صــــفـــعــــــــــــة انــتـــــــــــــظـــــــــار
آه لو ترفرف البشائر بكل أطيافها في سماء أحلامك العذبة ؛ فترنو إلى الشمس المضيئة ؛تستحم بنورضيائها الوهاج . لو أطلقت العنان لخيالك الفسيح ؛ يجوب كل الدروب التي تقود إلى زهرات الأحلام اليانعة ؛ فاقتطفت من صميم حياتك باقة أمل جميلة كالهدية المزجاة إليك في أسعد الأوقات ..
شعور غريب خامر كيانه ؛ ثم تناهى إلى سمعه صوت منبعث من الأعماق فأوصد باب تأملاته ....
جلس القرفصاء وأخذ رأسه بكلتا يديه ؛ ثم أطرق إلى الأرض مستغرق الفكر . فأصغى لذاته المكلومة وهي تلوح بسياط الأسئلة التي تقض مضجعه "....متى تنير الآمال دربك المعتم يا مرزوق فتسعد بلقاء الضوء ؟ متى تنفض عن يديك معاناة الكدح التي شلت حركاتك في المكان ؛وغصت حلقك طوال الزمان ؛ وأنت تدير عجلة البناء بساعديك المفتولين الذين أنهكهما حمل الأثقال ؛ وترميم الطوب دون أجر يليق بجهودك ؟..ألم تشعر أن أبواب الفرج قد ضاقت حتى من شعاعها ..؟..من يرحمك أمام آلة الدهر التي تطحن مصائر البؤساء فلا يسمع لأنينهم جعجعة تصم الآذان الكليلة ؛ ولا صياحا يوقظ الضمائر الحية من سباتها العميق .. يجترون خيبة الأمل في صمت ويموتون في صمت فتنمو بذور النسيان فوق قبورهم ؛ وتشمخ بظلالها في كل العقول وكل الأفئدة كأن لاشيء قد حصل..؟.
آه لو تسح الآمال لتسقي أحلامك التي ذبلت ؛ وأنت تداري أيامك وقد أوشكت أن تصرخ في وجهك فتكشر عن أنيابها وترهبك ..تتلقى صفعات الانتظار على خديك لكنك تطأطئ الرأس ؛ وتمضي في شغلك أجيرا مؤقتا في بناء الدور التي يسكنها غيرك. ..متى تصحو من نومك فتجد كل انتظاراتك الزكية قد تضوعت كأريج المسك تنعش مشاعرك الفياضة فتصيح بملء صوتك ..يااااالله ما أرحمك..؟
انتبه فجأة من غفوته كي يودع مكانه الذي مكث فيه متأملا حياته . تذكر أن طلبه الذي دبجه بخط يده لا يزال كالمومياء المحنطة ؛ مطويا في صندوقه طي الكتمان ..هرول إلى البيت لاهثا مضطربا كالمقرور ..فتح الصندوق وأمسك الطلب .استرجع أنفاسه الملتهبة ؛ ثم قرأ من جديد آخر عبارة فيه ( في انتظار جوابكم تقبلوا سيدي المدير آيات الشكر والتقدير ...) وفي أسفل الطلب الجواب اليتيم الذي يثلج الصدر ويملأ القلب أملا ...... (قد يحظى طلبكم بالقبول في غضون ستة أشهر. المرجع: أ/ج 5006 المسجل بتاريخ :12-12- 2009.)
طوى الرد وطوى معه صفحة الانتظار الذي أتعب جفنيه من قلة النوم .علم أنه سيكون في هذا اليوم بالذات على موعد مع السيد مدير شركة تصدير السمك . سيمنحه بسمة حياة منيرة في فضاء الحلم كقرص الشمس . ثم تمطق ملتذا بعبارة (قد يحظى طلبكم بالقبول ....).ما أجمل هذا الكلام المعسول الذي يزرع بذور الأمل في النفس ..حدق في يديه المخدشتين بمسامير البناء ؛ وجال ببصره في معطفه المهترئ فتبعثرت الأفكار في ذهنه . تساءل بأي لباس سيقابل سعادة المدير ؛ وأي هندام يليق بالمقام الذي تحسم فيه القرارات ؟ تذكر أن جلبابه البني كفيل بطي كتمان السر الداخلي، فهو يحجب الرقع المنتشرة هناك بلا قيد أو شرط .لكن من يضمن نوايا السيد المدير في رجل مقبل على حمل الأثقال يقف أمامه في زي فقيه محترم ؟.. ألا يعد سوء التقدير مطية للمهالك التي تهوي بشخصه إلى القاع ؟
طافت بخلده الظنون وظل فاغرا فاه مشدوها كالأبله، يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، ثم توكل على الحي الذي لا يموت ، ونفض عن يديه غبار الأوهام. ارتدى جلبابه اليتيم الذي جعله بذلة مفضلة في الأعياد الدينية ، ثم طار إلى مكتب السيد المدير. لم يدر أن يده تمسك بالطلب ؛ وتخنق أنفاسه بقبضته كي لا تذهب الأحلام مع مهب الريح.
