كم اشتهيت أن أسمع منك ولو لمرة واحدة خبرا يبعثر كآبتي أيها الساقط!..
لم لا تنطق بخبر يسر النفس!..
أتنضح أخبارك من حفر الظلم والإجرام!..

ألا تنطق بما يزخرف الأوقات بالسكينة والجمال!..

فَقَأَتْ أذنيَّ تلك الأبواق.. تلتهم هدوئي وصوتَ مذياع، أحاول البحث فيه عما يضمد سكينتي.. من ضجر معفر بأول أكسيد الكربون،
تجلد دقائقي بسياط الزحام.. حتى النفوق..

أشعر أنني في مركز عدسة محدبة تلتقي عندها كل بلطجة ضوضاء هذا الكون.. أما صراخ من يستحثونها إغماض عينها الحمراء للحظات من كل الجهات، فبلا فائدة..

وهل تظنون أنكم إن خلفتموها وراءكم ستصلون بسرعة أيها الأغبياء!.. ألا ترون الينابيع تتفجر كشلال هادر يصب في الطريق عشرات.. بل مئات السيارات حتى استغاث الهواء من تزاحمها..

ها قد وجدتها! هذه أغنية يبدو أنها ملتزمة بالخط.. لا زلت من هواة النشيد الملتزم ومحبا للمدائح النبوية.. كنت أستمع إلى (الحفار) و(المنجد) بطرب، وأحلق مع (أبوالجود) فوق السحب، يحرك مشاعري (أبو دجانة)، بينما يقوم (أبو مازن) بتثقيفي و (الترمذي) بخلع رداء السكينة على نفسي.. أينك يا نقشبندي..

أية سكينة وأية ثقافة أرجوها من أغنية دينية تحرك أعتى الخصور اتزانا!

ظننت الحرب قامت، أو أن زلزالا عنيفا ضرب الجيوب عندما انفجر المكان بأصوات متاخمة للهستيريا.. حسنا سأتقدم.. بضع خطوات فقط، لماذا تصبحون كصريع الجن عند الخضراء!

ها هي وجدتها.. محطة تبث تجويدا رائعا للشيخ عبد الباسط..

أستمع ونهر الحديد يتقدم كسلحفاة كسلى على الشارع الذي اسودت حياته، ولونه كذلك، من أمطار الشتائم التي تنهمر عليه يوميا

هل سأجد تلك السكرتيرة الجديدة! قد يجدها البعض جذابة.. لأنها لا تختلف عن عارضات الأزياء.. إلا بإخفائها لشعرها..

يتمايلون على الكراسي مع صوت نعالها يصدح بين المكاتب، بينما لا يغادر عطرها مخيلة المساكين..

تبتسم.. بدلع وغنج واضحين.. سباااح الخييير

رددت بغمغمة.. صباح الخير.. مقتضبة سريعة، وتوجهت لمكتبي أتأفف من وجبة النكد اليومية.

لم أفهم؛ لم أبدل السكرتيرة القديمة بها !
كانت تقوم بواجبها على أكمل وجه.. ربما هي مسنة.. المهم تفانيها وإتقانها لعملها..
أم أنه لا يهم؟

ابتدرني أبو يوسف وهو يبتسم: تأخرتَ كثيرا! وأنا حضرتُ قبلك بدقائق فقط.. كان ازدحاما غير عادي هذا الصباح

بل عادي جدا.. قلت وأنا أتموضع على مكتبي.. تعودت عليه وصار فردا من عائلتي.. يصيبني الضجر والهم إن لم ألتقه كل صباح.. ومَنْ غَيْرُهُ سيعطيني فرصة سماع عبد الباسط وهو يشدو على أغصان المحطات؟

الزحمة هي بسبب الأعياد.. وقد جهزت بالأمس الشجرة وزينتها.. قالها والفرحة تلمع في عينيه تتنطط على جسده ويديه، فهبَّ واقفا يدور أمامي..
هل تعلم؟ وأشار بيده لجذب انتباهي.. وأنا أيضا أحب سماع عبد الباسط .. أطرب كثيرا لصوته.. اشتريت أيضا زجاجة نبيذ فاخر من أجل الاحتفال

وهل تقوى أنت على النبيذ وقد خلفت الخريف وراءك؟

لا أتناول كثيرا.. بل رشفات تكفيني.. هل تعلم لماذا جاءت قراءات عبد الباسط مُطْرِبَة..؟!

حركت رأسي وركزت عيني عليه طالبا إجابته.. لماذا؟

لأنه كان يلحن القرآن وهو سكران..!! لهذا ..

امتقعت.. بلعتني الدهشة.. فكرت.. معقول!!!..

ثم انفجرت: مستحيل.. وحركت يدي بالنفي والرفض.. هو عادي عندك ربما، لكنه حرام.. وأولى بقاريء قضى دهرا ملاصقا لكتاب الله أن يلتزم به.. قلتها وأيدني بقية الزملاء في الغرفة..

لكننا جميعا ألجمتنا الدهشةُ الصمتَ وأكل العجب كلماتنا، حين أردف وعيناه تنظران إلى أي شيء.. عدا عيوننا:

علمت أيضا أنه سكر في عرس.. وقاد سيارته فصدمها.. ومات!!..

رغم نفيي المطلق وعدم تصديقي له، إلا أن معلومة ما تزحلقتُ عليها..

فوقعت على ظهري!!



مصطفى الصالح


4\2012