه ، تخطفه بين صدرها :" لاتخف .. تعال !".
              :
              لن أتركك صفا .. لن أتركك .. أين مها .. ؟ هيا ناد عليها ".
              يندفع الصغير خارجا ، بينما هى بفوطة تجفف كل شيء .. المخيلة ، الصدر ،الصورة ، الجسد السخن المرتعد ، تحنو على ثيابها ، تغرق فيها ، عيناها تنزفان ،بينما أصابعها تمزق الصورة !
              حين تقدمت من النافذة لتلقى ببقاياها ، تراجعت ،عادت تقبلها ، و تضعها فى الأجندة وهى تتماوج تحت تأثير صدع قاس كطائر ذبيح !



              ربيع عقب الباب

              من مواليد المحلة الكبرى
              عضو اتحاد كتاب مصر
              يكتب القصة والرواية والمسرحية للكبار والصغار
              كتب أشعارا لعروض مسرحية بالثقافة الجماهيرية و الجامعة
              نشر أعماله فى الدوريات المصرية والعربية مثل ( إبداع – الثقافة الجديدة – القصة – القاهرة – آفاق المسرح – ماجد – أحمد – الوعي الإسلامي – علاء الدين – مجلة الفيصل الأدبية – مجلة الكويت )0
              كتب للمؤلف
              ليل المدن القديمة مجموعة قصصية عن دار الغد بالقاهرة 1991
              حلم كائن بسيط مجموعة قصصية عن هيئة الكتاب 1992
              من يقتل الغندور؟ رواية سلسلة مطبوعات مرايا 2003
              الحلم والصندوق مسرحية الهيئة العامة لقصورالثقافة 2003
              البلد مسرحية عن رواية عباس أحمد 2004
              أنشودة الصقر مجموعة مسرحيات الهيئة العامة للكتاب 2008
              البئر مسرحية هيئة قصور الثقافة سلسلة الجوائز
              خسوف مسرحية هيئة قصور الثقافة سلسلة الجوائز
              ولادة هنا .. ولادة هناك مجموعة قصصية دار بلال للطباعة والتوزيع

              تحت الطبع
              سوق اللبن رواية حصلت على المركز الأول فى مسابقة
              جريدة الجمهورية الكبرى عام 2009
              لا تعترف بالموت رواية
              العفريت الأزرق مسرحية
              فيها لا أخفيها مسرحية الهيئة العامة لقصور الثقافة
              حلم ولا علم مسرحية
              براءة مسرحية
              الديب من ديلة مسرحية
              حدرجه بدارجه مسرحية
              التاجر و الأميرة مسرحية
              تلة صابحة مسرحية نشرت فى مجلة آفاق المسرح وقدمتها فرقة
              ناصر الثورة بالوادي الجديد
              ليالي الصبابة والموت مسرحية حاصلة على المركز الثاني في مسابقة الهيئة
              العامة لقصور الثقافة لعام 2008
              البئر مسرحية جائزة الثقافة الجماهيرية 2006
              شربات أوبريت عن نص دورينمات زيارة السيدة العجوز
              زهرة الآس مسرحية
              ذي قار مسرحية
              صقور وحمائم مسرحية
              حدوتة غجرية مسرحية
              اللى خدته القرعة مسرحية
              اللص مسرحيات فصل واحد
              موتته قبل الأخيرة مجموعة قصصية
              نزف نصوص
              دعنى أمارسك بافتتان النهايات نصوص

              للأطفال
              تحت الطبع
              رحلات سندباد سبع روايات منشورة مسلسلة بمجلة ماجد
              ساحر النهر رواية نشرت مسلسلة بمجلة ماجد
              عين صقر رواية
              الديك ساطع أوبريت
              تاجر الأسماء أوبريت
              ساحرة الفراشات أوبريت
              الأميرة لؤلؤة أوبريت
              دارالعم جبريل مسرحية
              صراع خفى مسرحية
              أحمس ملك تميرا مسرحية
              جميلة فى بغداد مسرحية
              عودة الغائب مسرحية
              البطل الصغير مسرحية
              لا ينحنى مسرحية
              عودة الأبطال مسرحية
              كنوز الأرض مسرحية
              وعلى الأرض السلام مسرحية
              محبوب ثلاث أوبريتات ( محبوب بفكر – محبوب يطير
              محبوب يقاتل )
              المسرحيات السابقة قدمت على مسرح التربية والتعليم
              بالمحلة وطنطا ( مسرح الطفل )
              عدا عشرات القصص كلها منشورة فى مجلات ( ماجد –
              أحمد – علاء الدين – الوعي الإسلامي )
              sigpic

              تعليق

              يعمل...
              X