جلس مع ثلة من الجالسين في فناء المكتب على مقاعد خشبية امتدت على طول الجدار.. اسند ظهره إلى الحائط ، ثم تنحنح وفتح الورقة من جديد بين يديه. فقرأ بصوت مبحوح العبارة التي اكتوى بنارها طوال الوقت : (سيحظى طلبكم بالقبول في غضون ستة أشهر...)
انتعشت الآمال في ذهنه ببسماتها المغرية فغرق في بحر أحلامه ؛ وهو يجدف نحو بر التوقعات . يرى نفسه ممسكا بزمام حياته أمام هول العاصفة ؛ أجيرا رسميا في هذه الشركة ..اعتصر أفكاره ؛ وحملق في الوجوه المحيطة به . تأكد أنهم يغترفون من معين البؤس الذي يقض مضاجعهم ..أحشاؤهم مطوية ؛ وظهورهم محدبة لحملهم جبال المعاناة..هم أيضا على مائدة الانتظار تكاد عيونهم تغادر محاجرها فتزيغ الأبصار ..ربما سيقابلهم السيد المدير؛ لا إشفاقا عليهم ولكن لحاجته الماسة إلى بعض الأيادي التي تُعـــبِّـد طرق المشاريع في اتجاه الثروة...
أرخى الصمت المطبق بظلاله على المكان وجال مرزوق ببصره في أرجاء القاعة ، ثم عبث بشاربه الكث كمن يختبر ذكاءه للمهمات الصعبة...حدق في اللوحة المعلقة على الجدار بألوانها الزاهية : البحر بزرقة السماء ؛ والطيور تصفق بأجنحتها في الأجواء؛ والصياد يلقي بصنارته في انتظار المجهول ..
سمع أصوات خطوات بطيئة خلف الباب ؛ كسرت الصمت المطبق الرهيب، وأججت الأفئدة للقادم ؛ وشدت الأبصار إلى باب المكتب الذي شرع في اللحظة الأخيرة ؛ فأطل رجل بزيه الأنيق . تقدم نحوهم بعدما صفق الباب خلفه بحركة متناهية . أدرك الجميع أنه مساعد السيد المدير؛ فاستجمعوا كل قواهم وانتصبوا واقفين في لمح البصر؛ متراصين كالجنود يؤدون التحية . كل الأيادي أضحت ممدودة صوب الرجل كالمدافع ، وبين الأصابع أوراق ترفرف كالفراش التائه ...
شرع المساعد في التقاط الطلب من كل واحد من الرجال الذين تحلقوا حوله ؛ يموج بعضهم في بعض . وهو يصيح بصوت متهدج : " من استقر طلبه بين يدي فليغادر القاعة ....الجواب سيكون في غضون ستة أشهر... " لكن مرزوق فاجأه بخبر غير متوقع ، فقال : " سيدي انظر طلبي .. لقد انتهى الأجل المحدد للإعلان عن الرد .. أنا أريد النتيجة ...
تسمر الرجل في مكانه ؛ حدق في الطلب ؛ مط شفتيه في امتعاض، ثم لبس نظارته السميكة المربوطة إلى عنقه بخيط رقيق ؛ ووقع بصره على التاريخ المسجل في نهاية الطلب ، ثم رفع رأسه واقتحم مرزوق بنظرات يطبعها الأسى ؛ مقطبا مابين الحاجبين ؛ قائلا : " آسف .. التوقيع من مدير سابق غادر المؤسسة من أشهر. طلبك مرفوض ؛ ثم رده إليه .
أصيب مرزوق بدوار مفاجئ ؛ وتصبب العرق من جبينه ؛ وخارت قواه ؛ فهوى على الكرسي بكل جسده الفارع ، وغاب وعيه، ثم صبوا الماء على وجهه؛ فتأوه بصوت متقطع ، وذكر الله في غمرة الزفرات ؛ فحملوه من تحت إبطه ودلوه على طريق العودة إلى البيت.
آه لو ترفرف البشائر بكل أطيافها في سماء أحلامك العذبة ؛ فترنو إلى الشمس المضيئة ؛تستحم بنورضيائها الوهاج . لو أطلقت العنان لخيالك الفسيح ؛ يجوب كل الدروب التي تقود إلى زهرات الأحلام اليانعة ؛ فاقتطفت من صميم حياتك باقة أمل جميلة كالهدية المزجاة إليك في أسعد الأوقات ..
شعور غريب خامر كيانه ؛ ثم تناهى إلى سمعه صوت منبعث من الأعماق فأوصد باب تأملاته ....
جلس القرفصاء وأخذ رأسه بكلتا يديه ؛ ثم أطرق إلى الأرض مستغرق الفكر . فأصغى لذاته المكلومة وهي تلوح بسياط الأسئلة التي تقض مضجعه "....متى تنير الآمال دربك المعتم يا مرزوق فتسعد بلقاء الضوء ؟ متى تنفض عن يديك معاناة الكدح التي شلت حركاتك في المكان ؛وغصت حلقك طوال الزمان ؛ وأنت تدير عجلة البناء بساعديك المفتولين الذين أنهكهما حمل الأثقال ؛ وترميم الطوب دون أجر يليق بجهودك ؟..ألم تشعر أن أبواب الفرج قد ضاقت حتى من شعاعها ..؟..من يرحمك أمام آلة الدهر التي تطحن مصائر البؤساء فلا يسمع لأنينهم جعجعة تصم الآذان الكليلة ؛ ولا صياحا يوقظ الضمائر الحية من سباتها العميق .. يجترون خيبة الأمل في صمت ويموتون في صمت فتنمو بذور النسيان فوق قبورهم ؛ وتشمخ بظلالها في كل العقول وكل الأفئدة كأن لاشيء قد حصل..؟.
آه لو تسح الآمال لتسقي أحلامك التي ذبلت ؛ وأنت تداري أيامك وقد أوشكت أن تصرخ في وجهك فتكشر عن أنيابها وترهبك ..تتلقى صفعات الانتظار على خديك لكنك تطأطئ الرأس ؛ وتمضي في شغلك أجيرا مؤقتا في بناء الدور التي يسكنها غيرك. ..متى تصحو من نومك فتجد كل انتظاراتك الزكية قد تضوعت كأريج المسك تنعش مشاعرك الفياضة فتصيح بملء صوتك ..يااااالله ما أرحمك..؟
انتبه فجأة من غفوته كي يودع مكانه الذي مكث فيه متأملا حياته . تذكر أن طلبه الذي دبجه بخط يده لا يزال كالمومياء المحنطة ؛ مطويا في صندوقه طي الكتمان ..هرول إلى البيت لاهثا مضطربا كالمقرور ..فتح الصندوق وأمسك الطلب .استرجع أنفاسه الملتهبة ؛ ثم قرأ من جديد آخر عبارة فيه ( في انتظار جوابكم تقبلوا سيدي المدير آيات الشكر والتقدير ...) وفي أسفل الطلب الجواب اليتيم الذي يثلج الصدر ويملأ القلب أملا ...... (قد يحظى طلبكم بالقبول في غضون ستة أشهر. المرجع: أ/ج 5006 المسجل بتاريخ :12-12- 2009.)
طوى الرد وطوى معه صفحة الانتظار الذي أتعب جفنيه من قلة النوم .علم أنه سيكون في هذا اليوم بالذات على موعد مع السيد مدير شركة تصدير السمك . سيمنحه بسمة حياة منيرة في فضاء الحلم كقرص الشمس . ثم تمطق ملتذا بعبارة (قد يحظى طلبكم بالقبول ....).ما أجمل هذا الكلام المعسول الذي يزرع بذور الأمل في النفس ..حدق في يديه المخدشتين بمسامير البناء ؛ وجال ببصره في معطفه المهترئ فتبعثرت الأفكار في ذهنه . تساءل بأي لباس سيقابل سعادة المدير ؛ وأي هندام يليق بالمقام الذي تحسم فيه القرارات ؟ تذكر أن جلبابه البني كفيل بطي كتمان السر الداخلي، فهو يحجب الرقع المنتشرة هناك بلا قيد أو شرط .لكن من يضمن نوايا السيد المدير في رجل مقبل على حمل الأثقال يقف أمامه في زي فقيه محترم ؟.. ألا يعد سوء التقدير مطية للمهالك التي تهوي بشخصه إلى القاع ؟
طافت بخلده الظنون وظل فاغرا فاه مشدوها كالأبله، يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، ثم توكل على الحي الذي لا يموت ، ونفض عن يديه غبار الأوهام. ارتدى جلبابه اليتيم الذي جعله بذلة مفضلة في الأعياد الدينية ، ثم طار إلى مكتب السيد المدير. لم يدر أن يده تمسك بالطلب ؛ وتخنق أنفاسه بقبضته كي لا تذهب الأحلام مع مهب الريح.
جلس مع ثلة من الجالسين في فناء المكتب على مقاعد خشبية امتدت على طول الجدار.. اسند ظهره إلى الحائط ، ثم تنحنح وفتح الورقة من جديد بين يديه. فقرأ بصوت مبحوح العبارة التي اكتوى بنارها طوال الوقت : (سيحظى طلبكم بالقبول في غضون ستة أشهر...)
انتعشت الآمال في ذهنه ببسماتها المغرية فغرق في بحر أحلامه ؛ وهو يجدف نحو بر التوقعات . يرى نفسه ممسكا بزمام حياته أمام هول العاصفة ؛ أجيرا رسميا في هذه الشركة ..اعتصر أفكاره ؛ وحملق في الوجوه المحيطة به . تأكد أنهم يغترفون من معين البؤس الذي يقض مضاجعهم ..أحشاؤهم مطوية ؛ وظهورهم محدبة لحملهم جبال المعاناة..هم أيضا على مائدة الانتظار تكاد عيونهم تغادر محاجرها فتزيغ الأبصار ..ربما سيقابلهم السيد المدير؛ لا إشفاقا عليهم ولكن لحاجته الماسة إلى بعض الأيادي التي تُعـــبِّـد طرق المشاريع في اتجاه الثروة...
أرخى الصمت المطبق بظلاله على المكان وجال مرزوق ببصره في أرجاء القاعة ، ثم عبث بشاربه الكث كمن يختبر ذكاءه للمهمات الصعبة...حدق في اللوحة المعلقة على الجدار بألوانها الزاهية : البحر بزرقة السماء ؛ والطيور تصفق بأجنحتها في الأجواء؛ والصياد يلقي بصنارته في انتظار المجهول ..
سمع أصوات خطوات بطيئة خلف الباب ؛ كسرت الصمت المطبق الرهيب، وأججت الأفئدة للقادم ؛ وشدت الأبصار إلى باب المكتب الذي شرع في اللحظة الأخيرة ؛ فأطل رجل بزيه الأنيق . تقدم نحوهم بعدما صفق الباب خلفه بحركة متناهية . أدرك الجميع أنه مساعد السيد المدير؛ فاستجمعوا كل قواهم وانتصبوا واقفين في لمح البصر؛ متراصين كالجنود يؤدون التحية . كل الأيادي أضحت ممدودة صوب الرجل كالمدافع ، وبين الأصابع أوراق ترفرف كالفراش التائه ...
شرع المساعد في التقاط الطلب من كل واحد من الرجال الذين تحلقوا حوله ؛ يموج بعضهم في بعض . وهو يصيح بصوت متهدج : " من استقر طلبه بين يدي فليغادر القاعة ....الجواب سيكون في غضون ستة أشهر... " لكن مرزوق فاجأه بخبر غير متوقع ، فقال : " سيدي انظر طلبي .. لقد انتهى الأجل المحدد للإعلان عن الرد .. أنا أريد النتيجة ...
تسمر الرجل في مكانه ؛ حدق في الطلب ؛ مط شفتيه في امتعاض، ثم لبس نظارته السميكة المربوطة إلى عنقه بخيط رقيق ؛ ووقع بصره على التاريخ المسجل في نهاية الطلب ، ثم رفع رأسه واقتحم مرزوق بنظرات يطبعها الأسى ؛ مقطبا مابين الحاجبين ؛ قائلا : " آسف .. التوقيع من مدير سابق غادر المؤسسة من أشهر. طلبك مرفوض ؛ ثم رده إليه .
أصيب مرزوق بدوار مفاجئ ؛ وتصبب العرق من جبينه ؛ وخارت قواه ؛ فهوى على الكرسي بكل جسده الفارع ، وغاب وعيه، ثم صبوا الماء على وجهه؛ فتأوه بصوت متقطع ، وذكر الله في غمرة الزفرات ؛ فحملوه من تحت إبطه ودلوه على طريق العودة إلى البيت.
تعليق